«لعبة أرقام» تشعل التنافس بين العرب والكرد على حكومة كركوك

وزير الداخلية قال إنه «تسلم الملف الأمني» في المدينة

عناصر من البيشمركة يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في ضواحي كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من البيشمركة يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في ضواحي كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

«لعبة أرقام» تشعل التنافس بين العرب والكرد على حكومة كركوك

عناصر من البيشمركة يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في ضواحي كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من البيشمركة يتموضعون تحت صورة لمسعود بارزاني في ضواحي كركوك (أرشيفية - إ.ب.أ)

تنشغل القوى السياسية في 15 محافظة عراقية بصياغة اتفاق على تقاسم المناصب المحلية في ضوء نتائج الانتخابات التي أجريت الشهر الماضي، لكن كركوك (شمال) تواجه تعقيدات سياسية بسبب تركيبتها الديموغرافية، وعدد المقاعد المتقاربة التي فازت بها الأحزاب القومية في المدينة.

وطبقاً للقانون، فإنه ينبغي أن ينعقد مجلس المحافظة خلال 15 يوماً بعد المصادقة على نتائج الانتخابات بدعوة من المحافظ، وتعقد الجلسة الأولى برئاسة أكبر الأعضاء سناً، لانتخاب رئيس المجلس ونائبه، قبل أن يصار إلى انتخاب المحافظ بالأغلبية المطلقة خلال مدة أقصاها 30 يوماً.

وتتمحور معظم المفاوضات الشاقة بين الكتل السياسية حول منصبي المحافظ الذي سيكون المسؤول التنفيذي الأول، ورئيس مجلس المحافظة الذي سيكون مسؤولاً عن مراقبة وتقييم المحافظ.

وفي كركوك تتحكم التركيبة القومية والإثنية بمفاوضات تشكيل الحكومة المحلية، بسبب التنافس بين الكرد والعرب والتركمان.

وتتمسك القوى الكردية باستعادة منصب المحافظ الذي فقدته عام 2017، على خلفية عمليات «إعادة فرض القانون» التي نفذتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، فيما تصرّ القوى العربية على الاحتفاظ بالمنصب الذي حصلت عليه كواحدة من نتائج تلك العمليات.

مسؤولون يفرزون أوراق الاقتراع خلال انتخابات مجالس المحافظات في كركوك (رويترز)

حصة الكرد

يؤكد مسؤول قسم الانتخابات في حزب «الاتحاد الوطني» الكردستاني، شيرزاد صمد، أحقية الكرد بمنصب المحافظ، بوصفهم الكتلة الأكبر في المجلس.

وقال صمد لـ«الشرق الأوسط»: «حصلنا على 157 ألف صوت في كركوك، حققت لنا 5 مقاعد في المجلس، نحن الأكبر، وإذا حصل اتفاق مع الحزب الديمقراطي الذي يملك مقعدين والمكون المسيحي الذي حصل على مقعدين أيضاً، فسنفوز بأغلبية مريحة داخل المجلس».

ويضيف صمد: «نعلم أن الظروف السياسية حساسة في كركوك، وجميع القوى السياسة بحاجة إلى التفاهم والتكاتف لإدامة حالة الاستقرار في المحافظة، لكننا لن نتنازل عن حقنا في استعادة منصب المحافظ».

ويتألف مجلس محافظة كركوك من 16 مقعداً، ذهبت 5 منها إلى حزب الاتحاد الوطني منفرداً، وحصلت الأحزاب العربية مجتمعة على 6 مقاعد، فيما ذهب مقعدان إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومثلها للمكون التركماني، فضلاً عن مقعد «كوتا» المسيحيين.

في مقابل الإصرار الكردي، يتمسك العرب بالحفاظ على منصب المحافظ، ويعتقد السياسي العربي حاتم العاصي أن «بقاء منصب محافظ كركوك ضمن المكون العربي ضمان لاستقرار المدينة».

وقال العاصي، في تصريحات صحافية، اليوم (الخميس)، إن «المكون العربي لديه 6 مقاعد بمجلس المحافظة، وهناك حوارات مكثفة مع المكون التركماني، لتشكيل الكتلة الأكبر التي تتكون من 8 مقاعد».

وقبل أسبوعين، طرحت الجبهة التركمانية رؤية لإدارة كركوك خلال السنوات الأربع المقبلة لدورة مجالس المحافظات الحالية، تتضمن مشاركة جميع المكونات في إدارة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية في المحافظة.

رتل أمني في الطريق إلى كركوك (أرشيفية - أ.ف.ب)

ملف الأمن إلى الداخلية

من جهة أخرى، أعلنت وزارة الداخلية اتفاقها مع حكومة كركوك على تسلم الملف الأمني.

وجاء الإعلان خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده وزير الداخلية عبد الأمير الشمري مع محافظ كركوك راكان سعيد الجبوري، وبحضور عدد من القادة والضباط.

وقال الوزير الشمري، طبقاً لبيان صحافي، إن «كركوك واحدة من المحافظات المهمة، وإن قطعات وزارة الداخلية موجودة فيها من خلال قيادة الشرطة وفرقة من الشرطة الاتحادية ومجموعة من المديريات الأمنية والخدمية».

وكشف الشمري عن الدعم الذي قدمه محافظ كركوك ومساندته لعمل مؤسسات وزارة الداخلية من خلال «حجم التخصيصات التي وضعت لقيادة الشرطة في بناء المشاريع ومراكز الشرطة وباقي دوائر الوزارة العاملة في المحافظة».

ومن المؤمل أن تشهد كركوك عما قريب تسلم الملف الأمني فيها من قبل قيادة الشرطة في مركز المدينة وقضاء الحويجة، حالها حال بقية المحافظات التي تسلمت وزارة الداخلية الملف الأمني فيها، وفقاً للشمري.


مقالات ذات صلة

خاص شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا play-circle 02:19

خاص جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

يؤكد جمال مصطفى السلطان أن الرئيس صدام رفض اغتيال ضيفه الخميني، ويعتبر تسمية «الكيماوي» ظلماً لعلي حسن المجيد.

غسان شربل
المشرق العربي السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية الأحد عن فقدان منظومة الكهرباء لـ5500 ميغاواط بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل.

فاضل النشمي (بغداد)
خاص صدام مع ابنته حلا في صورة غير مؤرخة (غيتي) play-circle 01:12

خاص صهر صدام حسين: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم يرف لهم جفن

يروي جمال مصطفى السلطان، في الحلقة الثانية من المقابلة الخاصة معه، كيف تلقت أسرة صدام حسين نبأ إعدامه، وقصة زواجه من حلا، كريمة صدام الصغرى، وأكلاته المفضلة.

غسان شربل
شؤون إقليمية إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

ثمة من يعتقد أن إيران ستركز اهتمامها في مناطق نفوذها في العراق بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية

المحلل العسكري

جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

TT

جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا
شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا

لعبتْ الصدفة دورها في تدبير بداية مثيرة لقصة رجل اسمه صدام حسين. في 1959 اتخذ حزب البعث العراقي بقيادة فؤاد الركابي قراراً بالغ الخطورة، وهو ترتيب محاولة لاغتيال الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم. قبل وقت قصير من التنفيذ المقرر في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من تلك السنة، اعتذر أحد أعضاء الفريق المكلف بالاغتيال فكان هناك من اقترح الاستعانة بشاب اسمه صدام حسين. وخلال الكمين الذي نُصب في شارع الرشيد في بغداد أصيب قاسم بجرح بسيط وأصيب صدام بشظية في ساقه.

هرباً من الاعتقال فر الركابي إلى سوريا، كما فر عدد من أعضاء القيادة، أبرزهم حازم جواد وعلي صالح السعدي. وفي سوريا كان الركابي يكرر السؤال عن صدام ومصيره إلى أن علم أنه نجح في الفرار بعدما رتب شخصياً رحلته السرية إلى سوريا.

وسأنقل هنا ما سمعته من حازم جواد الذي قاد «البعث» إلى السلطة في 1963، قال: «في شقة تحت الأرض في دمشق، هي عبارة عن قبو، عقد اللقاء برئاسة فؤاد وحضوري إضافة إلى علي صالح السعدي ومدحت إبراهيم جمعة وعبد الله الركابي وربما أسماء أخرى. ألقى فؤاد كلمة أشاد فيها بـ(الرفيق العزيز صدام) وامتدح شجاعته ووفاءه. وقال إنه اقترح قبوله عضواً عاملاً في الحزب وأثنيت على اقتراحه. عندها وقفنا جميعاً ووقف قبالتنا الشاب الخجول المنتصب القامة الحاد النظرات الذي تميل سمرة جلده إلى السواد. قال فؤاد القسم الحزبي وردده صدام وراءه. بعدها قبلنا الشاب وجلسنا نتسامر نحو ساعتين حول أكواب الشاي وقالب كاتوه (حلوى). بعدها استأذن فؤاد في الذهاب إلى القاهرة. وطلب صدام منا السماح له بالذهاب إلى العاصمة المصرية لاستكمال دراسة الحقوق فوافقنا إذ لم نكن نحتاج إليه في سوريا ولسنا في وارد إعادته إلى العراق فهو شارك في محاولة اغتيال الزعيم الأوحد».

نزاهة عبد الكريم قاسم

عبد الكريم قاسم (غيتي)

لم نعتد أن يعترف زعيم بنزاهة سلف له حاول اغتياله. وهو ما سمعه الدكتور جمال مصطفى السلطان، السكرتير الثاني لصدام حسين وزوج ابنته، في إحدى جلسات مجلس الوزراء، إذ قال: «نعم، السيد الرئيس الله يرحمه ويغفر له كان يتطرق إلى كل المراحل السابقة بإنصاف. عندما يذكر عبد الكريم قاسم يذكره بإنصاف عالٍ ويقول إنه رجل شجاع ونزيه إلى أبعد الحدود. كان يحترمه لأنه نزيه وعمل للعراق بنزاهة».

وأضاف: «أتذكر أنه كان هناك اجتماع لمجلس الوزراء فذكّره أحمد حسين (رئيس الديوان)، فرج الله عنه، بأن اليوم هو 7-10 أي ذكرى محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، فقال السيد الرئيس: الله يرحم عبد الكريم قاسم. قمنا بهذه المحاولة وكنا شباناً ومندفعين وفي ذلك الوقت لم نسأل ما هي أسباب هذه المحاولة، ولماذا؟ الحزب كلفنا بهذا الفعل وقمنا به، لكن حقيقة عندما تنظر إلى الموضوع، نحن كشباب، لم نكن نحسب هذا الجانب ولكننا الآن نحسب. لم نعط لعبد الكريم قاسم فرصةً لنعرف إيجابياته من سلبياته حتى نقيم أنّ هذا الرجل يصلح للوطن أو لا يصلح، ونحن لم نفكر أنه إذا حدث شيء وقُتل عبد الكريم قاسم من سيأتي بعده؟ وهل هناك بديل؟ كل هذا لم نكن نفكر به. سأل الرئيس أحمد حسين: من بقي من عائلة عبد الكريم قاسم الآن؟ فقال له: سيدي بقيت على ما أعتقد أخته. فقال له: سلموا لنا على أخته وأرسلوا لها سيارة وخرجية.

تعامل الرئيس صدام مع الرئيس عبد الرحمن عارف معروف لكل العراقيين. كتب الكثير عن الرئيس لكن عدد المنصفين كان قليلاً. تعرضت صورته لعملية تشويه متعمدة قامت بها أقلام مأجورة أو قنوات مأجورة. أتمنى من كل الباحثين عن الحقيقة الذهاب إلى من يعرف الحقائق. حملة الشيطنة كانت تستهدف تبرير غزو العراق وقراره المستقل».

سألته: هل تعتقد أن صدام حسين لم يرتكب أخطاء، فأجاب: «السيد الرئيس كان يعمل لأجل تقدم العراق ورفعته، ويجتهد. ومن يجتهد يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطئ، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر. لأن الهدف رفعة العراق وتقدمه. وتسألني عن علاقته بالمال. أنا لم أر إنساناً لا يحب المال مثل السيد الرئيس. نهائياً ولا يقيم له أي اعتبار. كل العالم بصورة عامة وعلى مدى عقدين بحث، ولم يترك شيئاً لم يبحث عنه، فلم يجد أي شيء باسم السيد الرئيس. لم يجد متراً في العراق أو خارج العراق ولا دولاراً ولا أي شيء باسم الرئيس. هناك خصوم لنا سياسياً شهدوا بذلك. منهم مثلاً إياد علاوي (رئيس الوزراء العراقي السابق) وفي حوار معك في (الشرق الأوسط) قال: شكلنا لجنة للبحث عن ممتلكات صدام حسين ولم نجد أي شيء باسمه. هذه شهادة الخصوم وهذه هي الحقيقة المطلقة. لم يكن يتساهل أبداً في أي تطاول على المال العام.

وهذا الأمر يصدق على أبنائه وبناته. نحن كعراقيين وكل إنسان يتمنى أن يمتلك أرضاً أو بيتاً أو مزرعة، نحن لدينا أملاك ولكنها أملاك محدودة. النظام الحالي لا يفهم معنى إدارة دولة وهاجسه الوحيد الانتقام. هجّر كثيراً من العراقيين من أراضيهم واستولى عليها وضمها وأتى بميليشيات إيرانية وأعطاها الجنسية العراقية، وأدخل إلى العراق إيرانيين وباكستانيين وأفغاناً ومنحهم الجنسية، وفي نفس الوقت هجّروا كثيراً من المناطق منها جرف الصخر وبلد والعوجة وبعض المناطق الأخرى، والآن أبناء جرف الصخر لا يحق لهم الدخول إليها لأنها تدار من قبل استخبارات عسكرية غير عراقية، والغرض منها العمل العسكري المؤثر على المنطقة وليس فقط على العراق، وكثير من إخواننا المسيحيين أيضاً صودرت أموالهم. عراقي كان يعيش في أوروبا أو خارج العراق فترك بيته أو عقاره فسيطرت عليه الميليشيات وأخذته. هذه الحكومة لا تعرف حقوق المواطن على الدولة، ولذلك هدفها الانتقام وكل أملاكنا صودرت وهي بسيطة أصلاً. فضلاً عن ذلك، مثلاً أنا عندي بستان يسمونه بستان البوغفور، هذا البستان من جدي الخامس كان باسمي صودر لأنني فلان، وهذه الأرض يتجاوز عمرها 250 سنة. وأرض أخرى أيضاً موروثة من جدي الرابع الذي هو سلطان صودرت للسبب نفسه وعمرها يتجاوز 200 سنة. والآن لو سجل طفل من أطفالنا بيتاً أو أرضاً في العراق يصادر باعتبار أنه جزء من النظام السابق.

أنا وعائلتي وأعمامي صودرت كل أملاكنا، وأكثر الإخوان وقع عليهم ضرر كبير. كل أملاكنا صودرت، ربما بعض إخواننا باع شيئاً أو تصرف بشيء، لكن نحن أملاكنا صودرت كلها».

عتاب على الصدر

مقتدى الصدر يخطب في النجف يوم 19 أكتوبر 2023 (رويترز)

قلت له إنني لاحظت أنه عاتب بشدة على السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، في مرحلة ما بعد سقوط النظام، فأجاب: «نعم بالتأكيد، لأن السيد مقتدى الصدر يعرف الحقيقة كما هي. يعرف من قتل والده، ويعرف التفاصيل لأنه كان يحضر التحقيق عندما كانت تجتمع اللجنة المشكلة لهذا الغرض. أنا لم أكن عضواً في لجنة متابعة التحقيق كنت عضواً في لجنة مهمتها الفعلية ترسيخ وجود مرجعية شيعية عربية في النجف وكانت لوالد مقتدى السيد محمد الصدر قدرة على إعطاء إقامات وحجب أخرى وكان النظام يتقبل منه بعض الانتقادات في خطب الجمعة وهو من رفض الحماية الرسمية حين عرضت عليه بعد ورود معلومات عن جهات يمكن أن تحاول اغتياله...».

ورداً على سؤال عما إذا كان الجو المحيط بصدام سُنّياً، قال: «لا، لا، نحن كعراقيين آنذاك لم يكن لدينا موضوع اسمه سني وشيعي ومسيحي. نحن نعتبر جميعاً عراقيين وليس لدينا غير الهوية العراقية وهي السائدة. ليس لدينا هوية فرعية وإن كنا نعتز بانتماءاتنا العشائرية، ولكن العشائرية لم تكن هي السائدة بل الهوية الوطنية هي التي تسود، فليس لدينا غير أن نقول أنا عراقي ويفتخر المرء بأنه عراقي ومرفوع الرأس في البلد وخارجه. لم يكن لدينا تمييز في أي جانب من الجوانب، سواء الوظيفية أو المعيشية أو أي جانب من جوانب الحياة. هذا يشمل الإدارة والجيش والحزب من أبسط مستوى إلى مستوى قيادة مجلس الثورة والقيادة القطرية. لم يكن الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الديني هو المعيار أو عائقاً أمام تولي منصب. هذا يصدق بالنسبة إلى الشيعة والسنة والمسيحيين. كان طارق عزيز المسيحي وزيراً للخارجية ونائباً لرئيس الوزراء وعضواً في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة.

لو التفتنا إلى السياسة الموجودة حالياً، نرى أنها مستمرة في تدمير العراق. واضح أن هناك خطةً كاملةً لإحداث تغيير ديموغرافي لكسر التوازنات التاريخية في البلاد. حلت عملية تهجير هائلة للعراقيين. هل هي مجرد صدفة أن أكثر من 10 ملايين عراقي يعيشون خارج البلاد بسبب السياسات التدميرية المتعمدة؟ ليس تهجير فئة معينة، كل العراقيين مستهدفون من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. هناك خطة فعلية لضرب العراق ووحدته ودوره وإضعافه والسيطرة على قراره».

قصة «الكيماوي»

سألته بماذا يشعر حين يُوصف خاله علي حسن المجيد بـ«الكيماوي»؟ فأجاب: «هذا وصف فيه الكثير من المغالطة والظلم والافتراء. كثير من التزييف للحقيقة. المشكلة هي في الاستناد إلى أناس مغرضين أو ليست لديهم معلومات.

علي حسن المجيد في عام 1991 وعندما سيطرت بعض الميليشيات المتمردة على دهوك وبعض المحافظات الأخرى، كان واجبه تحرير المدينة من المتمردين. تعمد علي حسن المجيد جمع القادة العسكريين وبعض أمراء أفواج الأكراد في فندق لا أذكر اسمه. جمعهم وتحدث معهم وقال لهم: غداً إن شاء الله الساعة السابعة صباحاً نشرع في الهجوم على مدينة أو محافظة دهوك. ستبدأ الطائرات تقصف بالكيماوي، ثم من بعدها يدخل الجيش لاستعادة المنطقة.

انتشر الخبر ووصل في لحظته إلى دهوك، ففر المدنيون والمتمردون من دهوك. من يرغب في استخدام السلاح الكيماوي لا يعقد اجتماعاً موسعاً ويعلن فيه ذلك. كان الغرض الحقيقي إثارة الخوف لدى المتمردين وحتى الناس للتقليل من خسائر الجيش والمدنيين في حال اختاروا المقاومة. وفعلاً في الساعة المحددة قامت طائرات الهليكوبتر برمي مادة تشبه الطحين وعندما يراها المرء يتوهم أنها مادة كيماوية. كان هدف المناورة عدم التسبب في وقوع ضحايا وهذا ما حصل. بعد ذلك ألصقت بعلي حسن المجيد صفة الكيماوي».

سألته: من أمر بقصف حلبجة؟ فأجاب: «حلبجة موضوعها مختلف ومعروف. تداولته الأخبار لكنها أيضاً مغلوطة. الأخبار الحقيقية والمنطقية هي أن إيران دخلت حلبجة، وقصفتها قبل دخولها بالكيماوي، والشاهد على ذلك قبل فترة غير بعيدة، مسرور بارزاني، رئيس وزراء كردستان الذي أعلن أن طائرتين إيرانيتين قصفتا حلبجة قبل دخول الإيرانيين إليها. السيد الرئيس في حديث في أحد اجتماعات مجلس الوزراء تحدث عن هذا الأمر. قال إن الفريق نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش هو الذي استخدم الكيماوي على حلبجة ومن دون علم القيادة، وهذا رداً على الكيماوي الذي استخدمته إيران في ضرب المنطقة. وقال الرئيس في تلك الجلسة: أنا حاسبته (نزار الخزرجي) وقلت له ليس لك حق أن تستخدم الكيماوي من دون علم القيادة».

العودة إلى العراق

أسأل جمال مصطفى عما إذا كان لا يزال يأمل بالعودة إلى العراق ذات يوم، فيجيبني: «كل الحكومات التي تعاقبت على الحكم في العراق، منذ 2003 إلى يومنا هذا، هي حكومات جاء بها المحتل الأميركي، وارتباطاتها وتبعيتها للنظام الإيراني في تحقيق أهدافه وأجنداته في المنطقة حتى من خلال انتشار الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن. حقيقة عند وصولهم، أول أيام الاحتلال، بدأوا بالقضاء على البنية التحتية العلمية الوطنية، من خلال الاغتيالات التي قامت بها ميليشيا تابعة لإيران. اغتالت علماء العراق واغتالت أطباء العراق واغتالت الطيارين العراقيين والوطنيين، مما أدى إلى هجرة أكثر من 10 ملايين عراقي إلى خارج البلد ويعيشون في المهجر. وحقيقة التكلفة الإنسانية لا يقبلها أي ذي جانب إنساني وخلقي ومبادئ إنسانية. من جانب آخر، هل نتمنى العودة إلى العراق؟ مؤكد أتمنى العودة إلى العراق، وكل عراقي وطني يحب شعب العراق ويتمنى العودة اليوم قبل الغد. وهي مسألة وقت حقيقة ونتأمل، بإذن الله، أن يتحرر العراق ويعود نظيفاً قوياً معافى، وسنعود، وأول العائدين نكون أنا وأسرتي».

قال جمال مصطفى إن أهل المنطقة يتحدثون كثيراً في هذه الأيام عن الدور الإيراني فيها. الإيرانيون أنفسهم يتحدثون عن السيطرة على أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. أربع دول مضطربة وتعيش نوعاً من التفكك. القرار في يد الميليشيات وليس الحكومات. السياسات المتبعة مناقضة لمصالح هذه الدول ولطبيعة انتمائها العربي.

جمال مصطفى السلطان

حرص على الإشارة إلى أن صدام حسين «تنبه باكراً لهذا الأمر واعتبر أن هناك مشروعاً يستهدف العراق لتفكيكه والانطلاق بعد ذلك لتفكيك عدد من دول المنطقة. كان العراق هو السد في وجه هذا المشروع الموجه ليس فقط ضد العراق، بل ضد العرب، بوجودهم ودورهم». اعتبر أن إيران هي التي تتحمل مسؤولية الحرب العراقية - الإيرانية «وسياستها صريحة وتقوم على تصدير الثورة وهو منصوص عنه في دستورها».

سألته عن صحة ما سمعته أن جهات في المخابرات العراقية اقترحت على الرئيس صدام اغتيال المرشد الإيراني الإمام الخميني خلال وجوده في بغداد ورفض لأنه يُعتبر ضيفاً على العراق، فأجاب: «نعم، السيد الرئيس صدام حسين عربي أصيل وشهم وكل شمائل الرجال الأصيلة العربية يمتلكها، ولذلك لا يمكن أن يسمح أن يتعرض ضيفٌ من ضيوفه لأي خطر. فكيف يتعرض ضيفه لغدر؟ لا يسمح بهذا الجانب ولا يمكن أن يخطر على باله نهائياً هذا الأمر ولا يمكن أن يسمح بأن يتحدث بهذا الجانب».

الخميني والزائر وتسجيل المحادثة

خلال وجود الخميني في العراق كلفت السلطات بعثياً اسمه علي باوه بأن يسهر على توفير تسهيلات إقامته. بعد مغادرة الخميني إلى باريس كُلِف علي باوه بزيارته في مقر إقامته في نوفل لوشاتو. وتقول الرواية إن شخصاً آخر من المخابرات العراقية رافق علي في الزيارة وكان يرتدي ساعة قادرة على تسجيل الأحاديث. وتضيف الرواية أن الخميني قال لعلي باوه إنه بعد إسقاط نظام الشاه سيكون نظام «البعث» في العراق هدفه الثاني، وإن صدام اطلع على هذا الكلام فاستنتج أن الحرب آتية. سألت جمال مصطفى عن ذلك فأجاب: «فعلاً وصلت رسالة من خلال الزيارة التي تحققت مع الخميني، وكان مفادها أن الهدف الثاني من بعد إسقاط الشاه هو إسقاط النظام في العراق. كان واضحاً أن الخميني يعتبر النظام العراقي عائقاً أمام مشروعه».

سألت جمال مصطفى عن علاقات صدام حسين بالزعماء العرب، فأجاب: «كانت لدى السيد الرئيس علاقة طيبة وممتازة مع عدد من الزعماء العرب. يمكن أن أتحدث هنا عن الملك حسين بن طلال، والرئيس علي عبد الله صالح، والملك فهد بن عبد العزيز. عندما زار العاهل السعودي بغداد احتفى به الرئيس احتفاءً خاصاً واهتم به اهتماماً خاصاً وتعامل معه تعاملاً مميزاً. وأتذكر أنه طرح على الملك فهد مشروع اتفاقية بين العراق والسعودية للحفاظ على الحدود وعدم التدخل في الشأن الداخلي ووافق الملك فهد فوراً على المقترح، وجلس وزير الخارجية العراقي ووزير الخارجية السعودي وأبرمت الاتفاقية بسهولة.

زعماء عرب آخرون كانوا على تواصل مستمر مع السيد الرئيس، منهم الشيخ جابر الأحمد، أمير الكويت. عندما جاء الشيخ جابر إلى بغداد احتفى به السيد الرئيس وتعامل معه تعاملاً مميزاً أيضاً لأن العرب وقفوا مع العراق في حربه ضد إيران، والسيد الرئيس لا ينسى هذا الفضل أبداً، وتعامل معه تعاملاً مميزاً جداً. خلال الزيارة طرح الرئيس على ضيفه مشروع اتفاق مشابه للذي وقع مع السعودية، لكنه لم يوافق وبقيت الأمور على حالها.

ياسر عرفات الله يرحمه ويغفر له كان مميزاً. دائماً يذهب ويأتي إلى العراق وكان من الرؤساء المميزين الذين كان السيد الرئيس يحترمهم ويقدرهم لأنه صاحب قضية وقضيته عظيمة، والسيد الرئيس كان يهتم بفلسطين اهتماماً مميزاً».

تسمية «الكيماوي» ظلم لعلي حسن المجيد وهذه حقيقة ما حصل في دهوك

جمال مصطفى السلطان

الخزرجي: أبلغوا القائد العام بسقوط حلبجة بيد الإيرانيين فأمر بتوجيه «ضربة خاصة»

معرض عن ذكرى قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي عام 1988 (أ.ف.ب)

للفريق أول ركن نزار الخزرجي رئيس الاركان السابق للجيش العراقي رواية أخرى عما جرى في حلبجة. قال الخزرجي إن طرفي الحرب العراقية-الإيرانية استخدما الأسلحة الكيماوية لكن قدرات العراق في استخدامها كانت أكثر تطوراً.

سألته عن آلية استخدام الأسلحة الكيماوية فأجاب: «استخدام هذا السلاح مدرج تحت تسمية الضربات الخاصة. الأمر بتنفيذ هذه الضربات لا يمكن أن يصدر إلا عن القائد العام. الاستخدام والتوقيت والسيطرة على العملية أمور تعود إلى القائد العام. هذه الأسلحة تصنع في هيئة التصنيع العسكري لكنها تستخدم عبر وسيلتين: القوة الجوية أو الأسلحة القاذفة الموجودة لدى الحرس الجمهوري الخاص. وتحريك هذه الأسلحة الكيماوية وشحنها وموعد إطلاقها واستخدامها من شأن القائد العام وحده».

وعما جرى في حلبجة، يقول: «تعرضت حلبجة لضربة جوية بأمر من القائد العام. الواقع إن ما حصل غريب. كان علي حسن المجيد مسؤولاً عن الشمال وأعطي صلاحيات استثنائية كاملة. وكانت هناك هجمات إيرانية في المنطقة. أبلغت عناصر أمنية وحزبية علي حسن المجيد أن حلبجة سقطت بيد الإيرانيين فأخبر صدام بذلك. عندها أمر صدام بتوجيه ضربة خاصة إلى حلبجة معتقداً أنه سيكبد الإيرانيين خسائر كبيرة. كانت الضربة جوية. والغريب أن حلبجة ساعة الضربة لم تكن قد سقطت بيد الإيرانيين وكان لا يزال فيها عدد من الجنود العراقيين. وقد أكد عدد من القادة الأكراد أنهم عثروا بين ضحايا حلبجة على جثث جنود عراقيين. قائد الفرقة التي تتولى مسؤولية الأمن في المنطقة لم يكن يعرف بالضربة ولا قائد الفيلق ولا أنا (رئيس الأركان) ولا وزير الدفاع نائب القائد العام الفريق أول ركن عدنان خير الله. عرفنا بعد حدوث الضربة».

سألته إن كان الرئيس تحدث معه في موضوع السلاح الكيماوي، فأجاب: «صدام يتحدث مع كل قائد عسكري بما يخص القوات التابعة له. لا يناقش قائد سلاح بما يعني السلاح الآخر. يريد الأدوار محدودة ومعرفة القائد محصورة بالسلاح الذي يتولى إمرته. لا أحد يعرف كل شيء إلا القائد العام. هل يصدق أحد مثلاً أن عزة إبراهيم الدوري نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عرف من الإذاعة أن الفاو حررت في 17/4/1988. للوهلة الأولى يظن الناس أن شخصاً في موقع الدوري يجب أن يكون شريكاً في أضخم معركة في الحرب العراقية-الإيرانية، وإذ به يعرف كأي شخص بعيد. إنه أسلوب صدام حسين. أنا مثلاً كرئيس لأركان الجيش لا أستطيع أن أطلب شيئاً من قائد ولا أستطيع أن أصدر امراً له أو لمدير المخابرات».