نفى دبلوماسي روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» صحة معطيات تداولتها وسائل إعلام مقربة من المعارضة السورية، حول انخراط أطراف إقليمية في محادثات سرية مع واشنطن وموسكو، لإحياء اتفاق جرى التوصل إليه في عام 2018 وقضى بإبعاد القوات الإيرانية والمجموعات المسلحة التابعة لطهران عن مناطق الجنوب السوري.
وبالتزامن مع تصاعد حدة التوتر حول سوريا، بسبب تواصل الهجمات الإسرائيلية على مواقع حساسة وبروز تكهنات حول تراجع إسرائيل عن تفاهمات سابقة مع موسكو حول تبادل المعلومات بشأن الطلعات الجوية، بدا أن المخاوف من تأثيرات الحرب الجارية في غزة على الملف السوري، تزايدت بشكل كبير، خصوصا لجهة التحذير من انزلاق الوضع نحو توسيع المواجهة جغرافيا، وانخراط سوريا أو مجموعات مسلحة تتخذ من أراضيها منطلقا لنشاطها، في المواجهة المتفاقمة.
وقالت أوساط روسية إن موسكو تراقب بشكل حثيث تطور الوضع حول سوريا، خصوصا «الاستفزازات المتواصلة»، مؤكدة أن موسكو تدعو إلى عدم توسيع نطاق المواجهات في المنطقة.
وشكلت التحذيرات الروسية المتزايدة خلال الأسبوعين الأخيرين، مؤشراً إلى قلق روسي جدي من تأثيرات «الاستفزازات الإسرائيلية» على الوضع في المنطقة عموما، وفي سوريا على وجه الخصوص.
صفقة 2018
في غضون ذلك، حملت تقارير إعلامية معطيات عن انخراط روسيا في مباحثات لتجديد العمل بصفقة تم التوصل إليها في عام 2018، وقضت بإبعاد العسكريين الإيرانيين والمجموعات المسلحة التابعة لطهران عن مناطق الجنوب السوري. ورسمت تلك الصفقة حدودا لمجال التحرك الإيراني في المنطقة تقضي بالابتعاد لمسافة 85 كيلومتراً عن حدود الجولان باتجاه العاصمة السورية.
ونقلت تقارير، لمواقع قريبة من المعارضة السورية عن مصادر دبلوماسية، أن مباحثات متعددة الأطراف تجري حاليا في هذا الشأن، وتهدف للعودة إلى بنود «تسوية عام 2018» في سوريا، التي تضمنت إبعاد الميليشيات الإيرانية مقابل موافقة الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، على وقف تسليح المعارضة السورية وقبول روسيا ضامناً لتنفيذ الاتفاقيات.
ووفق المصادر، فإن جهات دولية كانت طرفاً في التسوية، تخوض مباحثات مع كل من النظام السوري وروسيا في محاولة للعودة لتفعيل «بند إبعاد الميليشيات الإيرانية عن هضبة الجولان، تفادياً لسيناريو استخدام إسرائيل الخيار العسكري، والتوغل في المنطقة الحدودية مع سوريا والعمل على إبعاد الميليشيات بنفسها».
لكنّ دبلوماسياً روسياً تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، نفى صحة تلك التقارير، وأكد أن موسكو لا تخوض محادثات في هذا الشأن مع أي طرف.
ورفض الدبلوماسي وصف اتفاق عام 2018 بأنه «تسوية»، وقال إن موسكو «لم تدخل أصلا في أي تسوية من هذا النوع لا من حيث الشكل ولا المضمون». مشددا على أن عناصر الاتفاق السابق كانت قد حددت في البيان الختامي لمؤتمر سوتشي للحوار بين النظام والمعارضة.
وزاد أن الوساطة التي قامت بها موسكو حول وضع مساحة للتحرك تبعد على الجولان بمسافة 85 كيلومتراً، لم تكن نتاج تسوية مع الغرب، بل نتاج «تحرك روسي مع الشركاء بهدف إزالة حجج واشنطن وتل أبيب، وسحب ذرائع مواصلة الاعتداءات على الأراضي السورية بحجة الخطر الإيراني على أمن إسرائيل».
لكنه شدّد في الوقت ذاته، على أن «هذه لم تكن تسوية بين سوريا وإسرائيل، لأن دمشق لا يمكن أن تنخرط في أي تسويات مع تل أبيب ما دام بقيت أراضيها محتلة».
وعلّق الدبلوماسي الروسي على جانب آخر في التقرير الإعلامي تحدث عن أن طهران «أظهرت طوال فترة التصعيد في غزة رغبة في عدم الزج بنفسها أو بوكلائها في مواجهة موسعة، ولذا نفت مراراً مسؤوليتها عن الهجمات ضد القوات الأميركية في البحر الأحمر والعراق وشمال شرقي سوريا (...) كما أن حدة الهجمات انخفضت بعد فتح قنوات اتصال غير مباشرة بين واشنطن وطهران برعاية سلطنة عمان».
وأشار إلى «انفتاح طهران على التفاوض الذي يحقق لها أو لوكلائها مزيداً من المكاسب». وقال الدبلوماسي، إن «هذه المعطيات خالية من الصحة، ولا تزيد على كونها اجتهادا صحافيا غير مبني على وقائع».
تشدد حيال هجمات
إلى ذلك، شددت موسكو لهجتها تجاه ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية. وبعد تحذير فاسيلي نيبينزيا مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، من اقتراب انخراط سوريا في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وفق وصفه، وجهت الخارجية الروسية تحذيرات أكثر حدة.
وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: «نعد الهجمات المستمرة على أراضي الجمهورية العربية السورية، انتهاكاً صارخاً لسيادة هذه الدولة وللقواعد الأساسية للقانون الدولي. وندين بشدة الهجمات الاستفزازية التي شنتها إسرائيل على منشآت مهمة للبنية التحتية المدنية السورية».
وفي إشارة تحذيرية جديدة قالت الدبلوماسية الروسية، إن «مثل هذه الممارسة الشريرة محفوفة بعواقب خطيرة للغاية، خاصة في سياق التفاقم الحاد للوضع في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما ينتج عنه من زيادة التوتر الإقليمي». وقالت زاخاروفا: «نطالب بوقف التصرفات غير المسؤولة التي تعرض حياة الأبرياء للخطر».
بروتوكولات عدم التصادم
تزامن ذلك، مع تدخل لافت من جانب وزارة الدفاع الروسية التي قلّما تعلّق على تطورات من هذا النوع، وقال الناطق العسكري الروسي في سوريا، فاديم كوليت، إن التحالف المناهض للإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، صعد من حالات انتهاك بروتوكولات عدم التصادم.
. بعد نجاح تصديهما لصواريخ F16 الإسرائيلية في سوريا .. معلومات عن أنظمة "بوك" و"بانتسير" الروسية بقلم ✍️ @sputnik_ar⤵️ https://t.co/GKCdxqGFRt pic.twitter.com/vHZAG2XhLm
— Soufiane_dz (@H_Soufiane_dz) December 3, 2023
وفي إشارة لافتة، قال إن أنظمة صاروخية روسية الصنع من طرازي «بانتسير» و«بوك» لعبت دورا مهما في التصدي لغالبية الأهداف الجوية التي أطلقها سلاح الجو الإسرائيلي على مواقع في سوريا مساء السبت.
وشكّل الحديث عن دور الصواريخ الروسية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، إشارة جديدة من جانب موسكو إلى احتمال أن توسع قدرات الدفاع الصاروخي السوري، خصوصا على خلفية تسليم موسكو بطاريات «إس 300» إلى دمشق في وقت سابق، وتلويحها باحتمال أن تدخل هذه الصواريخ الخدمة العسكرية.
كما علق الناطق العسكري الروسي على تحركات واشنطن في سوريا، ومع إشارته إلى انتهاك بروتوكولات عدم التصادم، قال إن طائرات التحالف انتهكت الأجواء السورية في منطقة التنف عدة مرات خلال الأيام الأخيرة.
كما لفت إلى أنه تم الشهر الماضي تسجيل 206 انتهاكات في هذه المنطقة على خلفية زيادة وتائر التحركات العسكرية لواشنطن وحلفائها.