لليوم الثاني على التوالي، لا تزال النيران مشتعلة في الأحراج الفاصلة بين بلدتي بعاصير والدبية في منطقة إقليم الخروب (قضاء الشوف) بجبل لبنان، وذلك رغم الجهود الكبيرة، التي بذلتها عناصر الدفاع المدني وطوافتان للجيش طوال نهار أمس، حسبما أكدت «الوكالة الوطنية للإعلام».
وتم إخماد مساحات كبيرة من الحريق، اليوم (السبت)، إلا أن صعوبة المنطقة ووعورتها، وعدم وجود طرق توصل إلى مواقع الحريق، حالت من السيطرة على النيران، في ظل تسارع حركة الرياح، التي ساهمت في توسع رقعتها، وهي ما زالت مشتعلة في الأودية التي من الصعب الوصول إليها، رغم الاستنفار الكامل للدفاع المدني وجاهزيته وحضوره على الأرض لتنفيذ المهمات.
وفي حديث للشرق الاوسط يوضح رئيس لجنة البيئة النيابية، النائب غياث يزبك أن «امكانات الدفاع المدني نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة ونظرا لكون آلياته نفسها متهالكة ولم يتم تحديثها منذ 25 سنة، يواجه صعوبة في معالجة الحرائق حتى لو كانت بسيطة، وبالتالي الامر يكون اصعب في معالجة الحرائق الكبيرة والمفتعلة».
كما يتمنى «وصول موجة الشتاء، المتوقعة في لبنان يوم الأحد، في وقت أقرب، لمساعدة فرق الدفاع المدني بترطيب الأرض وإطفاء الحرائق».
وكان المدير الإقليمي للدفاع المدني في جبل لبنان الجنوبي، الموجود بالقرب من مواقع الحريق في الدبية، حسام دحروج، منذ الصباح الباكر، قد أكد أنه يتواصل مع المديرية العامة للدفاع المدني، طلباً للمساعدة عبر الاستعانة بمراكز أخرى للسيطرة على الحريق، الذي بات يهدد المنطقة وأهلها، لافتاً إلى أن النيران المشتعلة في أودية بعاصير والدبية لا يمكن الوصول إليها وإخمادها إلا عبر طوافات الجيش.
ويسجل لبنان سنوياً موجة حرائق في مختلف الغابات المنتشرة في عدد من البلدات، وتقدر خسائر المساحات الزراعية بألوف الهكتارات، وسط تضاعف الخشية من استحالة مواجهتها.
اقرأ أيضاً
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التهمت حرائق ضخمة مساحات حرجية واسعة، وحاصرت مدنيين في منازلهم وسط عجز السلطات التي تلقت دعماً من دول عدة لإخمادها، ما عدّه اللبنانيون حينذاك دليلاً إضافياً على إهمال وعدم كفاءة السلطات.
وأثارت تلك الحرائق غضباً واسعاً حتى إنها شكلت أحد الأسباب خلف الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي شهدها لبنان في 17 أكتوبر 2019، والمعروفة بـ«ثورة تشرين» ضد الطبقة السياسية.
وعام 2022، عاش لبنان مأساة بيئية أخرى، بعدما اندلع حريق في غابات بطرماز - الضنية (شمال لبنان)، وهي أكبر غابة صنوبر بري في الشرق الأوسط.
ويؤكد يزبك أن «99.99 في المائة من الحرائق في لبنان إما مفتعلة، أو عن إهمال متعمد وعدم اكتراث بالبيئة من قبل اللبنانيين».
وعادة ما تكثر الحرائق في لبنان في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر، وغالباً ما تكون مفتعلة في هذا الموسم للحصول على الحطب وبيعه مقابل مبالغ مرتفعة. وفي هذا الإطار، يشرح يزبك أن العشب اليابس يصبح أشبه بالوقود، مع انتهاء فصل الصيف، أي شرارة تتسبب باشتعاله.
وإذ يشير إلى أن نسبة الحرائق المفتعلة جرمياً للحصول على الحطب هي الأساس الأكبر لاشتعال الحرائق، يقول: «طن الحطب يباع بحوالي 250 دولاراً، وما يحصل أن أصحاب الأملاك يتواطأون مع الحطابين الذين يتعهدون الأحراج، والذين يمارسون نوعاً من التوحش في العملية، فالبعض يقصون الأشجار في قطعة الأرض المرخص لها، ويتوسعون إلى الأراضي المجاورة من أجل الحصول على أموال أكثر».
ويضيف: «أما المناطق التي لا توجد فيها رخصة فيشعلون النار فيها للحصول على الحطب. والعملية جرمية بامتياز بحجة الحاجة إلى المال».
لكن يزبك يلفت إلى أن الحرائق انخفضت بنسبة 80 أو 90 في المائة هذا العام مقارنة مع السنوات السابقة بفضل الوعي لدى الناس الذي ساهمت فيه لجنة البيئة ووزارة البيئة والإعلام.
أضف إلى ذلك، يشير يزبك، إلى أنه في ظل الأزمة البشرية والتقنية التي يعاني منها الدفاع المدني، وجد في كل المناطق والأطراف والضيع نوع من فرق التبليغ الأولى عن الحرائق، كما تقوم بعض المناطق بمراقبة المساحات الحرجية فيها عبر طائرات الدرونز لإجراء مسح للتدخل السريع.
ويضيف: «هذه الخطوات ساهمت في تقليل حدوث الحرائق في لبنان، واستطعنا المحافظة على بساطنا الأخضر وثروتنا الحرجية بسبب وعي الناس».