غزيون يحولون عيادات ومدارس وملاعب إلى «مدافن مؤقتة»

على أن يتم نقلهم إلى المقابر حين تأتي الفرصة

مشيعون يصلّون على جثث ضحايا القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة في 3 ديسمبر (أ.ف.ب)
مشيعون يصلّون على جثث ضحايا القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة في 3 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

غزيون يحولون عيادات ومدارس وملاعب إلى «مدافن مؤقتة»

مشيعون يصلّون على جثث ضحايا القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة في 3 ديسمبر (أ.ف.ب)
مشيعون يصلّون على جثث ضحايا القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة في 3 ديسمبر (أ.ف.ب)

حمل أدهم الحميدي جثمان شقيقه محمد، ودفنه في ساحة عيادة في الحي الذي يسكن فيه في شمال مدينة غزة، بعد أن تقطعت به السبل ولم يتمكن من نقله إلى إحدى مقابر المدينة، لكثافة الغارات الإسرائيلية، وتدمير الدبابات العسكرية بعض الشوارع، وتربص المسيرات بكل من يتحرك.

انتظر الحميدي يوماً كاملاً، حتى استطاع انتشال جثمان شقيقه من أسفل منزل أحد أقاربه في حي الشيخ رضوان، لكنه بعد وقت طويل وثقيل لم يعرف خلاله ماذا سيفعل في الجثمان، فنقله إلى عيادة قريبة جداً ودفنه هناك بمساعدة 2 من أقاربه.

قال الحميدي لـ«الشرق الأوسط»: لم أستطع نقله إلى المقبرة التي تبعد كيلومتراً واحداً. ظل جثمانه أمامي وأنا لا أعرف ماذا سأفعل به. ثم اتفقت مع أقاربي على دفنه في ساحة عيادة حكومية هنا. إنه أمر ثقيل».

اتخذ الحميدي قرار دفنه في العيادة بعدما تعرضت عربة يجرها حيوان (حمار) إلى طلقات نارية، بينما كانت تقل الجثمان إلى أقرب مقبرة. ولفت إلى أنه «لم يرد أن يتسبب في قتل آخرين (بقصف) في أثناء نقل قتيلهم، «عدنا ودفناه في ساحة العيادة القريبة» التي تحولت فيما بعد إلى مقبرة مؤقتة.

وشارك الحميدي بعد ذلك في دفن آخرين في ساحة العيادة. وشرح لنا أنه وغيره يقومون بعملية الدفن بشكل مؤقت، وفق تعاليم الدين، على أن يتم لاحقاً نقلها لمقابر رسمية.

بانتظار هدنة

ومع استمرار الهجمات الإسرائيلية وسقوط الضحايا الذين يتعذر نقلهم إلى المقابر، لجأ الأهالي في غزة إلى استغلال كل المساحات الممكنة لإقامة مقابر مؤقتة.

في مكان آخر في الحي نفسه، تم دفن أكثر من 40 فلسطينياً، في ملعب كرة قدم صغير.

وينتظر الغزيون توقف الحرب أو هدنة إنسانية من أجل نقل جثامين أحبائهم.

فلسطينيون يشيعون جثمان إحدى الضحايا جراء القصف الإسرائيلي في قطاع غزة (رويترز)

وخلال الهدنة الإنسانية الأخيرة التي امتدت لسبعة أيام، نقل ذوو العديد من الضحايا جثامين أبنائهم من ساحات العيادات والمراكز الصحية والملاعب وساحات المدارس والمنازل، إلى المقابر المخصصة للدفن.

وقال أحمد قزعار، من سكان حي الكرامة شمال مدينة غزة، إنه في ثاني أيام الهدنة الإنسانية نقل جثمان شقيقه خالد وزوجته و2 من أبنائهما، إلى مقبرة الفالوجا الواقعة على أطراف مخيم جباليا شمال القطاع، حيث تم مواراتهم الثرى.

رجل يجلس متأثراً بينما تجري عمليات البحث عن ضحايا أسفل أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين بعد قصفه (رويترز)

وأضاف قزعار لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن يجب تركهم في ساحة صغيرة لمنزل أحد الجيران. كان يجب مواراتهم إلى مثواهم الأخير». ودفن شقيق أحمد وعائلته لمدة 14يوماً في ساحة منزل غير مأهول في حي الكرامة، قبل أن يتم نقلهم إلى المقبرة.

ووفقاً للعديد من الشهادات، فإن عشرات الحالات المماثلة سجلت في أنحاء مدينة غزة وشمال القطاع، حيث تركزت عمليات القتال البري بكثافة قبل أن تتوسع العمليات لاحقاً لتشمل جنوب القطاع.

حصار «الشفاء»

اختبر الغزيون لأول مرة في حرب إسرائيلية، التعامل مع مقابر مؤقتة وأخرى جماعية، وجثامين لم يستطيعوا دفنها لأيام.

وتحولت ساحة مستشفى الشفاء خلال فترة حصاره من قبل قوات الاحتلال، إلى مقبرة مؤقتة يتم نقل الجثامين فيها لاحقاً، بعد تفتيشها من قبل الجيش الإسرائيلي وإخضاع بعضها لفحص الحمض النووي، لتدفن في مدينة غزة أو مناطق أخرى مثل خان يونس التي تم دفن أكثر من 100 جثمان فيها في مقبرة جماعية بعد أن تم تسلميهم من قبل الجيش الإسرائيلي.

ويعاني الغزيون في أحيان كثيرة من عدم التعرف إلى جثامين أقاربهم فيتم دفنهم وفق أرقام محددة.

خلال الهدنة الإنسانية، عندما عاد جهاد أبو عودة إلى منزله في مخيم الشاطئ، عثر على جثمانين لشابين لم يتم التعرف عليهما، وبسبب عدم وجود إسعافات، وخروج مستشفى الشفاء عن الخدمة في أعقاب تخريبه من قبل قوات الاحتلال، اضطر لدفن الشابين في ساحة لا تتعدى الـ10 أمتار، داخل مدرسة لـ«الأونروا»، ووضع علامة تدل على أنهما قبران لشهيدين، وبجانبهما علم فلسطين.

فلسطينيون يعاينون جثامين ضحايا القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا أمام المستشفى الإندونيسي شمال غزة 18 نوفمبر (أ.ب)

وقال أبو عودة لـ«الشرق الأوسط»: «العديد من الشهداء عثر عليهم ولم يستطع أحد التعرف عليهم أو دفنهم في أي مقابر».

وتتخوف الجهات الحكومية، خاصة وزارة الصحة في قطاع غزة، من تكرار هذا المشهد الخطير على الواقع الصحي والبيئي في مناطق جنوب قطاع غزة، مع بدء قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة بالمنطقة.

وإضافة إلى نحو 16 ألفاً قتلتهم إسرائيل فوق الأرض، لا يزال هناك الآلاف تحت أنقاض المنازل لا تستطيع طواقم الدفاع المدني انتشالهم، ولا يعرف متى أو كيف سيتم دفنهم، وإذا كان يمكن التعرف إليهم لاحقاً أو لا.


مقالات ذات صلة

دحلان يجدد رفضه تولي دور أمني أو حكومي في غزة

المشرق العربي القيادي الفلسطيني محمد دحلان (صفحته عبر «فيسبوك»)

دحلان يجدد رفضه تولي دور أمني أو حكومي في غزة

قال القيادي الفلسطيني محمد دحلان، اليوم (الخميس)، إن وقف الحرب هو الأولوية القصوى، مجدداً رفضه تولي أي دور أمني أو حكومي في غزة.

«الشرق الأوسط» (دبي )
المشرق العربي أشخاص يسيرون في شارع بجوار المباني التي دُمرت خلال القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة في 23 يوليو 2024 وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)

دراسة: عدد القتلى في غزة كان دقيقاً إلى حد كبير في الأيام الأولى للحرب

وجدت دراسة جديدة تحلل الأيام الـ17 الأولى من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، أن أرقام وزارة الصحة بغزة بشأن القتلى في الأيام الأولى للحرب كانت ذات مصداقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس... 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

هل ينبئ موقف هاريس بشأن حرب غزة بتحول محتمل عن سياسة بايدن؟

يؤشر موقف هاريس الصريح بشأن حرب غزة إلى تحول محتمل عن سياسة جو بايدن تجاه إسرائيل بينما تتطلع نائبة الرئيس الأميركي إلى الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي ناشط يلصق لافتة على عمود إنارة احتجاجاً على الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخطابه أمام الكونغرس في واشنطن (رويترز)

نتنياهو يقول إن الاتفاق في غزة قريب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعائلات رهائن محتجزين في قطاع غزة إن التوصل إلى اتفاق مع حركة «حماس» أصبح قريباً.

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في طوكيو 8 نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

الخارجية الأميركية تنتقد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي

أصدرت الخارجية الأميركية هذا اليوم السبت بياناً بشأن قرار محكمة العدل الدولية بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
TT

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

ونقلت صحيفة «الأمة» الباكستانية عن وزير الشؤون الدينية، شودري حسين، أن 50 ألف مواطن باكستاني اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية.

وأعرب وزير العمل العراقي، أحمد الأسدي، عن قلقه واستنكاره لتزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكداً أن وزارته ستحقق في اختفاء آلاف الباكستانيين في العراق، وأن هذا الأمر «سيكون محل اهتمام للتحقق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم».

وأعلنت الشرطة العراقية اعتقال العشرات من الباكستانيين، يبدو أنهم من الذين تسربوا خلال زيارتهم المراقد الدينية.