أين أصبح حلم الدولة لدى سكان غزة بعد 3 عقود على أوسلو؟

ما تبقى من مطار غزة الذي دمرته إسرائيل في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة «الأقصى» الثانية (أ.ف.ب)
ما تبقى من مطار غزة الذي دمرته إسرائيل في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة «الأقصى» الثانية (أ.ف.ب)
TT

أين أصبح حلم الدولة لدى سكان غزة بعد 3 عقود على أوسلو؟

ما تبقى من مطار غزة الذي دمرته إسرائيل في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة «الأقصى» الثانية (أ.ف.ب)
ما تبقى من مطار غزة الذي دمرته إسرائيل في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة «الأقصى» الثانية (أ.ف.ب)

في عام 1994، عاد الفلسطيني مصطفى السنونو مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى غزة عقب توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر (أيلول) 1993، حالماً بأن يصبح «البلد سنغافورة» المنطقة، لكن حلمه وكثيرين تبدّد بعد 3 عقود.

ووقّع الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني اتفاقية «إعلان المبادئ» للتسوية في العاصمة النرويجية، على أن تبدأ مرحلة انتقالية تتضمن إنشاء أول سلطة للفلسطينيين، وعلى أن يتواصل التفاوض حول مسائل رئيسية أخرى.

وعاد عرفات في يوليو (تموز) 1994، مع الآلاف من قواته العسكرية والأمنية للمرة الأولى إلى قطاع غزة ومدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة التي أقيمت عليهما مؤسسات السلطة الفلسطينية.

عُيّن السنونو (57 عاماً اليوم) حينها ضابطاً برتبة نقيب في الحرس الرئاسي، ثم أصبح عقيداً قبل أن يحال في عام 2008 للتقاعد المبكر مثل الآلاف من عناصر أجهزة الأمن والشرطة في السلطة الفلسطينية بعد الانقسام بين حركتي «فتح» و«حماس».

المصافحة التاريخية برعاية الرئيس كلينتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين بعد اتفاق أوسلو بواشنطن يوم 13 سبتمبر 1993 (غيتي)

قبل شهرين، افتتح السنونو مطعماً للوجبات السريعة في مبنى يبعد مئات الأمتار عن مقرّ عرفات الرئاسي في حي الرمال غرب مدينة غزة الذي تحوّل إلى صالة لحفلات الزفاف.

ويقول السنونو، لوكالة الصحافة الفرنسية: «كنا نعتقد أن البلد ستصبح سنغافورة: معابر مفتوحة، فرص عمل لأولادنا وحكومة ومطار وميناء وجواز سفر، ظننّا أن الدولة على مرمى حجر».

ولا تنحصر خيبة الأمل بهذا الضابط السابق، بل تكاد تكون حالة معمّمة في الأراضي الفلسطينية. بعد 30 عاماً من الفشل في تحقيق سلام حقيقي وحلم الدولة، أصبح جلّ اهتمام الشباب الفلسطيني ينصبّ على البحث عن فرص عمل وحرية التنقل والسفر، وتجاوز أزمات متعددة من بينها السكن والكهرباء والمياه التي تضاعفت في ظل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة المفروض من عام 2007، تاريخ تفرد حركة «حماس» بالسيطرة على القطاع.

ويقول الطالب الجامعي أدهم عبد الله (22 عاماً): «دمرت أحلامنا، لا وظائف للخريجين الجامعيين، لا عمل للشباب، الأوضاع في قطاع غزة تسوء كل يوم مع زيادة البطالة والفقر».

«سجن»

ويتابع: «الشباب يهاجرون من قطاع غزة، السجن الكبير، أملاً بمستقبل أفضل». هاجر من قطاع غزة خلال العقدين الأخيرين أكثر من مائتي ألف فلسطيني غالبيتهم من الشباب إلى دول أوروبية وتركيا، بحسب إحصاءات لمؤسسات حقوقية.

مدخل معبر رفح البري الذي يربط بين قطاع غزة ومصر (أ.ف.ب)

وتزيد نسبة البطالة في القطاع على 45 في المائة، وترتفع إلى 70 في المائة في صفوف الشباب، وفقاً لجهاز الإحصاء الفلسطيني.

وتقول إسراء مراد (21 عاماً): «كل الدول تنعم بمطارات ومعابر وميناء، أما نحن فنسافر في خيالنا وأحلامنا، مطارنا مدمر ومعابرنا مغلقة. نحن في سجن».

في نهاية عام 1998، احتفل الفلسطينيون بأول مطار على أرض قطاع غزة في افتتاح رسمي حضره الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى جانب عدد من رؤساء الدول وكبار المسؤولين العرب والغربيين.

إلا أن إسرائيل دمرت المطار في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة «الأقصى» الثانية.

ما تبقى من مطار غزة الذي دمرته إسرائيل في عام 2001 مع اندلاع انتفاضة «الأقصى» الثانية (أ.ف.ب)

ونصّ الاتفاق على بدء مفاوضات الحل النهائي للنزاع بعد خمس سنوات. وحصلت جولات مفاوضات حول مواضيع متفرقة، لكن لم يتم التطرق إلى الحل النهائي.

الوظيفة قبل أوسلو

بالنسبة للطالبة الجامعية إيمان حسونة (20 عاماً)، كل ما تعرفه عن اتفاق أوسلو مصدره المدرسة. وتقول: «اتفاق أوسلو لا يشغل بالي، نحن كشباب نبحث عن فرص عمل ومستقبل، حلمي أن أجد وظيفة بعد تخرجي من الجامعة».

ويبدو آخرون وقد يئسوا تماماً من تطبيق الاتفاق التاريخي.

ويرى أحمد العبادلة (20 عاماً) أن حلم الدولة لم يعد قابلاً للحياة، ويؤكد أن أوسلو «حبر على ورق»، مضيفاً: «لا تهمني أوسلو».

بينما تقول إسراء مراد، وهي طالبة في قسم الإعلام بجامعة الأقصى في غزة: «لا فرصة للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة».

وتتابع: «عشنا 4 حروب وانتفاضات، فكيف ننسى الماضي؟».

فلسطيني من غزة يقفز في مياه البحر الأبيض المتوسط هرباً من ارتفاع درجات الحرارة (أ.ب)

وشهد قطاع غزة منذ نهاية 2008، 4 حروب ومواجهات عسكرية دامية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، على رأسها حركة «حماس»، أودت بحياة الآلاف معظمهم من الفلسطينيين.

ويقول عبد الله، الذي أنهى دراسته الجامعية هذا العام: «غياب أوسلو أثّر سلباً على مستقبل جيلنا. عندما عاد أبو عمّار إلى الوطن، كان أمل كبير بدولة مستقلة».

ويعيش في قطاع غزة 2.3 مليون شخص تحت وطأة حصار مشدّد تفرضه إسرائيل براً وبحراً وجواً، وفي ظل نسبة فقر مرتفعة.

تبدّد حلم الدولة

ويقول عضو طاقم المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل حسن عصفور، إن «فشل أوسلو لم يفاجئه». ويضيف: «توقعنا انتهاء كل شيء بعد اغتيال إسحاق رابين»، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 على يد متطرف إسرائيلي.

عرفات خلال رحلته العلاجية الأخيرة من غزة إلى فرنسا (أرشيفية)

ويتهم عصفور، الذي يقيم حالياً في مصر، «أطرافاً إسرائيلية مع أطراف فلسطينية لها ارتباطات إقليمية بالتآمر لإفشال أوسلو».

لكنه يؤكد أن «الخلاص من أوسلو أصبح ضرورة وطنية كبرى»، مطالباً بـ«الذهاب إلى مرحلة فك ارتباط شامل عنه». ويقول السنونو دامعاً: «حلم الدولة تبدّد».


مقالات ذات صلة

صندوق إعمار عربي... و«حماس» خارج السلطة

المشرق العربي آليات بناء ثقيلة على الجانب المصري من معبر رفح  في انتظار السماح بإدخلها إلى قطاع غزة (أ.ف.ب)

صندوق إعمار عربي... و«حماس» خارج السلطة

تتركز الأنظار على الجهود المتسارعة لصوغ «خطة عربية» للرد على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن مستقبل قطاع غزة، وسط توقعات بأنها ستتضمن إنشاء صندوق إعمارز

المشرق العربي وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي (رويترز) play-circle

الأردن: نعكف على إعداد مقترح عربي لإعادة إعمار غزة من دون تهجير أهله

قال وزير خارجية الأردن، الجمعة، إن العمل يجري على قدم وساق لإعداد مقترح عربي لإعادة إعمار قطاع غزة من دون تهجير أهله، مشدداً على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (عمان)
شؤون إقليمية فلسطينيون في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة يتظاهرون رفضاً لتهجير الغزيين اليوم الجمعة (أ.ف.ب)

إسرائيل تتجه لتنفيذ المرحلة الأولى وإجهاض المرحلة الثانية

حذّرت أوساط سياسية وعسكرية من الاتجاه الذي يتبلور في حكومة إسرائيل لتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإجهاض المرحلتين الثانية والثالثة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يستدفئون بنيران أشعلوها وسط الدمار الذي خلّفه القصف الإسرائيلي في غزة (رويترز)

إردوغان: خطة ترمب لتهجير الغزيين «وحشية»

أكد الرئيس رجب طيب إردوغان رفض تركيا القاطع لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، داعياً إياه لتنفيذ تعهداته خلال حملته الانتخابية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في واشنطن - 10 فبراير 2025 (أ.ب)

مصر تبلور تصوّراً شاملاً لإعادة إعمار غزة «بوجود الفلسطينيين على أرضهم»

قالت وزارة الخارجية المصرية إن القاهرة بصدد بلورة تصوُّر شامل لإعادة إعمار غزة «بوجود الفلسطينيين على أرضهم».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

نتنياهو يرفض إدخال منازل متنقلة ومعدات إزالة الأنقاض إلى غزة

شاحنات تصطفُّ تحمل منازل متنقلة على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
شاحنات تصطفُّ تحمل منازل متنقلة على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يرفض إدخال منازل متنقلة ومعدات إزالة الأنقاض إلى غزة

شاحنات تصطفُّ تحمل منازل متنقلة على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
شاحنات تصطفُّ تحمل منازل متنقلة على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم (الأحد) بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض الموافقة على إدخال منازل متنقلة ومعدات إزالة الأنقاض إلى غزة خلال مشاورات أمنية الليلة الماضية. بينما عدت حرك«حماس» أن تلك الخطوة هي «تنصل واضح من تعهدات الاحتلال الإسرائيلي والتزاماته التي وقع عليها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار».

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول سياسي قوله: «بعد مشاورات أمنية برئاسة رئيس الوزراء، تقرر مناقشة قضية المنازل المتنقلة في الأيام المقبلة. إسرائيل تنسق بشكل كامل مع الولايات المتحدة».

وبحسب تقارير، ينص اتفاق وقف إطلاق النار بشكل واضح على إدخال معدات إلى غزة لإنشاء ما لا يقل عن 60 ألف منزل مؤقت. وأظهرت صور الأسبوع الماضي منازل متنقلة ومعدات ثقيلة وجرافات تنتظر على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي.

ويأتي رفض نتنياهو الموافقة على دخول المعدات إلى القطاع بينما يريد تمديد المرحلة الأولى الحالية من الاتفاق إلى ما بعد الاثنين والأربعين يوماً المحددة، المقرر أن تنتهي في أول مارس (آذار)، لإطلاق سراح المزيد من الرهائن كجزء من المرحلة الأولى، بحسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

آليات بناء ثقيلة على الجانب المصري من معبر رفح في انتظار السماح بإدخلها إلى قطاع غزة (أ.ف.ب)

ومن جهته، أكد سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة اليوم (الأحد) أن إعلان «الاحتلال رفض إدخال البيوت المتنقلة والمعدات الثقيلة، هو تنصل واضح من تعهداته والتزاماته التي وقع عليها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار والبروتوكول الإنساني الملحق».

ونقل المركز الفلسطيني للإعلام عن معروف قوله إن «ذلك بمنزلة إعلان صريح بإفشاله الاتفاق الذي أكدت المقاومة أنها ستلتزم بتعهداتها فيه ما التزم الاحتلال». وأشار معروف إلى أن «هذا الرفض يظهر للعالم أجمع من هو الطرف المعطل للاتفاق، وهو ما يستلزم من الوسطاء الضامنين التدخل والضغط على الاحتلال للإيفاء بما وقع عليه».

وأكد معروف أن «الأوضاع الحياتية الكارثية التي يعيشها شعبنا في غزة جراء حرب الإبادة والمعاناة الإنسانية التي يكابدونها، لا تحتمل المماطلة والتلكؤ أو التنصل من إدخال كافة مستلزمات الإيواء والاحتياجات الأخرى».

وطالب الوسطاء والمجتمع الدولي بـ«الوقوف عند مسؤولياتهم والاستجابة الفورية للأولويات التي يحتاجها قطاع غزة، ووضع حد لهذه المعاناة المستمرة، عبر الضغط على الاحتلال وإلزامه بالكف عن تنصله من تعهداته والتلذذ بمعاناة مليونين و400 ألف إنسان داخل قطاع غزة».

وأطلقت إسرائيل أمس 369 أسيراً فلسطينياً بعدما أفرجت حركتا «حماس» و«الجهاد» عن 3 من الرهائن في غزة.

ويريد نتنياهو من المفاوضين الإسرائيليين التحدث إلى الوسطاء القطريين والمصريين، بدعم من الولايات المتحدة، وإقناعهم بأن من مصلحة حركة «حماس» أيضاً تمديد المرحلة الأولى لأن هذا من شأنه ضمان سريان وقف إطلاق النار لفترة أطول.

ومن المنتظر أن تُعقد قمة عربية في فبراير (شباط) لمناقشة الرد على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن قطاع غزة، و«عدم إخراج الغزيين من غزة» و«رفض التهجير».

وأثار ترمب ذهولاً عندما أعلن مقترحاً في الأسبوعين الماضيين، يقضي بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة بناء المناطق المدمرة وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد ترحيل الفلسطينيين إلى مكان آخر من دون خطة لإعادتهم. وواجه الاقتراح الصادم ردود فعل إقليمية ودولية رافضة واسعة النطاق، كما أثار تحركا عربياً موحداً.

وكثّفت دول عربية نافذة جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الماضية للتأكيد على رفض طرح ترمب ورفض اقتلاع الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية. وقالت القاهرة أيضاً في وقت لاحق إنها «ستقدّم رؤية شاملة» لإعادة إعمار غزة تضمن بقاء الفلسطينيين في أرضهم.