«الشرق الأوسط» ترصد النزوح السوري «تهريباً» إلى لبنان


أطفال في مخيم للنازحين السوريين في بر الياس بالبقاع اللبناني في 7 يوليو العام الماضي (أ.ب)
أطفال في مخيم للنازحين السوريين في بر الياس بالبقاع اللبناني في 7 يوليو العام الماضي (أ.ب)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد النزوح السوري «تهريباً» إلى لبنان


أطفال في مخيم للنازحين السوريين في بر الياس بالبقاع اللبناني في 7 يوليو العام الماضي (أ.ب)
أطفال في مخيم للنازحين السوريين في بر الياس بالبقاع اللبناني في 7 يوليو العام الماضي (أ.ب)

ترصد «الشرق الأوسط» في تحقيق من منطقة البقاع (شرق لبنان)، حركة وصول نازحين سوريين جدد يدخلون إلى الأراضي اللبنانية تهريباً، فارين من الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تضرب بلدهم في موجة نزوح جديدة تلت الموجة الأولى التي كانت أسبابها أمنية قبل سنوات.

وينسق هؤلاء النازحون مع مهربين ينقلونهم بالخفاء عبر مسالك غير شرعية إلى داخل الأراضي اللبنانية، وهي قضية استدعت استنفاراً سياسياً وأمنياً في الداخل اللبناني، لمنع هذه الظاهرة التي تفاقمت خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال السوري «فادي. ش» (24 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»، بعد وصوله تهريباً إلى بعلبك (شرق لبنان)، إنَّه لم يكن يملك غير دولار واحد في جيبه لشراء ما يسد رمقه من أحد محلات السوبرماركت. استنزفت رحلة نزوحه من حمص إلى البقاع اللبناني كل إمكاناته، وأنهت الـ100 دولار التي أرسلها له عمه ليدفعها لمهرب كي ينقله إلى داخل لبنان، حيث ينوي البحث عن عمل.

وصل فادي إلى بعلبك بعد رحلة شاقة، امتدت لـ13 ساعة، تم خلال العبور سيراً عبر معابر غير شرعية ومسالك وعرة، لكن تم تجاوزها بسهولة «لأن المهربين يعرفون النقاط المخفية عن أعين الأمنين السوري واللبناني»، كما قال.

ويسير العابرون لساعات أحياناً بين الحقول والبساتين للوصول إلى العمق اللبناني. دخل فادي من معبر غير شرعي شمال الهرمل في أقصى شمال شرقي لبنان، مع مجموعة ضمَّت 17 سورياً، معظمهم من الشباب الباحثين عن عمل. توزعوا لدى وصولهم إلى الأراضي اللبنانية؛ إذ لجأ بعضهم إلى مخيمات النزوح السوري في البقاع حيث باتوا عند أقرباء لهم، في حين لجأ آخرون إلى منازل يقطنها أقرباء لهم في قرى بعلبك.

والوضع الاقتصادي هو الدافع الوحيد وراء نزوح فادي. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «هربتُ من جحيم الوضع الاقتصادي. من وحش الغلاء في سوريا الذي أصبح لا يُطاق، ولا مقدور لنا للعيش بسبب الغلاء وتراجع قيمة الليرة السورية بشكل كبير، وهو ما يهدد بفقدان الغاز ومحروقات التدفئة على أبواب الشتاء».


مقالات ذات صلة

أوروبا وزيرة الداخلية والشؤون الداخلية الألمانية نانسي فايزر (الثانية من اليمين) تحضر الجلسة الخاصة للجنة الشؤون الداخلية بالبرلمان الألماني في برلين - الجمعة 30 أغسطس 2024 (أ.ب)

ألمانيا تباشر ترحيل اللاجئين المدانين بجرائم

رحّلت الحكومة الألمانية، أمس، 28 أفغانياً مدانين بارتكاب جرائم، وذلك للمرة الأولى منذ عودة حركة «طالبان» إلى السلطة في 2021، في رسالة حازمة بشأن الهجرة.

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية تركيا تعدّ وجودها العسكري في سوريا ضماناً لوحدتها (إكس)

تركيا: لا يجب التعامل مع أزمة سوريا على أنها مجمّدة

أكدت تركيا أن الحل الدائم الوحيد للأزمة السورية يكمن في إقامة سوريا تحكمها إرادة جميع السوريين مع الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر خلال الإعلان عن إجراءات مشددة بشأن حمل السكاكين في الأماكن العامة (أ.ف.ب)

ألمانيا تلغي المساعدات لبعض طالبي اللجوء بعد هجوم زولينغن

أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، أن الائتلاف الحاكم في البلاد اتفق على إلغاء المساعدات لفئة محددة من طالبي اللجوء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

للمرة الأولى منذ 5 سنوات... تركيا تشارك باجتماع غير رسمي للاتحاد الأوروبي

تشارك تركيا في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي (غيمنيتش) الذي يعقد في بروكسل، الخميس، للمرة الأولى منذ 5 سنوات

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

معظم القوى اللبنانية لا تمانع حواراً مع النظام السوري لإعادة النازحين

النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
TT

معظم القوى اللبنانية لا تمانع حواراً مع النظام السوري لإعادة النازحين

النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)
النازحون السوريون في لبنان تحوّلوا إلى مادة سجال داخلي (أ.ب)

عاد ملف النازحين السوريين في لبنان إلى الموائد السياسية اللبنانية، بعدما خرج الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، بتصريح مؤخراً أكد فيه أنه لا بد من حوار مع النظام السوري لحل مسألة النازحين السوريين.

وتصريح جنبلاط أظهر موقفاً جديداً يصب في سياق إجماع معظم اللبنانيين على وجوب الانكباب على حل هذه المشكلة؛ نظراً لتداعياتها الكبيرة على المستويات كافة.

لا مشكلة في التفاوض

عضو كتلة نواب الحزب التقدمي الاشتراكي (اللقاء الديمقراطي)، النائب بلال عبد الله، شرح، لـ«الشرق الأوسط»، خلفيات موقف جنبلاط، قائلاً إن مقاربة «اللقاء» والحزب لملف النزوح السوري تنطلق من «الوثيقة التي أصدرناها بهذا الخصوص، والتي تنمّ عن حرص على المصلحة الوطنية اللبنانية من خلال الإقرار بالعبء الاقتصادي لهذا النزوح ومشاكله على الصعيد الديموغرافي وغيرها، وما يتركه من هواجس لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، كما تنمّ عن حرص على ألا تكون هناك مقاربة عنصرية لهذا الملف، في ظل تراجع المجتمع الدولي عن مسؤولياته، وفي الوقت نفسه في ظل عدم حماسة النظام السوري لإعادة النازحين».

وأضاف: «انطلاقاً مما سبق، تقاربنا مع من يطالب بالتواصل مع النظام السوري لحل أزمة النزوح، كما أن مجلس النواب كلّف الحكومة وأعطاها الصلاحية الكاملة لإجراء حوار مع النظام والدولة السورية، لبحث كيفية إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، على قاعدة الحفاظ على أمن هؤلاء، وأن تكون هناك روزنامة معينة تخفف العبء عن لبنان».

وأضاف: «الرئيس جنبلاط أعاد تأكيد هذا الموضوع كي لا يُقال إن سبب عدم إعادة النازحين هو رفض التواصل مع سوريا، علماً بأن قناعتنا الثابتة هي أن النظام السوري يفاوض على هؤلاء للحصول أولاً على الشرعية الدولية التي لم يحصل عليها بعدُ، كما أنه يريد أموالاً بحجة إعادة الإعمار. وبالتالي، ما نقوله، اليوم، هو: إذا كان يجب أن نفاوض فلنفاوض لإعادة السوريين، وتأمين اللوائح المطلوبة، ووقف التهريب على الحدود».

اللواء إلياس البيسري المدير العام بالإنابة للأمن العام اللبناني (المركزية)

وقد جرى توكيل جهاز الأمن العام اللبناني بملف النزوح السوري، سواء لجهة التدابير الداخلية المتخَذة أم لجهة التنسيق المباشر مع سوريا، وجرى تسجيل زيارة لمدير عام الأمن العام، اللواء إلياس البيسري إلى دمشق لهذا الغرض.

مواقف متأخرة

من جهته، أشار عضو كتلة نواب «التيار الوطني الحر (تكتل لبنان القوي)»، النائب جيمي جبور، إلى أن لملف النزوح السوري «أبعاداً عدة؛ أحدها يفترض الحوار مع الدولة السورية بشكل رسمي وجِدي لوضع آليات العودة وبدء تطبيقها، لكن البعد الآخر يفترض إقناع المجتمع الدولي بأن لبنان لم يعد قادراً على تحمل أعباء النزوح».

وقال جبور، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نتفق مع جنبلاط جزئياً، مع إدراكنا أن هذه المواقف المتأخرة قد تكون مفيدة لإقناع الحكومة اللبنانية بالتعامل جدياً مع هذا العبء الكبير الذي يشكله الوجود السوري غير الشرعي على الأراضي اللبنانية، ويبقى أن الحدود السائبة بين لبنان وسوريا يتحمل الجيش اللبناني المسؤولية الكبرى في ضبطها، وهو يحتاج بذلك إلى قرار سياسي لم تُقْدم عليه الحكومة اللبنانية حتى الآن».

لتفاوض عربي مشترك

ولا يمانع عضو كتلة «تحالف التغيير»، النائب مارك ضو، التفاوض مع النظام السوري، ويَعدُّه «ضرورة»، لافتاً إلى وجوب أن يكون «تفاوضاً عربياً مشتركاً، أردنياً لبنانياً، وكذلك يشمل تركيا؛ للوصول إلى حل شامل للموضوع، لا إلى حل ثنائي».

ورأى ضو، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يمكن للنظام أن يؤمّن مناطق آمنة على الحدود اللبنانية السورية ضمن الأراضي السورية، لإقامة مخيمات تقوم قوى دولية مثل الأمم المتحدة بإدارتها».

رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يترأس أحد الاجتماعات للبحث في معالجة أزمة اللاجئين السوريين (حساب رئاسة الحكومة)

وعن أداء الحكومة اللبنانية في هذا الملف قال ضو: «لا نظن أن الحكومة تقوم بما يجب لحل المشكلة على صعيد دولي. وكل ما نراه هو استغلال الملف من قِبل البعض لكسب نقاط مع النظام السوري».

لإعادتهم فوراً

في المقابل، لا يزال موقف حزب «القوات اللبنانية»، برئاسة سمير جعجع، على حاله، وهو لا يؤيد التواصل مع النظام السوري، وعدَّ أنه لا دولة سورية للتواصل معها، وأن ما يقوم به مدير عام الأمن العام، اللواء إلياس البيسري، كافٍ.

وقالت عضو تكتل نواب حزب «القوات اللبنانية» (تكتل الجمهورية القوية)، النائبة غادة أيوب، لـ«الشرق الأوسط»: «مع انتفاء كل الأسباب السياسية والأمنية والعسكرية المرتبطة بالوجود السوري غير الشرعي في لبنان، بات لزاماً المباشرة فوراً بتطبيق القوانين اللبنانية المَرعية الإجراء والاتفاقية الموقَّعة بين الأمن العام ومفوضية اللاجئين، من خلال إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلدهم، أو إرسالهم إلى بلد آخر؛ لأن لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء».

ولفتت إلى أن «الكلام عن وجوب حصول حوار بين لبنان وسوريا بملف السوريين الموجودين على أرضه بطريقة غير شرعية، لا داعي له؛ لأن هذا الملف تطبَّق فيه حصراً القوانين اللبنانية، وبالتالي من الأفضل تطبيق القانون فوراً وترحيلهم، وبعدها يجري إجراء حوار مع سوريا بأي شأن آخر مرتبط بالعلاقات بين البلدين، علماً بأن هناك تنسيقاً دائماً بين الأجهزة الأمنية».

وختمت أيوب: «بالنسبة للحكومة والجيش والأمن العام اللبناني، فهم مشكورون؛ للدور الذي يقومون به بالاستجابة لضبط الأوضاع، وتوجيه الإنذارات لكل من يخالف القوانين على الأراضي اللبنانية، لكن الحملة، التي بدأت منذ أشهر، تراجعت وتيرتُها بفعل الحرب، لكن هذا الخطر الداهم والوجودي الذي يهدد هوية لبنان لا يفترض أن يتوقف التصدي له، وعلى الأجهزة استكمال الإجراءات التي بدأتها، كما أن على الحكومة إصدار تقارير دورية؛ لمعرفة أعداد الذين يغادرون، والعقبات التي تقف بطريق إعادتهم إلى بلدهم، أو ترحيلهم إلى دولة أخرى».