حذر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من «تداعيات كارثية» بسبب تفاقم الوضع في غزة، وقال إن الأحداث «المأساوية» التي يشهدها القطاع تهدد بتصعيد خطر قد تمتد عواقبه إلى خارج المنطقة.
وبدا الخميس، أن الاستقطاب الحاد بين روسيا والولايات المتحدة في مجلس الأمن، انعكس على تصاعد اللهجة التحذيرية للكرملين من عواقب انزلاق الموقف نحو مزيد من التصعيد وتوسيع رقعة الصراع الحالي.
وأكد بوتين خلال اجتماعه مع المنظمات الدينية ورؤساء الإدارات المسيحية والإسلامية واليهودية في روسيا، رفض بلاده «مكافحة الإرهاب عبر قتل المسنين والنساء والأطفال، وترك مئات الآلاف من الناس بلا مأوى وغذاء وماء ورعاية طبية» ووصف الوضع في غزة بأنه «كارثة إنسانية حقيقية».
وأضاف أن روسيا تراقب «الوضع المأساوي في الشرق الأوسط في إطار الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية بقلق بالغ»، مشيراً إلى أن هذه «الأحداث المأساوية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالروس الذين يتابعون بألم تطور الأوضاع في الأراضي المقدسة التي تحمل أهمية دينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث».
وأكد أن «موقف روسيا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي معروف، وتم التعبير عنه بوضوح تام أكثر من مرة، وهو لا ينطلق من باب استغلال الأحداث المأساوية الراهنة في الأراضي الفلسطينية، وإنما يستند إلى قرارات مجلس الأمن الدولي التي تنص على حل الدولتين وقيام دولتين مستقلتين هما فلسطين وإسرائيل».
المسؤولية الجماعية
وأعرب بوتين عن تعازيه لأسر الإسرائيليين ومواطني البلدان الأخرى الذين قتل وأصيب أحباؤهم، مضيفا أنه «بالرغم من الوضع المأساوي فإنه من الجلي تماماً أنه لا ينبغي محاسبة الأبرياء على جرائم لم يرتكبوها».
وأضاف «لا يمكن مكافحة الإرهاب بمبدأ المسؤولية الجماعية، حيث يقتل أيضا كبار السن والنساء والأطفال، وتُمحى أسر كاملة، ويترك مئات الآلاف من الناس دون مأوى وغذاء وماء ورعاية طبية، هذه كارثة إنسانية حقيقية».
وتابع: «مهمتنا الرئيسية، اليوم، هي وقف العنف وإراقة الدماء، لمنع تصعيد الأزمة أكثر ما يهدد بعواقب وخيمة وخطيرة ومدمرة، وهذه العواقب قد لا تقتصر على الشرق الأوسط وحده».
واتهم بوتين الغرب بمحاولة تأجيج صراع ديني، مشيراً إلى أن «هناك محاولات من جانب بعض القوى لإثارة مزيد من التصعيد وجذب أكبر عدد ممكن من البلدان والشعوب الأخرى إلى الصراع، وإثارة موجة كبيرة من الفوضى والكراهية الدينية المتبادلة، ليس في الشرق الأوسط وحسب، بل أبعد من ذلك بكثير، من خلال اللعب على المشاعر القومية والدينية لملايين الناس»، لافتاً إلى أن الغرب «يتبع هذه السياسة منذ وقت طويل جدا».
وحذّر الرئيس الروسي من أن «هذه الكراهية يتم تأجيجها عبر تحريض المسلمين على اليهود والدعوات لمحاربة الكفار، وأيضاً عبر التحريض على الفتنة بين الشيعة والسنة، والمسيحيين الأرثوذكس والكاثوليك».
وأضاف «لسنوات غضت أوروبا الطرف عن تدنيس المقدسات الإسلامية، وفي عدد من البلدان وعلى أرفع المستويات، يتم علنا تمجيد المجرمين النازيين والمعادين للسامية الملطخة أيديهم بدماء ضحايا المحرقة».
تحذير الكرملين
بالتزامن، حذّر الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، من تدهور أكبر للوضع الإنساني في قطاع غزة، إن أقدم الجيش الإسرائيلي على اجتياحه في عملية برية تعد لها تل أبيب. وأكد أهمية مواصلة الجهود في مجلس الأمن الدولي من أجل اتخاذ قرار يوقف الحرب، ويضع مقدمات لمعالجة الأزمة المستفحلة.
كما دعا إلى دفع جهود تسوية سياسية على أساس «حل الدولتين» الذي أقره مجلس الأمن الدولي، وينص على قيام دولة فلسطينية مستقلة.
وأكد بيسكوف، أن «الجهود للاتفاق على قرار متوازن للأمم المتحدة بشأن الوضع في غزة، يجب أن تستمر»، لكنه شدد على التزام بلاده بعدم صدور قرار «أحادي الجانب». وزاد «من الخطأ أن يدين أي قرار من هذا النوع طرفا واحدا فحسب».
جاء ذلك بعد يوم من استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد دعوة أميركية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، للتحرك بشأن الصراع بين إسرائيل و«حماس»، من خلال الدعوة إلى وقف القتال للسماح بوصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ووقف تسليح «حماس» وغيرها من الفصائل المسلحة في قطاع غزة.
ولم يحظ نص منافس صاغته روسيا، ويدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وسحب الأمر الإسرائيلي للمدنيين في غزة بالانتقال جنوبا قبل هجوم بري، في الحصول بالحد الأدنى من الأصوات لتأييده.
قرار أممي متوازن
وقال بيسكوف الخميس: «نحتاج لمواصلة جهودنا، نحتاج لبذل جهد من أجل التوصل لخيار متوازن. نحن مقتنعون أن خيارنا كان أكثر توازنا بكثير».
وأضاف «يتعين أن ندعو لوقف إطلاق نار ولا يمكننا التنديد بأفعال طرف واحد فحسب. ينبغي أن يكون القرار متوازنا، وأن نواصل الجهود الدبلوماسية هنا».
زيارة عباس
في الأثناء، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الخميس، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيزور روسيا قريباً لبحث النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقال بوغدانوف خلال ندوة بعنوان «آفاق الأزمة في الشرق الأوسط ومهام السياسة الروسية»: «سيزور محمود عباس موسكو قريباً، وسيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيبحثان عدداً من الملفات، على رأسها الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية وسبل حلها، ومنع تفاقم الأوضاع مستقبلاً، بالنظر إلى الارتفاع المتسارع لأعداد القتلى من الجانبين يوميا، بمن فيهم الأطفال الأبرياء».
بدوره، أكد بيسكوف، أنه يجري الإعداد للقاء بين الرئيسين الروسي والفلسطيني، من دون أن يحدد موعداً محتملاً للزيارة.
وعلق بوغدانوف خلال حديث مع الصحافيين على الحشود العسكرية الأميركية المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، وقال إن «تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط لا يساهم في الانفراج في المنطقة».
وأوضح «أعتقد أن كل هذا لا يساهم في انفراج التوتر، الذي يتجاوز بالفعل جميع الحدود في الشرق الأوسط، وهذا أمر مثير للقلق، لأن السؤال هو: لماذا يتم ذلك؟ أنا لست رجلا عسكريا، لكنني أعتقد أن القتال ضد «حماس»، الذي تم إعلانه بوصفه هدفا نهائيا، لا يتطلب هذا العدد الكبير من حاملات الصواريخ أو الدفاع الجوي، والكثير من الأسلحة الحديثة». وأضاف نائب الوزير «على ما يبدو، يتم تحديد المزيد من الأهداف العالمية».