بويز: الأسد اشترط لإطاحة عون تفويضاً غربياً وعدم استفادة جعجع

وزير الخارجية اللبناني الأسبق يفتح لـ"الشرق الأوسط" دفاتر عهدين رئاسيين (3- 5)

TT

بويز: الأسد اشترط لإطاحة عون تفويضاً غربياً وعدم استفادة جعجع


العماد ميشال عون في قصر بعبدا عام 1989... عملية عسكرية سورية أرغمته على اللجوء إلى السفارة الفرنسية (غيتي)
العماد ميشال عون في قصر بعبدا عام 1989... عملية عسكرية سورية أرغمته على اللجوء إلى السفارة الفرنسية (غيتي)

أحياناً تكفي جملة لتغيير مصير سياسي. كان النائب إلياس الهراوي مدعواً إلى مقابلة تلفزيونية وكان على عادة السياسيين الموارنة مصاباً بحلم رئاسة الجمهورية. تشاور مع صهره فارس بويز فنصحه بجملة استوقفت الرئيس حافظ الأسد. كان الرئيس السوري يبحث في تلك الأيام عن رئيس جديد للبنان من خارج منطقة الجبل كي لا تتكرر معه تجربة إلياس سركيس مع صعود بشير الجميل وتجربة وقوع سركيس تحت تأثير وزير الخارجية فؤاد بطرس ومدير المخابرات في الجيش اللبناني جوني عبده. قال الهراوي الجملة واضطر بسببها إلى مغادرة منزله في الشطر الشرقي من بيروت عائداً إلى بيته المحتل في زحلة. وكانت المفاجأة أن مسؤول المخابرات السورية في لبنان اللواء غازي كنعان استقبله بالقول: «أهلاً وسهلاً فخامة الرئيس»، قبل أن يسمع الوعد من الأسد نفسه. عاد النواب من لقائهم في الطائف وأصيب حلم الهراوي بانتكاسة حين قضت تسوية بانتخاب رينيه معوض رئيساً. تدخّل القدر واغتيل معوض سريعاً وانتخب الهراوي رئيساً، لكن القصر كان يومها في عهدة جنرال صاخب اسمه ميشال عون لن يغادر القصر إلا في عملية عسكرية دفعته إلى المنفى. يروي وزير الخارجية الأسبق فارس بويز قصة انتخاب الهراوي ويقول إن الأسد اشترط لإزاحة عون تفويضاً غربياً وألا ينجح قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع في وراثة نفوذ عون في المناطق المسيحية.

الرئيس الهراوي مع رئيس حكومته الأولى سليم الحص (غيتي)

سألت بويز كيف وصل الهراوي إلى رئاسة الجمهورية وسأتركه يروي.

في الحقيقة، قبل هذه الانتخابات كانت سوريا مكلفة ومفوضة بالملف اللبناني. مفوضة من العالم بأسره، الولايات المتحدة والفاتيكان وأوروبا، وكان الجميع يقرون بعجزهم عن إدارة الواقع اللبناني. لا أحد كان مستعداً لدفع ثمن عسكري في هذه الساحة، ومن هنا فوّض الجميع سوريا. سوريا كانت لديها عقدة منذ سنة 1976، عندما كُلّفت أيضاً بضبط منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وإدارة الملف اللبناني. اختارت حينذاك الرئيس إلياس سركيس رئيساً للجمهورية وخاضت حرباً، في الحقيقة، من أجل إيصاله. أعتقد أنه سقط من الجيش السوري آنذاك في وجه الفلسطينيين عدد كبير من القتلى ودُمّرت دبابات. وقع عهد إلياس سركيس تحت وطأة صعود الشيخ بشير الجميل وانتهى مواجهاً لسوريا وبدخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان وانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. كانت لدى سوريا عقدة من هذا الأمر، ولا تريد تكراره. من هنا، كانت تريد، حسب تقديري آنذاك، أولاً رئيساً مارونياً من خارج جبل لبنان كي لا يرضخ للمناخ الماروني العام في هذه المنطقة والذي كان يعتقد أنه مواجه لسوريا أو ضدها. ثانياً، كانت تريد رئيساً جريئاً لا تربطه بـ«القوات اللبنانية» أي روابط. أكثر من ذلك، كانت تريد رئيساً مستعداً لمواجهة «القوات اللبنانية» إذا اقتضى الأمر. تريد رئيساً لديه المناعة الكافية كي لا يرضخ، مثلما رضخ سركيس لمطالب بشير، أمام سياسة «القوات اللبنانية». ومن هنا، كنت أتوقع أن لسوريا أربعة أسماء: مخايل الضاهر وكنت أول من توقع طرحه. وإن تعذّر، فرينيه معوض، وإن تعذّر فإلياس الهراوي، وإن تعذّر فجان عبيد.

رئيس أم وزير؟

حقيقة الأمر هي أنه قبل حصول انتخابات رئاسة الجمهورية، أتاني إلى مكتبي الوزير والنائب حينذاك إلياس الهراوي وقال لي «إنني مدعو إلى حلقة الليلة على (شاشة) إل بي سي، وكانت يومها ناطقة باسم «القوات اللبنانية» ومركزها في الأشرفية، بماذا تنصحني أن أقول؟ قلت له: ماذا ترغب أن تقول؟ في البداية أراد أن يتهرب من الوضوح. قال إنه سيتكلم في الزراعة، معتبراً أنه معني بهذا الحقل وضليع به. قلت له: إذا كان أعلى طموحاتك أن تكون وزير زراعة في الحكومة المقبلة قد يفيدك هذا الأمر. لم يعجبه الجواب، فقال لي: هل تعتقد أن هذا فقط طموحي؟ فقلت له: إذا طموحك رئاسي، فأنا أعتقد أن الرئيس الذي سينتخب سيكون رئيساً يجسّد هذا التفويض الدولي، يتفاعل ويتناغم مع هذا التفويض الدولي. ومن هنا، أنا أعتقد أن عليك أن تطلق رسالة واضحة بأن التفاهم مع سوريا أمر ضروري لحل الأزمة اللبنانية. وبالفعل، ذهب إلى التلفزيون وأطلق هذه العبارة.

وكنت حذّرته أنني غير مسؤول عن أمنه بعد إطلاق هذا الموقف. كنّا في حالة حرب. ابتسم. وبالفعل، بعد أن ظهر على شاشة الـ«إل بي سي» وقال هذا الكلام، ذهب إلى منزله مستقوياً بأنه كان من الذين صوّتوا في الماضي لبشير الجميل وأن لديه أصدقاء من «القوات اللبنانية» كنادر سكر وكريم بقردوني وأن هؤلاء يستطيعون حمايته. عندما وصل إلى منزله رآهم يقولون له: غادر فوراً. لا نستطيع حمايتك. وبالفعل، أخذ عائلته وذهب إلى منزله في زحلة، الذي كان غادره قبل ثماني سنوات، أي وقت انتخاب بشير الجميل عندما حرّضت أجهزة سورية عليه بعض القوى المحلية التي احتلت منزله وأرزاقه هناك. لم يزر زحلة منذ انتخاب بشير الجميل، لكنه ذهب إليها فجأة من دون أي حساب، إذ لم يكن لديه خيار آخر. ويبدو أن الحواجز السورية التي كانت قائمة رصدت مروره وأبلغت (من يجب إبلاغه). ما إن وصل إلى منزله حتى فوجئ بوجود غازي كنعان (رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية في لبنان). الهراوي لم يكن ضامناً أنه سيستطيع أن يدخل منزله، ولم يكن يعرف من فيه. أدى له كنعان تحية رئاسية، وقال: «أهلاً وسهلاً فخامة الرئيس». استغرب الهراوي ورد: «أي رئيس؟ الرئيس لا يعرف أين يبات ليلته». أجابه: «تفضّل وزوجتك وزورا المنزل وإذا كانت هناك منفضة (سجائر) ناقصة منه فسأفعل كذا بمن أخذها». وبالفعل، زارت زوجته المنزل ورأت أن كل شيء في مكانه. قالت له: حتى ملابسك لا تزال كما كانت.

يبدو أن غازي كنعان كان قد رصد أو توقع انتقال إلياس الهراوي (إلى منزله في زحلة)، فأرسل لمحتلي المنزل أوامر فورية بتنظيف المكان وترتيبه. قال له (للهراوي): تفضل. سيادة الرئيس (حافظ الأسد) في انتظارك. كانت الساعة حينها العاشرة والنصف ليلاً. فقال له: الليلة؟ فأجابه: سيادة الرئيس يطيل السهر. وذهبا معاً، وبالفعل استقبله حافظ الأسد وقال له: «لقد استمعت إلى كلامك وإنني... ساعدنا الله على أن نؤيد مجيئك رئيساً».

الرئيس رينيه معوض يحيي مؤيديه بعد انتخابه رئيساً (غيتي)

عاد إلياس الهراوي واتصل بي هاتفياً، ليوحي لي على الهاتف على قدر ما يستطيع أن يتكلم، بأنه كانت له زيارة (لدمشق) وأنها كانت إيجابية جداً. رئاسة إلياس الهراوي تقررت منذ ذلك الحين. ولكن ما دخل على الخط هو فعلاً نوع من تسوية سعودية – سورية حينذاك أتت برينيه معوض. معوض كان قد عمل أكثر على الخط السعودي عبر صداقات وعلاقات عديدة بين رجال أعمال لبنانيين في المملكة العربية السعودية، وكان مرغوباً أكثر من قبل السعودية في هذا الأمر، وكان جزءاً من مهمة الرئيس المقبل الإعمار والحصول على مساعدات ودعم للبنان، ومن هنا أتى معوض حينذاك رئيساً للجمهورية بالرغم من أن الأسد كان يعطي الأولوية للهراوي. أتى معوض نتيجة تسوية سعودية – سورية لكنه اغتيل وعادت الأمور إلى مسارها السابق وتوجهت الدفة مجدداً باتجاه الهراوي.

انفجار سيارة مفخخة في بيروت أودى بحياة الرئيس رينيه معوض عام 1989 (غيتي)

الرأي الأساسي في سوريا كان عند حافظ الأسد. وكان في هذا الاتجاه. ولكن كانت في سوريا قوى أخرى لا ترغب في الهراوي. كان عبد الحليم خدام لا يريده وكانت هناك قوى أخرى أيضاً. في لبنان كان هناك السيد حسين الحسيني، رئيس المجلس النيابي، وكان له نفوذ ودور، أيضاً لا يرغب في الهراوي.إسقاط خيار الهراوي

تلاقت هذه القوى اللبنانية مع عبد الحليم خدام لإسقاط خيار الهراوي ومحاولة الإتيان بغيره. تارة أرسلوا النائب بيار حلو إلى خدام، وتارة أرسلوا جان عبيد. كانوا يحاولون إيجاد بديل لتقديمه للأسد. وكان خدام يستعمل وسيلة كأن يقول لهؤلاء ماذا ستفعلون مع ميشال عون في حال رفض تسليمكم الشرعية أو الرئاسة؟ هل ستذهبون إلى معركة عسكرية؟ حاول أن يطرح على حافظ الأسد أحد هؤلاء الاثنين بديلاً عن الهراوي بذريعة أن البديل سيوافق على استعمال القوة (ضد عون) إذا تعذّرت الوسائل السياسية الأخرى. في الحقيقة، لعب خدام هذا الدور، ولكن لم يكن هذا الدور حاسماً إذ لم يكن القرار في سوريا يوماً لديه في مواضيع بهذا الحجم. القرار الكبير عند حافظ الأسد فقط. ونقطة على السطر. ربما كانوا يحاولون تغيير قرار الأسد أو أنهم غير مطلعين كفاية عليه.

كان الهراوي مرشح الأسد ولم يكن مرشح (رفيق) الحريري كما شاع لاحقاً. ولكن عندما ذهب النواب إلى باريس، قلت له: يبدو أن هناك تسوية سعودية – سورية دخلت على الخط، وأعتقد أن حظوظك قد تراجعت لمصلحة رينيه معوض. أجاب: ما هذا الكلام؟ ينتظرني في باريس رفيق الحريري وجوني عبده (مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني). في اليوم التالي اتصل بي من باريس ليقول: ربما كنت على حق، فهذا رفيق يتجنبني ولا يصافحني، وجوني اختفى. قلت له: من الواضح جداً أن رفيق الحريري يعمل لمصلحة معوض. وبالفعل انتخب الرئيس رينيه معوض رئيساً للجمهورية، وكانت خيبة الهراوي كبيرة.

عندما استشهد رينيه معوض، في تفجير استهدف موكبه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، مالت الأمور إلى الهراوي تلقائياً وبشكل مباشر. كنت أتوقع هذا الأمر، إذ عندما علمت بالانفجار الذي أودى بحياة معوض، اتصلت بإلياس الهراوي الذي كان معتكفاً في زحلة وكان بدأ معارضاً للحكم الجديد، وقلت له: إنني واثق بأن الانتخابات ستحصل فوراً وهذه المرة لا مفر من اسمك. فقال لي: أي انتخابات؟ قُتل رينيه معوض الآن والفوضى آتية. فقلت له: إنني واثق بأنهم سيحاولون إجراء انتخابات (رئاسية) فوراً. وبالفعل حصلت الانتخابات.

انتخب الهراوي في الفندق («بارك أوتيل شتورة») ثم نُقل بطريقة غريبة إلى شقة صغيرة متواضعة في الثكنة العسكرية في أبلح (البقاع). كان الرئيس إلياس الهراوي يتألم كثيراً لوضعه، إذ لم يكن يشعر أن لديه أي صلة بصورة رئيس للجمهورية. كان في شقة صغيرة، هي شقة عسكرية داخل ثكنة بعيدة جداً عن العاصمة، منقطعاً هاتفياً وبكل الوسائل عن عاصمته. لا يستقبل هناك إلا شخصيات من المنطقة. رئيس حكومته، الرئيس سليم الحص، يعاني من مشاكل تنفسية ويصعب عليه الذهاب إلى منطقة البقاع المعروفة بنشاف طقسها، وحينذاك كانت الطريق من بيروت إلى البقاع تستغرق أربع ساعات عبر «طريق الكرامة» في الشوف. كان الرئيس الهراوي متشائماً ويائساً، وبدأ بعد فترة يهدد بالاستقالة. قال لي حرفياً: لن أكمل الطريق بهذا الشكل. لست دمية. أريد أن أعرف ما هو المستقبل. وكان في الوقت عينه عندما يفتح التلفزيون يرى فعلاً حشوداً في بعبدا تصفق للعماد ميشال عون، وهذا يزيد من شعوره بأن الشعب لا يفهمه.

العماد ميشال عون في قصر بعبدا عام 1989... عملية عسكرية سورية أرغمته على اللجوء إلى السفارة الفرنسية (غيتي)

قال لي الهراوي أريدك أن تذهب وتلتقي بالسوريين لتفهم منهم ماذا سيحصل. فقلت له: أنا ماروني من كسروان، ابن نهاد بويز، من مؤسسي حزب الكتلة الوطنية، تريد أن تطل على سوريا العروبة وسوريا البعث بشخص كهذا؟ هذا مستحيل. وأنا لا أعرف سوريا ولم أضع قدماً فيها في يوم من الأيام. هل هذا الوقت الملائم كي أتعلم التركيبة السورية؟ فقال لي: ما العمل؟ فقلت له: عيّن ميشال المر، فعلاقته جيدة مع السوريين، فعينه. بعد مدة قصيرة لم تدم أكثر من أسبوع، اكتشف الرئيس الهراوي أن ميشال المر، قبل أن يعود إليه من مهمته في دمشق، كان يصرح على الراديو فور تخطيه الحدود اللبنانية وكان الهراوي يستمع إلى تصريحاته، فأوقف تكليفه له، وقال لي: من (أعيّن بديلاً للمر)؟ فقلت له: محسن دلول الضليع أيضاً بالقضايا السورية. عيّن دلول، وبعد مدة قال لي: ما بيمشي الحال. قال لمحسن دلول: إنني أرسلك لتُفهم السوريين ماذا أريد، وإذ بك تأتيني لتُفهمني ماذا يريدون في سوريا. ليست هذه المهمة التي كلفتك بها. عدل عن (تعيين) دلول. اقترحت حينذاك ابن شقيقه، الوزير فيما بعد، خليل الهراوي الذي لم تكن علاقته به جيدة، ولكن طرحناه من باب السياسة. أنت تريد شخصاً له علاقات مع السوريين وهذا الرجل له هذه العلاقات. أيضاً لم يدم هذا الأمر، ففهمت في النتيجة أنه لا بد لي أن أذهب. فاستدعاني الرئيس الهراوي في يوم من الأيام، وأنا كنت أزوره يومياً في أبلح، ولم يلتحق أحد به، وبدأت أتعاطى بكل الأمور.

بدأت أصبح مستشاراً من غير لقب رسمي. بمعنى، من سيرد على كتاب مرسل، مثلاً، من البابا (بابا الفاتيكان)، أو الرئيس فرنسوا ميتران، أو الرئيس جورج بوش؟ لا توجد دولة. إلياس الهراوي لم يكن لديه أحد (يساعده). الحرس الجمهوري كان مجموعة من أقارب العقيد جميل السيد حينذاك، ولم يكن هناك أحد غيرهم. في القصر، لم يكن هناك وجود لدولة أو لمؤسسات دولة، وكنت أضطر بحكم الواقع إلى أن أقوم بكل شيء، خاصة بالموضوع الدبلوماسي والخارجي. توليت واقعياً وتدريجياً هذه الأمور.

الذهاب إلى الأسد

لا أذهب إلا للأسداستدعاني، فدخلت إليه فوراً وقلت له: دون أن تتكلم، أنا موافق. فهمت أنه سيحرجني. أنا أوافق ولكن لدي شروط. أولاً، لن أذهب لا إلى ضابط مخابرات ولا إلى أي مسؤول آخر. لن أذهب إلا إلى الرئيس حافظ الأسد. فوجئ. قلت: أذهب علناً وصراحة ورسمياً للرئيس الأسد. لا أريد أن أذهب في الليل، ولا أريد أن أذهب سراً. قال لي: كيف ذلك؟ قلت له: استدعِ محمود عثمان، وكان مدير الرئاسة وله خبرة كبيرة في الأمور الرئاسية والإدارية، فاستدعاه ودوّن الأمر. في اليوم التالي اتصلوا من الثكنة في أبلح – من مكتب الرئيس الهراوي - بمكتب الرئيس حافظ الأسد وطلبوا لي موعداً، لبّي الطلب فوراً وذهبت. هذه الزيارة كانت مفصلية، بمعنى أن حافظ الأسد الذي كان طبقاً لتقارير مخابراتية يتوقع مجيء فارس بويز، الماروني من كسروان، ابن نهاد بويز، من الكتلة الوطنية، كان يتوقع مجيء ماروني من الموارنة التقليديين الذين هم ضد العروبة أو الخائفين منها. فوجئ الرئيس الأسد بماروني يحاضر بالعروبة ويقول لحافظ الأسد إن المسيحيين هم حراس اللغة العربية، آل بستاني وآل اليازجي وغيرهم، وأن المسيحيين في لبنان هم وراء الفكر العربي – العروبي، فهذا مؤسس «حزب البعث» ميشال عفلق، وهذا مؤسس «الحزب القومي السوري» أنطون سعادة، وهذا مؤسس «الحزب الشيوعي العربي» فرج الله الحلو... إلخ. أدخلنا حافظ الأسد بموضوع الولايات المتحدة، وأيضاً اكتشف أن فارس بويز غير منبهر بالولايات المتحدة أو بسياستها ويراها في معظم الأحيان سياسة انتهازية. وأراد أيضاً أن يمتحنني بموضوع إسرائيل واكتشف حقيقة موقفي. ومن هنا، بُنيت هذه العلاقة. عندئذ، وفي جلسات لاحقة، بدأنا نتكلم وكان الرئيس الهراوي قد بدأ يهدد بالاستقالة ويقول إنه إذا لم يوضع حد لعدم تسليم السلطة من قبل ميشال عون فلن يكمل بهذا الشكل. وبالفعل، نقلت إلى الرئيس حافظ الأسد هذا الأمر.

كان للرئيس الأسد أسلوب خاص في شرح الأمور، وعليك أن تلتقط الإشارات من دون أن تتوقع أن يفصح عنها. أفهمني الرئيس (الأسد) أن علينا أن نتجنب أي عملية عسكرية. وبالفعل، وكأنه فوّضني أو طلب مني هذا الأمر. توليت هذا الملف وعدت إلى بيروت وأسست خلية من سفير فرنسا رينيه ألا، وسفير الفاتيكان بابلو بوانتي، وكنت أجتمع بهما دورياً ويذهبان لمفاوضة العماد عون.

النقطة الثانية (التي أرادها الأسد) هي أن الغرب الذي فوضه بموضوع لبنان مجدداً عبر الطائف، عليه أن يكلمه في شأن معالجة موضوع تمرد العماد عون. ومن هنا، أصبحت أيضاً مبعوثاً رئاسياً إلى كل من الولايات المتحدة وفرنسا والفاتيكان. ذهبت إلى هناك لأطرح أن الدولة في لبنان تتفكك نهائياً ولن يبقى منها شيء، والهجرة اللبنانية والمسيحية (تحديداً) قوية جداً. ومن هنا يجب معالجة هذا الأمر. وبالفعل أرسلوا إلى حافظ الأسد رسائل عديدة تطالبه بقمع التمرد.

والشق الثالث الذي سبق وأشرت إليه، هو أن سوريا كانت تخشى، بعد التخلص من العماد ميشال عون، أن يستقوي سمير جعجع ويهيمن على الحكم كما هيمن بشير الجميل على حكم إلياس سركيس. ومن هنا أراد الرئيس الأسد أن يأخذ ضمانات من سمير جعجع حول بضع نقاط. الأولى أن يدخل سمير جعجع من دون مواربة أو التفاف في اتفاق الطائف وموافقته عليه، لأن سمير جعجع كان، خوفاً من شعبيته المسيحية، قد تجنب اتخاذ مواقف واضحة في هذا الشأن. كان المطلوب موقفاً واضحاً من موضوع الطائف. موقف واضح من الشرعية اللبنانية، شرعية إلياس الهراوي. موقف واضح من حل الميليشيات. موقف واضح من انتشار الجيش في كل المناطق اللبنانية من دون تحفظ. موقف واضح من تسليم الأسلحة من قبل كل الميليشيات.

في الحقيقة، أصبحت أنا بين الطائف، ذاهباً إلى باريس وواشنطن والفاتيكان، وبين الباخرة التي تنقلني من خليج سان جورج (في بيروت) إلى خليج جونية ليلاً لتفادي مدفعية العماد ميشال عون في البحر، وأذهب منها إلى منطقة غدراس في كسروان حيث كان يقطن سمير جعجع واجتمع به من العاشرة ليلاً حتى الثالثة أو الرابعة فجراً، لأعود قبل أن يطل الصباح أيضاً تهرباً من مدفعية ميشال عون في البحر. وكان جعجع يرسل زورقاً يأخذني من السان جورج. ودام هذا الأمر نحو 6 أو 7 أشهر، حتى نضجت الأمور، فاتصل الغرب بالرئيس حافظ الأسد ليبلغه بضرورة وضع حد لهذا التمرد، أي الموافقة على عملية عسكرية. كانت هناك موافقة أميركية وفرنسية وفاتيكانية. طبعاً مع تمني البعض ألا يقع كثير من الضحايا، ولكن الضوء الأخضر كان واضحاً. تلقى حافظ الأسد الضوء الأخضر من الغرب.

مفاوضات غير مباشرة مع عون

إيلي حبيقة وسمير جعجع قبل افتراقهما... الأول كان يحاول إقناع دمشق بعدم شن عملية ضد عون والثاني كان يتطلع لإطاحته (غيتي)

كنت أجري مفاوضات مع ميشال عون بشكل غير مباشر من خلال رينيه ألا وبابلو بوانتي، وكما كنا نتوقع، لم تثمر هذه المفاوضات شيئاً. كان هناك أعداء لسمير جعجع في لبنان من الذين يطمئنون ميشال عون بأنه لن يُقتلع (من قصر بعبدا) وأنه لا عملية عسكرية ضده، وكانوا هم ذاتهم يأتون إلى دمشق ليحاولوا إقناع السوريين بعدم القيام بأي عملية ضد ميشال عون، باعتبار أن أي عملية ضد ميشال عون ستقوّي سمير جعجع. من هؤلاء إيلي حبيقة والحزب القومي السوري وربما الوزير سليمان فرنجية. كل من كان بعيداً عن «القوات اللبنانية» وكل من كان قريباً من سوريا (تدخل في هذا الأمر). كما نشأ تيار في سوريا يتخوف من أن عملية إسقاط ميشال عون ستفيد سمير جعجع وسنقع في المشكلة ذاتها، التي وقعنا فيها مع الرئيس إلياس سركيس. فمن هنا، كان هناك بعض التردد السوري في هذا الأمر. لم يتجاوب ميشال عون لا في المفاوضات التي كنا نجريها لأنه كان هناك من يطمئنه ومن يزوده أيضاً بالمحروقات وبالذخيرة، من حلفاء سوريا، إيلي حبيقة مثلاً. كانوا يطمئنونه بأنه لا عملية عسكرية ضده في الأفق. وكان هذا يصعّب مهمة التفاوض معه وإيجاد حل.

في جميع الأحوال، نضجت هذه المحاور الثلاثة ونضج تاريخ العملية العسكرية التي لم يكن هناك بد منها، ما دامت المفاوضات لم تثمر، وبعد أن أرسل الرئيس فرنسوا ميتران والرئيس جورج بوش رسائل تطالب العماد ميشال عون بمغادرة السلطة، لكنه لم يتجاوب. كذلك تدخل بابا روما. في الحقيقة، أتت تلك اللحظة (لحظة إزاحة عون).

كنت مكلفاً بهذه الملفات الثلاثة: ملف التفاوض مع الغرب في الموضوع (عون). وملف التفاوض مع العماد ميشال عون (لإقناعه بالتنحي). وملف التفاوض مع سمير جعجع في موضوع الضمانات أو التطمينات المطلوبة منه. وبالفعل هذا ما حصل.

دور فرنسيوهنا، لا بد من الإشارة إلى الدور الفرنسي. فميشال عون كان مرتبطاً بالمخابرات الفرنسية (من خلال) رينيه ألا الذي هو، وإن كان سفيراً لدولة فرنسا لدى لبنان، إلا أنه قريب جداً من المخابرات الفرنسية. كان رينيه ألا يحاول الدفاع عن العماد عون بكل الوسائل الممكنة، وكان قلقاً على مصيره. كانت عنده كمية كبيرة من العاطفة والقلق. لم يكن سفيراً بالمعنى البارد أو الرسمي، كان سفيراً متورطاً بشكل أو بآخر. أتاني في يوم من الأيام السفير ألا قائلاً: يبدو أن المعركة العسكرية أصبحت تقترب. قلت له: بفضلك يا سيد ألا. لو أنتم ساعدتم العماد عون على التروي وعلى التفاوض لما كنا قد وصلنا إلى ذلك. فقال لي: لماذا؟ أنا أفاوضه. قلت له: نعم أنت تفاوضه ولكن دون قناعة، تفاوضه كواجب تقوم به، ولكن أنت في الوقت عينه من الذين يشجعونه على البقاء في السلطة. أنت تقوم بدورين مختلفين. في جميع الأحوال، قال لي: ألا تريد أن نبحث في حال حصلت العملية العسكرية؟ قلت له: أصبحتُ تعتقد أن العملية حاصلة؟ صح النوم! فقال لي: فرضاً حصلت عملية عسكرية، هل خططتم لأمن ميشال عون؟ قلت له: لم نخطط بعد لهذا الأمر، نحن نرغب في أعلى درجة أن نحفظ أمنه لأننا لا نتحمل سياسياً ولا إنسانياً أي ضرر يمكن أن يحصل له أو لعائلته ولكن في الحقيقة عندما تبدأ الحروب لا أحد يستطيع أن يضمن أي شيء، خاصة أن هذه الحرب لن يقوم بها الجيش اللبناني لكي أضمن لك... سيقوم بها الجيش السوري الذي هو مفوّض من دولتكم ومن دول أخرى بالملف اللبناني. هذا التفويض يبدأ بعملية ميشال عون. بدأنا إذن نبحث بخروج العماد ميشال عون، وفعلاً اقترح رينيه ألا أن العماد عون عندما تحصل المعركة سيخرج إلى السفارة الفرنسية ويصبح في حماية السفارة التي لها حصانة. وتعهدت أنا بالفعل إن خرج ميشال عون من القصر الجمهوري، الذي سيكون مسرح العمليات ولا يمكننا ضبط أي شيء يحصل هناك، وذهب إلى السفارة الفرنسية، فنحن بالقليل الذي بقي لدينا من عناصر الجيش، سنحافظ على أمنه، وسنواكبه إلى الشاطئ اللبناني حيث تتواجد قطعة بحرية فرنسية تنقله إلى فرنسا، أو إلى قبرص في مرحلة أولى. وبالحقيقة هذا ما حصل. وضعت خطة إجلاء أو ترحيل العماد ميشال عون لضمان سلامته، ولكن لم نكن نثق إن كان سيغادر القصر الجمهوري ليأتي إلى السفارة الفرنسية أم لا. لم نكن نعرف ماذا سيفعل بعائلته.

وكنت أول المتفاجئين عندما علمت أن العماد ميشال عون ترك بسهولة وسرعة القصر الجمهوري وتوجه إلى السفارة الفرنسية. وكنت أول المندهشين عندما علمت أنه أتى لوحده ولم يأتِ بعائلته معه. في جميع الأحوال، هذا ما حصل. عندئذ، اضطررنا إلى أن نبتدع، أثناء المعركة التي بدأت، حلولاً جزئية لمشكلة عائلته، وهنا عرض إيلي حبيقة نفسه، كونه على تواصل مع القوات السورية ولديه دين تجاه ميشال عون في الماضي حيث أنقذه العماد ميشال عون خلال معركة «الاتفاق الثلاثي». ذهب حبيقة واصطحب عائلة العماد عون من القصر الجمهوري إلى منزل السفير الفرنسي.

غداً حلقة رابعة


مقالات ذات صلة

رئيس الحكومة اللبنانية مدافعاً عن قانون الانتظام المالي: سيعيد أموال المودعين

المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام (أ.ف.ب)

رئيس الحكومة اللبنانية مدافعاً عن قانون الانتظام المالي: سيعيد أموال المودعين

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام أن مشروع القانون المتعلق بالانتظام المالي الذي أقره مجلس الوزراء سيدفع أموال المودعين من دون نقصان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس جوزيف عون مستقبلاً وفداً من قيادة الجيش بقيادة العماد رودولف هيكل (رئاسة الجمهورية)

عون: المؤسسات العسكرية والأمنية تشكل خط الدفاع الأول عن لبنان

أكد رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون أن المؤسسات العسكرية والأمنية تشكّل خط الدفاع الأول عن لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزيرا الطاقة المصري واللبناني أثناء توقيعهما مذكرة التفاهم (رئاسة الحكومة اللبنانية)

مذكرة تفاهم بين القاهرة وبيروت لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي

وقّع لبنان مذكرة تفاهم مع مصر لتلبية احتياجاته من الغاز الطبيعي المخصص لتوليد الطاقة الكهربائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنانية تعتصم أمام مبنى «جمعية المصارف» في بيروت بعد الأزمة المعيشية في 2019 (أرشيفية - أ.ب)

لبنان: «قانون الودائع» يضاعف الهواجس من الالتزام بالتمويل

أثار مشروع قانون «الاستقرار المالي واسترداد الودائع»، الذي أقرته الحكومة اللبنانية، الجمعة، موجة من الهواجس التي ترافق إحالته المرتقبة إلى البرلمان

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية على طريق الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

اعتداءات «متزامنة» من إسرائيل وسكان محليين على «اليونيفيل» في جنوب لبنان

تعرّضت قوات حفظ السلام الأممية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، لاعتداءين منفصلين خلال 24 ساعة، أحدهما من إسرائيل، والآخر من سكان لبنانيين محليين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هيبت الحلبوسي رئيساً لبرلمان العراق


هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)
هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)
TT

هيبت الحلبوسي رئيساً لبرلمان العراق


هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)
هيبت الحلبوسي (وسط) أصبح رئيساً للبرلمان العراقي بعد انتخابه في الجلسة الافتتاحية أمس (أ.ب)

طوى مجلس النواب العراقي إحدى أعقد محطاته السياسية بانتخاب هيبت حمد عباس الحلبوسي رئيساً للبرلمان للدورة السادسة، في تسوية وُصفت بالسلسة، وجاءت بدعم تفاهمات سنية داخلية، وتأييد شيعي وكردي غير معلن.

وحصل الحلبوسي على 208 أصوات في جلسة أمس التي اتسمت بالهدوء، وعكست توازناً جديداً أفرزته انتخابات 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025.

ويحمل الحلبوسي شهادة بكالوريوس في التاريخ، وبدأ مسيرته المهنية مدرّساً، ثم حصل لاحقاً على شهادة الماجستير في العلوم السياسية. وجاء الحسم لصالح الحلبوسي بعد انسحاب مثنى السامرائي، ضمن اتفاق لإعادة توزيع الاستحقاقات السنية في الحكومة المقبلة.

بالتوازي، قدّم «الإطار التنسيقي» اعتماد «الكتلة الأكبر»، في خطوة تمهد لبدء المسار الدستوري لتسمية رئيس الوزراء، وسط توقعات بتسريع تشكيل الحكومة، وتجنب الانسداد السياسي في إطار تسوية شاملة.


لقاء ترمب - نتنياهو... ما المكاسب والخسائر المنتظرة لـ«اتفاق غزة»؟

يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

لقاء ترمب - نتنياهو... ما المكاسب والخسائر المنتظرة لـ«اتفاق غزة»؟

يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يقف فلسطينيون نازحون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو شهرين، لن يكون بعد لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما قبله، على مستوى المكاسب والخسائر.

ذلك ما يذهب له خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بشأن نتائج اللقاء المرتقب، وسط تباين بشأن النتائج، بين تقديرات ترى أن المكاسب تتضمن بدء المرحلة الثانية تحت ضغوط واشنطن، لكن مع شروط إسرائيلية بنزع سلاح «حماس» وإعادة الرفات الإسرائيلي الأخير، وأخرى خسائر تتمثل في عدم انسحاب إسرائيل من القطاع وبدء إعمار جزئي في المواقع التي تسيطر عليها في القطاع بشكل منفرد.

وأفادت «شبكة سي إن إن» الأميركية، الاثنين، بأنه من المتوقع أن يدفع ترمب من أجل إحراز تقدم في خطة وقف إطلاق النار بغزة، خلال لقائه مع نتنياهو، لافتة إلى أن جدول الأعمال يتضمن نزع سلاح «حماس» وإعادة إعمار غزة، وإقامة نظام للحكم في القطاع ما بعد انتهاء الحرب، وتشكيل «مجلس سلام» برئاسة الرئيس الأميركي.

وهذا اللقاء بين نتنياهو وترمب، والمقرر له الاثنين، يعد السادس منذ أن دخل الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض قبل نحو عام، وسيكون اتفاق غزة والمرحلة الثانية مطروحة، وفق تقرير لقناة «آي نيوز» الإسرائيلية، أشار إلى أن «نتنياهو سيضطر لإقناع ترمب بأن يسمح له بإنهاء ما تبقى من الحرب وأن إسرائيل وحدها يمكنها القضاء على (حماس) في غزة».

بينما ترمب، أو على الأقل جزء كبير من مستشاريه، يعتقدون أنه من الممكن تحقيق نوع من تجريد «حماس» من سلاحها في قطاع غزة - حتى من دون أن تعود إسرائيل للقتال وفق التقرير ذاته الذي تم بثه الاثنين، لكن نتنياهو سيضطر إلى مواجهة موقف غالبية مستشاري ترمب ورغبة الرئيس الأميركي في الهدوء، وأن تبقى الخطة التي تحمل اسمه محفوظة. وسيضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقول «نعم».

وتنص المرحلة الثانية من الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية في غزة، وأن تتسلّم سلطة مؤقتة إدارة القطاع بدلاً من «حماس»، وعلى نشر قوة استقرار دولية.

ولا يزال الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بطيئاً رغم أن إدارة ترمب تريد المضي قدماً بذلك، إذ اعتبر الرئيس الأميركي أن «إبرام الاتفاق من أبرز نجاحاته في عامه الأول من ولايته الثانية»، حسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، الاثنين.

والتقى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وصهر الرئيس ترمب جاريد كوشنر، ممثلين لقطر ومصر وتركيا، الدول الوسيطة، في ميامي بداية ديسمبر (كانون الأول).

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بانتهاك الاتفاق. وقبل بدء المفاوضات بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية منه، تطالب إسرائيل بإعادة جثة الرهينة الأخير المحتجز في غزة، لكنّ «حماس» تؤكد أنها لم تتمكن بعدُ من العثور عليها.

أطفال فلسطينيون نازحون داخل خيمة غمرتها مياه الأمطار في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير حسين هريدي، أنه ليس هناك مكاسب من اللقاء بل كلها خسائر «لاتفاق غزة» ومناورات إسرائيلية من نتنياهو لعدم الانسحاب من القطاع، محاولاً تقديم القليل من تنازلات تكتيكية لفظية في غزة ببدء المرحلة الثانية بشروط منها إعادة الرفات الأخير والتمسك بنزع سلاح «حماس» مقابل طلب الكثير من سوريا ولبنان وإيران.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن ملف غزة، سيكون له الأولوية في اجتماع ترمب - نتنياهو، مشيراً إلى أن المكاسب المنتظرة تتمثل في تشكيل «لجنة إدارة غزة» ونشر «قوات الاستقرار» بشكل توافقي عادل وزيادة المساعدات وفتح المعابر وبدء الانسحاب الإسرائيلي، فيما تتمثل الخسائر في تأخير بدء المرحلة تحت ذريعة عدم نزع سلاح «حماس» وعدم تسلم الرفات الأخير، والسماح لإسرائيل ببدء الإعمار في مناطق سيطرتها التي تتجاوز 52 في المائة من إجمالي مساحة القطاع.

ذلك اللقاء يأتي وسط تعويل مصري على أهمية الموقف الأميركي، وكشف وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في حوار متلفز، الأحد، عن «وجود اقتناع أميركي بضرورة الإسراع للدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار»، مؤكداً أن مصر ستواصل الضغط من أجل حل يحفظ الحقوق ويحقق الاستقرار، مشدداً على «رفض بلاده القاطع لتقسيم قطاع غزة»، واصفاً ما يُسمى بالخطوط الصفراء والخضراء بأنه «عبث».

وليس مصر فقط من تعول على الدور الأميركي؛ إذ قال حازم قاسم، الناطق باسم «حركة حماس»، في بيان، إن الحركة «لا تزال تثق بقدرة الرئيس الأميركي على تحقيق السلام في قطاع غزة وكل المنطقة»، مطالباً ترمب بـ«ممارسة مزيد من الضغط» على إسرائيل وإلزامها بما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ.

ويرى هريدي أن واشنطن تريد تنفيذ خطة السلام التي طرحها ترمب، ومصر تتفهم ذلك وتتحرك في دفع تلك الرغبة لوقائع على الأرض، مشيراً إلى أن المطلوب جدول زمني بتنفيذ التزامات «اتفاق غزة»، خاصة انسحاب إسرائيل من القطاع وهو الإجراء الذي سيوضح مستقبل الاتفاق بشكل واضح.

ويراهن الرقب على الموقف المصري «الذي يدير تطورات ملف الوساطة بذكاء وحكمة»، مشيراً إلى أن «القاهرة تدرك أهمية الموقف الأميركي في الدفع بالاتفاق وتريد أن تنهي ضغوط واشنطن ذرائع إسرائيل»، مضيفاً أن «حماس» في المقابل ليس أمامها سوى انتظار نتائج لقاء ترمب ونتنياهو على أمل أن تحقق مكاسب من الضغوط الأميركية.


الأردن يندد بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً يستهدف خدمات «الأونروا» في غزة

عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)
عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)
TT

الأردن يندد بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً يستهدف خدمات «الأونروا» في غزة

عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)
عَلَم الأردن في العاصمة عمّان (أ.ف.ب)

ندد الأردن بإقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يستهدف عمل ووجود وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويقوض قدرتها على تقديم خدماتها الإنسانية في قطاع غزة.

وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان، الاثنين، إن السماح بمصادرة ممتلكات «الأونروا»، وحظر تزويد منشآتها بالخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء يعد انتهاكاً لحصانات وامتيازات منظمات الأمم المتحدة وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي.

وأكد المتحدث باسم الوزارة فؤاد المجالي أن إقرار هذه القوانين يمثل جزءاً من حملة الاستهداف الممنهج لـ«الأونروا» واستمراراً لمساعي إسرائيل لاغتيال الوكالة سياسياً وامتداداً للممارسات الإسرائيلية غير الشرعية لحرمان الشعب الفلسطيني من خدمات الوكالة.

ودعا الأردن المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والتصدي للقرارات والممارسات الإسرائيلية التي تستهدف «الأونروا»، وتوفير الدعم السياسي والمالي اللازمين للوكالة للاستمرار في تقديم خدماتها الحيوية للاجئين الفلسطينيين.