«خلافات فنية» تصاحب عملية تبادل الأسرى في يومها الثاني

«حماس» طالبت إسرائيل بالالتزام ببنود الاتفاق المتعلقة بإدخال الإغاثة لشمال غزة

صورة وزَّعتها حركة «حماس» لعملية الإفراج عن الأسرى في غزة أمس (رويترز)
صورة وزَّعتها حركة «حماس» لعملية الإفراج عن الأسرى في غزة أمس (رويترز)
TT

«خلافات فنية» تصاحب عملية تبادل الأسرى في يومها الثاني

صورة وزَّعتها حركة «حماس» لعملية الإفراج عن الأسرى في غزة أمس (رويترز)
صورة وزَّعتها حركة «حماس» لعملية الإفراج عن الأسرى في غزة أمس (رويترز)

عاش السكان في غزة دون قصف وقتل، لليوم الثاني في الهدنة الإنسانية، بينما صاحب خلافات عملية تبادل دفعة ثانية من الأسرى تسبَّبت في تأخير التنفيذ. وصمدت الهدنة في يومها الثاني بالقطاع مع ترقُّب اليومين المتبقيَّيْن منها، وسط حديث عن إمكانية تمديدها. وشهدت صفقة تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل خلافات وتعديلات كثيرة قبل تنفيذها.

وأعلن الجناح العسكري لحركة «حماس»، في ساعة متأخرة من مساء السبت، أنه قرَّر تأخير إطلاق سراح الدفعة الثانية من الرهائن حتى تلتزم إسرائيل بالسماح لشاحنات المساعدات بدخول شمال قطاع غزة. وقالت «كتائب القسام»: «تقرر تأخير إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى حتى يلتزم الاحتلال ببنود الاتفاق المتعلقة بإدخال الشاحنات الإغاثية لشمال القطاع».

وكانت وسائل إعلام قد نقلت عن مصدر في «حماس» إعلانه عن بدء عملية الإفراج عن الدفعة الثانية من الرهائن المحتجَزين لدى الحركة منذ هجومها على إسرائيل، الشهر الماضي، على أن تطلق إسرائيل في المقابل سراح دفعة أخرى من الفلسطينيين من سجونها، في ثاني أيام الهدنة، بعد 7 أسابيع من حرب مدمِّرة.

وقال المصدر من «حماس»: «تبدأ (كتائب عز الدين القسام) تسليم الدفعة الثانية من الأسرى الإسرائيليين إلى (الصليب الأحمر) في خان يونس، وعددهم 14 محتجزاً».

وفي المقابل، أعلنت سلطات السجون الإسرائيلية أنه سيتم إطلاق 42 معتقلاً فلسطينياً.

امرأة تنظر إلى صور الرهائن الذين تحتجزهم «حماس» في غزة (إ.ب.أ)

قائمة بأسماء 42 أسيراً فلسطينياً

وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد قالت في وقت سابق من يوم السبت، إن مصلحة السجون تلقت قائمة بأسماء 42 أسيراً فلسطينياً، من أجل الإفراج عنهم بموجب صفقة التبادل، على أن تفرج الحركة في غزة عن 14 إسرائيلياً، وتسلمهم لـ«الصليب الأحمر»، لكن حتى الساعة الرابعة عصراً لم تكن أي خطوة قد اتُّخذت. وأرجعت مصادر أمنية إسرائيلية التأخير إلى أسباب فنية، دون أن يوضح التفاصيل.

لكن مصادر قالت إن قائمة إسرائيلية ضمَّت اسم فتى مفرَج عنه قادت إلى أزمة، في حين قالت مصادر أخرى إن عدم التزام إسرائيل بمعايير الأقدمية ومحاولة تغيير مكان إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجن «عوفر» قرب رام الله إلى مدينة أريحا، في محاولة لمنع الاحتفالات، سبَّب الأزمة، وقالت مصادر ثالثة إن نقصاً في عدد الشاحنات التي دخلت إلى غزة فجّر خلافاً.

وأكد رئيس هيئة الأسرى والمحرَّرين، قدورة فارس، أن إسرائيل أخلَّت بالاتفاق الذي نص على تحرير الأسرى حسب الأقدمية، وحاولت تسليم الأسرى في أريحا بدل رام الله، ورفضنا ذلك. وتحدث فارس عن استياء لدى فصائل المقاومة.

جندي إسرائيلي ينظف دبابة على حدود قطاع غزة (أ.ب)

سيناريو التسليم

وفي سيناريو مشابه لسيناريو يوم الجمعة، من المقرَّر أن يستقبل أفراد من جهاز الأمن العام (الشاباك)، الأسرى الإسرائيليين، ومن ثَمّ يقوم الجيش الإسرائيلي بنقلهم عبر معبر كيرم شالوم (كرم أبو سالم) إلى قاعدة حتسيريم الجوية بالقرب من بئر السبع لاستقبال أولي، والخضوع لفحص جسدي ونفسي قصير.

وخصَّص الجيش جندياً واحداً لمرافقة كل طفل أو أسرة. وطُلب من الجنود التعريف عن أنفسهم والتحدث بشكل مطمئن إلى الأطفال، ولكن في الوقت نفسه عدم الإمساك بأيديهم أو حملهم إلا بموافقتهم، إذا كانت هذه الإجراءات ضرورية، وطُلب من الجنود شرح ما يفعلونه بالضبط وإعطاء السبب.

وكتعليمات عامة للعملية خلال الأيام المقبلة، طُلب من الجنود تجنُّب الإجابة عن أي أسئلة يسألها الأطفال المفرَج عنهم حول مكان وجود أهلهم أو أقاربهم الآخرين. وقام الجيش بإعداد علماء نفس وخبراء صحة عقلية لاستقبال الرهائن. وسيشرح لهم الخبراء تدريجياً ما حدث في بلداتهم، في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، عندما يرون أن الوقت مناسب. ولا يشمل ذلك أولئك الذين يحتاجون إلى رعاية طبية فورية، حيث نُقلوا مباشرة من الحدود إلى المستشفى في إسرائيل.

وكان اليوم الأول من الهدنة، يوم الجمعة، قد شهد إفراج «حماس» عن 13 رهينة من النساء والأطفال الإسرائيليين، بينما أطلقت إسرائيل 39 معتقلاً فلسطينياً من النساء والأطفال.

وتبدو الهدنة صامدة في يومها الثاني؛ إذ أوقف الجيش الإسرائيلي قصفه على غزة وعملياته العسكرية داخل القطاع. كما أوقفت «حماس» إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل. وكانت «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى قد اقتادت معها يوم تنفيذ الهجوم غير المسبوق على إسرائيل، قرابة 240 رهينة من مناطق محاذية لقطاع غزة، فيما يُقدِّر الجيش الإسرائيلي أن هناك 215 رهينة ما زالوا في غزة.

اعتصام أهالي الأسرى الفلسطينيين أمام «الصليب الأحمر» برام الله للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم والتضامن مع غزة (أ.ف.ب)

فرص تمديد فترة الهدنة

من جانبه، قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، الذي تشارك بلاده في الوساطة، إن هناك «اتصالات مصرية مكثفة تجري حالياً مع كل الأطراف لتمديد فترة الهدنة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لمدة يوم أو يومين إضافيين، بما يعني الإفراج عن مزيد من المحتجَزين في غزة والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية».

وتحمل الهدنة بعض الهدوء لسكان غزة البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة، الذين نزح منهم 1.7 مليون، بعد قصف إسرائيلي عنيف منذ السابع من أكتوبر قُتِل فيه 14854 شخصاً، وفق حكومة «حماس»، بينهم 6150 طفلاً. وتسبب هجوم «حماس» في إسرائيل بمقتل 1200 شخص، غالبيتهم مدنيون، حسب السلطات الإسرائيلية.

وفي مستشفيات جنوب قطاع غزة، تواصل قوافل من سيارات الإسعاف إجلاء المصابين من مستشفيات الشمال. وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» أشرف القدرة أنه «لا توجد سعة فيها (...) لاستيعاب مَن يتم نقلهم إليها».

وأضاف أنها تفتقر «لأي مقومات صحية لاستقبال المصابين». ولا تزال أعداد كبيرة من النازحين في الجنوب يحاولون العودة إلى بيوتهم في مناطق أخرى، منها في الشمال الذي تعده إسرائيل منطقة عمليات عسكرية، وتمنع العودة إليها.

دفن جثث فلسطينيين قُتلوا في الغارات الإسرائيلية على غزة بعد نقلهم من مستشفى الشفاء (رويترز)

محاولات العودة لشمال القطاع

وقد قُتِل شخص الجمعة في إطلاق نار إسرائيلي على مجموعات كانت تحاول العودة لشمال القطاع، وأُصيب العشرات بجروح، بحسب «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)». وأصيب 7 أشخاص بجروح يوم السبت في حوادث مماثلة، وفق وزارة الصحة التابعة لـ«حماس». وتضرر أو دُمِّر أكثر من نصف المساكن في قطاع غزة، وفقاً للأمم المتحدة. وفرضت إسرائيل على قطاع غزة الذي يخضع أصلاً لحصار منذ وصول «حماس» إلى السلطة عام 2007، «حصاراً كاملاً»، منذ التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، وقطعت عنه إمدادات الماء والغذاء والكهرباء والدواء والوقود. وتتوقع إسرائيل أن تكون «حماس» قادرة على إيجاد 30 امرأة وطفلاً آخرين محتجَزين لدى فصائل وجماعات أخرى في غزة، ولذلك أعدَّت من البداية قائمة بأسماء 300 أسير فلسطيني (من النساء والأطفال دون سن التاسعة عشرة). وتبادل الأسرى هو البند الأساسي في التهدئة التي شملت بنوداً أخرى تسمح للمساعدات بالتدفق للقطاع.

وصول المساعدات

وأرسلت السلطات المصرية، السبت، دفعة جديدة من المساعدات للفلسطينيين، عبر نحو 200 شاحنة من المساعدات الطبية والغذائية و3 شاحنات سولار بحمولة 150 ألف لتر، و4 شاحنات غاز بواقع 48 طناً، وسمحت بدخول فلسطينيين عالقين إلى غزة، واستقبلت المزيد من الجرحى الفلسطينيين والمرضى.

ويعاني سكان مدينة غزة من نقص حاد في الغذاء والدواء والماء، مع مواصلة حصار المدينة، كما يعانون من توقف المستشفيات. وأعلن المتحدث باسم وزارة صحة غزة أشرف القدرة السبت، إخلاء المستشفى الإندونيسي بالكامل، والعمل على إخلاء بقية الجرحى من مجمع الشفاء الطبي، ثم ترحيلهم جميعاً إلى الجنوب.

وفي حين نزح آخرون من الشمال إلى الجنوب، منعت إسرائيل عودة نازحين من الجنوب إلى الشمال. وواصل الغزيون استغلال الهدنة الإنسانية في قضاء حوائجهم المتعددة، بما في ذلك تفقُّد منازلهم، ومواصلة انتشال جثامين من تحت الأنقاض، والحصول على الوقود والغاز والمواد الغذائية.

وفي الضفة الغربية، اقتحمت إسرائيل في الصباح الباكر بلدة قياطية في جنين شمال الضفة الغربية، في حملة واسعة انتهت بقتل الجيش للطبيب شامخ كمال أبو الرب (25 عاماً)، وإصابة شقيقه محمد وشاب آخر بالرصاص، واعتقال آخرين. وشامخ أبو الرب هو نجل القائم بأعمال محافظ جنين الذي يُعدّ ممثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المدينة.

واقتحام جنين جاء ضمن اقتحام واسع للضفة جرى خلاله اعتقال 17 فلسطينياً في الضفة الغربية، مما يرفع عدد المعتقلين إلى 3160 منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبدء الحرب على قطاع غزة الذي عاش سكانه السبت يوماً آخر بلا قصف وقتل ودمار.


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تشغّل طائرات مسيّرة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل كوّنت أول وحدة قتالية للفتيات المتدينات جراء نقص الجنود

قالت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن إسرائيل كوّنت لأول مرة وحدة قتالية للفتيات المتدينات بالكامل بها مستشارة دينية نسائية بسبب نقص الجنود المقاتلين مع تعدد الحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية تنشط في منطقة جبل الشيخ بسوريا في هذه الصورة المنشورة بتاريخ 9 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:10

ماذا يربط «7 أكتوبر» باحتلال إسرائيل لجبل الشيخ؟

إصرار إسرائيل على احتلال جانب آخر من جبل الشيخ، ضمن جنيها ثمار انهيار نظام الأسد، يشير إلى «عقدة 7 أكتوبر» في تل أبيب.

نظير مجلي (تل أبيب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
TT

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق، وليد جنبلاط، القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في «قصر الشعب».

وزار جنبلاط، الذي كان أول زعيم ومسؤول لبناني يبادر إلى التواصل مع الشرع، دمشق، على رأس وفد من الحزب وكتلة «اللقاء الديمقراطي»، يضم نجله تيمور، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، ووفد من المشايخ والإعلاميين.

لعودة العلاقات ومحاكمة عادلة

وتحمل هذه الزيارة، التي هنّأ خلالها جنبلاط، الشرع، بـ«انتصاره»، بعداً وطنياً يرتكز على مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا، فهي تحمل كذلك بعداً درزياً يرتبط بما ستكون عليه علاقة السلطة الجديدة في سوريا مع الأقليات، تحديداً الطائفة الدرزية، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليها، وهو ما كان الشرع واضحاً بشأنه في لقائه مع الزعيم الدرزي بالقول: «سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاداً لأي طائفة»، مضيفاً أن «عهداً جديداً بعيداً عن الحالة الطائفية بدأ».

وفي كلمة له أثناء لقائه الشرع، هنأ جنبلاط القيادة السورية الجديدة بـ«التحرّر من نظام حكم (بشار) الأسد، والتطلع نحو سوريا الموحدة... عاشت سوريا حرّة أبية كريمة».

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)

وقال جنبلاط: «من جبل لبنان، من جبل كمال جنبلاط، نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية - السورية من خلال السفارات، وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري، وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ».

وأضاف: «الجرائم التي ارتبكت بحق الشعب تشابه جرائم غزة والبوسنة والهرسك، وهي جرائم ضد الإنسانية، ومن المفيد أن نتوجه إلى المحكمة الدولية لتتولى هذا الأمر والطريق طويل»، مشيراً إلى أنه سيتقدم بـ«مذكرة حول العلاقات اللبنانية السورية».

الشرع: النظام السابق قتل الحريري وجنبلاط والجميل

في المقابل، تعهد الشرع، الذي التقى جنبلاط للمرة الأولى مرتدياً بدلة وربطة عنق، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور. وفيما لفت إلى أن «المعركة أنقذت المنطقة من حربٍ إقليميّة كبيرة، وربما من حرب عالمية»، أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني، وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع».

ولفت الشرع إلى أن «النظام السابق كان مصدر قلق وإزعاج في لبنان، وهو عمل مع الميليشيات الإيرانية على تشتيت شمل السوريين»، مؤكداً أن «نظام الأسد قتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل». وتعهد بأن «يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه سوية بدون حالات استخدام العنف والاغتيالات»، وقال: «أرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وشدد الشرع على حماية الأقليات، قائلاً: «مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا... لا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم». وأضاف: «اليوم يا إخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري».

دروز سوريا

وتحدث عن دروز سوريا تحديداً، مذكراً بأن «الإدارة الجديدة أرسلت وفوداً حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد»، وقال: «أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم في الثورة، وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة».

وأضاف: «سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا»، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.

أبي المنى وشعار الدروز

من جهته، قال الشيخ أبي المنى إن «شعب سوريا يستحق هذا السلم، ويستحق الازدهار، لأن سوريا قلب العروبة النابض». وأشار إلى أن «الموحدين الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه، فهم مخلصون للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الأطرش وشعار الكرامة، وكرامتهم من كرامة الوطن، لذلك نحن واثقون أنكم تحترمون تضحياتهم وهم مرتبطون بوطنهم».

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط في «قصر الشعب» بدمشق قبيل لقائه الشرع (أ.ف.ب)

ارتياح في السويداء

ولاقت زيارة الزعيم الدرزي إلى دمشق ارتياحاً في أوساط السوريين الدروز. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أهلية متقاطعة في السويداء، جنوب سوريا، أن هناك توافقاً بين الزعامات الروحية حول الموقف من «إدارة العمليات» ممثلة بقائدها أحمد الشرع، والتأكيد على العمقين الإسلامي والعربي لطائفة الدروز الموحدين وخصوصية جبل العرب، ودورهم التاريخي في استقلال سوريا كمكون سوري أصيل، وتطلعهم إلى دستور جديد يجمع عليه السوريون.

وحسب المصادر، فإن «هذا الموقف كان مضمون الرسالة التي حملها الوفد الدرزي إلى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، الأحد، وقد كانت نتائج الاجتماع إيجابية»، واعتبر دروز السويداء أن زيارة جنبلاط «خطوة عقلانية وحكيمة باتجاه الحفاظ على وحدة سوريا، وقطع الطريق على كل من يحاول تخريب العيش المشترك بين جميع السوريين، ووأد الفتن ما ظهر منها وما بطن».

ووفق المصادر، كان وفد درزي من لبنان زار السويداء قبل يوم من زيارة جنبلاط إلى دمشق، والتقى مشيخة العقل في السويداء، حيث قال شيخ العقل حمود الحناوي إنهم يتطلعون إلى «مواقف جنبلاط وأهلنا في لبنان باعتبارها سنداً ومتنفساً للتعاون من أجل مصالحنا كمواطنين سوريين لنا دورنا التاريخي والمستقبلي».

بعد 13 عاماً

ودخل الجيش السوري، لبنان، عام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق «قوة الوصاية» على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إليها ولاحقاً إلى حليفها «حزب الله»، قبل أن تحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من قادة الحزب بالسجن مدى الحياة، على خلفية قتل 22 شخصاً بينهم الحريري.

ويتهم جنبلاط، دمشق، باغتيال والده كمال في عام 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ونُسبت اغتيالات العديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.

وعلى خلفية هذه الاغتيالات، تأرجحت علاقة الزعيم الدرزي مع النظام السوري السابق، الذي كان قد قاطعه وشنّ هجوماً غير مسبوق على رئيسه المخلوع، واصفاً إياه بـ«القرد» في المظاهرات التي نظمها فريق «14 آذار» إثر اغتيال الحريري عام 2005، قبل أن تعاد هذه العلاقة وترمّم بشكل محدود في عام 2009، لتعود إلى مرحلة العداوة مجدداً مع مناصرة جنبلاط للثورة السورية التي انطلقت عام 2011.

أما اليوم، وبعد 13 عاماً، عاد الزعيم الدرزي إلى دمشق «شامخاً مظفراً بالنصر»، وفق ما وصفه أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، عبر حسابه على منصة «إكس»، مضيفاً: «ها قد عدنا إلى سوريا الحرة مع الأمل الكبير الواعد بأن تنعم سوريا وشعبها بالحرية والديمقراطية والتنوّع والاستقرار والازدهار»، داعياً إلى «بناء أفضل العلاقات التي تحفظ سيادة وحرية واستقلال وطننا الحبيب لبنان وتحفظ سوريا الواحدة الموحدة الأبية».

وتوجه إلى السوريين بالقول: «هنيئاً لكم ولنا الانتصار الكبير، ويبقى الانتصار الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية والحرية والهوية».