بالإضافة إلى الآثار النفسية الرهيبة والدمار المهول، بلغ عدد القتلى في الحرب التي تشهدها منطقة قطاع غزة في الشهر الأول، أعدادا مخيفة، تزداد فظاعة مع التدهور الحاصل فيها والذي ينذر بمزيد من الضحايا والأخطار؛ خصوصاً مع الإصرار الإسرائيلي على أن تكون حربا طويلة لعدة شهور وربما سنة وأكثر.
وبحسب تقارير وزارة الصحة الفلسطينية، فقد حصدت هذه الحرب حتى الآن، الثلاثاء 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، 10328 شخصا (إسرائيل تقدر عددهم بأكثر من 20 ألفا)، بينهم 4237 طفلا و2716 امرأة، بالإضافة إلى 25956 إصابة. وتم تدمير أكثر من 120 ألف بيت، وتهجير نحو 1.2 من بيوتهم. وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية، قتل 220 شخصا واعتقل 2215 شخصا، وهدم 120 بيتا.
وتؤكد المصادر الفلسطينية، أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في شهر واحد، جراء الغارات الإسرائيلية، يزيد على عدد القتلى في حرب أوكرانيا، الذي بلغ 9806 ضحايا طوال سنتين تقريبا. كما شلت الحياة الاقتصادية والتعليمية تماما في قطاع غزة وجزئيا في الضفة الغربية.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن عدد القتلى يضاهي 1400 شخص، أي أكثر من قتلى حرب 1967 التي خاضتها إسرائيل مع جيوش ثلاث دول عربية (779 قتيلا)، بينهم 850 مدنيا، وعدد الجرحى 5500 شخص. ووقع في أسر حماس 240 إسرائيليا وأجنبيا. ودمرت مئات المباني، وتم إخلاء 115 ألف إسرائيلي من بيوتهم بقرار حكومي وإخلاء 109 آلاف برغبتهم، من 29 بلدة في غلاف قطاع غزة و22 بلدة على حدود لبنان.
وبحسب الإسرائيليين، بدأت هذه الحرب ردا على قيام مجموعات من 3000 فلسطيني من «حماس» وبقية الفصائل الفلسطينية، بينهم مدنيون، بهجوم على إسرائيل بغرض تدميرها، وذلك في الساعة 06:29 من صباح يوم السبت، 7 أكتوبر الماضي. وأن عددا من المهاجمين «قتلوا مئات المدنيين بينهم أطفال ونساء ومسنون، وأحرقت عائلات في بيوتها أحياء، وتم توثيق أحد المهاجمين وهو يقطع رأس جندي بأداة زراعية، وهاجموا حفلا للشباب اليهود وقتلوهم بشكل جماعي».
وأعلنت إسرائيل الحرب رسميا على حماس هدفها «إبادة هذه الحركة وتصفية قدراتها على الحكم وقدراتها العسكرية». واعترفت بأنها اتخذت شكلا جديدا من الحروب، تقصف فيه غزة من بعيد، بواسطة سلاح الجو وسلاح البحرية والمدافع والدبابات، لتدمير أي مكان يوجد فيه قادة حماس أو أي من عناصرها المسلحة، حتى لو كان مزدحما بالمدنيين، بلا رحمة، بذريعة أن قادة حماس يختبئون في أماكن قريبة من المدنيين وأنهم يتخذون منهم دروعا بشرية.
وبهذه الطريقة قصفوا حتى المستشفيات والمدارس. وبعد ثلاثة أسابيع كاملة من هذا القصف الرهيب، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية برية بحثا عن قادة حماس والمخطوفين الإسرائيليين.
وتصر إسرائيل على أن هجوم حماس ليس له علاقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن حماس تنتهج طريقا وحشية في حربها ضد المدنيين اليهود وحتى العرب المسلمين من مواطنيها. وتعيد التذكير بكيفية تنفيذ الحركة انقلابها على السلطة الفلسطينية، وقتلت 160 شخصا من حركة فتح، قسم منهم قتلوا بإلقائهم من عمارات شاهقة أو بالرصاص أو بالتعذيب داخل السجون، وقسم منهم بأدوات حادة مثل البلطات، بحسب الإسرائيليين.
أما الرواية الفلسطينية، فتقول إن إسرائيل تصر على حصار قطاع غزة منذ 16 سنة، ومن آن لآخر تشن عملية حربية تدمر فيها قطاع غزة وتقتل الألوف من الفلسطينيين وتتسبب بحالة من الفقر المدقع والخنق الاقتصادي والاجتماعي وتشويش الحياة الطبيعية بكل تفاصيلها.
وإن إسرائيل تثبت احتلالها للضفة الغربية وتهويدها للقدس بمشروعات استيطان ضخمة. وتنتهك حرمة المسجد الأقصى. وتنفذ اعتقالات واسعة، وتسيء لشروط عيش الأسرى في سجونها. وتطلق العنان للمستوطنين بتنفيذ اعتداءات إجرامية دامية على الفلسطينيين الذين تنفذ عمليات ترحيل بحقهم. وفوق كل هذا تتنكر لحقوق الفلسطينيين وتضع القضية الفلسطينية على الرف.
«هستيريا الرد الإسرائيلي»
ويقول الفلسطينيون إن هجوم حماس جاء في إطار المقاومة لمشروعات الاحتلال، وإن الرد الإسرائيلي جاء بشكل هستيري، لأنهم بغطرستهم الجنونية، لم يتخيلوا أن هناك فلسطينيين يستطيعون اختراق دفاعاتهم الحصينة وتنفيذ هجوم عسكري ناجح. فقرروا تنفيذ مخططاتهم القديمة التي تتجدد من آن لآخر، لتدمير قطاع غزة وترحيل أهلها إلى مصر، مع الأمل في ترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن لاحقا.
ويقولون إنه يجري تنفيذ نكبة ثانية، ويشيرون إلى أن الجيش الإسرائيلي يلقي ألف طن من المتفجرات في كل يوم لتنفيذ تلك الأهداف، بدعم من الإدارة الأميركية والحكومات الغربية، التي لا تقوم بواجبها الأخلاقي والإنساني في ردع حرب الإبادة الإسرائيلية.