في طريقها إلى الاجتياح البري، يقول ساكن في غزة إن إسرائيل «تدمر ما تيسر لها في القطاع، وتقتل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، مهدمةً المنازل على رؤوس ساكنيها، والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس والمخابز والشوارع، في محاولة لإجبار الغزيين، وخصوصاً في منطقة شمال القطاع، على النزوح قسراً. وإذا كان يمكن رسم صورة لقطاع غزة، فيمكن القول إن إسرائيل تنفذ وعدها بإعادة القطاع 50 عاماً للوراء».
«بينما نتحدث الآن، يموت الناس في غزة»، هذا ما قاله مفوض الأونروا فيليب لازاريني، الجمعة، محذراً من «أنهم يموتون من القنابل والضربات. وقريباً، سيموت عدد أكبر من الناس بسبب عواقب الحصار المفروض على قطاع غزة».
وأضاف محاولاً رسم صورة لغزة من جانبه: «غزة تتعرض للخنق. الخدمات العامة تنهار، الخدمات المدنية تنهار، الخدمات الأساسية تنهار، الدواء ينفد، الغذاء والماء ينفد، بدأت شوارع غزة تفيض بمياه الصرف الصحي. إن غزة على شفا خطر صحي هائل، حيث إن مخاطر الأمراض تلوح في الأفق». وتابع: «نزح أكثر من مليون شخص، وسوت أحياء بأكملها بالأرض، وقتل الآلاف، وأصيب آلاف آخرون ولم يعد بإمكانهم الوصول إلى المستشفيات تقريباً، تحت مراقبتنا».
وتساءل: «ما الذي يحتاج إلى مزيد من الدعم؟ المخابز؟ آلات دعم الحياة في المستشفيات؟ نباتات مائية؟ كلها تحتاج إلى الوقود لتعمل». وتابع: «إنهم أمهات وآباء. أناس رائعون كرسوا حياتهم لمجتمعاتهم. لو لم يكونوا في غزة لكانوا جيرانك. توفي أحد زملائه بينما كان في طريقه لإحضار الخبز من أحد المخابز. لقد ترك وراءه ستة أطفال».
قائمة بأسماء القتلى
في 212 صفحة حملت أسماء الضحايا الرباعية وأرقام هوياتهم الشخصية، ردت وزارة الصحة الفلسطينية على الرئيس الأميركي جو بايدن الذي شكك بأرقام الضحايا في قطاع غزة، ونشرت أسماء 7000 قتلتهم الطائرات الإسرائيلية، عائلات بأكملها، آباء وأمهات وأطفال ومسنون. وبعد ساعات قليلة ارتفع العدد إلى 7400. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم الـ21 للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إن «عدد شهداء العدوان الإسرائيلي ارتفع إلى 7326 من بينهم 3038 طفلاً و1726 امرأة و414 مسناً، وعدد المصابين إلى 18967».
وفيما يحمل كل اسم من الأسماء المنشورة قصة حياة وذكريات وأمنيات وأحلاماً وطموحات، وترك خلفه كثيراً من الألم لأهله ومحبيه، يجب الإشارة إلى أن إسرائيل تعمدت استهداف الجميع، رجالاً ونساء وأطفالاً، مسلمين ومسيحيين، مسنِّين، وأطباء ومسعفين وصحافيين ومزارعين، ومستشفيات ومدارس ومخابز ومزارع ومساجد وكنائس وأبراجاً وبيوتاً ومصانع وشوارع، وقطعت الكهرباء والماء، ومنعت إدخال الوقود، وضربت الاتصالات، في حرب تبدو أقرب إلى حرب إبادة منها حرب انتقام.
كل القطاعات تحت الاستهداف
حتى اليوم الـ21 للعدوان على قطاع غزة، قتلت إسرائيل 7326 فلسطينياً، بينهم 3038 طفلاً، و1726 امرأة و414 مسناً، فيما ارتفع عدد المصابين إلى 18967. وتظهر الأرقام أن 70 في المائة من الضحايا هم من الأطفال والسيدات والمسنين. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 149 عائلة فلسطينية فقدت عشرة من أفرادها أو أكثر في عدوان الاحتلال على غزة، بينما فقدت 123 عائلة ما بين 6 - 9 أفراد، وفقدت 416 عائلة ما بين اثنين إلى خمسة من أفرادها، وذلك في 731 مجزرة.
وتشمل هذه الأرقام، 104 من الكوادر الطبية، أطباء وممرضين ومسعفين وصيادلة قتلتهم إسرائيل في أكثر من 260 اعتداء، طالت مستشفيات ومنازل وسيارات إسعاف، وخلّف هذا أكثر من 100 جريح، وتضررت 50 سيارة إسعاف، بينها 25 تعطلت عن العمل بشكل كامل. أما الصحافيون فقد قضى منهم 34 صحافياً وصحافية، جزء منهم أثناء التغطية وآخرون أثناء وجودهم في منازلهم، ولم تسلم عائلات الصحافيين من القتل؛ إذ قتلت إسرائيل زوجات وأبناء وأشقاء صحافيين.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن إسرائيل قتلت 34 صحافياً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وأصابت العشرات بجراح، فيما هدمت بشكل كلي أو جزئي منازل 39 صحافياً، ودمرت مقرات ومكاتب 50 مؤسسة إعلامية، بينها فضائيات وصحف ومواقع.
وبحسب المكتب، فإن 2 من الصحافيين مفقودان. ولم يسلم موظفو الأمم المتحدة التابعون لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» من القصف الإسرائيلي. وأعلن المفوض العام فيليب لازاريني أن إسرائيل قتلت 57 من موظفي الوكالة في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم الـ21 منها.
وطال القتل الإسرائيلي كذلك موظفي الدفاع المدني الفلسطيني الذي نعى 16 من أفراده أثناء تأديتهم واجبهم. ولم تعلن الداخلية الفلسطينية أرقاماً متعلقة بأعداد الشرطة أو موظفي الوزارة والأجهزة الأمنية الذين قضوا في أول 20 يوماً، لكنها نعت قائد الأمن الوطني في قطاع غزة اللواء جهاد محيسن، والعقيد محمد جلمبو مدير وحدة التنسيق الفصائلي في وزارة الداخلية، واللواء فؤاد أبو بطيحان رئيس هيئة المعابر والحدود.
تدمير ربع غزة
دمرت إسرائيل 200 ألف وحدة سكنية بين تدمير كلي وجزئي، بحسب وزير الأشغال والإسكان محمد زيارة، وهو ما يمثل أكثر من 25% من المناطق المأهولة في القطاع. وقال زيارة إن قصف الاحتلال شطب أسراً بأكملها من السجل المدني، ومحا أحياء ومناطق وتجمعات سكنية بقاطنيها، كما دمر منشآت بما فيها مستشفيات، ودور عبادة، ومخابز، ومحطات تعبئة مياه، وأسواق، ومدارس، ومؤسسات تعليمية وخدماتية، وبناء عليه تم تدمير كل مناحي الحياة؛ من صحة، وإسكان، ومياه، وصرف صحي، وبنية تحتية، واقتصاد، وزراعة، وتعليم، وخدمات، ومؤسسات إنسانية، وقطع المياه والكهرباء والوقود، وأن مقومات الحياة الأساسية أصبحت غير متوفرة، وحياة الناس مهددة إما بالقصف وإما بغياب الرعاية الصحية وإما بشح المياه والأكل.
وأظهر إحصائيات جديدة رسمية أن عدد المنازل التي تعرضت للقصف 6.500، وعدد الوحدات 200000، وعدد الهدم الكلي 29 ألف وحدة.
المستشفيات ودور عبادة
التدمير في غزة شمل 79 مقراً حكومياً، بينها مقرات داخلية وشرطة وأجهزة أمنية، كما شمل تدمير 38 مسجداً، و3 كنائس بمدينة غزة. أما عدد المدارس المتضررة فبلغ 189 مدرسة، منها 25 مدرسة خرجت عن الخدمة في قطاع غزة. ومن بين المباني التي ضربت وتضررت بشكل كبير مقر «أونروا» الرئيسي، و29 مدرسة تابعة للوكالة. كما استهدف الاحتلال الإسرائيلي 10 مخابز تم تدميرها بشكل كامل في مناطق مختلفة في قطاع غزة.
وقالت وزارة الصحة إنه تم تسجيل 69 اعتداء على المنشآت الصحية، 12 منها أصبحت خارج الخدمة، وهي: المستشفى الدولي للعيون، مستشفى دار السلام، مستشفى اليمن السعيد، مستشفى الطب النفسي، مستشفى بيت حانون، مستشفى الدرة للأطفال، مستشفى حمد لإعادة التأهيل، مستشفى الكرامة، مستشفى الوفاء للتأهيل الطبي والجراحة التخصصية، كما من المتوقع أن يتوقف مستشفى الصداقة التركي عن العمل، وكذلك مستشفى القدس التابع للهلال الأحمر والمستشفى الأهلي العربي المعمداني.
والمعمداني استهدفته إسرائيل بالقصف المباشر مرتكبة هناك مذبحة قضى فيها 500 فلسطيني. وتطالب إسرائيل 24 مستشفى بالإخلاء في شمال قطاع غزة (السعة الإجمالية لهذه المشافي 2000 سرير). كما توقف 46 مركز رعاية صحية من أصل 72 عن العمل جراء القصف ونفاد الوقود. وبحسب هذه الأرقام، فإن 34 في المائة من مستشفيات غزة لا تعمل، و65 في المائة من مراكز الرعاية الصحية الأولية مغلقة.
ثلثا سكان القطاع خارج منازلهم
ورصد المكتب الإعلامي الحكومي، الجمعة، تعمد إسرائيل استهداف المستلزمات المعيشية والحياتية لمفاقمة الواقع الإنساني الكارثي الذي يعيشه المواطنون. وقال إنه رصد تعمد الاحتلال قصف المنشآت التجارية ونقاط تخزين وبيع المواد الغذائية؛ لمفاقمة الكارثة الإنسانية وتسريع نفادها من الأسواق، وقد جرى ذلك في أكثر من منطقة منها مول أبو دلال بالنصيرات، ومخازن مواد غذائية بحي الدرج، ومنطقة سوق الزاوية وشارع فهمي بك.
كما قصف الاحتلال آلاف دونمات الأراضي المزروعة بالخضراوات، ويمنع وصول المزارعين لها، وقد ألحق القصف دماراً بأكثر من 24 ألف دونم من المزروعات، وباتت غير صالحة للزراعة، إضافة إلى تدمير مزارع دواجن وأبقار ومصانع (لا توجد إحصائية دقيقة). وكل هذا القصف والتدمير غير المسبوق، قاد نحو مليون وأربعمائة ألف مواطن من غزة للنزوح، من أصل 2 مليون و200 ألف، بواقع 685000 نزحوا لدى عائلات أخرى، و565 ألفاً نزحوا في 148 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، و101000 في المساجد والكنائس والأماكن العامة، 70000 في 67 مدرسة حكومية.
وحذرت وزارة الصحة من أن مراكز الإيواء تحمل فوق طاقتها بنسبة 250 في المائة، ما يشكل خطراً على تفشي الأمراض.