الصدام الدبلوماسي الأميركي - الروسي يشل مجلس الأمن و10 دول تقترح بديلاً

شبح «الفيتو» يخيّم على مشروعي القرارين الأميركي والروسي والجمعية العامة تجتمع الخميس

لقطة عامة لجلسة مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الثلاثاء (إ.ب.أ)
لقطة عامة لجلسة مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

الصدام الدبلوماسي الأميركي - الروسي يشل مجلس الأمن و10 دول تقترح بديلاً

لقطة عامة لجلسة مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الثلاثاء (إ.ب.أ)
لقطة عامة لجلسة مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الثلاثاء (إ.ب.أ)

شرع دبلوماسيون من الدول العشر غير الدائمة في مجلس الأمن في إعداد مشروع قرار وسطي يطالب بـ«هدنة إنسانية» وسط الخلافات المستحكمة بين كل من الولايات المتحدة وروسيا على المقاربة التي ينبغي استخدامها دبلوماسياً في التعامل مع الحرب المستعرة بين إسرائيل و«حماس» في غزة، بالتزامن مع جلسة أخرى تعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الوضع الكارثي الذي يعانيه أكثر من مليونين من المدنيين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.

وأبلغ دبلوماسي غربي «الشرق الأوسط» أن الدبلوماسيين من الدول العشر باشروا العمل على «صيغة وسطية»، صباح الأربعاء، في نيويورك، بسبب «معلومات متوافرة» عن استعداد روسي لاستخدام حق النقض «الفيتو»، ضد مشروع القرار الذي قدمته واشنطن يركز على «التنديد بشدة بالهجمات الإرهابية» التي نفذتها «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية في محيط غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بالإضافة إلى «المطالبة بإطلاق فوري لجميع الرهائن» الذين اختطفتهم الحركة خلال هجومها، فضلاً عن منح إسرائيل «حق الدفاع عن النفس».

«فيتو» مقابل

وأوضح المصدر أن الولايات المتحدة «بدت مستعدة في المقابل» لاستخدام حق «الفيتو» مجدداً ضد مشروع قرار بديل قدمته روسيا للمطالبة بـ«وقف فوري» للعمليات الحربية، علماً بأن واشنطن أسقطت قبل أيام فقط مشروع قرار أول قدمته موسكو لهذه الغاية.

وعلى رغم أن شبح «الفيتو» خيّم مبكراً على مشروع القرار الأميركي، مضت البعثة الأميركية الدائمة في طلب التصويت عليه، علماً بأن إصدار أي قرار يحتاج إلى موافقة ما لا يقل عن 9 من الأصوات الـ15 في المجلس، مع عدم استخدام حق «الفيتو» من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس، وهي: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.

مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا يدلي بصوته خلال جلسة مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية في مقر الأمم المتحدة في 18 أكتوبر (غيتي)

ويأتي التصويت الجديد بعد فشل تصويتين، الأسبوع الماضي؛ الأول على مشروع روسي حظي بتأييد خمسة أصوات فقط، والثاني برازيلي استخدمت الولايات المتحدة ضده حق النقض، علماً بأنه حصل على 12 صوتاً مؤيداً.

وعلمت «الشرق الأوسط» من دبلوماسي آخر أن الدول العشر غير الدائمة العضوية في مجلس الأمن: ألبانيا والبرازيل والغابون والإكوادور وغانا واليابان ومالطا وموزمبيق وسويسرا والإمارات العربية المتحدة، كانت «تستعد لاقتراح مشروع قرار وسطي، ليكون بمثابة مساومة بين الأميركيين والروس»، علماً بأن هناك «تريثاً للمزيد من المفاوضات في هذا الشأن بعد التصويت على المشروعين الأميركي والروسي».

وتميل دول مثل فرنسا والصين إلى فكرة إصدار «قرار تسوية».

النص الأميركي

وينص مشروع القرار الأميركي المؤلف من ديباجة و19 فقرة عاملة، على أن مجلس الأمن «يرفض ويدين بشكل لا لبس فيه الهجمات الإرهابية الشنيعة» التي شنتها «(حماس) والجماعات الإرهابية الأخرى ضد إسرائيل»، بالإضافة إلى «احتجاز وقتل الرهائن والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، واستمرار إطلاق النار العشوائي والصواريخ على المدنيين». ويعبر عن «عميق تعاطفه وتعازيه للضحايا وأسرهم ولحكومة إسرائيل وجميع الحكومات التي استُهدف مواطنوها وفقدوا أرواحهم في الهجمات». كما يعبر المشروع عن «أعمق تعاطفه وتعازيه للمدنيين الفلسطينيين وجميع المدنيين الآخرين الذين فقدوا أرواحهم منذ 7 أكتوبر 2023». ويؤكد «الحق الأصيل لجميع الدول في الدفاع عن النفس فردياً وجماعياً»، على أن «تمتثل الدول الأعضاء، عند الرد على الهجمات الإرهابية، بشكل كامل لكل التزاماتها بموجب القانون الدولي».

ويحض المشروع «بقوة»، كل الأطراف على «الاحترام الكامل والامتثال للالتزامات بموجب القانون الدولي»، مؤكداً «ضرورة اتخاذ الخطوات المناسبة لضمان سلامة ورفاهية المدنيين وحمايتهم، وكذلك العاملون في المجال الإنساني والأصول الإنسانية»، بالإضافة إلى التأكد من أن «أي تحرك للأشخاص يجب أن يكون طوعياً وآمناً ومتسقاً مع القانون الدولي»، مع حض «كل الأطراف على اتخاذ الخطوات المناسبة لتعزيز سلامة ورفاه المدنيين وحمايتهم، بما في ذلك الأطفال، من خلال السماح لهم بالتنقل الآمن».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يتحدث مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

«دروع بشرية»

ويندد المشروع الأميركي «بأشد العبارات بكل أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، فضلاً عن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية والواسعة النطاق لحقوق الإنسان، وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، وأعمال التدمير المنحرفة التي تقوم بها (حماس)، بما في ذلك استخدامها المدنيين دروعاً بشرية ومحاولتها إفشال حماية المدنيين».

ويطالب بـ«الإطلاق الفوري وغير المشروط لجميع الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم (حماس) والجماعات الإرهابية الأخرى». ويدعو إلى اتخاذ كل التدابير اللازمة، مثل فترات الهدنة الإنسانية، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن ودون عوائق (...) لتسهيل التوفير المستمر والكافي ودون عوائق للسلع والخدمات الأساسية المهمة لرفاهية المدنيين في غزة، بما في ذلك على وجه الخصوص المياه والكهرباء والوقود والغذاء والإمدادات الطبية».

وإذ يرحب بإعلان الأمين العام أنطونيو غوتيريش حول التوفير الأولي للإمدادات الإنسانية للمدنيين في غزة عبر معبر رفح، أشار إلى «تعزيز الخطوات العملية مثل إنشاء الممرات الإنسانية والمبادرات الأخرى للتوصيل المستدام للمساعدات الإنسانية للمدنيين».

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يتحدث إلى الصحافة بحضور وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وشخصيات أخرى الثلاثاء في مقر الأمم المتحدة (أ.ف.ب)

«تمويل الإرهاب»

ويشدد المشروع على أن «المرافق المدنية والإنسانية، بما في ذلك المستشفيات الطبية والمرافق الطبية والمدارس ودور العبادة ومرافق الأمم المتحدة، فضلاً عن العاملين في المجال الإنساني، والعاملين الطبيين الذين يعملون حصراً في واجبات طبية، ووسائل النقل الخاصة بهم، يجب أن يحظى بالاحترام والحماية». ويشدد أيضاً على «أهمية التنسيق وتجنب التضارب لحماية كل المواقع الإنسانية، بما في ذلك مرافق الأمم المتحدة، وللمساعدة في تسهيل حركة قوافل المساعدات». ويحض الدول الأعضاء على «تكثيف جهودها لقمع تمويل الإرهاب، بما في ذلك عن طريق تقييد تمويل (حماس) من خلال السلطات المعمول بها على المستوى الوطني، وفقاً للقانون الدولي وبما يتفق مع القرار 2482». ويهيب بكل الدول والمنظمات الدولية «تكثيف الخطوات الملموسة والعاجلة لدعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة ودول المنطقة لمنع تصاعد العنف في غزة أو امتداده أو توسعه إلى مناطق أخرى في المنطقة»، داعياً «جميع أولئك الذين مع النفوذ للعمل على تحقيق هذا الهدف، بما في ذلك مطالبة (حزب الله) والجماعات المسلحة الأخرى بالوقف الفوري لكل الهجمات التي تشكل انتهاكات واضحة للقرار 1701 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة».

«حل الدولتين»

يدعو مشروع القرار الأميركي إلى «اتخاذ خطوات عملية لمنع تصدير الأسلحة والعتاد إلى الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية العاملة في غزة، بما في ذلك (حماس)». ويؤكد أن «السلام الدائم لا يمكن أن يقوم إلا على التزام دائم بالاعتراف المتبادل، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والتحرر من العنف والتحريض، ويؤكد الحاجة الملحة إلى بذل جهود دبلوماسية لتحقيق سلام شامل على أساس رؤية منطقة حيث دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام مع حدود آمنة ومعترف بها على النحو المتصور في قراراتها السابقة، وتدعو إلى استئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما في ذلك حل الدولتين».

مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا يدلي بصوته خلال جلسة مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية في مقر الأمم المتحدة في 18 أكتوبر (غيتي)

المشروع الروسي

أما مشروع القرار الروسي المؤلف من ديباجة و15 فقرة عاملة فيدعو أولاً إلى «وقف فوري ودائم لإطلاق النار لأسباب إنسانية، ويحظى بالاحترام الكامل». وإذ «يدين بشدة جميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين» يرفض ويدين «بشكل لا لبس فيه الهجمات الشنيعة التي شنتها (حماس)». وكذلك «يدين بشكل لا لبس فيه الهجمات العشوائية ضد المدنيين وكذلك ضد الأهداف المدنية في قطاع غزة، مما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين، ولا سيما الضربة الشنيعة ضد المستشفى الأهلي في 17 أكتوبر وكنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية في 19 أكتوبر، ويدين ويرفض هذه الإجراءات وفرض الحصار على قطاع غزة، مما يحرم السكان المدنيين من الوسائل التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة».

توصيل المساعدات

ويلاحظ أن «اتفاق وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في تيسير إيصال المساعدات الإنسانية من أجل المساعدة في إنقاذ أرواح المدنيين، ويدعو كذلك إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة، مثل فترات التوقف الإنساني وإنشاء الممرات الإنسانية، للسماح بذلك». ويحض بقوة على «توفير السلع والخدمات الأساسية بشكل مستمر وكافٍ ودون عوائق للمدنيين، بما في ذلك الكهرباء والماء والوقود والغذاء والإمدادات الطبية»، مطالباً بـ«الإلغاء الفوري لأمر المدنيين وموظفي الأمم المتحدة بإخلاء جميع المناطق في غزة شمال وادي غزة، والانتقال إلى جنوب غزة». ويشدد على «أهمية إنشاء آلية للإخطار الإنساني لحماية مرافق الأمم المتحدة وجميع المواقع الإنسانية والمستشفيات والمرافق الطبية الأخرى، ولضمان حركة قوافل المساعدات». كما أنه «يحض بقوة كل الأطراف على الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك تلك المتعلقة بسير الأعمال العدائية، بما في ذلك ما يتعلق بحماية المدنيين».

إطلاق المدنيين

ويدعو المشروع الروسي الجديد إلى «الإطلاق الفوري وغير المشروط لجميع الرهائن المدنيين، ويطالب بسلامتهم ورفاههم ومعاملتهم معاملة إنسانية بما يتوافق مع القانون الدولي»، مع التشديد على «أهمية منع امتداد الصراع إلى المنطقة»، داعياً كل الأطراف إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ويدعو جميع من لهم تأثير عليهم إلى العمل على تحقيق هذا الهدف». كما أنه يؤكد أخيراً أن «السلام الدائم لا يمكن أن يقوم إلا على التزام دائم بالاعتراف المتبادل، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والتحرر من العنف والتحريض، ويؤكد الحاجة الملحة إلى بذل جهود دبلوماسية لتحقيق سلام شامل على أساس رؤية منطقة حيث دولتان: إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام مع حدود آمنة ومعترف بها على النحو المتصور في قراراتها السابقة، ويدعو إلى استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما في ذلك حل الدولتين».

لقطة عامة لجلسة مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الثلاثاء (إ.ب.أ)

الجمعية العامة

إلى ذلك تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، اجتماعاً بناء على طلب المجموعة العربية وروسيا وبنغلاديش وفيتنام وكمبوديا ودول أخرى، وفقاً لما أعلنه رئيس الجمعية العامة دنيس فرنسيس في رسالة إلى الدول الأعضاء للتعامل مع الأزمة، بسبب فشل مجلس الأمن حتى الآن في التوافق على قرار يتصل بهذا النزاع. علماً بأن المجلس أخفق، الأسبوع الماضي، في التوصل إلى اتفاق على مشروع قرار روسي يدعو إلى «هدنة إنسانية»، ثم أخفق مجدداً عندما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار برازيلي.


مقالات ذات صلة

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث خلال جلسة لمجلس الأمن بشأن غزة في نيويورك (الأمم المتحدة)

السعودية تدعو لشراكة جادة تحقق السلام في المنطقة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن بلاده تؤمن بأن تنفيذ حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

جبير الأنصاري (الرياض)
العالم العربي ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك يتحدث خلال جلسة مجلس الأمن (الأمم المتحدة)

كوريا الجنوبية تصف التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق»

قال ممثل كوريا الجنوبية لدى الأمم المتحدة هوانغ جون-كوك، إن الضربة في الضاحية الجنوبية لبيروت «أدت إلى تعميق مشاغلنا»، واصفا التصعيد في المنطقة بـ«غير المسبوق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يلقي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك (أ.ف.ب)

لافروف: الشرق الأوسط على شفا «حرب شاملة»

حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجمعة، من أن الشرق الأوسط على شفا «حرب شاملة» مع قيام إسرائيل بشن هجمات على «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية لقاء بين إردوغان والأسد في 2010 (أرشيفية)

أميركا لا تدعم التطبيع بين أنقرة ودمشق قبل الحل السياسي في سوريا

أحدثت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان التي كرر فيها استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين ردود فعل متباينة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حضر اجتماع غداء في الأمم المتحدة (رويترز)

ماكرون يدعو لتقييد حق استخدام «الفيتو» بمجلس الأمن في حالات «القتل الجماعي»

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأربعاء)، إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي عبر تقييد حقّ استخدام «الفيتو» في حالات «القتل الجماعي».

«الشرق الأوسط» (باريس)

قلق لبناني من تداعيات داخلية لاغتيال نصر الله

أمين عام «حزب‌ الله» حسن نصر الله في أحد حواراته (أ.ف.ب)
أمين عام «حزب‌ الله» حسن نصر الله في أحد حواراته (أ.ف.ب)
TT

قلق لبناني من تداعيات داخلية لاغتيال نصر الله

أمين عام «حزب‌ الله» حسن نصر الله في أحد حواراته (أ.ف.ب)
أمين عام «حزب‌ الله» حسن نصر الله في أحد حواراته (أ.ف.ب)

لن تقف تداعيات اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله على حزبه بوصفه تنظيماً سياسياً وعسكرياً فحسب، بل ستنسحب على الواقع اللبناني برمته، خصوصاً أن هذه العملية الصادمة جاءت من خارج التوقعات والحسابات.

ورغم أن الشارع اللبناني شهد ردود فعل محدودة من قبل مناصري الحزب وبيئته، فإن مواقف القوى السياسيّة والحزبية، بكل تناقضاتها، دعت إلى «الوحدة وتفويت الفرصة على إسرائيل التي تسعى إلى إحداث فتنة بين اللبنانيين».

ومثّل الاجتماع الطارئ لمجلس الوزراء اللبناني ومقرراته خطوة مهمّة على طريق احتواء الوضع، وأسهمت دعوة الرئيس نجيب ميقاتي اللبنانيين إلى «الوحدة ولمّ الشمل في هذه الظروف الصعبة»، إلى تنفيس الاحتقان، سيما وأنه جدّد تأكيده على «وقوف الدولة إلى جانب اللبنانيين، خصوصاً النازحين من الجنوب والضاحية والبقاع».

جمع الشمل

ووصف الوزير السابق رشيد درباس مواقف القوى السياسية بـ«المتعقّلة والمدركة لخطورة المرحلة»، ودعا كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أن «يتسلّما زمام المبادرة، وأن يمسكا برأس الخيط الذي يقود إلى احتواء الأزمة الداخلية، وأن يعملا على جمع شمل كل الأطراف السياسية حول مشروع الدولة».

جانب من جلسة مجلس الوزراء اللبناني السبت (رئاسة الحكومة)

وبدت الانفعالات التي عبّر عنها بعض جمهور الحزب مفهومة إلى حدّ ما، ورأى درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ما حصل فاجأ جميع اللبنانيين وليس جمهور «حزب الله» وبيئته. وإذ لفت إلى أن الحزب «لا يزال جسماً قوياً، لكن هذا الجسم من دون رأس، وعموده الفقري مختلّ، وإن كانت قوته العسكرية والمالية قائمة، كما قاعدته الشعبية كبيرة، وقد تكون تعززت بسبب الفاجعة، إلّا أن هذا الجسم يحتاج إلى قرار، والأهم أنه يحتاج إلى من يتخذ القرار»، متحدثاً عن «صعوبة في اختيار بديل نصر الله، ما دام أن إسرائيل ماضية بتقطيع الأوصال، وما دام أن الجواسيس ينتشرون في كلّ مكان، وهناك اختراقات سياسية وأمنية يستحيل معالجتها في ذروة الحرب».

لا قرار بالفوضى

وتترقّب الأوساط السياسية والشعبية بقلق الأجواء التي تواكب تشييع نصر الله، ومراسم دفنه في الساعات المقبلة، وما قد يرافقها من تحركات في الشارع.

ولا يُخفي وزير الداخلية السابق زياد بارود أن اغتيال نصر الله «أحدث إرباكاً في لبنان عموماً، ولدى بيئة (حزب الله) خصوصاً، بالنظر لطبيعة الاستهداف وللشخصيّة المستهدفة»، عادّاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ردود الفعل هذه مفهومة، لكن لن يكون هناك قرار بالفوضى، بل قرار من قيادة الحزب بضبط الوضع؛ لأن الاستقرار الداخلي هو السبيل الأفضل لحماية الحزب وجمهوره».

ودعا بارود إلى «الاستفادة من حالة تضامن اللبنانيين، أو بالحدّ الأدنى تهيّب وقع الاغتيال ورهبته». وقال: «صحيح أن نصر الله لم يكن موضع إجماع بلبنان، لكن الكلّ يتحسس صعوبة الموقف، وألّا تكون جريمة اغتياله سبباً لإحداث مشاكل في البلد، وهذا الأمر يفترض أن يكون مفهوماً لدى الحزب بوصفه تنظيماً ولدى جمهوره»، مشدداً على «أهمية الدور المتقدم للجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار في البلد».

ضرورة الرئيس

ورغم هول الصدمة التي يقع تحتها «حزب الله» اليوم، طالب درباس الحزب «باتخاذ موقف شجاع، يقضي بتكليف برّي بإجراء اتصالات داخلية وخارجية، وأن يذهب الجميع إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، وإعادة تكوين الدولة». ورأى أن «هناك استحالة في إعادة تكوين (حزب الله) قبل تكوين الدولة، ووجود رئيس جمهورية وحكومة دستورية تفاوض الخارج». ولاحظ درباس أن «(حزب الله) بات أمام واقع جديد، وليس هناك من يأخذ الموقف داخل تركيبته». وختم قائلاً: «من ينتظر إيران لتعطي تعليماتها فإنه يكون مخطئاً، لأن القيادة الإيرانية في ورطة، ويبقى الرهان على الرئيس برّي ليقدم ويطرح مبادرة».

تصاعد ألسنة اللهب بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

أهمية احتواء ما حصل ليست متوقفة على «حزب الله» وبيئته فقط، على حدّ تعبير الوزير بارود، بل مسؤولية جميع اللبنانيين، وعدّ أن «السبيل الوحيد لتطويق تداعيات هذا الاغتيال هو انتخاب رئيس للجمهورية، وتسمية رئيس حكومة يختار فريقاً وزارياً قوياً، ونبدأ بعدها فوراً بوضع آلية لحماية لبنان أمنياً وسياسياً واقتصادياً».

وأضاف: «الممر الإلزامي للإنقاذ والحصول على دعم الأشقاء العرب والدول الصديقة بعد توقّف هذه الحرب، هو تطبيق اتفاق الطائف وتطويره إذا استدعت الحاجة لذلك بما يخدم اللبنانيين»، عادّاً أنه «من حق اللبنانيين أن يطالبوا بتحسين وتطوير النظام، لكن ليس عبر نسف (الطائف)، والذهاب إلى أشياء أخرى، مثل التقسيم والفيدرالية، وغير ذلك من الطروحات الخطيرة، ولا على قاعدة غالبٍ ومغلوب»، مشدداً على «أهمية الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحرجة؛ لنخرج من هذه الحرب المدمرة وبعدها نبدأ جميعاً مرحلة بناء الدولة».

الوحدة الوطنية

ومواكبة للتطورات وتأثير الاغتيال على الداخل اللبناني، أجرى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلّامة الشيخ علي الخطيب، اتصالات بالقيادات اللبنانية كافّة، وقال في تصريح له إن «الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد تستدعي من جميع القيادات الرسمية والسياسية والروحية التضامن والتكافل وتأكيد الوحدة الوطنية، خاصة أن العدوان الإسرائيلي الغاشم يستهدف كل الوطن بكل ما فيه»، لافتاً إلى «ضرورة العمل على إغاثة النازحين وتأمين كل وسائل الرعاية لهم، لأن فروسية اللبنانيين وشهامتهم تظهر في وقت الشدائد».