تزايد الانتقادات للحكومة السورية لفشلها في إدارة الأزمات الاقتصادية

مطالبات بتوفير «الحد الأدنى للمعيشة» قبل مكافحة الفساد

احتجاجات في السويداء جنوب سوريا أغسطس الماضي وسط غضب واسع من ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة السورية  (أ.ب - السويداء 24)
احتجاجات في السويداء جنوب سوريا أغسطس الماضي وسط غضب واسع من ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة السورية (أ.ب - السويداء 24)
TT

تزايد الانتقادات للحكومة السورية لفشلها في إدارة الأزمات الاقتصادية

احتجاجات في السويداء جنوب سوريا أغسطس الماضي وسط غضب واسع من ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة السورية  (أ.ب - السويداء 24)
احتجاجات في السويداء جنوب سوريا أغسطس الماضي وسط غضب واسع من ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة السورية (أ.ب - السويداء 24)

منذ أقر مجلس الشعب السوري الموازنة العامة لعام 2024، نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والحكومة تتعرض لسيل من الانتقادات الحادة، فيما تمضي بقراراتها الهادفة، حسب قولها، إلى تقليص العجز الذي بلغ هذا العام رقماً غير مسبوق.

وبلغت الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للعام الحالي 35500 مليار ليرة سورية، توزعت إلى: 26500 مليار ليرة للإنفاق الجاري، و9000 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري، بينما بلغ إجمالي العجز 9404 مليارات ليرة.

وكتب الخبير الاقتصادي السوري عامر شهدا في حسابه على «فيسبوك» أن «سياسة الحكومة الاقتصادية من سبتمبر (أيلول) 2018 ولغاية 2023 أدَّت إلى خلل عميق في توزيع الدخل القومي»، مضيفاً أن «هذه السياسة نقلت أموال الخزينة العامة من يد الدولة ليد (مجموعه ضئيلة من رجال المال) تمثل 5 في المائة من السوريين وَصَفهم بأنهم (مجتمع فاحش الثراء ناتج عن السرقة والفساد، والسيطرة على القرار الاقتصادي المشخصن بتوقيع حكومي»، مؤكداً على أن أموال الدعم ذهبت إليهم، بينما 95 في المائة من السوريين يقبعون تحت خط الفقر.

لقطة عامة لأحد شوارع دمشق (أرشيفية - رويترز)

ولفت شهدا إلى أن عجز الموازنة في عام 2011 بلغ 547 مليار ليرة، في حين سيصل العجز عام 2024 إلى أكثر من 9000 مليار ليرة، في ظل هيمنة سوء الإدارة والتخطيط وغياب تام لقواعد بيانات صحيحة وقصور حاد في الإفصاح والشفافية، وقوة المال التي تسرق كتلة كبيرة من موارد الخزينة.

وتسعى الحكومة إلى تخفيف حدة العجز عبر حزمة قرارات تؤدي إلى رفع الدعم، مع قرارات رفع متتالية لأسعار المحروقات والوقود التي باتت تزيد على سعرها في دول الجوار بنسبة تفوق 20 في المائة.

وشهد النصف الثاني من العام الماضي رفعاً للرواتب بنسبة 100 في المائة، التي التهمتها فوراً موجة ارتفاع غير مسبوقة للأسعار تجاوزت نسبة 250 في المائة، بالتوازي مع انخفاض حاد في قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي ليلامس سعر الصرف 15 ألف ليرة للدولار الواحد.

الإعلامي الاقتصادي زياد غصن كتب مقالاً في موقع إذاعة «شام إف إم»، انتقد فيه سياسة الحكومة التي تعمل بعقلية الماضي. وقال إن زيادة واردات الخزينة العامة تتطلب حلولاً من خارج الصندوق، بمعنى «تغيير جذري»، وليس ما تلجأ إليه الحكومة من «حلول تقليدية سهلة»، من قبيل رفع الدعم تدريجياً، واتباع سياسة الجباية القاتلة للنشاط الاقتصادي، وزيادة أسعار السلع والخدمات المرتبطة بها بشكل مباشر أو غير مباشر، بغض النظر عن مستوى جودتها»، مضيفاً أن «البحث عن حلول وأفكار جديدة لا يستقيم مع بيئة لا تنتمي للمستقبل، أو عقول تعمل بعقلية الماضي والماضي البعيد»، عادّاً هذه البيئة «مولّدة للفشل والعجز والتدهور».

أكوام من الأوراق النقدية بالليرة السورية في البنك التجاري السوري بدمشق نهاية نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

مظلة الفساد

ومع بداية العام الحالي، شهدت العاصمة دمشق العديد من اللقاءات والفعاليات الاقتصادية بمشاركة رجال الأعمال وغرف الصناعة والتجارة وممثلين عن الحكومة انخرطوا في حوارات مفتوحة حول السياسات الاقتصادية وضرورة إيجاد مخارج للأزمات المتزايدة، أبرزها ندوة حوارية دعا إليها اتحاد نقابات العمال في سوريا، مطلع الأسبوع الحالي، بحضور ممثلين عن الحكومة، جرى خلالها عرض الواقع الاقتصادي والأجور.

وقال أستاذ الاقتصاد، شفيق عربش، إن «مظلة الدعم كانت كبيرة. غطينا تحتها كل الفساد والفشل والهدر. الدعم وهم، والحكومة من دون ملف الدعم لن يبقى لها أي دور، نحن بحاجة لإصلاح سياسة الأجور وفق الدستور».

من جانبه، رأى رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، جمال القادري، أن «الفساد أصبح ضرورة». وقال: «لدينا شبه أجور، فكيف نستطيع مكافحة الفساد في ضوء ذلك؟». وحسب تعبيره، فإن العامل لا يحصل على راتب، بل على «إعانة»، مطالباً الحكومة بتوفير «عتبة الحد الأدنى للمعيشة».

ندوة اتحاد نقابات العمال حول الواقع الاقتصادي والأجور (حساب «فيسبوك»)

ويتراوح متوسط الرواتب بين 200 و300 ألف ليرة، أي ما يعادل 13 - 20 دولاراً أميركياً، وبحسب تقارير إعلامية محلية، تحتاج العائلة من 4 أشخاص شهرياً، إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية، أي نحو 700 دولار، في حين كانت تحتاج قبل عام إلى ما يعادل 400 دولار.

الإعلامي السوري معد عيسى، كتب، في صحيفة «الثورة» الحكومية، تعليقاً على ندوة اتحاد العمال، أن سوق العمل في سوريا باتت مرتبطة بـ«الأزمات والقرارات الحكومية»، وأن كل أزمة تخلق فرص عمل جديدة بغض النظر عن مشروعية هذه الفرص؛ فمثلاً أزمة الكهرباء أوجدت أسواقاً كاملة للتجهيزات انخرط فيها عدد كبير من التجار، دون رقابة. كما أسهم التضخم في ظهور تجارة عدادات النقود وصيانتها. ونوع آخر من فرص العمل الناجمة عن قرارات الحكومة بالتحول الرقمي، الذي شرّع وجود مكاتب وأشخاص يقدمون خدمات التسجيل والدفع الإلكتروني مقابل عمولة، بسبب رفع الرسوم الجمركية على الهواتف الجوالة، وعدم قدرة الغالبية العظمى من السوريين على شراء هواتف جديدة.

وأشار كاتب المقال إلى أن هذا التحوُّل أحدث تشوهاً في بيئة العمل؛ إذ يأتي بينما تخسر سوريا، يومياً، عشرات الخريجين الجامعيين والأكاديميين والأطباء والمهندسين والحرفيين بسبب الهجرة، جراء تزايد المعاناة المعيشية.


مقالات ذات صلة

غليان في السويداء بعد «اغتيال» زعيم فصيل مسلح

المشرق العربي غليان في السويداء بعد «اغتيال» زعيم فصيل مسلح

غليان في السويداء بعد «اغتيال» زعيم فصيل مسلح

استيقظت محافظة السويداء السورية على نبأ «اغتيال» قائد فصيل «لواء الجبل» المسلح المحلي، الذي وُجد في منزله مقتولاً برصاص مجهولين، الأمر الذي خلف موجة غضب واسعة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء رجب طيب إردوغان وبشار الأسد في دمشق خلال مايو 2008 (أ.ب)

هل يكسر موقف الأسد إلحاح إردوغان على لقائه ويحطم دوافعه للتطبيع؟

روسيا تريد دفع تركيا إلى انفتاح سريع على الأسد من دون حديث عن ضمانات، عبر إيجاد صيغ أخرى للقضاء على مخاوف تركيا من قيام «دولة كردية» على حدودها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي نساء وأطفال ورجل عجوز ضمن موجة النازحين السوريين الأخيرة إلى الأراضي اللبنانية (الشرق الأوسط)

تردُّد الوزراء يعوق تفعيل لجنة التنسيق اللبناني - السوري في ملف النازحين

رغم مرور نحو شهرين على توصية البرلمان بتفعيل عمل اللجنة الوزارية لوضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، لم تفعّل حتى الساعة هذه اللجنة أو تشكَّل لجنة جديدة.

بولا أسطيح (بيروت)
أوروبا تتهم النيابة العام الاتحادية المشتبه بهما بالانتماء لتنظيم «داعش» وارتكاب جرائم حرب (متداولة)

تحريك دعوى قضائية ضد سوريين اثنين بتهمة الانتماء لتنظيمين «إرهابيين» في ألمانيا

من المنتظر أن يمثل قريباً أمام المحكمة الإقليمية العليا في مدينة ميونيخ جنوب ألمانيا رجلان سوريان يشتبه في انتمائهما لتنظيمي «لواء جند الرحمن» و«داعش».

«الشرق الأوسط» (كارلسروه)
المشرق العربي مدخل دير الزور (مواقع التواصل)

قتلى وجرحى في اشتباكات عشائرية بريف دير الزور الغربي

أفاد «مركز دير الزور الإعلامي»، باقتحام مهنا الفياض شيخ قبيلة «البوسرايا» مركز المحافظة بالسلاح الثقيل «بسبب الانتخابات».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

نصر الله يهدد باستهداف مستعمرات إسرائيلية جديدة

أنصار «حزب الله» في بيروت اليوم (رويترز)
أنصار «حزب الله» في بيروت اليوم (رويترز)
TT

نصر الله يهدد باستهداف مستعمرات إسرائيلية جديدة

أنصار «حزب الله» في بيروت اليوم (رويترز)
أنصار «حزب الله» في بيروت اليوم (رويترز)

أكد الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، اليوم الأربعاء، أن جبهة لبنان لن تتوقف، «ما دام العدوان مستمراً على غزة، والتهديد بالحرب لن يخيفنا».

ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام عن نصر الله قوله، في كلمة، اليوم، إن «تمادي العدو في استهداف المدنيين في لبنان سيدفع المقاومة إلى إطلاق الصواريخ واستهداف مستعمرات جديدة لم يجرِ استهدافها في السابق».

وأضاف: «نحن ننتصر لكل شعوب منطقتنا، التي اعتدى عليها هذا الكيان المحتلّ، الذي اعتدى على المنطقة بالتهديد والعدوان»، مشيراً إلى أن هناك ثلاث دول عربية ما زالت تعاني مباشرة من هذا القتل؛ فلسطين ولبنان وسوريا، وفقاً لما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

وتابع: «نحن في لبنان منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دخلنا مرحلة مختلفة، ونخوض معركة مختلفة، فنحن أعلنّا فتح جبهة إسناد لبنانية؛ نصرة للشعب الفلسطيني المظلوم».

وأشار إلى أن «ما قامت به المقاومة في غزة، في السابع من أكتوبر الماضي هو حق كامل لها، وللأسف ما زال هناك مَن يسيء إلى المقاومة».

وأضاف: «لأول مرة في تاريخه يعيش الكيان الصهيوني أسوأ حالاته وأيامه، كما يعترف قادته. لأول مرة يتحدثون عن الانهيار والزوال، لأول مرة تبدو إسرائيل عاجزة بعد 10 أشهر من القتال عن تحقيق أهدافها، وتغطي فشلها بارتكاب المجازر البشعة بحق الأطفال والنساء».

وقال: «ندعو إلى تضامن الأمة والأحرار والشُّرفاء ومقاومة غزة، ومن لم يفعل شيئاً حتى الآن، يمكنه أن يتدارك؛ لأن المعارك ما زالت قائمة، الشعب الفلسطيني مطلوب منه التوحد في معركة المقاومة التي تصنع مصير فلسطين والأمة».

وأشار إلى أنه «في حال توقف العدوان، الجهة التي تُفاوض باسم لبنان هي الدولة اللبنانية، وكل ما يشاع عن اتفاق جاهز للوضع عند الحدود الجنوبية غير صحيح».

وأكد نصر الله أن «مستقبل الوضع في الجنوب سيتقرر على ضوء نتائج هذه المعركة. وفي جبهتنا اللبنانية، أياً يكن الدعم الذي ستقدمه الدولة اللبنانية لأهلنا في القرى والجنوب، سنعمل وإياكم، وبكل وضوح، لإعادة إعمار بيوتنا ومنازلنا، وسنُشيّد قرانا الأمامية كما كانت وأجمل مما كانت».