في التخطيط لـ«اليوم التالي» بعد الحرب… كلٌّ يغنّي على ليلاه

السلطة تريد دولة كاملة وواشنطن تريد سلطة متجددة وإسرائيل لا تريد فلسطينيين… لكن هل يأتي اليوم الذي سيلي «حماس» فعلاً؟

نازحون فلسطينيون من خان يونس إلى رفح اليوم الثلاثاء (د.ب.أ)
نازحون فلسطينيون من خان يونس إلى رفح اليوم الثلاثاء (د.ب.أ)
TT

في التخطيط لـ«اليوم التالي» بعد الحرب… كلٌّ يغنّي على ليلاه

نازحون فلسطينيون من خان يونس إلى رفح اليوم الثلاثاء (د.ب.أ)
نازحون فلسطينيون من خان يونس إلى رفح اليوم الثلاثاء (د.ب.أ)

لا تجد الإدارة الأميركية أجوبة سهلة في تل أبيب ورام الله عن الأسئلة الكثيرة حول «اليوم التالي» بعد الحرب على قطاع غزة. وإذا كان بعض الأهداف يتقاطع إلى حد ما بين واشنطن ورام الله وتل أبيب، فإنه عندما تأتي الأمور إلى الهدف النهائي يتضح أن كلاً منهم يغنّي على ليلاه. فواشنطن تريد سلطة فلسطينية «متجددة» تحكم الضفة الغربية وغزة، والسلطة تريد أن تحكم هي وفق اتفاق شامل يفضي إلى حل الدولتين، وإسرائيل بحكومتها الحالية لا تريد حل الدولتين ولا الدولة الفلسطينية ولا السلطة الحالية ولا حتى سلطة متجددة، وربما تود تقويض السلطة برمتها لو أتيح لها ذلك.

وخلال شهرين منذ بداية الحرب على قطاع غزة عقب هجمات «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انهمكت الإدارة الأميركية في رحلات ومباحثات مكوكية، شارك فيها كل شخص تقريباً يتمتع بمنصب ونفوذ في هذه الإدارة، بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزير دفاعه لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إضافة إلى مسؤولين آخرين، في محاولة للوصول إلى تصوّر متفق عليه، معقول وقابل للتطبيق. لكن الأميركيين اصطدموا بواقع أكثر تعقيداً مما تبدو عليه الشعارات والأمنيات والتطلعات.

عباس وبلينكن... خلاف فلسطيني - أميركي حول السلطة «المتجددة» (أ.ف.ب)

وتحاول الإدارة الأميركية دفع تفاهمات مبدئية حول أن سلطة فلسطينية يجب أن تحكم في غزة بعد الحرب. والحديث عن سلطة فلسطينية لا يعني السلطة بشكلها الحالي. فهذه السلطة رفضت العودة إلى حكم غزة إلا ضمن اتفاق سياسي شامل، وهي سلطة مرفوضة أصلاً من قبل إسرائيل، وهو ما دفع واشنطن لاستخدام مصطلح «سلطة فلسطينية متجددة»، علماً بأن هذا الطرح لاقى، بعد كل شيء، غضباً في رام الله، ورفضاً كذلك في إسرائيل.

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس غاضب من الإدارة الأميركية، التي يعد أنها تماهت مع موقف إسرائيل في العدوان الدموي على غزة أولاً، ثم في الهجوم على السلطة الفلسطينية.

وأكدت المصادر أن فكرة «سلطة متجددة» مرفوضة في رام الله، على أساس أن أسباب الطرح وأهدافه معروفة، وهي محاولة إسرائيلية بالأساس لتقويض السلطة الفلسطينية لاحقاً.

وأخبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعضاء القيادة الفلسطينية في اجتماع عقد في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أنه لن يسمح بتمرير ما وصفها بـ«المؤامرة»، وقال لهم إنه «يوجد عنوان واضح لكل شيء، وهو منظمة التحرير بمن فيها، لا سلطة جديدة ولا متجددة ولا أي شيء آخر».

ويؤمن عباس وأركان القيادة الفلسطينية بأن ثمة «مؤامرة» على السلطة الفلسطينية تُحاك في ذروة الحرب المدمرة على قطاع غزة، وهي قناعة عبّر عنها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية في مستهل كلمة أمام الحكومة الفلسطينية يوم الاثنين، قائلاً إن إسرائيل تشن حرباً على السلطة الفلسطينية وعلى كل الفلسطينيين، مضيفاً: «يرى رئيس وزراء حكومة الاحتلال في المنظمة والسلطة والحكومة رمز الوطنية الفلسطينية، ورمز الدولة، ورمز وحدة العنوان السياسي، ورمز وحدة الأراضي الفلسطينية، لذلك فهو يحاربنا يومياً».

دعاية إسرائيلية في تل أبيب تضع عصبة «حماس» على جبين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أ.ب)

والحرب التي يشنها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على السلطة ليست متعلقة برفضه عودتها إلى غزة فقط، بل هو يحرّض على عباس، ويقول إنه منكر لـ«المحرقة» (النازية ضد اليهود) ولـ«المجزرة» (التي نفذها مقاتلو «حماس» في 7 أكتوبر)، ويتهمه أيضاً بأنه «يموّل الإرهاب» وبأن سلطته ضعيفة في الضفة وأنه اختُبر سابقاً في غزة قبل أن تنتزعها منه «حماس» عام 2007.

ويأتي ذلك في وقت تفرض فيه إسرائيل أجواء حرب يومية على الضفة تقتل معها وتعتقل الفلسطينيين، بمن فيهم أعضاء في السلطة الفلسطينية التي حجبت تل أبيب أموال المقاصة عنها وتركتها عاجزة عن دفع الرواتب.

وقال مسؤول فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم (أي الإسرائيليين) يسعون إلى تقويض السلطة. يريدون التخلص منها في الضفة كذلك وليس في غزة فقط». وأضاف: «انظر كيف يتعامل نتنياهو مع فكرة سلطة فلسطينية في غزة... إنه يرفض أي فلسطيني هناك ويقول إن إقامة السلطة كانت أصلاً خطأ».

بنيامين نتنياهو يتفقد قواته في قطاع غزة في 26 نوفمبر الماضي (مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وأكد نتنياهو مراراً أنه لا يريد سلطة فلسطينية في غزة. لكنه كان أكثر وضوحاً في محادثات مغلقة الأسبوع الماضي عندما قال ليس فقط إنه لن تكون هناك سلطة فلسطينية أو سلطة متجددة في غزة بعد الحرب، بل «لن تكون هناك سلطة فلسطينية في غزة على الإطلاق». وأفادت هيئة البثّ الإسرائيلية العامة («كان11»)، في تقرير نشرته مساء الاثنين، أن نتنياهو قال ذلك للأميركيين.

ويخطط نتنياهو لسيطرة أمنية في قطاع غزة، وهو مخطط يعارضه الأميركيون الذين يعتقدون أن حكم الفلسطينيين لأنفسهم هو أفضل خيار.

وتحدثت كامالا هاريس، نائبة بايدن، مع عباس يوم الاثنين، وقالت له إنه يجب أن يكون هناك أفق سياسي واضح، وكررت دعم الولايات المتحدة لتوحيد الضفة الغربية وغزة في ظل سلطة فلسطينية متجددة. وأخبرت نائبة الرئيس الأميركي الرئيس الفلسطيني أنه لمتابعة هذه المحادثة واجتماعاتها في دبي المتعلقة بالتخطيط لـ«اليوم التالي»، فسيسافر مستشارها للأمن القومي، الدكتور فيل غوردون، إلى إسرائيل والضفة الغربية هذا الأسبوع لإجراء مناقشات إضافية.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن... جهود أميركية لرسم معالم «اليوم التالي» للحرب في غزة (أ.ب)

لكن عباس قال لها إنه لا يمكن القبول بمخططات إسرائيل في غزة، مضيفاً أن «لا فصل، ولا احتلال، ولا اقتطاع أو عزل أي جزء من قطاع غزة»، وأخبرها بأن الحل الأمثل هو في «عقد المؤتمر الدولي للسلام، من أجل توفير الضمانات الدولية والجدول الزمني للتنفيذ، وتولي كامل المسؤولية عن كامل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة». وأضاف أن «الحلول الأمنية والعسكرية أثبتت فشلها، ولن تحقق الأمن والاستقرار للمنطقة».

وما يطرحه عباس ترفضه إسرائيل أصلاً، وما تطرحه واشنطن يرفضه الطرفان كلياً أو جزئياً، وهذا يشمل فكرة إقامة انتخابات فلسطينية، وهي فكرة طرحتها واشنطن من دون أن تنتبه إلى أن انتخابات بعد الحرب قد تعني فوز «حماس» التي تهدف كل التحركات الأميركية الحالية إلى استبعادها.

نزوح... ودمار في رفح اليوم الثلاثاء (أ.ب)

وتعترف واشنطن بالتعقيدات، وقال الوزير بلينكن في آخر زيارة له للمنطقة إنه ليس لدى الإدارة الأميركية أي وهم بأن هذا سيكون سهلاً و«ستكون هناك خلافات في الطريق»، ولكن الخيارات الأخرى، كما قال، هي «هجمات إرهابية ومزيد من العنف ومزيد من معاناة الأبرياء، وهذا غير مقبول».

لكن إذا كانت إسرائيل لا تريد سلطة فلسطينية، وتقول إنها لا تريد احتلال غزة، فماذا تريد؟

لا يبدو، في الواقع، أن هناك أحداً يعرف ماذا يريد نتنياهو، لا في أجهزة الأمن الإسرائيلية، ولا في السلطة الفلسطينية.

وفي هذا الإطار، قال مسؤول فلسطيني لـ«يديعوت أحرونوت»: «المستوى السياسي غير معني بإعادة السلطة إلى القطاع. فهمنا. لكنه غير معني أيضاً بحكم عسكري إسرائيلي. إذن، ماذا؟ وكالة الغوث (غوث اللاجئين)؟ الأمم المتحدة؟ ربما سويسرا؟ يجب أن نفهم. ليس هناك خيار دولي جدي. لا أحد يقف في الطابور ويريد تحمّل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة. إذا لم تخطط إسرائيل لتحمل المسؤولية، فستضطر لتفهم أن السلطة الفلسطينية هي الجهة التي يجب أخذها بالحسبان، لليوم التالي لحماس في غزة».

باختصار، ترفض السلطة العودة إلى غزة على ظهر دبابة، وتقول واشنطن إن أي سلطة إذا عادت يجب أن تكون متجددة، أما نتنياهو فيقول إن أي فلسطيني لن يحكم القطاع مباشرة بعد الحرب لأن إسرائيل هي من سيتولى مسؤولية الأمن فيه لفترة غير محددة. وواضح أن لا أحد يضع خطة واضحة لـ«اليوم التالي»، بل مجرد أفكار. مرة مرحلة انتقالية، ومرة قوات دولية، ومرة عربية لليوم الذي سيلي إسقاط حكم «حماس».

يحيى السنوار... هدف الحرب الإسرائيلية القضاء على حكم «حماس» في غزة (د.ب.أ)

لكن السؤال الأهم هل فعلاً سيأتي اليوم الذي سيلي «حماس»؟

يقول الإسرائيليون إن هذا الأمر معقد وسيحتاج إلى عمل طويل. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد عدّ أن ذلك قد يحتاج إلى 10 سنوات من العمل.

وفي النهاية، يبدو أن الجميع مقتنع بأن «حماس» ليست مجرد نفق يمكن تدميره بالقوة العسكرية، بل هي آيديولوجيا أيضاً.


مقالات ذات صلة

مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات في غارات إسرائيلية جنوب قطاع غزة

المشرق العربي تصاعد الدخان بعد غارات إسرائيلية على منطقة غرب خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

مقتل 7 فلسطينيين وإصابة العشرات في غارات إسرائيلية جنوب قطاع غزة

 قتل سبعة فلسطينيين وأصيب العشرات في غارة إسرائيلية على منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية play-circle 06:14

خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

«هذه ليست غزة. إنه مخيم اليرموك»... لا تكفي قراءة اللافتة مراراً عند مدخل المخيم الفلسطيني المحاذي لدمشق لترسخ هذه الحقيقة في ذهن الزائر.

بيسان الشيخ (مخيم اليرموك (دمشق))
شؤون إقليمية فلسطينيون يفرون من مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أرشيفية)

«هدنة غزة»... مساعٍ إلى «حل وسط» لإبرام الاتفاق

جهود مكثفة للوسطاء لتقريب وجهات النظر خلال مفاوضات الهدنة بقطاع غزة، في ظل حديث إعلامي عن «شروط جديدة» أخرت إعلان الاتفاق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً مصاباً في غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط غزة (رويترز)

بينهم 7 أطفال.. مقتل 12 شخصاً من عائلة واحدة في غارة إسرائيلية على غزة

أعلن الدفاع المدني في قطاع غزة مقتل12 شخصاً من عائلة واحدة، بينهم 7 أطفال، في غارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج مندوب فلسطين رياض منصور يتحدث خلال اجتماع لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة (أ.ب)

السعودية ترحب بقرار أممي حول التزامات إسرائيل

رحّبت السعودية بقرار للأمم المتحدة يطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ميقاتي: الجيش سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)
TT

ميقاتي: الجيش سيقوم بمهامه كاملة في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي

رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)
رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رئاسة الحكومة)

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الاثنين، إن الجيش اللبناني سيقوم بمهامّه كاملة في جنوب لبنان، بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي التي توغلت فيها، موضحاً أن اجتماعاً سيُعقَد مع اللجنة التي تشرف على وقف إطلاق النار.

وقال ميقاتي، من ثكنة الجيش اللبناني في بلدة مرجعيون بجنوب لبنان، خلال جولة قام بها، صباح اليوم الاثنين: «سنعقد اجتماعاً مع اللجنة التي تشرف على وقف إطلاق النار، وأمامنا مهامّ كثيرة أبرزها انسحاب العدو من كل الأراضي التي توغّل فيها خلال عدوانه الأخير، وعندها سيقوم الجيش بمهمّاته كاملة»، وذلك وفق ما أفاد بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء.

وأعلن ميقاتي أن «الجيش لم يتقاعس يوماً عن مهامّه، ونحن أمام امتحان صعب، وسيُثبت الجيش أنه قادر على القيام بكل المهامّ المطلوبة منه، وأنا على ثقة كاملة بهذا الأمر». وقدَّم التحية لقائد الجيش العماد جوزيف عون «شاكراً له دعمه الكامل للجيش».

كان مجلس الوزراء قد وافق على خطة انتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني، في السابع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

ويأتي تعزيز انتشار الجيش في جنوب لبنان، تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي بدأ تنفيذه في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.