الدول المتدخلة عسكرياً بسوريا متمسكة بالبقاء في عام 2024

إيران تكثف حضورها العسكري جنوباً... وروسيا لـ«بقاء دائم»

صورة من حساب المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن على منصة «إكس» مجتمعاً بوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في نيويورك 22 سبتمبر الماضي
صورة من حساب المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن على منصة «إكس» مجتمعاً بوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في نيويورك 22 سبتمبر الماضي
TT
20

الدول المتدخلة عسكرياً بسوريا متمسكة بالبقاء في عام 2024

صورة من حساب المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن على منصة «إكس» مجتمعاً بوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في نيويورك 22 سبتمبر الماضي
صورة من حساب المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن على منصة «إكس» مجتمعاً بوزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران في نيويورك 22 سبتمبر الماضي

في الوقت الذي كثفت إيران من وجودها العسكري جنوب سوريا خلال عام 2023، أكدت بقية الدول المتدخلة عسكرياً في سوريا، تمسكها بالبقاء في البلد الذي يشهد نزاعاً وعدم استقرار منذ أكثر من اثني عشر عاماً.

وفي حين تراجع الحضور الروسي للعام الثاني على التوالي، بسبب الحرب الأوكرانية، عززت بقية الأطراف مواقعها، كلٌّ في مناطق نفوذه الرئيسية، كانت إيران تعمل على التمدد في كامل مساحة البلاد، مع تركيز خاص على الجنوب. ودليلاً على أهمية الساحة السورية للدول المتدخلة في الصراع، أكد مسؤولون من هذه الدول، في الأسابيع الماضية، تمسكهم بالحفاظ على انتشار قواتهم هناك. إذ جدَّد وزير الدفاع التركي يشار غولر، شروط حكومته للانسحاب من سوريا، رابطاً ذلك بالوصول إلى «حل سياسي شامل»، بينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن موسكو لا تفكر في الخروج من الأراضي السورية.

وفي السابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أجهض مجلس الشيوخ في الكونغرس الأميركي، مشروع قرار تقدم به السيناتور الجمهوري، راند بول، طالب بانسحاب قوات بلاده من سوريا، بالتزامن مع انطلاق مناورات تدريبية جديدة بين القوات الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق البلاد.

دورية لجنود أمريكيين 12 ديسمبر على مشارف الرميلان بالحسكة شمال شرقي سوريا التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)
دورية لجنود أمريكيين 12 ديسمبر على مشارف الرميلان بالحسكة شمال شرقي سوريا التي يسيطر عليها الأكراد (أ.ف.ب)

المناورات أثارت حفيظة أنقرة التي تُصنف «قسد» منظمة إرهابية، وطالب المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع التركية، زكي أكتورك، الولايات المتحدة، بوقف أنشطتها مع هذه القوات التي يسيطر عليها الأكراد المناوئون لتركيا. وقال أكتورك في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إن بلاده «تتابع عن كثب أنشطة واشنطن مع التنظيمات الإرهابية في سوريا». وأضاف أن «تركيا تنتظر من الولايات المتحدة أن تُنهي كل الدعم والمساعدات التي تقدمها للتنظيم الإرهابي (الوحدات الكردية وقسد)، وأن تقدم دعماً صادقاً لحربها ضد الإرهاب».

مواقع القوى الخارجية جنوب سوريا (جسور للدراسات)
مواقع القوى الخارجية جنوب سوريا (جسور للدراسات)

82 موقعاً إيرانياً جنوباً

«الانتشار الإيراني يزداد»... حسب وائل علوان، الباحث في مركز «جسور للدراسات» السوري، الذي قال إن جميع الدول التي لها وجود عسكري في سوريا، لا تفكر بالانسحاب حالياً، بينما بعضها يريد بقاء مستداماً فيها، وتحديداً روسيا وإيران.

وأشار علوان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى دراسة حديثة للمركز أظهرت أن طهران كثفت خلال الأشهر الأخيرة من وجودها العسكري جنوب سوريا. ففي محافظة درعا، يوجد 49 موقعاً عسكرياً أجنبياً، 6 منها فقط للقوات الروسية، و43 موقعاً للقوات الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها. يتمركز «حزب الله» اللبناني في 17 منها، في حين يتوزع «الحرس الثوري الإيراني» على 8 مواقع. كما يوجد 18 موقعاً عسكرياً مشتركاً بين الحزب و«الحرس الثوري».

أما في محافظة السويداء المجاورة، فتنتشر القوى الخارجية ضِمن 15 موقعاً، 3 منها فقط للقوات الروسية، و12 موقعاً للقوات الإيرانية، 8 لـ«حزب الله» و3 لـ«الحرس الثوري».

في محافظة القنيطرة، يوجد 27 موقعاً، جميعها للقوات الإيرانية، وذلك بعد الانسحاب الروسي من المحافظة بشكل كامل في أعقاب الحرب الأوكرانية 2022. وتنتشر في القنيطرة مجموعات تتبع «حزب الله» اللبناني في 10 مواقع عسكرية، بينما يتمركز «الحرس الثوري الإيراني» في 5 مواقع، ويوجد 12 موقعاً عسكرياً مشتركاً بين الحزب و«الحرس الثوري».

بوتين والأسد ووزير الدفاع الروسي شويغو يحضرون عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية بحميميم قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد ووزير الدفاع الروسي شويغو يحضرون عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية بحميميم قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

روسيا لوجود ثابت

ورغم تراجع الحضور العسكري الروسي منذ انطلاق الحرب الأوكرانية، فإن موسكو تعد وجودها في سوريا «ثابتاً» حتى في حال انتهاء حالة الحرب، إذ أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه لا ينوي سحب قواته من هناك «بسبب وجود مصالح حيوية لبلاده على المدى البعيد»... ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين قوله في المؤتمر الصحافي السنوي، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أن الجيش الروسي موجود في سوريا من أجل «ضمان مصالح روسيا في هذه المنطقة الحيوية من العالم»، مؤكداً: «ما دام وجود تلك الوحدات العسكرية مفيداً لموسكو، فإنها ستبقى هناك».

شروط تركية

تصريحات بوتين جاءت بعد ثلاثة أيام من تأكيد وزير الدفاع التركي يشار غولر، أن انسحاب قواته من سوريا مرهون بالحل السياسي الشامل. واشترط غولر، في مقابلة تلفزيونية، توقيع اتفاق سلام بين المعارضة والحكومة في دمشق، مع كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة، قبل سحب القوات التركية المنتشرة في شمال غربي سوريا.

تعزيزات عسكرية تركية متجهة إلى الحدود مع سوريا نشرتها وكالة الأناضول نوفمبر 2022
تعزيزات عسكرية تركية متجهة إلى الحدود مع سوريا نشرتها وكالة الأناضول نوفمبر 2022

وتحتفظ تركيا بوجود عسكري لها في كل من إدلب وريف حلب وريف الرقة وريف الحسكة، بواقع 127 موقعاً، لتحتل المرتبة الثانية في عدد القواعد والنقاط العسكرية الأجنبية في سوريا، إذ تتصدر إيران القائمة بأكثر من 570 موقعاً، بينما تمتلك روسيا 105، فيما تأتي الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي بالمرتبة الرابعة، بمجموع 30 موقعاً تتوزع بين البادية وشمال شرقي البلاد.

أهداف مختلفة

ووفق هذه الإحصائية، فإن العدد الكلي للمواقع العسكرية الأجنبية في سوريا تجاوز الـ830، «ما يشير إلى عدم تفكير أيٍّ من الدول المتدخلة في الصراع بالانسحاب في الوقت الحالي»، كما يقول المحلل العسكري والاستراتيجي السوري، العقيد عبد الجبار العكيدي. ويضيف في حديث مع «الشرق الأوسط» بهذا الخصوص: «تختلف أهداف كل دولة فيما يتعلق بوجودها العسكري في سوريا باختلاف مصالحها ودوافع تدخلها، فبعضها يخطط لبقاء دائم، مثل إيران وروسيا، اللتين تعدّان سوريا منطقة نفوذ حيوي دفعتا من أجلها الكثير، وبالتالي فإن هذه الدول تفكر في البقاء بغضّ النظر عن الصراع ومآلاته».

مقاتلو فصائل موالية لتركيا يتدربون في معسكر بعفرين بالقرب من الحدود شمال سوريا (أ.ف.ب)
مقاتلو فصائل موالية لتركيا يتدربون في معسكر بعفرين بالقرب من الحدود شمال سوريا (أ.ف.ب)

ويتابع العكيدي: «أما تركيا التي تدخلت بدافع الحفاظ على أمنها القومي، كما تؤكد، خصوصاً لمنع قيام أي كيان كردي على حدودها الجنوبية، فهي واضحة لجهة تحقيق كل أهدافها قبل أي انسحاب».

وبخصوص الولايات المتحدة، يشير إلى أنه «رغم تدخلها تحت عنوان مكافحة تنظيم داعش، وبغطاء من التحالف الدولي، إلا أنها متمسكة بوجودها العسكري في سوريا، لأن هذا يوفر لها حماية قواعدها في العراق، والحفاظ على تأثيرها الحاسم في الملف السوري. ومع أن عدد مواقعها هي الأقل مقارنةً بالدول الأخرى، لكنّ تفوقها التقني يحقق لها التوازن مع بقية الأطراف، بل التفوق النوعي في شمال شرقي البلاد».

أرشيفية لتدريبات ميليشيات إيران في سوريا بينها مقاتلون لـ«حزب الله» اللبناني (المرصد السوري)
أرشيفية لتدريبات ميليشيات إيران في سوريا بينها مقاتلون لـ«حزب الله» اللبناني (المرصد السوري)

وفي حين يقتنع الكثير من السوريين بأن إيران لم تأتِ إلى بلادهم لتغادرها، يرى الباحث وائل علوان أن «جميع الدول تربط انسحابها بإنجاز الحل السياسي، باستثناء إيران، لكن عملياً الجميع يزيد من عدد مواقعه العسكرية وكثافة وجوده على الأرض».

لذلك، يستبعد العقيد العكيدي أن تفكر أي من الدول المتدخلة، جدياً، بالانسحاب، ويرى أنه «حتى في حال حصل حل سياسي في سوريا، فإن أياً من تلك الدول لن تطلب من قواتها المغادرة قبل تأمين مصالحها الاستراتيجية في سوريا، وإن كانت روسيا وإيران واضحتين بخصوص بقاء مستدام لهما في البلاد».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

خاص «داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب) play-circle

خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

يشكل «داعش» تهديداً جدياً لأمن سوريا ومستقبلها وقد توجَّه بآخر إصدار له للرئيس السوري أحمد الشرع مباشرة، محذراً إياه من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب.

سلطان الكنج
المشرق العربي قائد «قسد» مظلوم عبدي يلقي كلمته في المؤتمر الكردي بالقامشلي السبت (الشرق الأوسط)

«مؤتمر تاريخي» لأكراد سوريا طالب بـ«دولة ديمقراطية لا مركزية»

اختتمت أعمال مؤتمر «وحدة الصف والموقف الكردي» الذي عُقد اليوم (السبت) في مدينة القامشلي، أقصى شمال شرقي سوريا، ودعا ببيانه الختامي إلى حل عادل للقضية الكردية.

كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي أحد عناصر الفصائل السورية الموالية لأنقرة يتابع عن بُعد قصفاً تركياً لمحور سد تشرين (أ.ف.ب)

التحالف الدولي يقود وساطة بين تركيا و«قسد» لوقف المواجهات قرب سد تشرين

تقود قوات التحالف الدولي وساطة بين تركيا و«قوات سوريا الديمقراطية»، لخفض التوتر ونزع فتيل المواجهات العسكرية في محيط سد تشرين وفك الحصار عن مدينة عين كومباني.

كمال شيخو (القامشلي (سوريا))
المشرق العربي اجتماع سابق بين قائد «قسد» مظلوم عبدي وقيادة المجلس الوطني الكردي السوري

قطبا الحركة الكردية يتفقان على خريطة طريق ووفد مفاوض مع دمشق

أعلن قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، أن طرفي الحركة الكردية عقدا اجتماعاً مباشراً بعد قطيعة استمرت سنوات؛ واتفقا على خريطة طريق مشتركة وعلى تشكيل وفد موحد لدمشق.

كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال اجتماع مع قادة الجيش (إعلام حكومي) play-circle 00:24

بغداد تعلن مقتل الرجل الثاني في «داعش»

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أمس (الجمعة)، أن قوات الأمن العراقية تمكنت من قتل الرجل الثاني في تنظيم «داعش»

«الشرق الأوسط» (بغداد)

أربيل تتهم «متطرفين» بتخريب السلام الكردي

نقطة حراسة تابعة لقوات «البيشمركة» الكردية في بلدة العمادية شمال إقليم كردستان (شبكة روداو)
نقطة حراسة تابعة لقوات «البيشمركة» الكردية في بلدة العمادية شمال إقليم كردستان (شبكة روداو)
TT
20

أربيل تتهم «متطرفين» بتخريب السلام الكردي

نقطة حراسة تابعة لقوات «البيشمركة» الكردية في بلدة العمادية شمال إقليم كردستان (شبكة روداو)
نقطة حراسة تابعة لقوات «البيشمركة» الكردية في بلدة العمادية شمال إقليم كردستان (شبكة روداو)

أعلن مجلس أمن إقليم كردستان العراق إصابة خمسة من عناصر البيشمركة بهجومين منفصلين بطائرات مسيّرة استهدفت مواقعهم في بلدة العمادية بمحافظة دهوك.

ورجّحت مصادر أمنية تورط «أجنحة متطرفة» من حزب «العمال الكردستاني» في الهجمات، بهدف عرقلة مسارات السلام الجارية في المنطقة، ومنها مفاوضات كردية – كردية، ومباحثات بين أنقرة وعبد الله أوجلان.

وأوضحت المصادر أن هذه «الأجنحة تعمل تحت تسميات مختلفة، وتتمركز في مقرات قريبة من العمادية، وفي جبال قنديل وسنجار».

وأدان مجلس الأمن الكردي «الهجمات الإرهابية»، مؤكداً اتخاذ إجراءات رادعة ضد أي جهة تهدد استقرار الإقليم، في حين أفاد خبراء بأن الهجمات تعكس رفض «متطرفين» مسارات السلام الكردي في المنطقة.