دمشق بين فقاعتين... أحياء راقية وأخرى يضربها الوضع الاقتصادي

توفر الكهرباء الدائم مقياس للتفرقة بين ليل مضيء وليل معتم

لقطة عامة لحي أبو رمانة الراقي في العاصمة السورية
لقطة عامة لحي أبو رمانة الراقي في العاصمة السورية
TT

دمشق بين فقاعتين... أحياء راقية وأخرى يضربها الوضع الاقتصادي

لقطة عامة لحي أبو رمانة الراقي في العاصمة السورية
لقطة عامة لحي أبو رمانة الراقي في العاصمة السورية

بات مشهد التناقض في الحياة اليومية فاقعاً وسط العاصمة السورية، بين أحياء راقية يحصل سكانها على الخدمات والسلع مهما تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وبين عموم الأحياء المحيطة بها.

ويكفي الزائر اليوم القيام بجولة في أحياء دمشق ليشاهد ارتفاع صوت الفقر والحرمان، وارتفاعه أكثر في محيطها، مع نقص الخدمات الحكومية وانتشار المتسولين في شوارعها وحدائقها وعلى أرصفتها، وتحولها في الليل إلى مناطق أشباح بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.

تلاميذ مع أهاليهم في محل لملابس تم التبرع بها من الأهالي (رويترز)

على حين يشعر الزائر كأنه انتقل إلى بلد آخر بمجرد دخوله إلى الأحياء الراقية في وسطها (المزة، «المهاجرين»، أبو رمانة، القصاع، التجارة، باب توما، الصالحية، الميسات، المزرعة، الشعلان...) إذ يلاحظ أن سكانها يعيشون في عالم آخر.

أول ما يلفت الانتباه في الأحياء الراقية، نظافة شوارعها الرئيسية والفرعية وانتشار عمال النظافة فيها بكثافة وشطفها بشكل مستمر، وجاهزيتها من الناحية الفنية والعناية الدائمة بأرصفتها، إضافة إلى نظافة وجمال حدائقها بسبب عملية التعشيب المستمر لأرضها وتقليم أشجارها بشكل يعطي منظراً رائعاً يسر النظر.

كما تشهد شوارع الأحياء الراقية؛ الرئيسية والفرعية، ازدحاماً شديداً بالسيارات الفارهة والعادية، مع انتشار كثيف لعمال مواقف السيارات المأجورة، الذين يهرعون إلى أصحاب السيارات لأخذ مفاتيحها لركنها، مقابل «إكرامية» (بين ألف وألفي ليرة)، عدا أجرة الوقوف التي تحتسب بالساعة، وتتدرج من 500 ليرة سورية إلى ألف عن كل ساعة.

ومن شبه المستحيل على أصحاب السيارات إيجاد مكان يركنون سياراتهم فيه إذا لم يلجأوا إلى عمال مواقف السيارات، وأحياناً يضطر صاحب السيارة إلى إعطاء المفتاح للعامل وهي في منتصف الشارع، بسبب الازدحام الشديد وشغل جميع الأماكن في المواقف.

ازدحام السيارات والمارة في حي الشعلان مساء (موقع هاشتاغ)

وتشكل فترتا الظهيرة والمساء ذروة الازدحام في طرقات تلك الأحياء التي أغلب سكانها من الأثرياء والمسؤولين. وسبب الازدحام هو انصراف طلاب وطالبات المدارس وتوافد حافلات نقل كبيرة وسيارات خاصة لنقلهم إلى منازلهم، وكذلك توافد السكان على الأسواق لشراء المواد الغذائية والخضراوات والفاكهة.

وهنا يشاهد المرء ما يطلق عليها سكان دمشق «سوق التنابل» أو «سوق الخوانم» أو «سوق المدللات» في حي الشعلان، التي يعرض فيها أصحاب محال بيع الخضراوات والفاكهة، خضراوات معبأة في أكياس نايلون شفافة جاهزة للطبخ المُباشر، أو الاستهلاك الفوري، مثل الكوسا المحفورة، والبامية المنظفة، واليقطين المنظف والمقطع، والبقدونس المفروم، والبازلاء والفول والفاصولياء المنظفة والجزر المقطع... وتجد إقبالاً كبيراً على شرائها رغم الظروف الاقتصادية السائدة، وفق تأكيد عدد من أصحاب تلك المحال.

يقول لنا أحدهم: «نعرض بضائع طازجة كل يوم، عدا الخضراوات الصيفية المجمدة التي نعرضها في الشتاء»، مشدداً على أن «الناس هنا كلها معها مصاري... الله يتم عليها، لا يهمها إذا دفعت ثمن الكيلو ضعفين أو 3 وحتى 4».

حي الشعلان وسط دمشق يعرض أنواعاً من الخضراوات معدة للطبخ مباشرة بأسعار مضاعفة (فيسبوك)

وأما في الفترة المسائية؛ فإن الازدحام الشديد بالسيارات والمارة سببه الإقبال على المقاهي والمطاعم ومحال الألبسة الجاهزة والأحذية، حيث تشاهد أغلبية الطاولات في المقاهي مشغولة بالشباب والفتيات حتى ساعات ما بعد منتصف الليل، رغم ارتفاع الأسعار بشكل خيالي؛ حيث تصل فاتورة تناول شخصين كأسين من الشاي وفنجانين قهوة مع أركيلة (نارجيلة) بمقهى في حي الشعلان، إلى أكثر من 150 ألف ليرة سورية؛ أي ما يعادل راتب شهر موظف لدى مؤسسات حكومية، فيما يبلغ ثمن وجبة واحدة من «الكوردون» مع علبة بيبسي من دون مقبلات نحو 175 ألفاً.

زينة عيد الميلاد في إحدى أسواق العاصمة دمشق (أ.ف.ب)

وأكثر ما يلفت الانتباه في تلك الأحياء هو الإنارة المتواصلة خلال الليل في الطرقات والمقاهي والمطاعم، وكذلك وجود تيار كهربائي في أغلبية المنازل.

وفي هذا الصدد يوضح أحد سكان الشعلان أن وجود التيار الكهربائي في الحي مرده تركيب معظم المقاهي والمطاعم والمنازل منظومات طاقة شمسية رغم تكاليفها الباهظة (تركيب منظومة تشغل جميع الأدوات المنزلية الكهربائية تكلفته تصل إلى أكثر من 50 مليون ليرة)، في ظل انقطاع التيار الكهربائي الحكومي لساعات طويلة.

أما في بعض مناطق مركز العاصمة والأحياء المحيطة بها، فهناك قصص أخرى؛ إذ تتحول مع حلول المساء إلى مناطق أشباح بسبب انقطاع الكهرباء لساعات طويلة (انقطاع ما بين 8 و10 ساعات، ووصل لساعة واحدة)، بينما يعد إهمالها لناحية نظافة الطرقات سيد الموقف، كما هي الحال في شارع «وكالة الأنباء الرسمية (سانا)» بمنطقة البرامكة، الذي يشهد حالات ازدحام شديدة بالمارة والسيارات طوال النهار، وتشاهد حاويات القمامة متوسطة الحجم ممتلئة دائماً بمخلفات الأكشاك والبسطات، وانتشار الأوساخ من عبوات عصير وماء ومغلفات وبقايا المأكولات بكثافة على أرصفته وجانبيه.

12 مليون ليرة شهرياً تكلفة معيشة الأسرة السورية في عام 2024 (موقع اقتصاد)

ويزداد الإهمال لناحية خدمات النظافة كلما ابتعد المرء عن مركز المدينة باتجاه الأحياء المحيطة به، حيث تنتشر في شوارع الأخيرة الحفر بكثافة وتشاهد الأرصفة بلا أحجار رصف، ناهيك بمشهد تراكم كميات كبيرة من «القمامة» ليومين أو 3 بكميات زائدة عن طاقة الحاويات الاستيعابية، لتشكل تلاً من النفايات ترشح من تحته مياه ملوثة وتنساب إلى منتصف الطريق، وتنبعث الروائح الكريهة، كما هي الحال في سوق الخضراوات بحي الزهور جنوب شرقي العاصمة.

نبش الحاويات بأحد شوارع دمشق (الشرق الأوسط)

وفي ظل حالة الفقر المدقع الذي بات أغلب الأسر في مناطق سيطرة الحكومة السورية تعاني منه، وتأكيد التقارير والدراسات على أن 94 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ترسخت ظاهرتا التسول ونبش حاويات القمامة، وازدادت نسبتهما في معظم شوارع ومناطق دمشق ومحيطها، وباتت تعرض للبيع في الأسواق أصناف تالفة من الخضراوات والفواكه مع وجود إقبال عليها من قبل البعض.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

الاقتصاد فلسطينيون يتجمّعون في مواقع الغارات الإسرائيلية على المنازل والمباني السكنية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (رويترز)

تقرير أممي: آثار الحرب أدت إلى تراجع التنمية في غزة بما يناهز 69 عاماً

توقع تقرير أممي جديد أن يرتفع معدل الفقر في دولة فلسطين إلى 74.3 في المائة في عام 2024، ليشمل 4.1 مليون من المواطنين.

«الشرق الأوسط» (عمان)
الاقتصاد أطفال ينتظرون الغداء في كوخهم بصنعاء (رويترز)

البنك الدولي: 26 من أفقر الدول تعاني ديوناً غير مسبوقة منذ 2006

أظهر تقرير جديد للبنك الدولي أن أفقر 26 دولة بالعالم، التي تضم 40 في المائة من أكثر الناس فقراً، تعاني أعباء ديون غير مسبوقة منذ عام 2006.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم، تعاني أفغانستان ركوداً اقتصادياً كاملاً، فيما يغرق سكانها في الفقر وسط أزمة إنسانية متفاقمة.

«الشرق الأوسط» (كابل)
الاقتصاد واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)

عدد الجياع في العالم يواصل ارتفاعه مع تفاقم الأزمات العالمية

نحو 733 مليون شخص واجهوا الجوع في العام الماضي، أي ما يعادل واحداً من كل أحد عشر شخصاً على مستوى العالم، وواحداً من كل خمسة في أفريقيا.

هلا صغبيني (الرياض)
أفريقيا رجال شرطة نيجيرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها على سحب قوتها العسكرية من النيجر (إ.ب.أ)

جيش النيجر يعلن مقتل 7 مدنيين في هجوم شنه «إرهابيون»

قُتل سبعة مدنيين هذا الأسبوع على يد «إرهابيين» في قرية بمنطقة تيلابيري في غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو، حسبما أعلن الجيش الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (نيامي (النيجر))

غزة: نفاد الأكسجين والمياه من مستشفى كمال عدوان

دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)
دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)
TT

غزة: نفاد الأكسجين والمياه من مستشفى كمال عدوان

دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)
دمار لحق بسيارات إسعاف بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة يوم 26 أكتوبر 2024 وسط الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» (أ.ف.ب)

قالت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم (الجمعة)، إن مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع صار دون أكسجين أو ماء؛ نتيجة القصف الذي شنّته إسرائيل في الليلة الماضية.

وأوضحت الوزارة، في بيان، أن القصف «أدى إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيس بالمستشفى، وثقب خزانات المياه، ليصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى».

وذكر البيان أن المستشفى به 80 مريضاً، وأن هناك 8 مرضى في العناية المركزة، لافتاً إلى أن القصف أسفر عن إصابة 6 أفراد من الطواقم الطبية العاملة بالمستشفى، بينهم حالات خطرة.

كانت «وكالة الأنباء الفلسطينية» أفادت بأن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، أمس (الخميس)، أسفر عن مقتل 90 شخصاً على الأقل، مشيرة إلى أن طائرات مسيّرة إسرائيلية ألقت قنابل على ساحة مستشفى كمال عدوان.