يدفع اليمين الإسرائيلي، الذي يتحكم في قرارات الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، نحو استثمار الحرب في غزة بإعادة العجلة إلى المربع الأول ما قبل اتفاقيات أوسلو وتصفية القضية الفلسطينية ومشاريع الترحيل وإعادة البناء الاستيطاني في غزة. وعلى الرغم من الدعم الأميركي غير المسبوق لإسرائيل في حربها على غزة، يستعد هذا اليمين لمواجهة الولايات المتحدة والضغوط المتوقعة منها بالتمرد عليها، حتى مقابل التخلي عن دعمها.
وقد تجلت هذه المواقف في الضغوط التي يمارسها حزب «الصهيونية الدينية» بقيادة بتسليل سموتريتش، وحزب «عظمة يهودية» بقيادة إيتمار بن غفير، وعناصر عديدة في حزب «الليكود»، على رئيس الوزراء نتنياهو لرفض الضغوط الأميركية الرامية إلى «تقليص الحرب زمناً ونطاقاً» والتي يرون فيها مقدمة لوقف الحرب ويطالبون بالاستمرار فيها بلا هوادة حتى لو كان ثمن هذا قتل أسرى إسرائيليين محتجزين لدى «حماس».
سموتريتش والتهجير
وعاد سموتريتش، يوم الأحد، إلى تكرار دعوته للعمل على تهجير سكان قطاع غزة وإعادة الاستيطان في القطاع، مشيراً إلى أن ذلك منوط بأن «تتصرف إسرائيل على نحو صحيح على الصعيد الاستراتيجي». وفي تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي، قال سموتريتش: «إذا تصرفنا بشكل استراتيجي صحيح، فستكون هناك هجرة وسنعيش في قطاع غزة. لن نسمح بوضع يعيش فيه مليونا شخص هناك».
وأضاف: «إذا ظل هناك 100-200 ألف عربي في غزة، فإن كل الحديث حول اليوم التالي للحرب على غزة، سيكون مختلفاً تماماً». وادعى سموتريتش أن «سكان غزة يريدون مغادرتها. إنهم يعيشون في غيتو وضائقة منذ 75 عاماً». وعبّر سموتريتش عن معارضته لمناقشة مستقبل قطاع غزة أو ما بات يعرف بالخطاب الإسرائيلي بـ«اليوم التالي» للقطاع المحاصر، عادّاً أن ذلك قد يوحي بأن الحرب المتواصلة على غزة منذ 86 يوماً على وشك الانتهاء.
وقال سموتريتش إن الجهد الذي يبذله نتنياهو، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس الموساد دافيد برنياع، يجب أن ينصب على الدفع باتجاه «خطوة دولية إسرائيل شريكة فيها». واستطرد قائلاً: «يجب تشكيل تحالف دولي لتوفير (حل إنساني) لسكان قطاع غزة (في إشارة إلى دفعهم للهجرة الطوعية ودفع دول أخرى إلى استقبالهم)»، ورفض «الاعتماد» على مصر وقطر في هذا السياق.
السيطرة الأمنية
وشدد سموتريتش على ضرورة «السيطرة الأمنية على القطاع من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه»، عادّاً أن صورة النصر تكون بتعزيز الاستيطان في غزة والسيطرة المطلقة عليها. وتابع: «يتعيّن علينا أن نجد البلدان التي ترغب في استقبال سكّان غزة، وينبغي أن يكون ذلك من خلال دولة إسرائيل».
وكرر سموتريتش رفضه لاستلام السلطة الفلسطينية زمام الأمور في قطاع غزة، قائلاً: «سيحكمون هناك تماماً مثلما تحكم (حماس)». وأضاف: «أنا أؤيد إحداث تغيير كامل للواقع في غزة، وذلك من خلال إجراء نقاش حول الاستيطان هناك»، وتابع: «سيتعين علينا أن نحكم هناك لفترة طويلة، علينا أن نعود إلى غزة».
ونشر رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن افرايم عنبار، الذي يعد مرجعية آيديولوجية لليمين الإسرائيلي العقائدي، دراسة بعنوان «دروس أولية للحرب في غزة»، عدّ فيها أن «الخوف أفضل عملة سياسية في هذا الشرق الأوسط». وقال إن «إسرائيل تحتاج إلى جيش أكبر لحماية حدودها والقتال على جبهتين في نفس الوقت. ويجب عليها تقليل اعتمادها على الأسلحة والذخائر القادمة من الولايات المتحدة».
التمرد على أميركا
ومع أن عنبار يمتدح الولايات المتحدة على تقديمها «دعماً عظيماً لإلحاق الهزيمة بـ(حماس)، وتعزيز مكانة إسرائيل باعتبارها حليفاً قيماً لأميركا»، فإنه ينتقد سياستها ويحض على التمرد عليها، قائلاً: «ترفض الولايات المتحدة الإشارة إلى العنوان الرئيسي لعدوان (حماس) و(حزب الله) والحوثيين على إسرائيل: إيران. وقد أثبتت الحرب أن صيغة الدولتين لا تزال تمثل الرد الكلاسيكي للمجتمع الدولي على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني».
وتابع: «هذا على الرغم من أن الحرب تظهر بوضوح أن الفلسطينيين غير قادرين على أن يصبحوا جيراناً طيبين، ولا حتى في الجيل القادم. لقد رفضت السلطة الفلسطينية إدانة الفظائع التي ارتكبتها (حماس)، بل إنها دعت (حماس) إلى الانضمام إليها كشريك أصغر للسلطة الفلسطينية في حكم الفلسطينيين. ووصلت كراهية الفلسطينيين لإسرائيل إلى مستويات لا تصدق».
ويضيف: «إسرائيل تحتاج إلى تحقيق نصر سريع وحاسم على (حماس)، وذلك في المقام الأول لاستعادة قوة الردع المفقودة. ولا يمكنها البقاء في الشرق الأوسط إذا لم يكن هناك خوف منها. الخوف هو أفضل عملة سياسية في هذه المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على إسرائيل أن تواجه العديد من التحديات المباشرة».
وهنا يدخل في صدام مع سياسة واشنطن، فيقول: «من الضروري تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في توريد الذخيرة والأسلحة. هذه مسألة مالية بشكل أساسي: تخصيص ما يكفي من الشواقل لزيادة سعة التخزين، وكذلك استثمارات إضافية في البحث والتطوير. ربما تحتاج الصناعات العسكرية الإسرائيلية إلى تعويض مقابل التحول السريع إلى وضع الطوارئ لتزويد الجيش الإسرائيلي بما يحتاج إليه. والهدف ليس تحرير إسرائيل من الاعتماد على الولايات المتحدة، بل زيادة حرية عمل إسرائيل لفترات أطول في حالات الطوارئ».
القوة العسكرية غير كافية
ويعد عنبار رضوخ إسرائيل للضغط الأميركي لعدم توسيع الحرب إلى الشمال خطأً. ويقول: «كان من الممكن أن يكون انضمام (حزب الله) إلى الحرب فرصة لهزيمة مبعوث إيراني آخر، وهو ما لم يتم استخدامه بسبب عدم توفر القوة العسكرية الكافية. وفي المستقبل، لا ينبغي تفويت فرصة توجيه ضربة استباقية. تعزيز الردع يتطلب الصيانة، واستخدام القوة يشكل إحدى وسائل تحقيق هذه الغاية».
ويقول إن «إيران النووية تشكل مشكلة أمنية يرفض المجتمع الدولي، والولايات المتحدة بشكل خاص، التعامل معها. وفي مواجهة هذا التهديد الوجودي، تقف إسرائيل وحدها. ومن السذاجة الاعتقاد بأنه من دون هجوم عسكري إسرائيلي سيختفي هذا التحدي. على إسرائيل أن تعود إلى رشدها، وأن تستعد لوضع حد للتهديد النووي في إيران».