توسع القتال في «عين الحلوة» يهدد محيطه اللبناني

لا قرار فلسطيني بالحسم... وتقاسم نفوذ على وقع «الخطوط الحمراء»

TT

توسع القتال في «عين الحلوة» يهدد محيطه اللبناني

فلسطينيون ينزحون عن مخيم عين الحلوة هرباً من المعارك (إ.ب.أ)
فلسطينيون ينزحون عن مخيم عين الحلوة هرباً من المعارك (إ.ب.أ)

حالت التناقضات السياسية والتعقيدات الميدانية دون تثبيت حاسم لاتفاق وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا بجنوب لبنان، حيث تجددت الاشتباكات المتقطعة في ظل تقاسم لمناطق نفوذ ميدانية، ومحاولة الفصائل الإسلامية الاستفادة من غياب قرار سياسي لدى «فتح» بالحسم، حسبما قال مصدر فلسطيني بارز في المخيم لـ«الشرق الأوسط».

ولم يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه فصائل منظمة التحرير الفلسطيني من جهة، والفصائل الإسلامية من جهة أخرى، بدفع سياسي لبناني وفلسطيني ورعاية الجيش اللبناني حيث استضاف مدير المخابرات في الجنوب العميد سهيل حرب اجتماعاً حضره أمين سر «فتح» فتحي أبو العردات وممثّل حركة «حماس» في لبنان أحمد عبد الهادي.

وتجددت الاشتباكات المتقطعة، وتوسع إطلاق النار إلى خارج المخيم، مما أدى إلى مقتل شخص في بلدة الغازية المحاذية، وإصابة اثنين آخرين، وبقي طريق صيدا - الجنوب مغلقاً عند الأوتوستراد الشرقي بسبب رصاص القنص والرصاص الطائش، فيما ارتفع عدد القتلى إثر الاشتباكات إلى ثلاثة.

اتصال عباس - ميقاتي

حريص على تحقيق هذه التهدئة، وأن تتم معالجة الأمور وفق القانون اللبناني، وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية. 

الرئيس الفلسطيني محمود عباس

ومع تمدد القتال داخل أحياء المخيم، توسعت أيضاً الاتصالات السياسية، إذ أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس السبت، أنه أصدر تعليمات مشددة بضرورة تحقيق تهدئة كاملة وشاملة في مخيم عين الحلوة. 

وأكد عباس، في بيان عقب تلقيه اتصالاً هاتفياً من رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، لبحث الأحداث الجارية بمخيم عين الحلوة، «ضرورة التزام الأطراف كافة بتحقيق التهدئة».

وبحسب البيان، شدد عباس على حرصه على «تحقيق هذه التهدئة، وأن تتم معالجة الأمور وفق القانون اللبناني، وبالتنسيق مع الدولة اللبنانية».  

 

ما يحدث في مخيم عين الحلوة لا يخدم القضية الفلسطينية ويشكل إساءة بالغة إلى لبنان

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي

من جهتها، أعلنت رئاسة وزراء لبنان أن ميقاتي شدد خلال اتصال مع عباس على أولوية وقف الأعمال العسكرية في مخيم عين الحلوة. 

وشدد ميقاتي على أن ما يحدث في مخيم عين الحلوة لا يخدم القضية الفلسطينية ويشكل إساءة بالغة إلى لبنان، مؤكداً أن على الفلسطينيين في المخيم «أن يتعاطوا مع الدولة اللبنانية وفق قوانينها وأنظمتها والحفاظ على سلامة مواطنيها».  

كما أكد رئيس الحكومة خلال الاتصال «أولوية وقف الأعمال العسكرية والتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمعالجة التوترات القائمة».

 

استمرار الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية في عين الحلوة هو محض جنون وانتحار

الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة

 وأبدى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة استنكاره الشديد لتجدد الاشتباكات المسلحة في مخيم عين الحلوة ودعا إلى وقفها فوراً. وقال السنيورة إنّ «استمرار الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية في عين الحلوة هو محض جنون وانتحار، فهم يدمرون منازل الفلسطينيين واللبنانيين»، مشيراً إلى أنّه «يجب تسليم من قتل العرموشي فوراً إلى السلطات اللبنانية الأمنية والقضائية لنيلهم العقاب القانوني». 

وأضاف: «مدينة صيدا التي حضنت الأخوة الفلسطينيين تدفع الثمن الكبير من أمنها واستقرارها وحياة سكانها، وهذا أمر لا يجوز السكوت عليه والقبول به». وتابع: «هذا الشطط والإجرام يجب أن يوضع له حد بأسرع وقت ويجب التفكير في الحلول الناجعة والنهائية، فلا يمكن أن نقبل باستمرار تعرض المدينة لهذه الأوضاع مع اقتراب موعد بدء العام الدراسي». وأضاف: «ما يجري في صيدا يفوق التصور والقدرة على الاحتمال وهل هذا هو جزاء المعروف؟». ولفت إلى أن «كل الحلول الممكنة يجب أن تبحث ويتم التفكير بها». 

توسع القتال 

فلسطينيون ينزحون عن مخيم عين الحلوة هرباً من المعارك (إ.ب.أ)

واندلعت الجولة الجديدة من الاشتباكات يوم الخميس الماضي، بعد شهر على هدنة كانت الأطراف المتقاتلة قد توصلت إليها في الشهر الماضي، لكن هذه الفترة لم تنهِ أسباب التوتر. وقالت مصادر في «فتح» لـ«الشرق الأوسط» إن أحد القياديين الإسلاميين نمر عيسى الذي كان يتحصن في حطين، افتتح المعركة الخميس انطلاقاً من حي حطين، حيث هاجمت مجموعته مقرات لـ«فتح»، مما اضطرها لصد الهجوم، وملاحقة العناصر الإسلامية إلى حي السينما في الحي، مشيرة إلى أن عيسى «حاول تخفيف الضغط الذي مارسته (فتح)، حين ألزمتهم في المعركة الأخرى على البقاء في الحي وعدم التحرك». 

وقالت وسائل إعلام لبنانية إن حدة الاشتباكات تصاعدت في مخيم عين الحلوة ظهر السبت، في حي حطين وجبل الحليب غرب المخيم، وسرعان ما امتدت إلى المحاور التقليدية في البركسات والطوارئ والبستان اليهودي.  

وقالت المصادر إن القوى الإسلامية «آزرت مجموعة العيسى التي كانت تتحصن في مجمع المدارس، وفتح المعركة في حي الطوارئ لتخفيف الضغط عن المجموعة الأولى»، فيما توسع القتال ليصل السبت إلى حي المنشية حيث «هاجمت مجموعة أخرى مواقع لفتح، وبلغ القتال أطراف حي الطيري، الذي تتحصن فيه فصائل فتح».  

واللافت، بحسب مصادر «فتح»، أن مجموعات لبنانية تتحصن في المخيم، شاركت الإسلاميين في القتال، وهم أربعة «معروفون بالاسم من جماعة (القيادي السلفي الموقوف لدى السلطات اللبنانية) أحمد الأسير، فيما يتحصن أربعة آخرون في حي حطين». وقالت إن مناطق سيطرة الإسلاميين «باتت ملاذاً للمطلوبين اللبنانيين الفارين إلى مخيم عين الحلوة، وهم معروفون بالاسم، وبينهم لبناني يهرّب المطلوبين إلى إدلب السورية بالتواصل مع فارين مطلوبين للسلطات اللبنانية يوجدون في الشمال السوري».  

خطوط حمراء 

وتبدو مناطق السيطرة المقسمة والتعقيدات الميدانية والسياسية، «صورة عن التجاذبات السياسية في الداخل الفلسطيني وفي المنطقة»، حسبما تقول مصادر لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، في حين تقول مصادر فلسطينية إن «خطوطاً حمراء كثيرة وُضعت بوجه (فتح) ومنعتها من الحسم منذ الجولة الماضية»، شارحة لـ«الشرق الأوسط» أن الحسم «يحتاج إلى قرار سياسي، وهو غير متوفر حتى الآن، مما جعل المخيم يرقد على نار تغطيها الرماد، تشتعل كل فترة». وقالت المصادر الفلسطينية إن الإسلاميين في المخيم «يستفيدون من حالة اللاحسم لتحسين مكاسبهم وفرض مناطق نفوذ، كما يستفيدون منها لعدم تسليم المتهمين باغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني أبو أشرف العرموشي ومرافقيه في الشهر الماضي». وقالت إن قاتلي العرموشي، كما قاتلي القيادي الإسلامي عبد فرهود «معروفون بالاسم، ومع ذلك لم يتم تنفيذ الاتفاقات بتسليمهم للسلطات اللبنانية».  

تهديد لسكان المخيم ومحيطه 

شخص يشاهد المعارك من منطقة مشرفة على عين الحلوة (إ.ب.أ)

وبات القتال في المخيم يشكل خطراً على المدنيين داخله الذين نزح قسم منهم إلى صيدا والجوار، إثر احتراق ممتلكات ومنازل المدنيين، كما يشكل خطراً على محيط المخيم، وأدى إلى قطع طريق حيوي في صيدا، حيث أُصيب اثنان وقتل آخر برصاصة طائشة بالقرب من المسلخ في منطقة الغازية، ونقلت جثة القتيل إلى مستشفى الراعي في صيدا، كما جرح شخص في سينيق أمام محله لبيع قطع غيار السيارات. 


مقالات ذات صلة

لبنانيون يروون لـ«الشرق الأوسط» مأساة نزوحهم المتكرر

خاص توزيع الملابس على النازحين في أحد مراكز الإيواء (أ.ف.ب)

لبنانيون يروون لـ«الشرق الأوسط» مأساة نزوحهم المتكرر

عاش جنوبيون كُثر من أبناء القرى الحدودية رحلتَي نزوح أو أكثر؛ الأولى منذ أن أعلن «حزب الله» عن فتح جبهة إسناد غزة، فاضطر الناس للخروج إلى أماكن أكثر أماناً.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي صورة سيارة فان محترقة نشرتها صحيفة «الوطن» السورية لاستهداف إسرائيل مدينة حسياء الصناعية

دمشق تنفي استهداف معمل إيراني وسط سوريا

نفت مصادر سورية صحة الأنباء التي تحدثت عن استهداف مُسيرات إسرائيلية معملاً إيرانياً لتجميع السيارات، وقالت إن المعمل المستهدف فارغ تماماً.

المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قائد القيادة الشمالية الإسرائيلية أوري غوردين خلال حضورهما تمارين عسكرية في الجليل، 26 يونيو (حزيران) 2024 (مكتب الإعلام الحكومي - د.ب.أ)

نتنياهو يتفقد القوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، إن بنيامين نتانياهو أجرى زيارة للقوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي نار ودخان يظهران من موقع تعرض لقصف إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

«حزب الله» يشنّ هجوما بالمسيرات على قاعدة إسرائيلية جنوب حيفا

أعلن «حزب الله»، اليوم (الأحد)، شنّ هجوم بالمسيرات على قاعدة عسكرية إسرائيلية جنوب حيفا.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي (رويترز)

ميقاتي يطالب «بالضغط على إسرائيل» لوقف إطلاق النار في لبنان

دعا رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الأحد، إلى «الضغط على إسرائيل» من أجل «وقف إطلاق النار» بعد ليلة من الغارات العنيفة هزّت الضاحية الجنوبية لبيروت.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

استطلاع: غالبية من الإسرائيليين يرون أنهم «خسروا» حرب غزة

متظاهرون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
متظاهرون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
TT

استطلاع: غالبية من الإسرائيليين يرون أنهم «خسروا» حرب غزة

متظاهرون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن سبتمبر الماضي (د.ب.أ)
متظاهرون إسرائيليون يطالبون بالتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

إزاء المحاولات الإسرائيلية للاستفراد بقطاع غزة والاستفادة من الحرب في لبنان والتهديد بتوسيعها إلى إيران؛ ما زالت غالبية الإسرائيليين يعتقدون أنه لا مجال لتحقيق انتصار على «حماس».

وأعربت هذه الأغلبية عن اعتقادها، عبر استطلاع، أن إسرائيل «خسرت في الحرب»، أو أنهم لا يعرفون الإجابة عن سؤال كهذا، في حين أكدت أغلبية ساحقة من الإسرائيليين رفضها السكن في البلدات اليهودية الواقعة على «غلاف غزة» عندما تنتهي الحرب.

وجاء في نتائج استطلاع نشرته الإذاعة العامة الإسرائيلية «كان» الأحد، أن 27 في المائة من الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل انتصرت في الحرب على غزة، في حين قال 35 في المائة إن إسرائيل خسرت الحرب، وأفاد باقي المستطلعين؛ أي 38 في المائة، بأنهم لا يعرفون الإجابة عن السؤال بيقين.

وفي تحليل النتائج بشكل أعمق، يتضح أن انعدام اليقين حول النتيجة التي حققتها إسرائيل في الحرب يسود أيضاً في أوساط ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يتحدث عن انتصار ساحق وكامل، وقال 47 في المائة منهم إن إسرائيل انتصرت.

أما في صفوف المعارضة، فإن 48 في المائة رأوا أن إسرائيل خسرت في هذه الحرب.

وحسب الاستطلاع، فإن 14 في المائة فقط من الإسرائيليين يوافقون على السكن في إحدى بلدات «غلاف غزة» بعد انتهاء الحرب، في حين أكدت أغلبية ساحقة، بنسبة 86 في المائة، رفضها السكن في المنطقة.

وحاول الاستطلاع معرفة مدى علاقة المواطنين الإسرائيليين بضحايا الهجوم الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والحرب التي شنتها إسرائيل رداً عليه؛ فتبين أن 12 في المائة من الإسرائيليين قالوا إنهم فقدوا أحد أفراد عائلاتهم أو صديقاً قريباً، وقال 36 في المائة إنهم يعرفون أحد القتلى في الحرب أو خلال هجوم «حماس»، ما يعني أن 48 في المائة من الإسرائيليين توجد لهم علاقة مباشرة بنتائج الحرب ويتأثرون بها.

يُذكر أن صحيفة «معاريف» نشرت نتائج استطلاع رأي، حول تأثير الحرب على الإسرائيليين، تبين نتائجه أن أكثر بقليل من ثلث السكان درسوا إمكانية مغادرة البلاد بسبب الحرب المستمرة منذ سنة؛ لأنهم يرون أن هناك خطراً حقيقياً على وجود إسرائيل، أو أنهم لا يعرفون مصيرها، وأن إسرائيل ليست دولة يطيب العيش فيها.

وجاء في النتائج أن 35 في المائة قالوا إنهم درسوا إمكانية الهجرة من إسرائيل (بينهم 24 في المائة درسوا الهجرة الدائمة، و11 في المائة درسوا هجرة مؤقتة)، في حين قال 65 في المائة إنهم لم يدرسوا الفكرة.

وقال 47 في المائة إنهم «يريدون جداً» و26 في المائة «يريدون» أن يعيش أولادهم في إسرائيل، في حين شدد 21 في المائة على أنهم لا يريدون أن يعيش أولادهم في إسرائيل، وقال 6 في المائة إنهم لا يعرفون الإجابة عن سؤال كهذا.

مسافرون في مطار بن غوريون الدولي (رويترز)

وتبين من تحليل معطيات الاستطلاع أن الذين لديهم رضا عن العيش في إسرائيل هم كبار السن ومتدينون وحريديون وناخبو أحزاب الائتلاف، في حين أن غير الراضين عن العيش في إسرائيل هم أبناء 30 - 44 عاماً، وأزواج شباب، وناخبو أحزاب المعارضة.

ويعتقد 66 في المائة من المستطلعين أن إسرائيل دولة يطيب العيش فيها، مقابل 33 في المائة يعتقدون أنه لا يطيب العيش فيها. وقال 49 في المائة إنهم يشعرون بأمن شخصي، و23 في المائة لا يشعرون بذلك، ورأى 26 في المائة أن وضع أمنهم الشخصي متوسط.

ويعبر 41 في المائة عن أنهم واثقون بكل ما يتعلق بأمن إسرائيل، في حين يشعر 30 في المائة بأن الوضع ليس آمناً، و27 في المائة يرون أن مستوى أمن إسرائيل متوسط.