بويز: قطيعة مع نظامَي القذافي وصدام بسبب رسالة هجاء وعملية اغتيال

وزير الخارجية اللبناني الأسبق فتح لـ«الشرق الأوسط» دفاتر عهدين رئاسيين (الخامسة والأخيرة)

TT

بويز: قطيعة مع نظامَي القذافي وصدام بسبب رسالة هجاء وعملية اغتيال


من اليمين فارس بويز، رفيق الحريري، فاروق الشرع، الياس الهراوي، عبدالحليم خدام وغازي كنعان خلال لقاء في قصر بعبدا (غيتي)
من اليمين فارس بويز، رفيق الحريري، فاروق الشرع، الياس الهراوي، عبدالحليم خدام وغازي كنعان خلال لقاء في قصر بعبدا (غيتي)

حين بدأ عهد الرئيس إلياس الهراوي كانت الدولة اللبنانية مقطّعة الأوصال ومتصدعة المؤسسات. وعلى رغم ذلك رفض وزير الخارجية آنذاك فارس بويز استضعاف لبنان والتعامل معه وكأنه شبه دولة. رمم مبنى وزارة الخارجية وقدراً من المهنية التي كانت فيها يوم كانت في عهدة وزير لامع هو فؤاد بطرس لا يخفي بويز إعجابه به. رفض بويز لغة الإملاءات والتخوين في مخاطبة لبنان، ورفض تكريسه ساحة لتصفية الحسابات. وما ساعد بويز على لعب هذا الدور علاقته المباشرة مع الرئيس حافظ الأسد الذي أدار الحوار ذات يوم محاولاً استكشاف بصمات نائبه عبد الحليم خدام على موقف صعب اتخذه رفيق الحريري. ولفتني في كلام بويز ما سمعه من رائد التحوّل الصيني دينغ هسياو بينغ عن الخروج من العقائد الجامدة مع تفادي الانهيار. نقل بويز هذا الكلام إلى الأسد وأعرب عن اعتقاده أنه ترك أثراً في نفسه.

فارس بویز متحدثاً إلى "الشرق الاوسط"

سألت بويزعن الحادث الدبلوماسي الذي أدى إلى قطع العلاقات مع ليبيا فتحدث عنه.

في يوم من الأيام، يأتيني بكل بساطة السفير الليبي على أساس أنه يحمل رسالة من العقيد معمر القذافي. كانت الرسالة عبارة عن كتاب كرتون لونه أخضر ومطعّم بالذهب أو بالحبر الذهبي ووزنه نحو 10 كيلوغرامات أو حتى 12 كيلوغراماً. أعطاني الكتاب وكأنه معاهدة دولية مصيرية، ففتحته وقرأت سطراً منه يتحدث عن «مؤامرة اليهود والنصارى على الأمة العربية...». قرأت هذه الكلمات وأغلقت الكتاب ورميته في أحضان السفير، قائلاً: قل للعقيد القذافي إن هذا الكتاب غير مقبول على الإطلاق. قل له: نحن من العرب الأصليين. ونصارى لبنان أعادوا النهضة العربية بعد 450 سنة من التتريك ومن اختفاء هذه اللغة. حفظوا اللغة العربية في أديرتهم وعبر مطابعها ورهبانها. قل للعقيد القذافي: إن هؤلاء هم الذين خلقوا الفكر السياسي العربي. حزب البعث العربي هو من تأسيس ميشال عفلق. الحزب الشيوعي العربي الأول من تأسيس فرج الله الحلو. والحزب السوري القومي هو من تأسيس أنطون سعادة. قلت له: اعتبر نفسك يا سعادة السفير غير مرغوب فيك ما لم أحصل على كتاب اعتذار فوراً؛ ولأن الأمر مستبعد اعتبر نفسك شخصاً غير مرغوب فيه. إنني أعطيكم، لكم ولطاقم السفارة الليبية، 48 ساعة كي تغادروا لبنان. وبالفعل، غادر لبنان وذهبت إلى مجلس الوزراء. صلاحية إخراج السفير من لبنان هي صلاحية وزير الخارجية، أما صلاحية قطع العلاقات فهي تحتاج إلى قرار مجلس وزراء. طلبت من مجلس الوزراء قطع العلاقات الدبلوماسية، وهذا ما حصل.

القواعد والأصول

لم يكن الأمر موقفاً طائفياً، بل محاولة للتذكير بالقواعد والأصول. مرّت الأيام، وكلما كنت أذهب إلى مؤتمر في الخارج كان يأتيني السفير اللبناني ليقول لي إن السفير الليبي اتصل به وإن وزير خارجية ليبيا يريد اللقاء بي. وكنت أقول له: لن ألتقي به إلا إذا كان مزوّداً بكتاب اعتذار، على أن يطلعك على هذا الكتاب وتقرأه لي على الهاتف لأطمئن حول مضمونه قبل أن أستقبله. حصل الأمر مرات عدّة، وكان في لبنان ضغوطات عليّ. العقل التجاري اللبناني. فلبنان يُصدّر تفاحاً إلى ليبيا. وأنا ابن منطقة يُزرَع فيها تفاح. لكنني كنت أجيب بأن كرامتنا الوطنية أهم من التفاح حتى ولو اضطررنا إلى إتلافه... بقي الأمر على الأقل سنتين حتى جاء يوم من الأيام، أعتقد في القاهرة، حين أتاني السفير اللبناني ليقول إن وزير الخارجية الليبي اتصل به وإنه يريد لقائي وأبلغه مضمون الكتاب وأخذ يقرأه عليّ. وكان الكتاب مقبولاً، ثم أعدنا هذه العلاقة.

العقيد القذافي إلى جانب قادة عرب (الرئيس حسني مبارك والرئيس الشاذلي بن جديد والملك الحسن الثاني) خلال تدشين خزان لمياه النهر الصناعي العظيم في سلوق جنوب مدينة بنغازي عام 1991 (غيتي)

التقيت العقيد القذافي حين قرر تدشين مشروع النهر العظيم. أتى القذافي بمياه عبر آبار إرتوازية كلفت ثروات، من أقصى عمق البلاد، من منطقة صحراوية فيها كميات من المياه الجوفية، لكنها ليست خصبة وقابلة للزراعة. تم جرّ المياه عبر محطات ضخ مكلفة جداً. كلّف المشروع حينذاك نحو 8 مليارات دولار، سنة 1991. قرر الزعيم الليبي تدشينه في بنغازي ودعا عدداً من الزعماء العرب والأجانب. تقرر في مجلس الوزراء إرسال وفد إلى طرابلس برئاسة رئيس الحكومة عمر كرامي وعضوية وزير الخارجية وخمسة وزراء آخرين. عندئذ رفض أي من الوزراء الشيعة الذهاب في هذا الوفد بسبب قضية اختفاء الإمام موسى الصدر خلال زيارة قام بها إلى ليبيا. اعتذر محسن دلول وعبد الله الأمين عن عدم الذهاب، فذهب الوفد من دون الشيعة. ذهبنا سُنّة وموارنة ودروزاً. وأتذكر أن رئيس الجمهورية عندما قرر طرح موضوع تشكيل الوفد على مجلس الوزراء، عرض على وليد جنبلاط أن يكون ضمنه، فرد جنبلاط وهو الذي لا يخشى شيئاً: «لا، لا، لا، العقيد القذفي يعرف رقم حسابنا وصار له زمن لم يقم بواجباته، وعندما يقوم بواجباته نرى. أنا لا أذهب يا فخامة الرئيس». قالها بوضوح. ذهبنا، وعندما حطت الطائرة كان المشهد شبيهاً بفيلم لم أشهد مثيلاً له في حياتي. حطت الطائرة وجاءنا موكب من سيارات الكاديلاك باللون الأخضر يعتليها مسلحون برشاشات ولباس مدني. لم نفهم لماذا تسلقوا السيارات، ثم عرفنا أنهم يستخدمون هذه الرشاشات لفتح الطريق وتأمينها. كنا نسير وهم يطلقون النار... مشهد فظيع، حتى الذين عاشوا في بيروت إبان الحرب لم يشهدوا مثله، إلى أن وصلنا إلى فندق متواضع. وطبعاً لا وجود لبروتوكل ولا لتنظيم، ولم نعرف أين هي غرفنا. قام أحد مرافقي بنزع اسم أحد الأشخاص عن غرفة وقال لي لا يوجد ترتيب للغرف فلندخل. وإذ بالرئيس عمر كرامي يفتش عن غرفته، فقلت له لا توجد غرف محجوزة، فدع مرافقك يفعل كما فعل مرافقي. وفعلاً نزع اسم أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي ودخل الرئيس كرامي إلى الغرفة. ثم أخذنا الموكب وذهبنا إلى مكان الاحتفال، وإذ أرى وزيراً ليبياً يتشابك بالأيدي مع شخص آخر أمسكه بربطة عنقه. طلب الرئيس عمر كرامي أن نتجاهل المشهد، إلا أن الوزير عندما رآني رحّب بي: أهلاً معالي الوزير الصديق. كأن لا شيء يحصل!

هرج ومرج

ذهبنا وجلسنا على منصة تُشرِف على نوع من ساحة، أو حوض، وكان يفترض عندما يضغط القذافي على مفتاح معيّن أن تتدفق المياه وأن تسقط في هذا الحوض. وفيما نحن جالسون، وكل الضيوف العرب والأفارقة موجودون، وكل معه مرافقوه، ولم نكن نرى شيئاً، بدأ القذافي بالصياح لإزاحة هؤلاء المرافقين، فلم يكترث أحد. فقام وبيده عصا وبدأ بضرب كل من كان يقف أمامنا من مرافقين وبينهم ضباط كبار وأحدهم عقيد أفريقي ربما لم يكن يعرف القذافي، فقبض على يده، فتدخلت فرقة من حرس القائد الليبي وساد هرج ومرج وقفز المرافقون كل لحماية رئيسه، خصوصاً ملك المغرب الذي كان معه ما يشبه الجيش، إلى أن هدأت الأمور... وقف القذافي على المنبر ليطلق خطاباً قال فيه «إننا نفتتح اليوم النهر العظيم... لقد أتينا بالمياه عن بعد 1200 كيلومتر (في عمق الصحراء) وهذا إنجاز عظيم».

طبعاً، علمياً هذا إنجاز عاطل جداً ومكلف جداً. وبعد أن ألقى خطابه، صاح قائلاً: «طز طز بأميركا». للحقيقة لم أستوعب الموضوع، وظننت أن في اللغة الليبية كلمة «طز» يختلف معناها عما نعرفه في لغتنا. سألت شخصاً بقربي ماذا يعني، فقال لي «طز طز» هي نفسها. ثم ضغط على المفتاح وتدفقت المياه. أتت المخابرات الليبية بنحو ثلاثة آلاف شخص، ذهبوا إلى هذا الحوض يمشون في المياه ويهتفون «طز طز بأميركا... يعيش يعيش القذافي».

عدنا إلى الفندق لترتيب أمورنا للمغادرة، وكنت قد أقنعت الرئيس كرامي بأنه من غير الوارد أن نبيت في هذا الفندق، ولا بد أن نذهب حيث تنتظرنا الطائرة. فجأة سمعنا دوي رصاص من رشاشات أوتوماتيكية وجاء مرافقي ليقول لي: حرّاس ملك المغرب يحتجزون المصعد من أجله، ووصل القذافي فاشتبك حرسه مع حرس ملك المغرب من أجل المصعد. في الحقيقة غادرنا بنغازي بالطريقة ذاتها التي وصلنا بها: وسط إطلاق النار. كان شيئاً يشبه أفلام رعاة البقر (الكاوبوي) الأميركية.

قضية الصدر

خلال الفترة التي قضيتها في الخارجية لم تصلنا أي إشارة تتعلق باختفاء الإمام الصدر، سوى أخبار غير موثقة وغير مثبتة. طبعاً الصيغة التي وصلتنا وهي غير مؤكدة تفيد بأنه أثناء الحرب كان العقيد القذافي قد دعا الإمام موسى الصدر على أساس أن يدخل الشيعة في لبنان في الحرب ضد المسيحيين حينذاك، لكن الإمام موسى الصدر استعمل المال (الذي قدمته ليبيا من أجل هذه الغاية) لأسباب اجتماعية وخيرية. بنى به مدارس ومستشفيات... ويبدو أن جهات فلسطينية ولبنانية اشتكت إلى القذافي عندما سألهم: كيف لم تنتصروا على هؤلاء النصارى؟ فأجابوه بأن هناك خللاً في صفوفنا وأن الشيعة لا يحاربون. استدعى القذافي الإمام الصدر وقال له: ماذا تفعل بكل هذه المساعدات، فأعطاه (الصدر) لائحة بالمؤسسات الاجتماعية وغيرها (التي ذهبت إليها الأموال). وهنا يقال إن عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات، دخل واختطف الإمام الصدر، ويقال إنهم غيّبوه في مكان ما في الصحراء. وفيما بعد أرسلوا وفداً إلى روما مع شيخ يرتدي عمامة ليثبتوا أن الصدر دخل إيطاليا بعد ليبيا.

سنة 2004 أو 2005، وبعد استقالتي من وزارة الخارجية، كلّفني الرئيس نبيه بري أن أكون عضواً في لجنة الإمام الصدر، فسألته: ما هي مهمة هذه اللجنة؟ فقال لي: متابعة قضية الإمام موسى الصدر. بقينا في هذه اللجنة، وكنا نحضر اجتماعاتها برئاسة الشيخ عبد الأمير قبلان إلى أن أتتنا في يوم من الأيام معلومات من شقيقة الإمام موسى الصدر، رباب، ومن غيرها، بأن هناك معلومات تفيد بوجود الإمام في المكان الفلاني. ولكن طبعاً كلها كانت معلومات غير مثبتة. وفي أحد الأيام، قالوا لي بصفتك وزير خارجية سابقاً نريدك أن تذهب على رأس وفد من هذه اللجنة إلى الأمم المتحدة لتجتمع بأمينها العام خافيير بيريز دوكويار وتطلب منه تفويضاً باسم الأمم المتحدة للجنة تذهب إلى ليبيا للتحقيق في مصير الإمام موسى الصدر. لكن حصلت أمور حالت دون ذهابنا.

صدام حسين واغتيال طالب السهيل

وهناك قصة معبّرة حصلت مع نظام صدام حسين. في يوم من الأيام كان في لبنان زعيم عراقي عشائري كبير اسمه طالب السهيل، وكان معارضاً لنظام صدام ومقيماً في منطقة الروشة ببيروت. أتاه ثلاثة أشخاص وقرعوا الباب. ربما كان هذا الرجل من دون حراسة، ففتح لهم الباب. أطلقوا عليه النار وقتلوه ثم هربوا. طاردتهم الشرطة حتى وصلوا إلى السفارة العراقية، فلجأوا إليها، ولم تتمكن الشرطة من دخولها بسبب الحصانة الدبلوماسية. استدعيت السفير رأساً، وقلت له: عليك أن تسلّمنا الأشخاص الثلاثة الذين ارتكبوا هذه الجريمة وإلا سأعتبرك شخصاً غير مرغوب فيه، وعليك أن تغادر مع طاقم السفارة. فقال لي: هؤلاء دبلوماسيون. قلت له: نريد أن نتأكد منهم، وعليك أن تسملنا إياهم. كنت متاكداً أنه لن يسلمهم، وأنهم رجال مخابرات مرسلون من بغداد. قال لي: معالي الوزير هذا مستحيل. فقلت له: اعتبر نفسك شخصاً غير مرغوب فيه. فسألني: كيف أستطيع المغادرة وثمة خطر يحيق بي؟ فربما يتعرض موكب السفارة لاعتداء. قلت له: سأمرّ عليك وآخذك بموكبي الخاص بسيارتي وأنا معك وأقلك إلى المطار لتغادر، بعد يومين. احجز طائرة وانتظرني عند التاسعة صباحاً على أبواب السفارة وسأمرّ لأقلك أنت وكل طاقم السفارة. سيأتي بموكب من 10 سيارات، وموكب أمني خاص، ليس من الشرطة ولا من الجيش. وإذ في اليوم التالي، يتم الاتصال بي من مطار بيروت عند الثامنة صباحاً، وكان مدعي عام التمييز القاضي منيف عويدات. قال لي: معالي الوزير، لقد ألقي القبض على كامل أفراد طاقم السفارة العراقية وهم يحاولون الفرار. قلت له: لا. أبلغوني فوراً بأسماء هؤلاء لنرى من هم دبلوماسيون ومن هم غير دبلوماسيين. أبلغت وزارة الخارجية بالأسماء واكتشفنا أن المطلوبين الثلاثة ليسوا دبلوماسيين. فقلت لهم: أطلقوا فوراً سراح السفير وكل الدبلوماسيين واحتفظوا بالمطلوبين الثلاثة، وهذا ما حصل. أحيل المطلوبون على القضاء وصدرت أحكام بحقهم وتوفي أحدهم في السجن بمرض السرطان.

كتاب اعتذار

وعلى غرار ما حصل مع ليبيا، كنت في كل مؤتمر أذهب إليه أتلقى اتصالاً من وزير خارجية العراق ليقول لي إنه يريد أن يراني، وكنت أقول له: لا أستطيع إلا بموجب كتاب اعتذار. كنت أعرف أن صدام لن يعتذر عن الموضوع (اغتيال السهيل). في يوم من الأيام، اتصل بي سفيرنا في الأردن وكنا هناك للمشاركة في مؤتمر، وقال لي: لقد جاءني السفير العراقي وقال لي إن وزير خارجيتهم يريد مقابلتك. قال لي السفير: أعطاني صورة عن كتاب من صدام حسين وقرأه لي. وبالفعل وجدت أن مضمون الكتاب مقبول.

لم يستخدم عبارة الاعتذار، ولكن اعتبر أن ما حصل خطأ ويتحمل مسؤوليته من قام به ولا علاقة للدولة العراقية بذلك. وبالفعل عادت العلاقات بعد ذلك.

اتصل بي عام 2005، السفير الليبي وقال لي إن العقيد القذافي يقوم بجولة يزور فيها القاهرة ودمشق، وهو يرغب في لقائك في دمشق ومستعد أن يرسل لك طائرته الخاصة لتنقلك إليها، وهو معجب بك. ربما كان القذافي يريد التعرف على الرجل الذي تجرأ وقطع العلاقات مع بلاده. فقلت له: لو كان آتياً إلى بيروت لا مشكلة بلقائه، لكنني غير قادر على الذهاب إلى دمشق. لم أذهب، وطبعاً كنت قلقاً منه، ربما يفعل بي ما فعله بموسى الصدر.

الرئيس العراقي صدام حسين دعا بويز إلى رحلة صيد لكنه خشي أن يتم «صيده» خلالها (غيتي)

وكذلك الأمر مع العراق. فبعد سنوات من ذلك (عملية الاغتيال)، وكنت وقتها لم أعد وزيراً ولا نائباً، جاءني السفير العراقي ليقول إن صدام حسين علم بأنني صيّاد وأن على الفرات كثافة صيد للبط البري، وإن الرئيس يدعوني للقيام بزيارة رسمية إلى بغداد، ومنها إلى رحلة صيد للبط والوز البري. ابتسمت وقلت له: يا سعادة السفير، لديّ علل كثيرة في الحياة ولكن ليس لديّ علة نقصان التفكير. بالأمس قتل صهره (حسين كامل)، أيريد أن يأخذني إلى هناك. معروف أن رحلات الصيد أسهل طريقة لقتل شخص، فيقال قتل خطأ. مرافقك يطلق النار عليك ويقال بالخطأ. أيضاً تجاهلنا دعوة صدام.

ياسر عرفات والعلاقة المعقدة مع الأسد

اجتمعت مع ياسر عرفات مرة في الأردن. كنا في مؤتمر، وعلى مدخل الفندق الذي نزلنا فيه وصل عرفات. قبل هذا التاريخ عندما كنت ألتقي عرفات في المؤتمرات كان حذراً في العلاقة معي، ربما كان يعتبر أن فارس بويز لا يزال حاقداً بسبب الحرب في لبنان. كانت العلاقة حذرة. لائقة ولكن حذرة. وإذ يومها، التقينا على مدخل الفندق، وإذ بعرفات يهجم علينا. قبّلني كما قبّل مرافقي. لم يكن يعرف من هو. قبّل الجميع. أذكر أن صورة أُخذت لهذه اللحظة، وأعطيت الصورة للمرافق، وهو من بلدة مارونية مقاتلة أثناء الحرب اسمها حراجل في كسروان. أخذ المرافق هذه الصورة وهو كئيب وقال لي: صورة جميلة ولكن لا نجرؤ على وضعها في البيت بحراجل؟ فمن جهة، الصورة لرئيس دولة يعانقه، ولكن من جهة ثانية هذا الرئيس هو أبو عمار وبالتالي لا يستطيع أن يفاخر بهذه الصورة في بلدته.

قال عرفات: يا معالي الوزير، أنت رجل شريف، وأنا أريد زيارتك. فقلت: أهلاً وسهلاً. صعد معي إلى الجناح وجلسنا وكأن شيئاً لم يكن. راح يكلمني عن مواضيع المؤتمر والوضع العربي - الإسرائيلي. تحدثنا قريباً من ساعة؛ وهو ما أثار فضول الصحافيين والمخابرات الأردنية.

كانت علاقة عرفات مع سوريا معقدة وكان هناك نوع من الكراهية حياله. في سوريا إذا كره الرئيس حافظ الأسد شخصاً فيعني أن كل النظام يكرهه. كانت لديهم صورة ما عن عرفات. يتهمونه بأنه غير صادق، وأنه لن يوفّر فرصة لتسوية مسلوقة. فرصة لتسوية سياسية غير مقبولة. كان هناك من ينعته بـ«الدجال». أضف إلى ذلك، على ما أظن، اعتقادهم أن عرفات يلعب على وتيرة الورقة المذهبية. وهذا يضاف إلى أسباب أخرى. أعتقد أن ذلك يعود إلى زمن طويل؛ إذ روي لي أنه عندما ذهب كمال جنبلاط إلى دمشق واجتمع بحافظ الأسد ليطالبه بدعم الحركة الوطنية في مواجهة الميليشيات المسيحية، من ضمن الأسباب التي قالها حافظ الأسد: «تريد أن أدعمكم، وهل تعتقد يا أستاذ كمال بأنك أنت ستسيطر على الوضع أم أنك تريد تسليم لبنان إلى ياسر عرفات (...) نحن نعتبر مساعدتكم تعني مساعدة ياسر عرفات وهذا أمر غير وارد».

مشاعر الأسد

سألته عن مشاعر الأسد تجاه سياسيين لبنانيين فحكى.

أمر غريب. كان (الأسد) يحب أطباع الرئيس الهراوي. أعتقد أن الرئيس الأسد كان أحياناً يحب الأطباع التي تختلف عن أطباعه، كان يحب عفوية إلياس الهراوي، وكان يحب عدم وجود خلفية مخفية لديه. عندما كان يتحدث معه، لم تكن عنده (الهراوي) خلفيات، وهذا كان يطمئن الأسد. وانطلاقاً من هنا، كل ما كان يقوله إلياس الهراوي كان مقبولاً طالما لا توجد خلفيات. وكذلك كان يحب الأطباع المازحة لدى إلياس الهراوي؛ إذ كانت لديه قدرة على حل أكبر مشكلة بنكتة معينة، وأن يرطّب الأجواء بشكل جذري. في يوم من الأيام، نفذت المقاومة عملية في الجنوب وردّت إسرائيل باستهداف منشآت كهربائية وغير ذلك، وإذ بالرئيس الحريري (سنة 1993) يطلب من رئيس الجمهورية انعقاد المجلس الأعلى للدفاع. والحقيقة، المجلس الأعلى للدفاع، دستورياً، لا سلطة له. هو مجلس يواكب تنفيذ قرارات مجلس الوزراء العسكرية والأمنية. ويضم المجلس رئيسَي الجمهورية والحكومة ووزراء الخارجية والدفاع والداخلية والمال وقائد الجيش. يومها تغيّب قائد الجيش العماد إميل لحود كالعادة، فقد كان يتهرب من الإحراجات.

اجتمعنا، وإذ برفيق الحريري، وهو رئيس حكومة معيّن حديثاً، يأتي بحماسة كبيرة ليقول: نحن لا نقبل بما يحصل. لا نقبل بأن هؤلاء «الزعران» يجروننا إلى دمار البلاد. علينا أن نتخذ فوراً قراراً بإرسال الجيش إلى الجنوب والسيطرة على الوضع والانتشار هناك.

من اليمين فارس بويز، رفيق الحريري، فاروق الشرع، الياس الهراوي، عبدالحليم خدام وغازي كنعان خلال لقاء في قصر بعبدا (غيتي)

يومها كان الجيش معاداً بناؤه وكلنا يعلم أن لحود هو رجل سوريا وأن قراراً كهذا لا بد من أن يُبحث مع سوريا. لكن يبدو أن رئيس الجمهورية ووزيرَي الدفاع والداخلية اعتقدوا بأن رفيق الحريري نسّق الأمر مع السوريين، فلم يعترض أحد. أنا، من الزاوية القانونية، قلت له: يا دولة الرئيس، من حيث الشكل، مجلس الدفاع الأعلى لا سلطة له ولا صلاحية لديه لاتخاذ مثل هذا القرار. يجب عليك أولاً أن تجمع مجلس الوزراء لاتخاذ قرار كهذا. مجلس الدفاع الأعلى يراقب تنفيذ قرارات مجلس الوزراء ولا يتخذ قرارات. ثانياً، من حيث المضمون، أعتقد أن هذا أمر كبير. وإذا كنا نريد اتخاذ قرار ينفذه الجيش، فلا بد من أن ننسق هذا الأمر مع السوريين. ثالثاً، هذا قرار استراتيجي كبير، هذا قرار بإنهاء المقاومة فيما لا تزال الأراضي اللبنانية محتلة. لذلك؛ أنا أعترض على هذا القرار شكلاً ومضموناً بالطريقة التي يُتخذ بها. وبالفعل، ما إن انتهى الاجتماع حتى اشتعلت بيروت بالإذاعات والتلفزيونات، حيث انطلقت حملة كبيرة ضد الحكومة ومجلس الدفاع الأعلى إلى درجة أن رفيق الحريري اضطر إلى جمع مجلس الوزراء بعد الظهر واتخاذ قرار معاكس لإبطال قرار مجلس الدفاع الأعلى. طبعاً، تم هذا تحت الضغط الشعبي وضغط حلفاء سوريا. كما أنني اعترضت، وقلت له: هذه بهدلة لمجلس الوزراء. اعتبر أن هذا القرار كأنه لم يكن ولا مبرر لمجلس الوزراء. أصلاً القرار (من مجلس الدفاع) غير قانوني فاعتبره كأنه لم يكن، وانتهى. لكنه (الحريري) لم يقبل.

قفازات الأسد

بعد يومين، دُعينا إلى قمة في دمشق، فذهب إلياس الهراوي ورفيق الحريري ونبيه بري. بعد مرور نصف ساعة على بداية القمة؛ إذ دائماً نصف الساعة الأول من القمة يتركز على اكتشاف ماذا يريد حافظ الأسد، ظهر لنا واضحاً أن الرئيس السوري يحاول أن يكشف موقف عبد الحليم خدام الحقيقي وما إذا كان هو وراء قرار مجلس الدفاع الأعلى (اللبناني). توقّع أن يُقال إن رفيق الحريري نسّق مع خدام. ولكن كرامتنا الوطنية تمنعنا أن نشكو رفيق الحريري. فدار الحديث بشكل مبهم. تكلّم رئيس الجمهورية نصف ساعة دون أن يقول شيئاً. تكلّم الرئيس نبيه بري نصف ساعة دون أن يقول شيئاً. تكلّم رفيق الحريري نصف ساعة، وتكلمت أنا نصف ساعة دون أن أقول شيئاً. مرت ساعتان، وإذ عاد السؤال يتكرر. الأسد دائماً يلبس قفازات. كان خدام حاضراً ولونه أصفر.

جولة ثانية، ساعتان، ولم يقل أحد شيئاً. وإذ أصبحت الساعة نحو الرابعة بعد الظهر، رُفعت الجلسة. وبينما كان الرئيس الأسد يصطحبنا إلى الباب، ذهب الرئيس الهراوي إلى الحمام. وفي اللحظة التي خرج فيها كان الحريري يقول للرئيس الأسد: هل تعلم سيادة الرئيس منذ متى علاقتي بنائب الرئيس عبد الحليم خدام؟ قال له: منذ متى؟ فأجابه: منذ 20 سنة، ونتكلم بعضنا مع بعض نحو 15 مرة في النهار، ولو كنت في الصين أو في اليابان... أبقى على اتصال يومي معه. في هذه اللحظة وصل الرئيس الهراوي الذي لا ترحم النكتة لديه - وهو بطبعه إذا سمع أن شخصين يتواصلان يظن أنهما يتآمران ضده - وقال له: 15 مرة في النهار، ومن 20 سنة؟ ولماذا أدخلتمونا بالزجاج إذن؟ ماذا تقولون على التلفون؟ فقال حافظ الأسد: والله يا فخامة الرئيس لو قلت لنا ذلك منذ بداية الجلسة كنا أبقيناكم على الغداء، لكن الآن أصبحت الساعة 4. يقصد ليتك قلتها من البداية لما كنا أضعنا كل هذا الوقت. بنكتة كان الرئيس الهراوي يتعامل مع المواقف. كانت علاقة حافظ الأسد مع الحريري علاقة حذرة (أصلاً)، وجاء موضوع الأموال لخدام وحكمت الشهابي ليزيدها حذراً.

أما الرئيس نبيه بري فقد كان موثوقاً به في سوريا في عهد حافظ الأسد. خاض بري مواجهة تشبه الحرب مع «حزب الله»، ولعبت حركة «أمل» دوراً فيما سُمي «حرب المخيمات». كان واضحاً أنهم (أي السوريين) يعتبرون الرئيس بري رجلاً موثوقاً.

قمة كلينتون - الأسد

ذات يوم حصلت قمة في جنيف بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد، وعُلم عن هذه القمة أن كلينتون حمل إلى الأسد مشروع سلام. المشروع سُمي «مشروع إيهود بارك»؛ لأن وقتها إيهود باراك هو الذي صممه، وكان مشروعاً يعيد إلى سوريا نحو 99 في المائة من أراضيها المحتلة في الجولان، باستثناء مساحة نحو 30 متراً هي شريط بطول كيلومتر على بحيرة طبريا، يحتفظ بها الإسرائيلي، أي أن السوري لن يستطيع أن يُدخل قوى بحرية أو ما شابه ذلك (إلى البحيرة). وإذ بحافظ الأسد يرفض حينذاك هذه المسألة. اندهش العالم من هذا الأمر. لم يستطع أن يفهم أن دولة تخسر في الحرب هذا الحجم من الأراضي وترفض في السلم أن تسترد 99.5 في المائة من حقوقها. الحقيقة، كان لدي نوع من حدس سياسي وقراءة سياسية أخرى للموضوع غير الظاهر لسبب رفض الرئيس الأسد (المشروع المعروض عليه). وعندما عاد إلى دمشق، اتصل بي من القصر الرئاسي في دمشق جبران كورية، وقال لي إن الرئيس الأسد يريد أن يلتقيك. فذهبت. كانت هناك أصول (للزيارة). أنا لم أكن أذهب إلى سوريا إلا بشكل رسمي، حيث يستقبلني وزير الخارجية على الحدود. استقبلني فاروق الشرع، لكنني استغربت أنه لم يحضر الاجتماع (مع الأسد). راودني شعور بأن هناك أمراً دقيقاً جداً لا يريد الرئيس الأسد أن يُطلع عليه أحداً. ذهبت إلى الرئيس الأسد، وإذ يقول لي، وهو لم يكن يحبذ طرح السؤال بالمباشر وكان يغلّفه: ما رأي الناس بموقفي في قمة جنيف؟ قلت له: رأي الناس يا سيادة الرئيس؟ قال لي: نعم، رأي الناس. قلت له: الحقيقة يا سيادة الرئيس الناس غير قادرة أن تستوعب كيف لدولة خسرت أراضيها في الحرب وتأتيها في السلم عودة أراضيها بنسبة 99.5 في المائة، وهي ترفض هذا الطرح. إذا كان هذا سؤالك. فقال لي: حسناً، وهل هذا رأيك؟ فقلت له: لا، يا سيادة الرئيس. أنت لم تطلب رأيي بل سألتني ماذا يقول الناس. فابتسم. أرغمته أن يقول لي: أنت ما رأيك؟ فقلت له: أنا رأيي، أولاً أن الرئيس حافظ الأسد لا يحبذ أن يغادر هذه الدنيا وأن يسجّل عليه التاريخ أنه هو الذي اعترف بالكيان الصهيوني، فهو يتمنى أن يغادر هذه الدنيا ويقال عنه إنه رفض هذا الواقع حتى الرمق الأخير. ثانياً، أنا أعتبر أن الرئيس الأسد مدرك لتكوين سوريا الحساس والدقيق والذي يجعله يتفادى أن يعرّض نفسه للمزايدات الداخلية وغيرها ويفقد هذا الغطاء العروبي الذي يتمسك به دائماً. وثالثاً، أنا أعتقد أن الرئيس الأسد خشي ألا يتمكن من سيأتي بعده من حمل هذا الثقل الذي تشكله العلاقات مع إسرائيل. إذا كان حافظ الأسد بصفته زعيم جبهة الصمود والتصدي قادراً على حمله، فليس أكيداً أن من سيأتي بعده سيكون قادراً على حمل هذه المسؤولية. مسؤولية السلام مع إسرائيل. ولكل هذه الاعتبارات، أنا اعتبرتها اعتباراتك. فابتسم وقال: لندع هذا الموضوع بيننا. لكن في الحقيقة، لم نخطئ منذ اللحظة الأولى التي التقيتك بها. كأنه يقول ما أخطأت في التقدير، كأنه يقول أنك فهمت عليّ، ولكن دون أن يقرّ بذلك صراحة.

دينغ هسياو بينغ

سألت الوزير بويز عن لقائه بدينغ هسياو بينغ الذي وضع المدماك الأول للنهضة الصينية، فروى.

بويز خلال اجتماع مع رئيس مجلس وزراء الصين الشعبية لي بينغ في بكين (أرشيف فارس بويز)

تأثرت كثيراً بما قاله لي في إحدى زياراتي للصين في بداية التسعينات. أُدهشت بطريقة خروج الصين من الماركسية - اللينينية - الستالينية، ونمو الاقتصاد الصيني. وفي الحقيقة طرحت عليه هذا السؤال: «كيف تعملون لتخرجوا من الماركسيّة»؟ فقال: «نحن أدركنا بأنّ الماركسية عقيدة اقتصادية لم تعد ممكنة، وهي سقطت. وأدركنا بأنّ اللينينية عقيدة سياسية ديكتاتورية (عقيدة الحزب الواحد) تجاوزها الزمن. وأدركنا بأنّ الستالينية عقيدة أمنية بوليسية تجاوزها الزمن أيضاً. ولكن لا يمكننا أن نخرج من العقائد الثلاث من دون أن ينهار البلد وتعمّ الفوضى. وقد رأينا أمامنا مثال روسيا التي أخرجها غورباتشوف من هذه العقائد الثلاث معاً، فانهارت روسيا بأكملها. لذا؛ قرّرنا أن نخرج تدريجياً من هذه العقائد بدءاً من الماركسية، لنفسح المجال أمام النهضة الاقتصادية وأمام تطوّر الناس، ومن ثم سيلحق بذلك تدريجياً التوجه نحو المزيد من الحريات والديمقراطية».

عدت بهذا الرّأي إلى الرئيس حافظ الأسد في أحد لقاءاتي معه. كنت أخبره عن زيارتي للصين وقلت له: «والله يا سيادة الرئيس، يبدو أنّ الصينيين أكثر فهماً بالسياسة من أصدقائكم الروس. فبدل الخروج من هذه العقائد الثلاث في وقت واحد وتنهار الصين وتعمّ الفوضى، شرحوا لي أنّهم يخرجون تدريجياً بالموضوع الاقتصادي. أعتقد بأنّ سوريا أيضاً قد يكون وضعها شبيهاً بالصين، بمعنى أنّه إذا بدأت بالنهضة الاقتصاديّة والحريّة الاقتصادية وتدريجياً تذهب في اتجاه الخروج من هذه الحالات».

أعتقد بأنّ هذا الأمر أثّر كثيراً بالرئيس الأسد، رغم أنّه كان بعيداً جداً عن إعطاء الأولوية للموضوع الاقتصادي، ولكنه أثّر به كفكرة. وهذا ما جعله يطلب منّي مساعدة سوريا في الانضمام إلى اتّفاق الشراكة الأوروبية - المتوسّطيّة على اعتبار أنّ هذه الشراكة ستفتح عنوان التطوّر الاقتصادي، وتساعد سوريا على النموّ والتطوّر دون أن تجعلها تدخل بشكل أكيد في الفوضى.

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
TT

«وحدة الساحات»: شبه إجماع لبناني على رفضها وانتقاد دور إيران

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)
صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

حين قرر «حزب الله»، ومن خلفه إيران، في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تحويل جبهة جنوب لبنان إلى جبهة دعم وإسناد لغزة، التزاماً باستراتيجية «وحدة الساحات» التي تقول إن كل القوى المحسوبة على طهران تتحرك تلقائياً لتدعم أي هجوم على أي منها، لم يستشر أحداً، لا الحلفاء ولا الأخصام، ولم يعد لأي من المؤسسات الدستورية لتغطية قراره هذا، لعلمه بوقتها أن أحداً لن يغطيه.

اليوم وبعد ما يتردد عن قراره فصل مساري غزة ولبنان، بالموافقة على وقف النار، باتت القوى التي تجنبت طوال الفترة الماضية انتقاد هذه السياسة علناً، لا تتردد باعتبار التزام الحزب السابق بهذه الاستراتيجية «خطأ استراتيجياً».

تحسين شروط

ولفت مؤخراً ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان قد ساند «حماس» و«حزب الله» بعد «طوفان الأقصى»، عن وجوب «فصل المسارات ووقف استخدام الجنوب ساحة صراع لدعم غزة أو الضفة»، منتقداً استخدام إيران للبنان في «ربط المسارات من أجل تحسين شروط المناقشات حول موضوع النووي الإيراني».

أما حركة «أمل»، الحليف الأقرب لـ«حزب الله»، التي انخرطت ولو بشكل رمزي بحرب الإسناد، فتشير المعلومات إلى أنها لم تكن تؤيد استراتيجية «وحدة الساحات» لكنها وبعد بدء المواجهات جنوباً انخرطت بالحرب «دفاعاً عن لبنان».

ويتجنب نواب وقياديو الحركة الحديث بهذا الخصوص، إذ يصر «الثنائي الشيعي» على تظهير موقف واحد مرتبط بالحرب الراهنة.

لا مصلحة لبنانية فيها

وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، حليف «حزب الله» منذ عام 2006، أول من خرج ليصف التزام «حزب الله» باستراتيجية «وحدة الساحات» بـ«الخطأ الاستراتيجي»، معتبراً أنها «تصب لصالح دول أخرى وليس لصالح لبنان».

ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور إلى أنه «تم العمل باستراتيجية وحدة الساحات حصراً عند تضامن (حزب الله) مع غزة، وفتحه لجبهة الإسناد التي رأينا منذ البداية ألا مصلحة لبنانية فيها، وإذ تبين لاحقاً أن موقفنا كان صائباً بتراجع الجميع عن هذا الإسناد عملياً، بما فيهم (حزب الله) الذي دفع وحيداً مع لبنان ثمن وحدة الساحات من غير أن نرى إيران، أم غيرها من الدول والقوى، تنضم تضامناً معه إلى هذه المعركة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كل ما حصل بات يُحتم «إعادة النظر الجذرية باستراتيجية السلاح فور انتهاء المعارك»، مضيفاً: «آن الأوان لحوار داخلي يجعل السلاح في خدمة لبنان فقط دون سواه من الدول ضمن استراتيجية دفاعية تكون الدولة ومؤسساتها صاحبة القرار، ويكون الجيش اللبناني العمود الفقري والأساس في الدفاع عن لبنان».

مقاتل من «حزب الله» يطلق صاروخاً موجهاً (أرشيفية)

بالتسوية أو بالقوة

ويُعدُّ حزب «القوات اللبنانية» أبرز المعارضين لـ«وحدة الساحات»، وبالأصل لوجود «حزب الله» حزباً مسلحاً. وترى عضو تكتل «الجمهورية القوية» غادة أيوب أن «إيران اعتمدت استراتيجية (وحدة الساحات)، لأنها أرادت بذلك أن تكون لاعباً قوياً يتدخل في 5 بلدان عربية عبر أذرعه بدءاً من (حزب الله) في لبنان، والحوثيين في اليمن، و(حماس) في غزة، و(الحشد الشعبي) في العراق، والنظام السوري بوجود (فيلق القدس) والحرس الثوري الإيراني»، مشيرة إلى أنه «غداة إعلان (طوفان الأقصى) في 8 أكتوبر (تشرين الأول) لم تتحرك سوى ساحتين لمساندة (حماس) في غزة انطلاقاً من لبنان واليمن، وبذلك تعطلت استراتيجية وحدة الساحات التي ابتدعتها إيران، وسقطت بمجرد أن رفض النظام السوري الدخول في هذه الحرب لاعتبارات تتعلق بالوجود الروسي على أراضيه واعتبارات أخرى، وكذلك العراق، مع العلم أن إيران، وبالرغم من هذه الاستراتيجية، فهي لم تسلم من الضربات المباشرة على أراضيها والتهديدات المباشرة إذا ما أكملت في سياستها».

وتعدُّ غادة أيوب، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الاستراتيجية تنتهي إما عن طريق التسوية مع إيران أو بالقوة»، لافتة إلى أن محور الممانعة أصبح «محوراً صوتياً أو سياسياً لا عسكرياً» كممانع للعلاقة مع إسرائيل لحين تبلور صورة الشرق الأوسط.

مدماك حزام النار

أما مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، فيوضح أن «استراتيجية وحدة الساحات التي تم تفعيلها عند بدء الحرب على غزة، وشارك فيها اليمن وطبعاً (حزب الله) الذي أعلن جبهة جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد، قررت إيران وقفها، وليس بشكل علني، لأنها واجهت ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة، وأصبح الاستمرار بهذه الاستراتيجية مكلفاً جداً، بخاصة على (حزب الله) الذي هو المدماك، أي الحجر الأساس في ما يُسمى حزام النار الذي أنشأته إيران لتطويق إسرائيل، الذي يُسمى سياسياً بـ(وحدة الساحات)».

ويلفت نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بدأ أخيراً تقليم أظافر (حزب الله) وصولاً لشبه إنهائه من خلال اقتلاع قدراته العسكرية، وهذا أمر مستمر»، موضحاً أن «إيران وأذرعها لم يقرروا فقط وقف العمل باستراتيجية وحدة الساحات، إنما باتوا يريدون وقف النار وإنهاء العمليات العسكرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».