طلاب مدرسة في شرق لبنان يحملون الحطب إلى صفوفهم لمواجهة الصقيع

في ظل العجز الحكومي عن تأمين «مازوت التدفئة»

المدرّسة سلوى هزيمة تشعل المدفئة وتشكو انبعاث الدخان داخل الصف الدراسي (الشرق الأوسط)
المدرّسة سلوى هزيمة تشعل المدفئة وتشكو انبعاث الدخان داخل الصف الدراسي (الشرق الأوسط)
TT

طلاب مدرسة في شرق لبنان يحملون الحطب إلى صفوفهم لمواجهة الصقيع

المدرّسة سلوى هزيمة تشعل المدفئة وتشكو انبعاث الدخان داخل الصف الدراسي (الشرق الأوسط)
المدرّسة سلوى هزيمة تشعل المدفئة وتشكو انبعاث الدخان داخل الصف الدراسي (الشرق الأوسط)

مع التجاهل المستمر لأزمة القطاع التربوي، اضطر علي شهاب حسن، مدير متوسطة الخريبة الرسمية في بعلبك (شرق لبنان)، التي تعاني الصقيع، إلى البحث عن حلّ لإنقاذ العام الدراسي الحالي بما تيسّر من مقومات، طالباً من تلاميذه أن يحملوا إلى غرف صفوفهم ما تيسّر لهم من جذوع حطب التين، واللوز، والكرز والمشمش في بساتين البلدة، وغصون الأشجار الحرجية القابلة للاشتعال؛ كون «استمرار عمل هذه المدرسة يحتاج إلى تأمين التدفئة على مدار تساقط الثلوج طيلة فصل الشتاء».

وتعاني المدارس الرسمية في لبنان ضعف التمويل، حيث لا تستطيع الحكومة تأمين متطلبات المدارس، وخصوصاً التدفئة في فصل الشتاء في المناطق المرتفعة.

طلاب يرفعون مطلبهم إلى وزارة التربية (الشرق الأوسط)

ويبرر مدير المدرسة الواقعة شرق مدينة بعلبك قراره الجريء بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما قطعنا الأمل من دعم وزارة التربية لتأمين المحروقات، وفي ظل لامبالاة الجمعيات المحلية، كان لا بد من تحويل المدافئ العاملة على الديزل مدافئ تشتعل على الحطب».

تحويل المدافئ

على باب المدرسة التي تحتضن 260 تلميذاً موزعين على 13 صفاً من الروضة الأولى، حتى المتوسط الرابع (البريفيه)، يحمل الطلاب جذوع الأشجار ويدخلون بها إلى الصفوف الدراسية، حيث ثُبتت مدافئ تعمل على المازوت. لكن هؤلاء، يتحايلون على المدفئة، ويحاولون تحويل ردهة النار فيها مكاناً لإشعال الحطب.

وتشارك المُعلمة سلوى هزيمة، التي تعمل كمتعاقدة منذ 26 سنة في هذه المتوسطة، في المهمة داخل الصف الدراسي. تشكو من إشغال مدافئ المازوت بالحطب دون تأمين الإمدادات اللازمة؛ ما يؤدي إلى تصاعد سحب الدخان داخل غرف التدريس. تقول: «عندما أشعلت إحدى الطالبات بقايا أثاث خشبي مطلي بالدهان، انعدمت الرؤية في الصف وانبعثت روائح الدهان الكيميائية متسببة بالغثيان لبعض الطلاب الذين تفاقمت حالتهم الصحية واضطروا إلى التغيّب عن الصفوف». وتناشد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي التدخل لرفع الأذى عن الطلاب.

تعليم واحتجاج في الوقت نفسه في لحظات الدفء (الشرق الأوسط)

عجز الأهالي

شُيّدت المتوسطة بـ11 غرفة صغيرة على نفقة الأهالي وبالتعاون مع نادي الخريبة الاجتماعي في عام 1980. ثم أُضيفَ المبنى الجديد المؤلف من 13 غرفة عام 2013. وساهمت جمعية «غيتز» بعمليات الترميم بعد تقديم المبنيين لوزارة التربية كهبة من دون عقد إيجار.

طفل في المدرسة يناشد وزير التربية التدخل (الشرق الأوسط)

اليوم، تحول قدرة الأهالي على دفع تكاليف مادة «المازوت» الذي بات يُحتسب بالدولار. ويؤكد رئيس مجلس الأهل في المتوسطة علي رشيد خليل فراغ «الصندوق التعاضدي من المال»، مشيراً إلى ضيق حال الأهالي وعجز المدرسة عن تأمين مادة المازوت.

ويضيف: «تقع مدرستنا على السفح الغربي لسلسلة جبال لبنان الشرقية بارتفاع 1550متراً، ولا يستطيع المعلمون الحضور إلى عملهم إلا في الأيام الفاصلة بين عاصفةٍ وأخرى، حين تصبح الطرقات سالكة بعد جرف الثلوج التي تعزل البلدة عن محيطها. فبعض المدرّسين يأتون من مسافاتٍ بعيدة، ومدرس الرياضيات يحضر من بلدة بريتال البعيدة 15 كيلومتراً عن المدرسة».

ويشير إلى أن الحصص الدراسية تقل حين يعجز التلاميذ عن إحضار الكمية الكافية من الحطب، لكنّ إدارة المدرسة تستغل أيام الصحو، لتوزِّع مقاعد صفوف الروضات والابتدائي بمسافاتٍ متباعدة في باحة المدرسة تحت دفء الشمس.

ويقول أحمد محمد الفن، وهو جدّ لأربعة طلاب في المدرسة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه اضطُرَ إلى تسجيل أحفاده الأربعة في المتوسطة على نفقته الخاصة هذه السنة، بسبب عجز ابنه الرقيب في السلك العسكري عن تحمل تكاليف دراستهم. ويضيف: «أزمة المدرسة المالية تتفاقم بسبب عجز معظم أهالي الطلاب الذين ينتمون لعائلات غير ميسورة، ومن ذوي الدخل المحدود كأبناء عناصر وضباط الجيش والقوى الأمنية الذين تقلّصت قيمة معاشاتهم بالليرة اللبنانية إلى ما يعادل الـ150 دولار شهرياً».

طلاب يحملون الحطب ولافتات احتجاجية (الشرق الأوسط)

معاناة الأساتذة

وتنسحب معاناة الأهالي والطلاب، على المدرسين. يقول أستاذ الرياضيات ركان الحلاني: «مضى على تعاقدي 30 سنة، لكن هذا العام هو الأسوأ». ويشكو الحلاني من التمييز الواقع على الطلاب اللبنانيين الذين يعجز أهلهم عن تأمين مستلزمات الدراسة، مقارنة بأبناء النازحين السوريين الذين يتم تسجيلهم على نفقة الأمم المتحدة ويحصلون على القرطاسية والكتب مجاناً.

وإذ يتساءل: «لماذا تلقى المدارس التي تستقبل عدداً أكبر من النازحين اهتماماً أكبر من الجهات المعنية؟»، يتمنى في الوقت نفسه على وزارة التربية أن تولي المعلمين المتعاقدين والصامدين في ظروف لبنان الصعبة اهتماماً خاصاً؛ «لأنهم يتقاسمون أعباء الرسالة التربوية مع طلابهم».

بدوره، يعبّر المدرس علي مظلوم المنتقل حديثاً كمتعاقد إلى متوسطة الخريبة، عن صدمته من وضعها المزري. يقول: إنها «تؤمّن ساعات التدريس اعتماداً على عددٍ قليل من المعلمين، بينهم متعاقدون غادر ثلاثة منهم لعدم تقاضي رواتبهم منذ عام 2022، فبقي اثنان كانوا قد تعاقدوا في العام الماضي ولم يتقاضوا رواتبهم بعد».

ويشكو مظلوم غياب وسائل الاتصالات عن المتوسطة؛ لأن «الإدارة عجزت عن تسديد رسوم الهاتف البالغة 18 مليون ليرة عن الأعوام الماضية؛ ما يقطع تواصل المدرسة عن المنطقة التربوية المولجة بمتابعة شؤونها».

وإذ يأمل بمساعدة للمدرسة تُمكنّها من تركيب ألواح الطاقة الشمسية لتأمين التدفئة والاتصالات، يستدرك الحلاني: «نحتاج إلى المستلزمات الأساسية من قرطاسية ومحابر». ويضيف: «لقد جلبنا عشرات الطاولات المتهالكة من المدرسة الرسمية في بلدة النبي شيت وعملنا على إصلاحها، ريثما يتم تأمين مقاعد للطلاب».

يستغل المعلمون الدفء وينقلون الصفوف الدراسية إلى الملعب لحظة انبعاث الشمس (الشرق الأوسط)

أموال محتجزة

ومع تأخر وزارة المالية بدفع المستحقات والرواتب، يؤكد مدير المتوسطة علي شهاب حسن، أن «الإدارة نجحت بإمكانياتها المتواضعة باستعادة ما تملكه من رصيدٍ محتجز كسائر أموال الموعدين. وهو مبلغ 77 مليون ليرة لبنانية (800 دولار على سعر الصرف الحالي في السوق الموازية) كان قد أُودِع باسم صندوق المدرسة في مصرف على سعر دولار يعادل 1500 ليرة، لكنه يشكو قانون النقد الذي يُحدِّد قيمة سحب الأموال بثلاثة ملايين ليرة، في كل مرة.

ويقول: «نتمنى مستقبلاً مشرقاً لهؤلاء الطلاب الذين قُدِّرَ لهم أن يتلقوا التعليم بظروف مضنية كحال طلاب مدرسة الأديب مارون عبود تحت السنديانة التي استمرت حتى خمسينات القرن الماضي في عهد الجيل القديم».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية... ومقتل 12 شخصاً في صور

المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

إسرائيل تواصل غاراتها على الضاحية... ومقتل 12 شخصاً في صور

نقلت الوكالة اللبنانية اليوم (الأثنين) مقتل 12 وإصابة 17 في غارات إسرائيلية على صور بجنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلية في موقع إصابة شخص في نهاريا بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان (نجمة داود الحمراء عبر منصة «إكس»)

إصابة شخص في إسرائيل بعد إطلاق 20 صاروخاً من لبنان

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، الإثنين، إصابة شخص بعد إطلاق 20 صاروخا من لبنان نحو مناطق الجليل الأعلى والغربي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)

لبنان أمام «حوار روما المتوسطي»: نتطلع إلى دعمكم لبناء دولة قوية

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
TT

لبنان أمام «حوار روما المتوسطي»: نتطلع إلى دعمكم لبناء دولة قوية

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)
وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في مؤتمر «حوار روما المتوسطي»... (إ ب أ)

جدّد وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، التأكيد أن بلاده مستعدة للوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في القرار «1701»، مشدداً على أنه «لن يكون هناك سلاح دون موافقة الحكومة اللبنانية، ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية».

وأثنى بوحبيب، في كلمة ألقاها خلال افتتاح مؤتمر «حوار روما المتوسطي»، على عمل قوات الـ«يونيفيل» في جنوب لبنان. وقال: «اللبنانيون ممتنون لأن 17 دولة أوروبية تشكل جزءاً لا يتجزأ وأساسياً في الـ(يونيفيل). وفي هذا الصدد، يدين لبنان بشدة أي هجوم عليها، ويدعو جميع الأطراف إلى احترام سلامة وأمن القوات ومقراتها. علاوة على ذلك، يدين لبنان الهجمات الأخيرة على الكتيبة الإيطالية، ويأسف لمثل هذه الأعمال العدائية غير المبررة».

وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب (رويترز)

وشدد على أن اللبنانيين يتطلعون إلى دولة قوية تدافع عن حقوقهم وسيادتهم وسلامة أراضيهم، مضيفاً: «كانت القناعة السائدة بين صناع القرار السياسي في مرحلة ما بعد الاستقلال هي أن قوة لبنان تكمن في ضعفه: إذا لم يكن لبنان يشكل تهديداً لجيرانه، فلن يهددنا أحد. وبالتالي، كان للفشل في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في إقامة الدولة الفلسطينية آثار سلبية على لبنان بدءاً من منتصف الستينات. ومنذ ذلك الحين لم تتحقق جهودنا لبناء مؤسسات عسكرية وأمنية قوية».

وقال: «لكي يحدث ذلك، نحتاج إلى دعمكم لبناء قوات مسلحة وأمنية للدفاع عن أراضينا وحمايتها. تتطلب التحديات السائدة بذل جهود وطنية ودولية جماعية لبناء أجهزة أمنية لبنانية قوية. هدفنا الأساسي هو تمكين السلطة الوطنية الشرعية، باعتبارها الضامن للأمن والسلام. وفي هذا السياق، فإن التنفيذ المتوازي والكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701) هو بوابة الاستقرار».

وجدد التأكيد على أن «لبنان مستعد للوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في القرار المذكور أعلاه. وهذا يعني حرفياً: (لن يكون هناك سلاح دون موافقة الحكومة اللبنانية، ولا سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية). ويتطلب تحقيق هذا الهدف شرطين ضروريين، هما وقف فوري لإطلاق النار، وانتشار قوات مسلحة لبنانية إضافية جنوب نهر الليطاني»، مؤكداً أنه «وبمجرد تحقيق ما سبق، وبالتعاون مع قوات الـ(يونيفيل)، فسيكون لبنان قادراً على بسط سلطته على أراضيه».

وختم بوحبيب: «نجدد التزام لبنان بالسلام والأمن في منطقتنا، وندعو إلى العودة الآمنة للنازحين إلى قراهم وبلداتهم. ومع ذلك، فإن الأمن والسلام الدائمين والمستدامين على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يتطلبان إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وإلا، فإن الاحتلال المستمر سيولد مقاومة وصراعات محتملة في المستقبل».