حقوق المودعين تهدد اتفاق لبنان النهائي مع «صندوق النقد»

معارضة نيابية واسعة لنظرية «شطب الودائع»

أحد المودعين يحاول الحصول على أمواله بعد اقتحامه مصرفاً في بيروت في يوليو الماضي (د.ب.أ)
أحد المودعين يحاول الحصول على أمواله بعد اقتحامه مصرفاً في بيروت في يوليو الماضي (د.ب.أ)
TT

حقوق المودعين تهدد اتفاق لبنان النهائي مع «صندوق النقد»

أحد المودعين يحاول الحصول على أمواله بعد اقتحامه مصرفاً في بيروت في يوليو الماضي (د.ب.أ)
أحد المودعين يحاول الحصول على أمواله بعد اقتحامه مصرفاً في بيروت في يوليو الماضي (د.ب.أ)

تتصدر إشكاليات حقوق المودعين في المصارف اللبنانية، البنود التي تحول دون توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، في ظل التباينات الكبيرة التي تلامس حد التناقضات في مواقف الأطراف المعنية في الداخل أساساً، ثم بين الجانبين اللبناني والدولي، وهي تشكل عملياً، العقبة الأكثر استعصاء في خلفية الشروط التي تم إدراجها من قبل فريق الصندوق في الاتفاق الأولي، وفق ما قالت مصادر مالية ووزارية لـ«الشرق الأوسط».

وفي مؤشر على استبعاد أي تقدم حصل بعد توقيع الاتفاق الأولي في ربيع العام الماضي، سقط من جدول الترقبات المحلية والدولية أي احتمال لأن ترد اتفاقية لبنان المعلّقة مع «صندوق النقد الدولي»، على جدول أعمال الاجتماعات السنوية للعام الحالي لمجموعة البنك الدولي والصندوق التي ستنعقد في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في مراكش بالمغرب، علماً بأن الترجيحات السابقة كانت تميل لأن يتم عرض ملف لبنان في اجتماعات خريف 2022.

ومن المستبعد الآن، وفق مسؤول معني في القطاع المالي اللبناني، أن يحضر الملف في أي اجتماعات دورية مشتركة أو منفردة لاحقة لمجلس محافظي الصندوق وإدارته، ما لم يستكمل الجانب اللبناني التزاماته التنفيذية والتشريعية الآيلة إلى صوغ الاتفاق النهائي والمعزز ببرنامج تمويلي، والواردة في مندرجات الاتفاق الأولي الذي تم إبرامه في ربيع العام الماضي على مستوى فريقي العمل بين لبنان وإدارة الصندوق.

وفي تبسيط غير مخلّ بمضمون الخلافات، يمكن تصنيف المودعين بمنزلة «الطرف الأضعف» ضمن رباعية تضمهم إلى جانب الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، إذ يحوز المودعون على أرقام دفترية لدى البنوك تناهز 93 مليار دولار، وفيما وظّفت بنوكهم معظم هذه المدخرات ومبالغ استثمارية لها بما يتعدى 89 مليار دولار لدى المركزي (وفق السعر الرسمي لليرة)، وبدوره قام «المركزي» بدور الممول لاحتياجات الدولة خلال العقد الماضي، بما يناهز 48 مليار دولار.

وتجد مقاربات الصندوق قبولاً لدى الفريق الحكومي المعنيّ، وفي المقابل، تواجه معارضة شرسة من كتل نيابية وازنة، وتركز هذه المقاربات على معادلة تفضي بالمحصلة إلى عدم المس بموارد الدولة حالياً بسبب العجز، ومستقبلاً للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، باعتبار «أن استخدام الموارد العامة ينبغي أن يكون محدوداً، وأن يتناسب مع هدف استدامة الدين». وهو ما يظهر حرص إدارة الصندوق على استعادة أقساط التمويل المنشود من قبلها أو من الدول والمؤسسات المانحة.

واستطراداً، يجري التركيز على تحرير البنك المركزي من الجزء الأكبر من أعباء ميزانيته، مما ينقل الأحمال تلقائياً إلى الجهاز المصرفي برساميله المتآكلة، لتنتقل طرداً إلى الحل الأسهل والمؤدي إلى اقتطاع الجزء الأكبر من حقوق المودعين، مع وعد غير مضمون بسداد متدرج وطويل الأجل للجزء البالغ 100 ألف دولار لكل مودع.

أما على أرض الواقع الداخلي، فيواجه فريق الصندوق المعنيّ بالملف برئاسة إرنستو راميرز، صعوبات استثنائية في إيجاد قاسم مشترك بين جدليتيّ «قدسية» حقوق المودعين التي تنادي بها السلطة التشريعية برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وإسناد معلن من قبل لجنة المال والموازنة النيابية، وبين «شطب» التزامات واردة في قيود ميزانية البنك المركزي لصالح الجهاز المصرفي، وفق تعهدات غير مضمونة وردت في خطط حكومية متنوعة.

ويسعى النواب إفرادياً وخلال اجتماعات اللجان المعنية، إلى إشهار صلابة وقوفهم إلى جانب المودعين في الجهاز المصرفي. وبرز هذا التوجه في الإصرار على إدخال تعديلات جوهرية على مشروع قانون وضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (الكابيتال كونترول)، ليرد في المادة الأولى منه، «حقوق المودعين المحفوظة والمكرسة بالدستور، لا يجوز المساس بها إطلاقا»، والضوابط الاستثنائية والمؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية التي تتضمنها مواد هذا القانون ونصوص أي قانون آخر، لا تشكل مساساً بحقوق المودعين وأصول ودائعهم.

بالمحصلة، فإنه من غير المحتمل، وفق مسؤول مالي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إحداث تحوّل جديّ في المواقف النيابية بشأن مسألة الودائع وما تضمره من حقوق عائدة لأكثر من مليوني حساب في الجهاز المصرفي، فيما يلاحظ فتور الحماس لدى مراجع حكومية تؤيد بقوة طروحات الصندوق بأولوية الاستجابة لشرط «موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقر مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحد من الاستعانة بالموارد العامة».

وبموجب توصيات إدارة الصندوق، يتعيّن استعادة صحة القطاع المالي والمقومات اللازمة لاستمراره حتى يتمكن لبنان من تبديد عدم اليقين الحالي وتهيئة الظروف المواتية لتحقيق نمو اقتصادي قوي. وهناك احتياجات ضخمة لإعادة الرسملة الكلية في الجهاز المصرفي، ويتوجب الاعتراف بالخسائر في البداية والعمل على توزيعها، مع حماية صغار المودعين.

ووفق التكييف المحاسبي للاستجابة «الحكومية»، يقتضي تحرير ميزانية البنك المركزي من «الخصوم» الثقيلة في قوائمه والمنتجة للعجز الهائل قياساً بالأصول المتوفرة. وهذا ورد فعلياً في وثيقة حكومية تحدثت عن إعادة تكوين رأس مال مصرف لبنان إلى المستوى السليم، مع التنويه بأن «التقديرات تشير إلى ضخامة رأس المالي السلبي المتراكم، حيث يزيد على 60 مليار دولار أميركي، غير أن القيمة الحقيقية بحاجة إلى مزيد من التدقيق»، فضلاً عن ذلك سوف يتكبد مصرف لبنان خسائر أخرى من جراء إعادة هيكلة الدين الحكومي وتوحيد أسعار الصرف.

واستتباعاً، فإنه وبناءً على نتائج هذه المراجعة، سوف نشطب جزءاً كبيراً، أي نحو 60 مليار دولار من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية إزاء البنوك التجارية، وذلك من أجل إغلاق صافي وضع المصرف فيما يتعلق بالعملات الأجنبية المفتوحة وتتضمن الاستراتيجية أيضاً إعادة رسملة مصرف لبنان جزئياً بسندات تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار. أما ما تبقى من الخسائر السلبية في رأس المال، فسوف تُلغى تدريجياً على مدى 5 سنوات.

أما في الأساس، فإن الجامع في قناعات الأطراف كافة، يتمثل بالإقرار بوجود فجوة خسائر مالية تقدرها الحكومة بنحو 73 مليار دولار، تسببت بانزلاق البلاد إلى نفق أزمات اقتصادية ومعيشية لا تقل حدة، وتشرف على ختام عامها الرابع على التوالي منتصف الشهر الحالي.


مقالات ذات صلة

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
TT

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

تجددت الغارات الإسرائيلية العنيفة، مساء اليوم (الأحد)، على ضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 12 موقعاً.

ووجَّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، إنذار إخلاء مرفقاً بخرائط إلى سكان مناطق الغبيري وشويفات العمروسية والحدث وحارة حريك وبرج البراجنة.

وقال: «أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله)»، محذّراً من ضربات وشيكة على منطقة الغبيري.

قال أدرعي، مساء اليوم، إن الجيش شن سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية في بيروت استهدفت 12 مقر قيادة عسكرية لـ«حزب الله».

وأضاف أن الضربات الإسرائيلية استهدفت «مقرات لاستخبارات (حزب الله) ووحدة الصواريخ البحرية والوحدة 4400 المسؤولة عن نقل الوسائل القتالية من إيران مروراً بسوريا إلى (حزب الله)».

وفي وقت سابق اليوم قال أدرعي إن إسرائيل لن تسمح بفرض أي معادلات عليها، وطالب بتجنب «أبواق (حزب الله) الإعلامية».

وأضاف أدرعي على منصة «إكس» دون توضيح: «كل من يحاول فرض المعادلات عليه أن يقوم بجولة في الضاحية الجنوبية ببيروت وسيفهم ذلك الليلة على وجه التحديد».

وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان منذ إنهاء المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، زيارته إلى بيروت، الأربعاء الماضي، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل.

وبعد تبادل القصف مع «حزب الله» مدة عام تقريباً، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، حملة جوية واسعة تستهدف خصوصاً معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها.

وأعلنت منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري في جنوب لبنان. وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصاً على الأقل بنيران إسرائيلية منذ بدء «حزب الله» وإسرائيل تبادل القصف.