هل يعيق تمسك «حزب الله» بمساندة «حماس» انتخاب رئيس للبنان؟

تساؤلات حول موقفه من إنهاء الفراغ الرئاسي

تمسك «حزب الله» بتلازم المسار والمصير بين الوضع في جنوب لبنان وغزة يعيق إنهاء الفراغ الرئاسي (أ.ف.ب)
تمسك «حزب الله» بتلازم المسار والمصير بين الوضع في جنوب لبنان وغزة يعيق إنهاء الفراغ الرئاسي (أ.ف.ب)
TT

هل يعيق تمسك «حزب الله» بمساندة «حماس» انتخاب رئيس للبنان؟

تمسك «حزب الله» بتلازم المسار والمصير بين الوضع في جنوب لبنان وغزة يعيق إنهاء الفراغ الرئاسي (أ.ف.ب)
تمسك «حزب الله» بتلازم المسار والمصير بين الوضع في جنوب لبنان وغزة يعيق إنهاء الفراغ الرئاسي (أ.ف.ب)

انقضاء 20 شهراً من عمر ولاية المجلس النيابي (4 سنوات)، ومرور 15 شهراً على الشغور في رئاسة الجمهورية لا يبعثان على التفاؤل بإخراج الاستحقاق الرئاسي من الدوران في حلقة مفرغة، بل يدعوان لارتفاع منسوب القلق حيال مصير الجمهورية، مع انقطاع الأكسجين السياسي الذي يبقيها على قيد الحياة، في ظل وجود حكومة تصريف أعمال تتولى إدارة شؤون البلد وتدبير أموره على نحو ضيق يتلازم وانحلال معظم إدارات ومؤسسات الدولة، التي تكاد تكون معطّلة، ولم يبقَ منها سوى تلك المعنية بالحفاظ على الاستقرار ومنع تفلُّت الوضع، رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تعاني منها، نظراً لتضاؤل القدرة الشرائية للعملة الوطنية.

ويستمر الشغور الرئاسي مع ارتفاع المخاوف من أن يتمدَّد إلى أمد طويل؛ ما يشكل تحدّياً للبرلمان اللبناني، لجهة اختبار مدى قدرته على وضع حد للفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية قبل أن تنتهي ولاية المجلس، ما دام يتخبط في انقسام عمودي غير مسبوق، لا يعود في المطلق إلى الخلاف الماروني - الماروني، وإنما إلى بلوغ التجاذبات داخل البرلمان ذروتها، التي لم يوقفها جنوح الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان نحو تبنّيه الخيار الرئاسي الثالث، بذريعة أن الإصرار على حصر المنافسة، وحتى إشعار آخر، بين مرشح محور الممانعة رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، ومرشح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور، بتقاطعها على دعمه مع «التيار الوطني الحر»، سيؤدي إلى تمديد الفراغ الرئاسي.

فبقاء الجمهورية، كما يقول البطريرك الماروني بشارة الراعي، بلا رأس بغياب الرئيس، يفتح الباب أمام تصاعد وتيرة الانقسام السياسي داخل البرلمان، ويعرّض الحكومة لاستهداف من قبل المعارضة و«التيار الوطني» على السواء، بتوافقهما في انتقاد رئيسها نجيب ميقاتي، على خلفية تماديه في مصادرة الصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية، في طلب ردّه لثلاثة مشاريع قوانين كان أقرها البرلمان في جلسته التشريعية الأخيرة، بعد توقيعه عليها بالتضامن والتكافل مع الوزراء الذين لم يتخلفوا عن مشاركتهم في جلسات مجلس الوزراء.

لكن طلب ميقاتي رد القوانين هذه، بعد امتناعه عن نشرها في الجريدة الرسمية لتصبح نافذة، جاء استجابة لطلب المدارس الكاثوليكية في الاجتماع الذي رعاه الراعي، في حضور الممثلين عنها ووزير التربية القاضي السابق عباس الحلبي، ما يعني أن الكنيسة المارونية وفّرت له الغطاء السياسي لطلب ردّه القوانين، ومن بينها تلك المتعلقة بالقطاع التربوي، وهذا ما قيل للراعي في اجتماعه بوفد يمثل جامعة آل ضو.

وفي هذا السياق، انبرى مصدر وزاري بارز في الدفاع عن ميقاتي، من زاوية أنه من غير الجائز تحميله مسؤولية استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية، وبالتالي التصرف معه كونه يعطل انتخابه، وكأنه يقف على رأس أكبر كتلة نيابية تمعن في تمديد الفراغ، رغم أنه كان في عداد الذين عزفوا عن خوض الانتخابات النيابية.

ورأى المصدر الوزاري (الذي فضّل عدم ذكر اسمه) أن إلصاق التهمة بميقاتي؛ بتعطيل انتخاب الرئيس، ما هو إلا هروب للأمام، خصوصاً أنه لم ينقطع عن دعوته في مستهل جلسات مجلس الوزراء لانتخاب الرئيس اليوم قبل الغد.

إلا أن المصدر نفسه يفضّل عدم الدخول في سجال مع المعارضة، بانتقاد مصدر رفيع فيها لميقاتي على خلفية قوله في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء لجميع الموفدين إن «الحديث عن تهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، انطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا، ونطلب أن يصار في أسرع وقت ممكن إلى وقف النار في غزة بالتوازي مع وقف إطلاق نار جدي في لبنان».

فالمصدر المعارض رأى في موقف ميقاتي أنه يتعارض مع طلبه بضرورة تطبيق القرار الدولي «1701». وسأل: كيف يدعو ميقاتي مجلس الأمن الدولي لإلزام إسرائيل بتطبيق القرار، بينما يربط وقف إطلاق النار في الجنوب بوقفه في غزة، مع أنه لا رابط بينهما من الوجهة الدولية؟

ولفت المصدر إلى أن المعارضة لم تتردّد في إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، وترفض المساواة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في تصديها لاجتياحها البري لها، لكن «لا نرى من مبرِّر للعودة إلى مقولة تلازم المسار والمصير طوال فترة وصاية النظام السوري على لبنان».

وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أنه لا مبرر لهذا التلازم، ما دام «حزب الله» هو مَن تفرّد بإعلان مساندته للمقاومة في غزة من دون العودة إلى الحكومة أو التشاور في قراره مع شركائه في الوطن، وكأنه يحتكر لنفسه قرار السلم والحرب، وما على الآخرين سوى الانصياع لقراره.

وعدّ أن ربط «حزب الله» الجنوب بغزة يعني أنه لا مجال للالتفات لإيجاد الحلول للمشكلات المتراكمة التي يعاني منها البلد، وأولها انتخاب رئيس للجمهورية، بوصف انتخابه يعيد الانتظام للمؤسسات الدستورية، بدلاً من إشعار السواد الأعظم من اللبنانيين بأن الأمور تسير بشكل عادي في غيابه، وسأل: ما الذي يمنع الحزب لاحقاً من أن يربط الجنوب بالتطورات العسكرية المتسارعة في اليمن، مع قيام الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا باستهداف جماعة «أنصار الله» الحوثية؟

لذلك، فإن مقاربة الملف الرئاسي لم تعد كما كانت قبل بدء الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة، بعد أن أُلحق هذا الملف، وبقرار من «حزب الله»، بما سيؤول إليه الوضع العسكري فيها، الذي يؤدي حكماً إلى تمديد الأزمة اللبنانية، ما يعني أن الحزب ليس في وارد إخراج انتخاب الرئيس من التأزم.

فاستبعاد «حزب الله» لوجود مقايضة بين الرئاسة وتطبيق القرار «1701» المتوقف على التطورات العسكرية والسياسية في غزة، يتطلب منه الفصل بين المسارين لمصلحة تزخيم الجهود الرامية لانتخاب الرئيس، للتأكيد على أن التهمة الموجهة إليه من قبل المعارضة مردودة إلى أصحابها.

كما أن مجرد الربط بين الجنوب وغزة يعني أن الظروف المحلية لانتخاب الرئيس، بحسب المعارضة، لم تنضج حتى الساعة، وهذا ما يشكل تحدياً للجنة الخماسية المؤلفة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، في ضوء الحديث عن استعدادها للاجتماع لتنشيط دورها لمساعدة لبنان على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، تمهيداً لعودة لودريان إلى بيروت لتسويق الخيار الرئاسي الثالث، مع استبعاد مجيء الموفد القطري إلى لبنان استباقاً لما سترسمه الخماسية لوقف مسلسل الاجتهاد والتأويل لموقفها من انتخاب الرئيس.

فهل يعيد «حزب الله» النظر في موقفه لتعبيد الطريق أمام استعداد الخماسية للتحرك إنقاذاً لانتخاب الرئيس؟ أم أنه باقٍ على موقفه؟ وبالتالي، كيف سيكون الوضع في حال أن الحرب في غزة ستدخل في فترة مديدة؟ وهل سيكون في وسع البرلمان الحالي أن ينهي الشغور الرئاسي لئلا يبقى السؤال حول عدم قدرته على انتخاب الرئيس مطروحاً إلى أن يصار إلى تبديد الشكوك في هذا الشأن؟


مقالات ذات صلة

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

المشرق العربي البطريرك الماروني بشارة الراعي (الوكالة الوطنية)

«كباش» بين جعجع وباسيل على المرجعية المسيحية رئاسياً

لا تزال الحركة الناشطة على صعيد الملف الرئاسي «من دون بركة»، كما يؤكد مصدر معني بالمشاورات الحاصلة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

الشرع: سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان

تعهد القائد العام للإدارة الجديدة بسوريا أحمد الشرع الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي من آخر جلسة فاشلة لانتخاب رئيس للجمهورية (البرلمان اللبناني)

عون يتقدم رئاسياً ويصطدم برفض «الثنائي الشيعي» تعديل الدستور

يتبين من خلال التدقيق الأولي في توزّع النواب على المرشحين لرئاسة الجمهورية، أن اسم قائد الجيش العماد جوزف عون لا يزال يتقدم على منافسيه.

محمد شقير
المشرق العربي برّي مُصرّ على عدم تأجيل موعد الانتخابات (الوكالة الوطنية للإعلام)

بري لـ«الشرق الأوسط»: انتخابات الرئاسة في موعدها... ولا نشترط تفاهمات مسبقة حول الحكومة

أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري أن المساعي مستمرة لإنجاح الجلسة النيابية المقررة في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية.

ثائر عباس (بيروت)
خاص ناشطون يحملون أعلاماً لبنانية وسورية وصور الصحافي سمير قصير الذي اغتاله النظام السوري السابق لمعارضته له في تحرك ببيروت تحت شعار «مِن بيروت الحرية» احتفالاً بسقوط نظام بشار الأسد (إ.ب.أ)

خاص مصادر لـ«الشرق الأوسط»: ميقاتي أعطى تعليمات للمؤسسات اللبنانية للتعاون مع «هيئة تحرير الشام»

فُتِحَت قنوات التواصل بين لبنان والحكومة السورية المؤقتة، ونَقَل دبلوماسيون رسالة من قائد «هيئة تحرير الشام» إلى لبنان بأنه لا مشكلة مع الدولة اللبنانية

يوسف دياب

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)
جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

مستشفى «كمال عدوان» بغزة: الأمر الإسرائيلي بالإخلاء «شبه مستحيل»

جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)
جريح فلسطيني يتلقى العلاج بمستشفى «كمال عدوان» في شمال قطاع غزة (رويترز)

أمرت إسرائيل، اليوم (الأحد)، بإغلاق وإخلاء أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل جزئياً في منطقة محاصرة في شمال قطاع غزة، مما أجبر المسعفين على البحث عن طريقة لإجلاء مئات المرضى والموظفين بأمان، وفق ما أوردته وكالة «رويترز».

وقال مدير مستشفى «كمال عدوان» في بيت لاهيا، حسام أبو صفية، للوكالة في رسالة نصية إن الامتثال لأمر الإغلاق «شبه مستحيل» بسبب نقص سيارات الإسعاف اللازمة لنقل المرضى. وأضاف: «لدينا حالياً ما يقرب من 400 مدني داخل المستشفى، بما في ذلك الأطفال في وحدة حديثي الولادة الذين تعتمد حياتهم على الأكسجين والحاضنات. لا يمكننا إجلاء هؤلاء المرضى بأمان دون المساعدة والمعدات والوقت». وأوضح: «نرسل هذه الرسالة تحت القصف الشديد والاستهداف المباشر لخزانات الوقود، والتي إذا أصيبت ستتسبب في انفجار كبير وإصابات جماعية للمدنيين في الداخل».

ولم يرد الجيش الإسرائيلي على طلب للتعليق على تصريحات أبو صفية. وكان الجيش قال، أول من أمس، إنه أرسل وقوداً وإمدادات غذائية إلى المستشفى، وساعد في إجلاء أكثر من 100 مريض ومقدم رعاية إلى مستشفيات أخرى في غزة، بعضهم بالتنسيق مع الصليب الأحمر، حفاظاً على سلامتهم. والمستشفى هو أحد المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل جزئياً في شمال قطاع غزة، وهي منطقة تحاصرها إسرائيل منذ ثلاثة أشهر تقريباً في واحدة من أكثر العمليات قسوة في الحرب المستمرة منذ 14 شهراً.

وقال أبو صفية إن الجيش الإسرائيلي أمر بإجلاء المرضى والموظفين إلى مستشفى آخر وضعه أسوأ. وأظهرت صور من داخل المستشفى تكدس المرضى على أسرّة في الممرات لإبعادهم عن النوافذ. ولم يتسنَّ للوكالة التحقق من صحة هذه الصور بعدُ.

وتقول إسرائيل إن حصارها لثلاث مناطق في شمال غزة، وهي بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، يأتي في إطار عملية لاستهداف مسلحي «حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية» (حماس). ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بالسعي إلى إخلاء المنطقة بشكل دائم لإنشاء منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قتال من أماكن قريبة

وبثت حركة «حماس»، اليوم، مقطعاً مصوراً قالت إنه جرى تصويره في شمال قطاع غزة. وظهر في المقطع مقاتلون متمركزون داخل مبانٍ مدمرة ووسط أكوام من الحطام، وكانوا يرتدون ملابس مدنية ويطلقون مقذوفات على قوات إسرائيلية. وقال الجيش الإسرائيلي، اليوم، إن القوات التي تنفذ عمليات في بيت حانون قصفت مسلحين وبنى تحتية تابعة للحركة. وقالت حركتا «حماس» و«الجهاد» إنهما تسببتا في خسائر بشرية في صفوف القوات الإسرائيلية.

من جهة أخرى، ذكرت البطريركية اللاتينية في القدس ووحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن إسرائيل سمحت لبطريرك القدس للاتين بدخول غزة اليوم. وجاء ذلك بعد أن قال البابا فرنسيس بابا الفاتيكان أمس إن البطريرك مُنع من الدخول.

وفي مناطق أخرى في قطاع غزة، قال مسعفون إن غارات عسكرية إسرائيلية في أنحاء قطاع غزة أسفرت عن مقتل 24 فلسطينياً على الأقل. وقُتل ثمانية، بعضهم أطفال، في مدرسة تؤوي عائلات نازحة في مدينة غزة. وقال الجيش الإسرائيلي إن الضربة استهدفت مسلحين من «حماس» يعملون من مركز قيادة داخل المدرسة. وتنفي «حماس» وجود مقاتليها بين المدنيين.

وكثف الوسطاء جهودهم في الأسابيع القليلة الماضية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بعد أشهر من تعطل المحادثات. وشنت إسرائيل الحملة العسكرية على غزة بعد أن اقتحم مقاتلون بقيادة «حماس» بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في هجوم تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

ويُعتقد أن نحو نصف عدد الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة، وعددهم 100، لم يلقوا حتفهم بعدُ. وتقول السلطات في قطاع غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة قتلت حتى الآن أكثر من 45259 فلسطينياً، وأسفرت عن نزوح معظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتدمير أغلب القطاع الساحلي.