رمزية مناطق القتال في غزة... من جباليا «مهد الانتفاضة» إلى «بورسعيد الفلسطينية»

«الشرق الأوسط» ترصد خريطة الحرب في القطاع

خان يونس... معارك طاحنة تدور حالياً في معقل "حماس" (أ.ف.ب)
خان يونس... معارك طاحنة تدور حالياً في معقل "حماس" (أ.ف.ب)
TT

رمزية مناطق القتال في غزة... من جباليا «مهد الانتفاضة» إلى «بورسعيد الفلسطينية»

خان يونس... معارك طاحنة تدور حالياً في معقل "حماس" (أ.ف.ب)
خان يونس... معارك طاحنة تدور حالياً في معقل "حماس" (أ.ف.ب)

تصطدم القوات الإسرائيلية بمقاومة شرسة في قطاع غزة منذ بدئها الاجتياح البري في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهي مقاومة لا تنتهي في أي مكان، وتبدو مستمرة ومتصاعدة، حتى بعد إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على مناطق عدة.

ويطلق الإسرائيليون أسماء وتوصيفات للمناطق المستهدفة في القتال في محاولة لإظهار تعقيدات المشهد العسكري، على غرار كلامهم عن «مركز حكم حماس» و«وادي صواريخ الغراد» و«معقل حماس» و«الحي العسكري»، بينما تسمي «كتائب القسام» (الجناح العسكري لـ«حماس») مناطق القتال بأسمائها العادية التي يعرفها الفلسطينيون.

ومنذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 لم ير سكان قطاع غزة الدبابات والآليات الإسرائيلية تقتحم بهذا الشكل عمق المدن والمخيمات التي يجري فيها قتال شرس.

«الشرق الأوسط»، في هذا التقرير، ترسم خريطة لأبرز المناطق التي توغلت بها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة:

* حي الكرامة (يُعرف أيضاً بحي الموظفين)

يقع شمال غربي مدينة غزة، ويعد من أول المناطق التي تعرضت لأحزمة نارية مكثفة مع بداية الحرب الإسرائيلية.

كان يقطن في الحي قبل بدء الحرب الحالية نحو 30 ألف نسمة، ويعد من الأحياء الراقية نسبياً، وتوجد به أبراج الكرامة التي بنتها السلطة الفلسطينية عام 1996، وقد تضررت بشكل كبير بفعل الهجمات الإسرائيلية، كما يقطن فيه غالبية من موظفي السلطة الفلسطينية.

وهذه المرة الثانية التي يشهد فيها هذا الحي عملية برية عسكرية إسرائيلية، بعد أن دخلته قوات الاحتلال في حرب 2008 - 2009، وتسببت بأضرار كبيرة فيه. لكن هذه العملية الجارية هي الأكبر من حيث عدد القتلى والجرحى والأضرار البالغة في المنازل والممتلكات.

وعلى الرغم من سياسة التدمير التي انتهجتها القوات الإسرائيلية، إلا أن الحي شهد مقاومة عنيفة قُتل فيها العديد من الجنود الإسرائيليين، قبل أن تبسط قوات الاحتلال بعد نحو 20 يوماً من القتال الدامي سيطرتها الكاملة على الحي.

مخيم الشاطئ... ترعرع فيه مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين ومساعده آنذاك إسماعيل هنية (د.ب.أ)

*مخيم الشاطئ (يُعرف كذلك بمخيم ياسين ومخيم هنية وبدايات «حماس»)

يقع المخيم غرب مدينة غزة، ويعد من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان، ويضم نحو 103 آلاف لاجئ هُجّر أجدادهم إليه إبان نكبة عام 1948.

سُمّي بهذا الاسم لأنه يقع على شاطئ البحر المتوسط.

آخر مرة شاهد فيها أبناء المخيم الإسرائيليين كان في عام 1993.

وتتهم القوات الإسرائيلية «كتيبة الشاطئ» التابعة لـ«القسام» بأنها كانت تقف خلف العديد من الهجمات في محاور مختلفة بغلاف غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خلال عملية «طوفان الأقصى».

يعدُّ المخيم «مخيم قادة حماس»، إذ ترعرع فيه مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، ومساعده آنذاك إسماعيل هنية الذي أصبح اليوم رئيس المكتب السياسي لـ«حماس».

كان المخيم مركزاً مهماً لهذه الحركة الإسلامية مع بدايات تأسيسها عام 1987، إذ شكّل ساحة لجذب الكثير من الشباب إلى صفوفها وتأطيرهم تنظيمياً.

خلال العملية العسكرية المستمرة في قطاع غزة، قضى العشرات من سكان المخيم وهجّر جميع سكانه، فيما دمرت وتضررت آلاف الوحدات السكنية. وانسحبت قوات الاحتلال منه مع بدء الهدنة الإنسانية التي دامت سبعة أيام، لكنها بقيت متمركزة على أطرافه وأطراف حيي النصر والشيخ رضوان المجاورين، حيث تقع في الحي الأول مستشفيات الرنتيسي، والأطفال، والعيون، والصحة النفسية، وهي منشآت طبية حاصرتها القوات الإسرائيلية وفتشتها وأخلتها بالقوة من المرضى والطواقم الطبية.

*حي الزيتون (حي الكمائن)

يقع هذا الحي جنوب مدينة غزة، ويقطنه أكثر من 120 ألف نسمة، وكان خلال حرب 2008 - 2009، وحرب 2014، مسرحاً لعمليات برية إسرائيلية، كما كان مسرحاً دائماً لعمليات اقتحام مماثلة إبان وجود المستوطنات داخل القطاع.

سُمّي الحي بهذا الاسم نسبة لكثرة أشجار الزيتون التي ما زالت تغطي معظم أراضيه الجنوبية حتى اليوم. فالحي القديم كان يمثّل الجزء المكمل لحي الدرج تجارياً وسكنياً قبل الحرب العالمية الأولى.

يُعد حي الزيتون معقلاً لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، حيث يوصف مقاتلو الحي بأنهم من أكثر المقاتلين خبرةً وشراسةً، وقد اغتالت إسرائيل عدداً من القيادات السياسية والعسكرية للحركتين في الحي على مدار سنوات طويلة من الصراع.

وقد تكبدت القوات الإسرائيلية حالياً خسائر كبيرة في الحي الذي اشتهر سابقاً بالكمائن التي نُصبت فيها للجيش الإسرائيلي، مثل «كمين الدبابة» عام 2004 عندما قُتل 6 من الجنود في عملية تفجير، وأيضاً «كمين منطقة السموني» خلال حرب غزة الأولى (2008 - 2009)، بالإضافة إلى كمائن عدة نُصبت في حرب عام 2014 وتم فيها قتل وسحب جنود عبر الأنفاق.

قطاع غزة... مناطق ومخيمات تحمل دلالات رمزية للفلسطينيين (الشرق الأوسط)

* حي تل الهوى (حي رجالات السلطة الفلسطينية ورجال الأعمال)

يُعد هذا الحي من الأحياء الراقية جنوب غربي مدينة غزة، ويقطن فيه نحو 75 ألف نسمة، وكان يعد معقلاً لحركة «فتح» والسلطة الفلسطينية التي بنت فيه الكثير من الأبراج السكنية عام 1996، ويقطنه غالبية من كبار موظفي السلطة والعاملين في أجهزتها الأمنية، والكثير من رجال الأعمال والتجار وغيرهم. كما يوجد فيه منزل الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سيطرت عليه «حماس» في أعقاب سيطرتها على قطاع غزة عام 2006.

تعرضت أطراف الحي في حرب 2008 - 2009 لعملية توغل بري وصلت فيها القوات الإسرائيلية إلى ما يُعرف بـ«أبراج منطقة برشلونة»، منها دخلت إلى أطراف حي الصبرة ومنطقة الصناعة.

وخلال العملية الحالية، نجحت القوات الإسرائيلية بالسيطرة عليه كاملاً، بعد غارات جوية مهولة وقصف مدفعي عنيف. وخلال تقدم الجيش الإسرائيلي في الحي نجح في السيطرة على مجمع أنصار الحكومي، ومبنى الأمن، ومقرات لوزارات حكومية تابعة لحكومة «حماس»، كما التفّ من خلاله في اتجاه مستشفى الشفاء.

ولا يزال الحي يشهد هجمات متفرقة على الرغم من السيطرة الإسرائيلية عليه.

*حي الرمال («العاصمة» و«مركز حكم حماس»)

أرقى الأحياء في مدينة غزة، ويعد قلبها النابض حياتياً واقتصادياً حتى أن بعضهم يطلق عليه «العاصمة» بسبب وجود حركة تجارية دائمة فيه. وتوجد فيه الكثير من المؤسسات الاقتصادية، وحتى الحكومية، ومقر المجلس التشريعي الذي تم تفجيره.

يضم ساحة الجندي المجهول، وهي متنزه عام يؤمه الكثير من الغزيين في مختلف المناسبات، ومنها احتفالات رأس السنة وغيرها.

تقول إسرائيل إنه «مركز حكم حماس»، وقد حوّلته إلى كومة من الركام.

* بيت حانون

تقع على الحدود الشرقية والشمالية من شمال قطاع غزة، وتوغلت القوات الإسرائيلية في هذه البلدة انطلاقاً من حاجز إيرز، الذي سيطر عليه مقاتلو «حماس» خلال هجومهم المفاجئ على غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي.

تعرضت البلدة التي يقطنها أكثر من 62 ألف نسمة لقصف عنيف واقتحام بري واسع، لكن المقاومة فيها عنيفة ومستمرة.

*بيت لاهيا

تقع البلدة شمال قطاع غزة. وجزء منها يطل على الحدود الشمالية للقطاع. تشهد البلدة التي يصل عدد سكانها إلى نحو 98 ألف نسمة اشتباكات عنيفة ما زالت مستمرة على الرغم من تمكن القوات الإسرائيلية من السيطرة على أجزاء كبيرة منها.

جباليا المدمرة... مهد الانتفاضة الأولى (رويترز)

*جباليا («معقل حماس» في شمال القطاع ومهد الانتفاضة الأولى)

تضم جباليا، جبالبا البلد، ومخيم جباليا، وكذلك المنطقة المعروفة بتل الزعتر، إلى جانب منطقة الفالوجا. وكل هذا المناطق، الواقعة شمال قطاع غزة، من أهم معاقل حركة «حماس»، وفيها العديد من القيادات البارزة، منهم من اغتيلوا منذ سنوات طويلة، وحتى خلال الأحداث الجارية.

تقدمت القوات البرية الإسرائيلية إلى عدة مناطق فيها مثل تل الزعتر، والفالوجا، وبعض مناطق مخيمة جباليا، وسط اشتباكات عنيفة وغير مسبوقة.

واغتالت إسرائيل في جباليا، خلال الحرب الحالية، قائد لواء شمال القطاع في «كتائب القسام»، أحمد الغندور، بالإضافة إلى عدد من القادة من مساعديه المسؤولين عن جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.

ولمخيم جباليا تاريخ طويل من النضال، ومنه تفجّرت الانتفاضة الأولى عام 1987، كما أنه شهد عام 2004 معركة شهيرة عام سُميت باسم أيام الغضب.

ويبلغ عدد سكان جباليا بمختلف أقسامها أكثر من 360 ألف نسمة.

*حي الشجاعية (المكان الأسوأ لإسرائيل)

يقع شرق مدينة غزة، ويقطنه أكثر من 170 ألف نسمة، ويعد معقلاً للقادة العسكريين.

وكان خلال حرب 2008 - 2009، وحرب 2014، مسرحاً لعمليات برية إسرائيلية، كما كان مسرحاً دائماً لعمليات اقتحام مماثلة إبان وجود إسرائيل داخل القطاع قبيل الانسحاب عام 2005.

عاش ويعيش في الحي أبرز القادة العسكريين للفصائل، بينهم أحمد الجعبري الذي كان يوصف بأنه «قائد أركان المقاومة»، وهو الرجل الثاني في «كتائب القسام» بعد محمد الضيف، واغتيل عام 2012، وبهاء أبو العطا القيادي في «الجهاد الإسلامي» الذي اغتيل عام 2018.

يشهد الحي معارك ضارية، وتقول إسرائيل إنه «أسوأ مكان في العالم»، وفيه مقاتلون شرسون.

اشتهر الحي بعدما اختطف من على مشارفه الجندي أورون شاؤول في حرب 2014، واغتالت إسرائيل فيه قبل أيام قليلة وسام فرحات قائد كتيبة حي الشجاعية الذي كان مسؤولاً عن عملية أسر الجندي. وأصيب في تلك الحرب (2014) غسان عليان الذي كان قائداً لقوات «لواء غولاني»، واشتهرت له صورة بشظايا أصابت وجهه، وهو يعمل حالياً مسؤولاً عما يُعرف بـ«منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية»، وكان ممن يدعمون استمرار الدعم القطري لغزة مقابل الهدوء.

خان يونس... مدينة يحيي السنوار (رويترز)

*خان يونس («بورسعيد الفلسطينية» ومسقط رأس الضيف والسنوار)

أكبر محافظات قطاع غزة، وتقع جنوبه، ويعيش فيها نحو 390 ألف نسمة، وتنقسم لقسمين شرقي وغربي.

كانت أجزاء من أراضيها الغربية والشمالية والشرقية جزءاً من مستوطنات إسرائيلية مقامة داخل القطاع حتى الانسحاب عام 2005. وشهدت تلك المستوطنات سلسلة هجمات فلسطينية قُتل وأصيب فيها العشرات من المستوطنين، خصوصاً إبان الانتفاضة الثانية التي اندلعت لغاية عام 2000.

تشتهر خان يونس (أو خانيونس) بكثرة أنفاقها الهجومية والدفاعية، ولها تاريخ من المقاومة يبدأ منذ منتصف الخمسينات حين كان الناس يغنّون لها «خان يونس يا بورسعيد كفاحك كفاح مجيد».

ولد فيها محمد الضيف القائد العام لـ«القسام»، ويحيى السنوار قائد حركة «حماس» بغزة حالياً، وشقيقه محمد، أحد مساعدي الضيف وكان مسؤولاً عن أسر الجندي جلعاد شاليط، وغيرهم من كبار قادة «حماس» الذين فشلت إسرائيل حتى الآن بالوصول إليهم، رغم أنها تعدّوهم المسؤولين المباشرين عن هجوم السابع من أكتوبر.

وتشهد خان يونس حالياً معارك طاحنة.


مقالات ذات صلة

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)

مستشفيات غزة مهددة بالتوقف عن العمل... و19 قتيلاً في القصف الإسرائيلي

حذرت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة أمس (الجمعة)، من توقف كل مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
TT

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)
فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

قُتلت 3 سيدات فلسطينيات، صباح السبت، بعد إطلاق نار أمام أحد المخابز العاملة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في مشهد جديد يكشف عن حجم المأساة التي وصل إليها سكان القطاع في ظل تفاقم الظروف الإنسانية والحياتية. ووقع الحادث أمام مخبز «زادنا 2» في شارع البركة بدير البلح، حينما تم إطلاق نار في المكان، وسط تضارب للروايات حول ظروف إطلاق النار، وإذا ما كان مباشراً أو نتيجة خطأ.

فلسطينيون في دير البلح ينتظرون الحصول على خبز (أرشيفية - رويترز)

وتقف يومياً ولساعات، طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة» خبز واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً، ومن بينها المخبز الذي وقعت أمامه الحادثة، وهو يعد من أشهر المخابز، كما أنه الوحيد الذي لم يتوقف تقريباً عن العمل، قبل أن يضطر لإغلاق أبوابه بعد الحادثة المؤلمة. وبينما قال أصحاب المخبز، إن النساء قُتلن بعد إطلاق نار من خارج المخبز، بعد تدافع وقع خارجه، وإن مصدره ليس من الحراس الذين يقفون للتنظيم ولحماية المخبز من السرقة، بل كان نتيجة إشكالية خارجه بين أفراد من عائلتين، قال شهود عيان إن إطلاق النار تمّ من قبل أحد الحراس، لكنه لم يكن مباشراً، بل كان نتيجة انفلات سلاحه منه بعد إطلاقه النار في الهواء.

فلسطينيون أمام مخبز مقفل وسط غزة (أرشيفية - أ.ب)

وقال مصدر صحافي من دير البلح لـ«الشرق الأوسط»، إن عائلة المتهم بإطلاق النار اضطرت لترك منزلها خوفاً من عملية انتقامية ضدها، مشيراً إلى أن النساء اللواتي قتلن هن نازحات من مدينة غزة. وأوضح المصدر أن مُطلِق النار كان يقف أمام المخبز للمشاركة والمساهمة في حمايته، ضمن اتفاق جرى بين أصحاب المخبز وعوائل دير البلح؛ لتمكين المواطنين من الحصول على الخبز في ظل المجاعة الكبيرة التي باتت تزداد صعوبةً في مناطق وسط وجنوب القطاع. ويوجد في دير البلح نحو 850 ألف نازح، يضاف إليهم أكثر من 300 ألف نسمة من سكان المدينة.

فلسطيني يلوح بيده بعد الحصول على ربطة خبز في مدينة غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ودفع الحادث مخاتير ووجهاء المدينة للتدخل لمحاولة منع تفاقم الأوضاع فيها، وأن تكون هناك ردة فعل انتقامية تخرج عن سيطرة الجميع. وحمَّل بعض المواطنين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، المخاتير والوجهاء والشخصيات المختصة المسؤولية عن الحادث، بعد أن قرروا تخصيص كميات الطحين التي تدخل إلى دير البلح، لصالح المخابز، وبيع «ربطة واحدة» فقط لكل عائلة، لإتاحة الفرصة أمام العوائل الأخرى للحصول على حصة مماثلة. ورأى البعض أنه كان من الممكن أن يتم توزيع كيس طحين واحد على كل عائلة بدلاً من زيادة الازدحام على المخابز، وتحميل المواطنين فوق طاقاتهم بالانتظار لساعات طويلة جداً، من أجل الحصول على ربطة واحدة لا تكفي لوجبة طعام واحدة فقط.

فلسطيني يعبِّر عن فرحته بعد حصوله على أرغفة الخبز من مخبر في غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويصل سعر «ربطة الخبز» الواحدة داخل المخبز بعد اصطفاف طابور لساعات طويلة إلى 3 شواقل (أقل من دولار واحد بقليل)، بينما يصل السعر خارجه إلى 30 أو 40 شيقلاً (ما يعادل نحو 11 دولاراً)، في حين وصل سعر كيس الطحين الواحد في وسط وجنوب القطاع، إلى 1000 شيقل أو أكثر (أي ما يعادل نحو 255 دولاراً). ويعاني وسط وجنوب قطاع غزة، من نقص حاد في توفر كميات الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة المساعدات من قبل بعض عصابات اللصوص، إلا أن الأوضاع في الشمال بالنسبة لتوفر الطحين أفضل حالاً بعد أشهر من المجاعة التي عانى منها سكان تلك المناطق، واضطروا حينها لطحن أكل الحيوانات من أجل سد رمق جوعهم. وبدأت هذه المعاناة في وسط وجنوب القطاع منذ نحو شهر فقط، مع توقف إمدادات المساعدات الغذائية، وسرقة غالبية ما كان يتم السماح بدخوله، الأمر الذي أدى لمفاقمة الوضع الإنساني. وأفاد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، بأن القوات الإسرائيلية منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة، البالغ عددها 129، من الوصول إلى قطاع غزة، الأسبوع الماضي. وأجبر الواقع الحالي، أصحاب المخابز لنشر مسلحين لحماية الطحين المتوفر لديها، ومنع سرقته من قبل عصابات اللصوص المنتشرة بشكل كبير. ولجأت بعض المخابز لاستئجار أولئك المسلحين على هيئة حراس أمنيين، في حين اتفق وجهاء ومخاتير وجهات مختصة مع مسلحين من عوائل لحماية المخابز في مناطقهم التي يعيشون فيها. ويتخوف السكان من استمرار إسرائيل في التلاعب بإدخال كميات مساعدات كافية، الأمر الذي سيفاقم من حالة المجاعة التي تزداد حالياً في مناطق وسط وجنوب القطاع بشكل أكبر من الشمال الذي عاش هذه الظروف بشكل أقسى لأشهر عدة.