كيف نفهم «لسان العراق الخشن» مع إيران؟

معلومات تفيد بأن سفير بغداد لن يعود إلى طهران «حتى إشعار آخر»

رجل أمن يعاين سيارة دمرها القصف الإيراني على منزل في أربيل ليلة الاثنين (أ.ف.ب)
رجل أمن يعاين سيارة دمرها القصف الإيراني على منزل في أربيل ليلة الاثنين (أ.ف.ب)
TT

كيف نفهم «لسان العراق الخشن» مع إيران؟

رجل أمن يعاين سيارة دمرها القصف الإيراني على منزل في أربيل ليلة الاثنين (أ.ف.ب)
رجل أمن يعاين سيارة دمرها القصف الإيراني على منزل في أربيل ليلة الاثنين (أ.ف.ب)

هذه هي المرة الأولى منذ عام 2003 التي يستخدم فيها العراق موقفاً حاداً بهذا المستوى ضد إيران؛ يشتكيها لدى مجلس الأمن ويصف هجومها على أربيل بـ«العدوان السافر»، فماذا نتوقع من كل هذا؟

لهجة وزير الخارجية فؤاد حسين، بدت غير مألوفة في السياسة العراقية حين يأتي ذكرُ إيران، أكبر حليف لحكومات بغداد التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام حسين.

ولم يترك وزير الدبلوماسية العراقية فرصةً في «دافوس» ليقول أشياء نادرة عن «عجز إيران في مواجهة إسرائيل».

وفي حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، أوضح أن طهران لديها «قواعد اشتباك متفق عليها» مع الإسرائيليين، ولأنها لا تستطيع ضربهم اختارت «هدفاً عسكرياً ضعيفاً».

يقول مسؤولون في الحكومة يرافقون رئيسها محمد شياع السوداني هذه الأيام إلى منتدى «دافوس»، إن فؤاد حسين «لا يُعبر عن رأيه الشخصي»، لأن بغداد «اختارت الرد دون مواربة».

قبل ذلك، كان المعنيون بالاتفاق الأمني الموقع مع إيران العام الماضي يسألون طهران دائماً: «مرروا معلوماتكم عن التجسس لصالح إسرائيل لنتحقق منها»، على حد تعبير مستشار أمني في الحكومة.

«اتفاق سري»

وبحسب المعلومات المتاحة، فإن الاتفاق الذي وقع في مارس (آذار) 2023 ودخل التنفيذ في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، يضمن «منع تسلل المسلحين، وتسليم المطلوبين، ونزع السلاح وإزالة المعسكرات التابعة للجماعات الإيرانية المعارضة داخل الأراضي العراقية».

ليس من المعروف أن تكون هناك بنود «سرية» في الاتفاق بين البلدين، قدر تعلق الأمر بالتجسس لصالح إسرائيل، لكن مسؤولين عراقيين أكدوا أن «الاتفاق مكتوب بين بلدين يملكان حق السيادة الكاملة»، كما أنه «لا يسمح لإيران بتنفيذ ضربات صاروخية على العراق».

ما الذي حصل ليُخرج العراق لساناً خشناً مع إيران؟ يقول أحد هؤلاء المسؤولين إن «بغداد في حرج كبير بعدما فاجأتها إيران بضربة أربيل»، ويضيف: «حتى رئيس الحكومة لم يكن يعرف، ويشعر أن إيران تجاوزت الاعتبارات لدولة مثل العراق، كانت وما تزال تزن كل شيء بمقدار إيراني».

ويعتقد سياسيون أن طهران احتاجت إلى هجوم بهذا الحجم وبهذه الكيفية لاحتواء أزمة داخلية، فورطت بغداد بـ«فضيحة كبرى».

«كيف نجيب عن سؤال: لماذا قَصفت إيران أربيل بصواريخ باليستية؟»، لقد سُمع هذا من لسان سياسيين ودبلوماسيين رفيعي المستوى في بغداد الساعات الماضية، وتحول إلى مزاج سياسي يتحكم الآن بالمواقف الحكومية.

المئات يشيعون ضحايا قصف «الحرس الثوري» في أربيل (أ.ف.ب)

«فضيحة أكبر»

يبدو أن السوداني يستغل الآن كل «الوسائل الدبلوماسية المتاحة» لسد هذا الفراغ الذي كشفته ضربة «الحرس الثوري» على مدينة أربيل، ويستغل هذا التصعيد في إطلاق رسائل إلى الأميركيين.

وكان التماهي مع الإيرانيين في تبرير الهجوم سيعني - لو حدث - «فضيحة أكبر» في توقيت ملتبس مع الأميركيين، الذين تطالبهم الحكومة، وفصائل موالية لطهران، بمغادرة البلاد بعد هجوم على مقر لحركة «النجباء»، مطلع هذا الشهر، قتل أحد قياداتها المتورطين بهجمات على قواعد عسكرية في العراق وسوريا.

وتفيد المعلومات الواردة من بغداد، بأن بغداد التي سحبت سفيرها في طهران، نصير عبد المحسن، ستبقيه في العراق إلى إشعار آخر، بناء على نصيحة تلقاها السوداني من «مستشارين معنيين بتصفية الآثار السياسية للضربة الإيرانية الأخيرة».

وتقول المصادر المطلعة: «السفير سيبقى في بغداد أكبر وقت ممكن، ولن يعود الآن».

لكن ما التالي، حتى بعد تقديم شكوى رسمية ضد إيران لدى مجلس الأمن الدولي؟ يتكهن كثيرون أن الحكومة ستحقق مكاسب سياسية من هذا التصعيد، لكنها لن تذهب بعيداً مع إيران بسبب اشتباكها الشديد مع النظام السياسي في البلاد، وأن قصف أربيل لن يقلب موازين القوى هناك.


مقالات ذات صلة

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

المشرق العربي عرض عسكري للجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في الموصل مؤخراً (أ.ف.ب)

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

في حين أكدت كتائب «سيد الشهداء»، أحد الفصائل المسلحة المنضوية في «محور المقاومة»، توقف هجماتها ضد إسرائيل، رفض تحالف «الفتح» الذي يقوده هادي العامري حل «الحشد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي المشهداني لدى استقباله السفير السعودي في بغداد (البرلمان العراقي)

المشهداني يدعو إلى تعزيز التعاون بين بغداد والرياض

دعا رئيس البرلمان العراقي الدكتور محمود المشهداني إلى إيلاء التعاون مع المملكة العربية السعودية أهمية قصوى في هذه المرحلة.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جنديان عراقيان مع آلية يقفان عند نقطة حراسة على الحدود العراقية - السورية 5 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

العراق: مساعٍ لتطوير المؤسسة العسكرية

كشفت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي عن الحاجة لتطويع عشرات الآلاف بالجيش وسط تحديات أمنية إقليمية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تحذيرات عراقية من عودة «داعش»

تخشى بغداد أن يعيد «داعش» تنظيم صفوفه بعدما استولى على كميات من الأسلحة نتيجة انهيار الجيش السوري.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس وزراء العراقي محمد شياع السوداني (د.ب.أ)

السوداني يعلن استئناف عمل بعثة العراق الدبلوماسية في دمشق

أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مساء الخميس أن البعثة الدبلوماسية العراقية «فتحت أبوابها وباشرت مهامها في دمشق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
TT

مستشفيات جنوب لبنان تنفض عنها آثار الحرب... وتحاول النهوض مجدداً

عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)
عامل رعاية صحية يسير في مستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية بجنوب لبنان (رويترز)

نالت المستشفيات في جنوب لبنان، حصتها من الحرب الإسرائيلية، باستهدافات مباشرة وغير مباشرة. ومع دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين لبنان وإسرائيل، ها هي تحاول النهوض مجدداً رغم كل الصعوبات، بينما لا تزال مجموعة منها، لا سيّما الواقعة في القرى الحدودية، متوقفة عن العمل أو تعمل بأقسام محددة، وتحت الخطر.

مستشفى بنت جبيل

في بلدة بنت جبيل، عاد مستشفى صلاح غندور للعمل. ويقول مدير المستشفى الدكتور محمد سليمان: «فتحنا الأبواب في اليوم التالي لإعلان وقف إطلاق النار، بداية مع قسم الطوارئ، الذي استقبلنا فيه حالات عدّة، وقد جرى العمل على تجهيز الأقسام الأخرى، منها قسم العمليات، الذي بات جاهزاً، إضافة إلى قسمي المختبر والأشعة».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ستتمّ إعادة فتح القسم الداخلي خلال أيام، أما العيادات الخارجية فتحتاج إلى مزيد من الوقت كي تستقبل المرضى، وكذلك الصيدلية».

ويتحدَّث عن أضرار كبيرة أصابت المستشفى، قائلاً: «لكننا نعمل من أجل إصلاحها. قبل أن نُخلي المستشفى كان لدينا مخزون كافٍ من المستلزمات الطبية، وهو ما سهّل عملنا».

ومع استمرار الخروقات الإسرائيلية والمسيَّرات والطائرات الحربية التي لا تفارق الأجواء، يؤكد سليمان أن «المستشفى يعمل بشكل طبيعي، والأهم أن الطاقمين الطبي والإداري موجودان».

وكان المستشفى قد استُهدف بشكل مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي تسبّب بإصابة 3 أطباء و7 ممرضين في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تمّ حينها الإخلاء، علماً بأن محيط المستشفى قُصف لمرات عدة قبل ذلك.

لكن مستشفى بنت جبيل الحكومي لم يفتح أبوابه، في حين استأنف مستشفى مرجعيون الحكومي استقبال المرضى اعتباراً من يوم الخميس، 5 ديسمبر (كانون الأول).

مستشفى ميس الجبل

«لم يُسمح لنا بالتوجه إلى ميس الجبل، لذا بقي المستشفى مقفلاً ولم نعاود فتح أبوابه»، يقول مدير الخدمات الطبّيّة في مستشفى ميس الجبل الحكومي، الدكتور حليم سعد، لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «يقع المستشفى على الحدود مباشرة، أُجبرنا على إقفال أبوابه بعد نحو أسبوع من بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد تمّ قصفه مرات عدة، ونحن حتّى يومنا هذا لم نتمكّن من العودة إليه»، وذلك نتيجة التهديدات الإسرائيلية المستمرة في هذه المنطقة ومنع الجيش الإسرائيلي الأهالي من العودة إلى عدد من القرى، ومنها ميس الجبل.

أما مستشفى تبنين الحكومي، فإنه صامد حتّى اليوم، بعدما كان يعمل وحيداً خلال الحرب، ليغطي المنطقة الحدودية هناك كلها، علماً بأنه استُهدف مرات عدة بغارات سقطت في محيط المستشفى، كما أصابت إحدى الغارات الإسرائيلية قسمَي العلاج الكيميائي والأطفال، وأخرجتهما عن الخدمة.

النبطية

من جهتها، عانت مستشفيات النبطية طوال فترة الحرب من القصف الكثيف والعنيف في المنطقة، والدليل على ذلك حجم الدمار الهائل في المدينة وجوارها؛ ما تسبب في ضغط كبير على المستشفيات هناك.

تقول مديرة مستشفى «النجدة الشعبية» في النبطية، الدكتورة منى أبو زيد، لـ«الشرق الأوسط»: «كأي حرب لها نتائج سلبية، أثرت بنا وعلينا، خصوصاً أننا في القطاع الصحي، نعيش أساساً تداعيات أزمات كثيرة، منذ قرابة 5 سنوات، منها جائحة كورونا والأزمات الاقتصادية والمالية؛ ما منعنا عن تطوير إمكاناتنا وتحسين الخدمات الطبية لمرضانا».

قوات إسرائيلية تتنقل بين المنازل المدمرة في بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

أثر نفسي

وتتحدَّث الدكتورة منى أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» عن أمور أساسية مرتبطة بتداعيات الحرب. وتقول: «نقطتان أساسيتان، لا بد من التطرق إليهما عند الحديث عمّا أنتجته الحرب الإسرائيلية، الأولى: الوضع النفسي لجميع العاملين في المستشفى، الذين مكثوا داخله طوال فترة الحرب التي استمرّت 66 يوماً على لبنان. وفور انتهاء الحرب، وجد بعضهم منزله مدمراً وأصبحت عائلته دون سقف أو مأوى، وفقد آخرون أحباباً وأقارب لهم».

وعلى خلفية هذا الواقع، لا يزال كثير من الأطباء خارج المستشفى، لإعادة تنظيم حياتهم؛ ما تسبب بنقص في الكادر البشري داخل المستشفى، وفق ما تؤكد الدكتورة منى، التي اضطرت لدمج أقسام وتسكير أخرى.

وعن يوم إعلان وقف إطلاق النار، تروي الدكتورة منى كيف كان وقع عودة الأهالي إلى بلداتهم وقراهم: «استقبلنا 57 مريضاً في اليوم الأول، الغالبية منهم أُصيبت بوعكة صحية جراء رؤيتهم الدمار الذي حلّ بمنازلهم وممتلكاتهم».

معاناة متفاقمة

أما النقطة الثانية التي تطرّقت إليها، فإنها تتعلق بتبعات مالية للحرب أثرت سلباً على المستشفى، إذ «في الفترة الماضية تحوّلنا إلى مستشفى حرب، ولم يكن لدينا أيّ مدخول لتغطية تكلفة تشغيل المستشفى، ومنها رواتب الموظفين» حسبما تقول.

وتضيف: «لدي 200 موظف، وقد واجهنا عجزاً مالياً لن أتمكّن من تغطيته. نمرُّ بحالة استثنائية، استقبلنا جرحى الحرب وهذه التكلفة على عاتق وزارة الصحة التي ستقوم بتسديد الأموال في وقت لاحق وغير محدد، وإلى ذلك الحين، وقعنا في خسارة ولن يكون بمقدورنا تأمين كامل احتياجات الموظفين».

وعمّا آلت إليه أوضاع المستشفى راهناً، بعد الحرب، تقول: «فتحت الأقسام كلها أبوابها أمام المرضى؛ في الطوارئ وغرفة العناية وقسم الأطفال وغيرها».

وتؤكد: «رغم الضربات الإسرائيلية الكثيفة التي أصابتنا بشكل غير مباشر، ونوعية الأسلحة المستخدَمة التي جلبت علينا الغبار من مسافات بعيدة، فإننا صمدنا في المستشفى حتّى انتهت الحرب التي لا تزال آثارها مستمرة».

صور

ولا تختلف حال المستشفيات في صور، عن باقي مستشفيات المنطقة، حيث طال القصف، وبشكل متكرر، محيط المستشفيات الخاصة الموجودة هناك، وهي 3 مستشفيات: حيرام، وجبل عامل، واللبناني الإيطالي، لكنها استمرّت في تقديم الخدمة الطبية، وكذلك المستشفى الحكومي، لكنه يعاني أيضاً كما مستشفيات لبنان بشكل عام ومستشفيات الجنوب بشكل خاص؛ نتيجة أزمات متلاحقة منذ أكثر من 5 أعوام.