«قرارات آخر الليل» الحكومية تفاقم معاناة السوريين

وزير سابق اتهم المسؤولين بتحويل «الناس إلى سارقين»

ليرات سورية ودولارات (رويترز)
ليرات سورية ودولارات (رويترز)
TT

«قرارات آخر الليل» الحكومية تفاقم معاناة السوريين

ليرات سورية ودولارات (رويترز)
ليرات سورية ودولارات (رويترز)

ترتفع وتيرة الانتقادات الموجهة للحكومة في دمشق مع كل قرار جديد، لا سيما قرارات رفع أسعار البنزين، ورفع الدعم عن المحروقات اللازمة لوسائل النقل، التي تسفر تلقائياً عن زيادة في أسعار السلع. والملاحظة غير المفهومة للسوريين اعتياد الحكومة على إصدار قرارات رفع الأسعار في وقت متأخر من الليل، حتى باتت تعرف باسم «قرارات آخر الليل»، وهي تلك التي تجعل الناس يصحون على موجة ارتفاع بالأسعار وزيادة التضخم، ويتزاحم المتدفقون إلى نوافذ الهجرة حتى تكاد تفرغ البلاد من قوتها الشابة والعاملة.

وبعد ثلاثة قرارات رفع لسعر البنزين خلال أقل من شهر، وصلت الانتقادات حد اتهام الحكومة بتأزيم الحالة المعيشية أكثر من الأوضاع السياسية الخارجية. ففي مقالته على موقع «إذاعة شام إف إم» قال الصحافي الاقتصادي، زياد غصن، إن القرارات الحكومية برفع الأسعار «لا تستند على سياسات اقتصادية وطنية متكاملة»، واصفا الحكومة الحالية بأنها ومنذ تسلمها مهامها «غير قادرة على إدارة الملف الاقتصادي إلا بالارتجال والعشوائية».

وقال الصحافي غصن: «بفارق زمني لا يتعدى ثلاثة أسابيع، رفعت الحكومة سعر مادة البنزين العادي ثلاث مرات». كما رفعت سعر مادة المازوت المخصصة للآليات، أي «إن السلع التي لم يشملها ارتفاع تكاليف النقل عند ارتفاع سعر البنزين، دخلت الماراثون السعري مع رفع سعر المازوت المخصص للآليات».

توزيع قوارير الغاز في دمشق (الشرق الأوسط)

ورأى غصن أنه بهذه الطريقة تزيد الحكومة من «معدلات التضخم الجامح في البلاد وتتسبب بمزيد من التدهور في الوضع الإنتاجي والمعيشي، وبنسبة تتجاوز إسهامات الخارج في تأزيم الحالة المعيشية للسوريين».

وتلقي الحكومة المسؤولية كاملة عن تدهور الوضع الاقتصادي على العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، لا سيما «قانون قيصر» الذي فرض عام 2020 وكان بداية التداعيات السريعة للانهيار الاقتصادي.

وبحسب غصن، فإنه مع نهاية العام الماضي كان متوقعاً لجوء الحكومة مجدداً إلى زيادة أسعار المشتقات النفطية والسلع المدعومة لتأمين بعض الإيرادات للخزينة العامة، «على اعتبار أن تحسين الإنتاج الوطني بات مهمة مستحيلة مع سياسات هذه الحكومة».

وزير التجارة الداخلية السابق، عمر سالم، اتهم للحكومة بتحويل «الناس إلى سارقين»، وقال في حديث مع إذاعة محلية، إنه وفقاً لقراءته لإجراءات الحكومة سيستمر رفع سعر البنزين ليصبح كالسعر العالمي للأوكتان 90، ووصلنا له تقريباً. مشيراً إلى أن هذه النوعية من القرارات ستحول «الناس إلى سارقين»، والمحاسبة تحصل بحق الموظفين البسطاء، «بينما هناك أموال كبيرة تُسرق». ولفت سالم إلى أن استبدال مبلغ نقدي بالدعم أغفل من قبل الحكومة، علماً أنه مجزٍ ويساعد الناس، مشيرا إلى أن «هناك من لا يرغب به لأنه ينهي الكثير من السرقات».

حصاد محصولي القمح والشعير في حمص بوسط سوريا (أرشيفية)

وسبق حديث سالم الإذاعي منشور على حسابه بموقع «فيسبوك» كشف فيه عن «أن المبالغ المسروقة من المشتقات النفطية تعادل أو تفوق الوفر الحاصل من رفع أسعارها». لافتاً إلى أن «دعم السلعة هو باب كبير للفساد والخلل. وهناك عوامل أخرى لا تقلّ عنه خطورةً تتسبب بالفساد والهدر بتريليونات الليرات». وأشار إلى أن وزارة النفط لم تكلف نفسها «دراسة منابع الفساد في عمليّة توزيع المحروقات». كاشفاً عن أنه وخلال توليه الوزارة أواخر عام 2021 تقدم بمذكرة أوضح فيها «أن كميات المشتقات النفطية التي تستوردها الدولة بعد احتلال آبار النفط، تكفي للاستهلاك ولا يوجد مبرر للسوق السوداء إلّا السرقة والفساد». إلا أن هذه المذكرة لم تؤخذ على محمل الجدية. بحجة أن الدولة كانت توزع كميات أكبر بكثير قبل عام 2011. واستند سالم في منشوره على أن «الأساس في فرض القانون هو إزالة أسباب مخالفة القانون. ثم معاقبة من يخالف». وعدّ «التسعير على أساس خاسر، دعوة إلى السرقة من قبل الجميع. وفتح باب هائل للفساد لا يمكن إغلاقه».

وكان لافتاً أن تتزامن الانتقادات الموجهة للحكومة مع افتتاحية لصحيفة «تشرين» الحكومية تحدثت فيها عن أن هناك من يستثمر «بتجارة الأرقام والمُعطيات، ومن يفتعلونَ المواقف الأكشن للصعود على ركام أوجاع البلاد والعباد والظهور النافر...»، ودعت الصحيفة إلى «استدراكٍ سريعٍ وإنتاج نصوص تشريعية رادعة واضحة ومباشرة». حيث إن هيبة الدولة وخصوصيات العمل الاستراتيجي «ممنوعٌ استثمارها وتوظيفها في غوايات التشفّي أو إعادة إنتاج وتقديم الذات ومحاولة انتزاع فُرصٍ جديدة».

موقع «صاحبة الجلالة» المحلي سخر من مداخلة رئيس الحكومة، حسين عرنوس، أمام مجلس الشعب، الخميس، وكتبت تحت عنوان «عندما يمزح رئيس الحكومة» قائلة إن عرنوس قال «إن لديه قناعة مطلقة بأن دور الدولة دعم البرغل والفول والعدس كمنتجات وطنية وليس دعم السكر والرز»، ليضيف مازحا عن السكر: «لن نشجع على الأذى ولن ندعم أحدا بما يضره».


مقالات ذات صلة

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي صورة من موقع غارة إسرائيلية على معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا - 20 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

«المرصد السوري» يعلن ارتفاع عدد قتلى الهجوم الإسرائيلي على تدمر إلى 92

قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، اليوم (الجمعة)، إن عدد قتلى القصف الأخير الذي شنَّته إسرائيل على مدينة تدمر، في ريف حمص الشرقي بوسط البلاد هذا الأسبوع ارتفع

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

قُتلت 3 سيدات فلسطينيات، صباح السبت، بعد إطلاق نار أمام أحد المخابز العاملة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في مشهد جديد يكشف عن حجم المأساة التي وصل إليها سكان القطاع في ظل تفاقم الظروف الإنسانية والحياتية. ووقع الحادث أمام مخبز «زادنا 2» في شارع البركة بدير البلح، حينما تم إطلاق نار في المكان، وسط تضارب للروايات حول ظروف إطلاق النار، وإذا ما كان مباشراً أو نتيجة خطأ.

فلسطينيون في دير البلح ينتظرون الحصول على خبز (أرشيفية - رويترز)

وتقف يومياً ولساعات، طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة» خبز واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً، ومن بينها المخبز الذي وقعت أمامه الحادثة، وهو يعد من أشهر المخابز، كما أنه الوحيد الذي لم يتوقف تقريباً عن العمل، قبل أن يضطر لإغلاق أبوابه بعد الحادثة المؤلمة. وبينما قال أصحاب المخبز، إن النساء قُتلن بعد إطلاق نار من خارج المخبز، بعد تدافع وقع خارجه، وإن مصدره ليس من الحراس الذين يقفون للتنظيم ولحماية المخبز من السرقة، بل كان نتيجة إشكالية خارجه بين أفراد من عائلتين، قال شهود عيان إن إطلاق النار تمّ من قبل أحد الحراس، لكنه لم يكن مباشراً، بل كان نتيجة انفلات سلاحه منه بعد إطلاقه النار في الهواء.

فلسطينيون أمام مخبز مقفل وسط غزة (أرشيفية - أ.ب)

وقال مصدر صحافي من دير البلح لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلة المتهم بإطلاق النار اضطرت لترك منزلها خوفاً من عملية انتقامية ضدها، مشيراً إلى أن النساء اللواتي قتلن هن نازحات من مدينة غزة. وأوضح المصدر أن مُطلِق النار كان يقف أمام المخبز للمشاركة والمساهمة في حمايته، ضمن اتفاق جرى بين أصحاب المخبز وعوائل دير البلح؛ لتمكين المواطنين من الحصول على الخبز في ظل المجاعة الكبيرة التي باتت تزداد صعوبةً في مناطق وسط وجنوب القطاع. ويوجد في دير البلح نحو 850 ألف نازح، يضاف إليهم أكثر من 300 ألف نسمة من سكان المدينة.

فلسطيني يلوح بيده بعد الحصول على ربطة خبز في مدينة غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ودفع الحادث مخاتير ووجهاء المدينة للتدخل لمحاولة منع تفاقم الأوضاع فيها، وأن تكون هناك ردة فعل انتقامية تخرج عن سيطرة الجميع. وحمَّل بعض المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، المخاتير والوجهاء والشخصيات المختصة المسؤولية عن الحادث، بعد أن قرروا تخصيص كميات الطحين التي تدخل إلى دير البلح، لصالح المخابز، وبيع «ربطة واحدة» فقط لكل عائلة، لإتاحة الفرصة أمام العوائل الأخرى للحصول على حصة مماثلة. ورأى البعض أنه كان من الممكن أن يتم توزيع كيس طحين واحد على كل عائلة بدلاً من زيادة الازدحام على المخابز، وتحميل المواطنين فوق طاقاتهم بالانتظار لساعات طويلة جداً، من أجل الحصول على ربطة واحدة لا تكفي لوجبة طعام واحدة فقط.

فلسطيني يعبِّر عن فرحته بعد حصوله على أرغفة الخبز من مخبر في غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويصل سعر «ربطة الخبز» الواحدة داخل المخبز بعد اصطفاف طابور لساعات طويلة إلى 3 شواقل (أقل من دولار واحد بقليل)، بينما يصل السعر خارجه إلى 30 أو 40 شيقلاً (ما يعادل نحو 11 دولاراً)، في حين وصل سعر كيس الطحين الواحد في وسط وجنوب القطاع، إلى 1000 شيقل أو أكثر (أي ما يعادل نحو 255 دولاراً). ويعاني وسط وجنوب قطاع غزة، من نقص حاد في توفر كميات الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة المساعدات من قبل بعض عصابات اللصوص، إلا أن الأوضاع في الشمال بالنسبة لتوفر الطحين أفضل حالاً بعد أشهر من المجاعة التي عانى منها سكان تلك المناطق، واضطروا حينها لطحن أكل الحيوانات من أجل سد رمق جوعهم. وبدأت هذه المعاناة في وسط وجنوب القطاع منذ نحو شهر فقط، مع توقف إمدادات المساعدات الغذائية، وسرقة غالبية ما كان يتم السماح بدخوله، الأمر الذي أدى لمفاقمة الوضع الإنساني. وأفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن القوات الإسرائيلية منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة، البالغ عددها 129، من الوصول إلى قطاع غزة، الأسبوع الماضي. وأجبر الواقع الحالي، أصحاب المخابز لنشر مسلحين لحماية الطحين المتوفر لديها، ومنع سرقته من قبل عصابات اللصوص المنتشرة بشكل كبير. ولجأت بعض المخابز لاستئجار أولئك المسلحين على هيئة حراس أمنيين، في حين اتفق وجهاء ومخاتير وجهات مختصة مع مسلحين من عوائل لحماية المخابز في مناطقهم التي يعيشون فيها. ويتخوف السكان من استمرار إسرائيل في التلاعب بإدخال كميات مساعدات كافية، الأمر الذي سيفاقم من حالة المجاعة التي تزداد حالياً في مناطق وسط وجنوب القطاع بشكل أكبر من الشمال الذي عاش هذه الظروف بشكل أقسى لأشهر عدة.