بويز: اختلفت مع الحريري ثم جمعتنا مصيبة اسمها إميل لحود

وزير الخارجية اللبناني الأسبق فتح لـ"الشرق الأوسط" دفاتر عهدين رئاسيين (2-5)

TT

بويز: اختلفت مع الحريري ثم جمعتنا مصيبة اسمها إميل لحود


جلسة البرلمان اللبناني للتمديد للرئيس إميل لحود عام 2004 (غيتي)
جلسة البرلمان اللبناني للتمديد للرئيس إميل لحود عام 2004 (غيتي)

حاول رفيق الحريري في 1998 أن يبعد عن شفتيه كأس رؤية العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية. استعان بتحالفاته السورية والفرنسية لكنه لم يفلح، واكتشف أن ما كُتب قد كُتب. استطلع إمكانات التعايش مع الرئيس الجديد لكنه استنتج أن برنامج لحود «يتألف من بند وحيد هو إبعاد الحريري وإفشال مشروعه». استكان ولم يستسلم. شكّلت الانتخابات النيابية في عام 2000 فرصته الشرعية لتصفية الحسابات والتذكير بالأحجام. هزم قانون الانتخابات الذي طُرّز لتحجيمه. وهذه المرة فشل لحود في أن يُبعد عن شفتيه كأس رؤية الحريري يعود إلى السرايا الحكومي فلم يبق إلا خيار تفخيخ حكوماته بالوزراء المشاكسين.

في 2003 ضرب الزلزال الشرق الأوسط. رداً على هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، خرجت أميركا المجروحة في حملة تأديب دولية كانت أفغانستان أولاها. بعدها اتكأت إدارة جورج بوش الابن على أعذار واهية لتبرير غزوها العراق.

كان المشهد الجديد أكبر من قدرة الشرق الأوسط على الاحتمال. إيران التي ابتهجت برؤية أميركا تُسقط نظام صدام حسين، أصيبت بالقلق من رؤية الجيش الأميركي يرابط في خاصرتيها العراقية والأفغانية. وسوريا التي استبعدت في البداية غزواً برياً واسعاً للعراق، قلقت من وجود الجيش الأميركي قرب حدودها. خشيت أن تكون الحلقة الثانية بعد العراق. وبعد الغزو الأميركي بعامين سيضرب الزلزال هذه المرة لبنان، وسيتطاير جسد رفيق الحريري في انفجار لم يخرج لبنان حتى الساعة من ارتداداته.

قبل ذلك بسنوات كانت انتفت أسباب الحساسية التي كانت قائمة بين الحريري ووزير الخارجية فارس بويز. جمعتهما «مصيبة» انتخاب لحود. ويوم اغتيال الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005 تدخّل القدر لإنقاذ بويز الذي كان الحريري دعاه إلى تناول الغداء معه في منزله وكاد يصطحبه في سيارته. كان بويز في قلب الأحداث وسأتركه يروي.

الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في أحد لقاءاته مع رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري (غيتي)

بلورت جهات لبنانية وسورية سلسلة تبريرات لإقناع حافظ الأسد بفوائد دعم لحود. من ضمن هذا المنطق أن إميل لحود لم يكن يهتم بالسياسة، وهذا ما يفسح المجال أمام المخابرات أن تأخذ مكانه، أي دوره. لم يكن لحود ضليعاً في الموضوع السياسي، وهذا ما يفسح المجال أمام تلقينه الأمور. ولم يكن لحود، قائد الجيش حينذاك، كثير الاهتمام بالموضوع السياسي، وكان يفضّل الذهاب إلى المسابح والرياضة وما أشبه ذلك. من هنا، كان هذا الخيار يناسب من يريدون هم إدارة هذا الملف، أكانوا في سوريا أم في لبنان. ومن هنا، هذه العلل عند إميل لحود شكّلت رصيده، فيما حالت مواصفات فارس بويز دون مجيئه، وأبرزها أنه لن يسمح للمخابرات بأن تتولى الأمور.

نجحت الجهات اللبنانية والسورية في تسويق الفكرة، ومن هنا كان عهد الرئيس لحود عهداً ممسوكاً سورياً بشكل مطلق، وأنا أعتقد أنه كان هناك من يذهب يومياً إلى دمشق ليأتي بما يُسمى: أمر اليوم. وكان الرئيس إميل لحود لا يخالف هذا الموضوع ولا يتساءل ولا يحاجج ولا يعترض بأي شكل من الأشكال على هذا الأمر، خصوصاً بعدما توفي الرئيس حافظ الأسد وتسلم الدكتور بشار الأسد الرئاسة. كان إميل لحود من الذين راهنوا على الدكتور بشار وفريقه الذي كان واضحاً أنه يطالب بلحود. ومن هنا، كانت الحسابات التي تطالب بها المخابرات اللبنانية والسورية حينذاك مطابقة لهذا الواقع. أتى إميل لحود، منفّذاً ما يُطلب منه، واثقاً من أن سوريا تعرف وتعلم أكثر منا ما يجب أن نعمل، وكان منضبطاً انضباطاً كلياً.

وزير في حكومة الحريري

سألته عن قصة تعيينه وزيراً في حكومة الحريري في عهد لحود، فأوضح الملابسات:

لم أكن أتوقع في عهد الرئيس لحود أي منصب على الإطلاق، وكنت أعدّ نفسي للمعارضة. قبل أيام من تأليف الحكومة، تلك التي يرأسها رفيق الحريري، بدأت أقرأ في الصحف أن فارس بويز قد يُعيّن وزيراً ولكن ليس للخارجية، بل ستسند إليه وزارة أخرى قد تكون وزارة البيئة. في الحقيقة لم أكن أرغب في أن أكون وزيراً. قرأت موضوع وزارة البيئة وكأنه تحجيم لي، بينما أنا ليس لدي مبدئياً أي اعتراض على وزارة البيئة، وأحب البيئة ومطلع على الموضوع وفاجأت الجميع لاحقاً إذ كانوا يظنون أن فارس بويز لا يعرف إلا سياسة وخارجية ففوجئوا بأنني أفهم بالبيئة، لكنني تلقيتها في البداية وكأنها عملية تحجيم. أعددت لمؤتمر صحافي لأعلن استقالتي فور صدور المرسوم، في اليوم التالي إذ كان مرجحاً أن تصدر التشكيلة سريعاً.

لم يكن الحريري قد تشاور معي في الأمر، وإذ به يتصل بي ليلاً. طبعاً مع مجيء عهد الرئيس إميل لحود، كان الفتور، أو الخصومة، بيني وبين الرئيس الحريري قد انتهى طبيعياً. نعم، جمعتنا المصيبة. ربما كان ساهم (في إنهاء الخصومة) موضوع جاك شيراك وموضوع عبد الحليم خدام. اتصل بي الرئيس الحريري وسألني أين أنت؟ قلت له: موجود في بيتي. قال: أنا آت إليك. ليلة تأليف حكومة. الرئيس الحريري ينام باكراً... وبلغت الساعة التاسعة ليلاً وهو يريد أن يأتي إلى بلدتي الزوق خارج بيروت؟ جاء الحريري وقال لي: أريد منك أولاً أن تلغي المؤتمر الصحافي غداً. فقلت له: لماذا؟ قال لي: أنا أريد وزيراً. فقلت له: شو عدا ما بدا؟ قال: أنا أريد أشخاصاً جريئين مثلك يقدرون على الوقوف في وجه إميل لحود، وإلا سأصبح وحيداً في الداخل. أنا أريد موارنة يقفون في وجه إميل لحود. قلت له: هل تريد أن تستأجرني، تأخذني مرتزقاً، لأخوض لك حروبك؟. فقال لي: لا، لا أطلب منك أن تخوض حروبي، ولكنني أعرف أنك إذا كنت في مجلس الوزراء فستتصدى لإميل لحود. أنا أرجوك وأتمنى أن تعتبر الأمر تفاهماً بيني وبينك إلى أبد الآبدين.

إصرار الحريري

هذا سيكون عقداً بيننا للمستقبل. قلت له: دعنِي أقول لك أمراً. أنا لا أستطيع أن أدخل في حكومة مع رئيس جمهورية لا أتفاهم معه. هذا أمر غير طبيعي. أنا أصبحت وزيراً في عهد كنت فيه سوبر وزير، وكنت وزيراً حراً معطى كامل الصلاحيات، خاصة في السياسة الخارجية، ثم إن الرئيس إلياس الهراوي علاوة على علاقة القربى بيننا لم يكن يتعاطى في السياسة الخارجية، وكانت معي ورقة بيضاء للتعاطي في هذا الملف. هل آتي الآن «ميني وزير»، وزير بيئة، في حكومة إميل لحود وسأختلف معه على كل شيء تقريباً؟ العملية لن تركب.

أصررت على عدم القبول، وأصر رفيق الحريري إصراراً كلياً على أن أكون وزيراً، وأنه هو من اقترحني وهذه العملية (عدم قبولي) تخرّب تشكيلة الوزارة، وغداً سيأتي إميل لحود بشخص له (في مكاني). قبلت، وفي اليوم التالي بعد صدور المرسوم (تشكيل الحكومة)، قلت في المؤتمر الصحافي، الذي لم يكن هناك مجال لإلغائه ليلاً، إنهم يعتقدون أنهم حجّموني في وزارة البيئة، ولذلك أقول لهم إنني سأتعاطى أولاً وأساساً بالبيئة السياسية. معناها أنني سأقبل وسأتعاطى بالسياسة في الدرجة الأولى.

معارك مجلس الوزراء

وبالفعل، دخلنا إلى مجلس الوزراء وبدأت المعارك حتى في أدنى الأمور التقنية. كوزير بيئة، أنا مؤمن (بالعمل البيئي)، وأحب هذا العمل، وأردت أن أعمل. فمثلاً، أعددت مشروعاً يسمى «التخطيط الوطني للمقالع والكسّارات»، وهو أهم عمل تقوم به وزارة البيئة بأن تحدد أماكن حسب المواصفات والمعطيات، وجنّدت الوزارة كلها لإنجازه. كان إميل لحود يتهرّب من المشروع كلما أحضرته إلى مجلس الوزراء. لا يريد أن يمرره. لا يريد أن يسجّل أن فارس بويز استطاع أن يفعل شيئاً. أتذكر أنني أحضرت هذا المشروع أربع أو خمس مرات إلى مجلس الوزراء، وفي كل مرة يؤجله إميل لحود. وإذ في يوم من الأيام، أتلقى اتصالاً من رستم غزالة (مسؤول المخابرات السورية في لبنان).

كنت أمضيت تسع سنوات وزيراً للخارجية ولم يكلمني أحد من الأمنيين السوريين، فيما الآن وأنا وزير بيئة في عهد لا نفوذ لي فيه يتصل رستم غزالة ليقول لي: معالي الوزير، والله هذا المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات، لماذا لا تمشون به؟ تسع سنوات لم يتصل بي أحد من السوريين، والآن جاء (غزالة) ليكلمني بالمقالع والكسارات؟! سوريا لا تكلّمك إلا في السياسة عادةً.

دُهشت، وقلت له: والله يا عميد عليك أن تسأل الرئيس لحود. فقال لي: ما هو موقفه؟ قلت له: أنا أعددت المشروع ومشروعي جاهز، ولكن لا أعرف لأي سبب الرئيس لحود لا يحبذ أن يمرره في مجلس الوزراء. في الجلسة التالية، قال لي إميل لحود: يا معالي الوزير لا نزال ننتظر منك مشروع الكسارات.. ابتسمت وفهمت أن رستم تحدث إليه. فقلت له: جيد أنكم استفقتم (للمشروع) يا فخامة الرئيس، لقد أحضرته خمس مرات إلى مجلس الوزراء وتهربتم منه، لا أعرف ماذا حصل اليوم حتى استفقتم عليه، ربما هناك أمر غير متوقع قد حصل. طبعاً، لماذا؟ لأن جهات سورية كانت لديها مصالح، ربما مع بعض الأحزاب التي تتلقى تمويلاً من (أصحاب) المقالع والكسّارات وقريبة منها، ويريدونها أن تستفيد من الأمر.

صلة الوصل بين لحود والسوريين

سألت بويز عن دور اللواء جميل السيد مدير الأمن العام في عهد إميل لحود، فتابع: كان اللواء جميل السيد صلة الوصل بين إميل لحود والسوريين، وهو الذي كان يُحضر، نوعاً ما، الأمر اليومي وهو كان عرّاب إميل لحود والضامن والمسؤول عن سلوكه. وهو الذي سوّق إميل لحود أصلاً وفتح له الخط مع الدكتور بشار الأسد في بداية الطريق.

حكم إميل لحود، وطرح التمديد له في نهاية ولايته. أنا كنت ضد التمديد، وعارضته في مجلس الوزراء ولم أوفّق طبعاً. وعارضت هذا التمديد في مجلس النواب ولم أوفّق أيضاً. ذهبت القصة نحو الانتخاب وكان موقفي واضحاً وصريحاً. عندما رجع رفيق الحريري من دمشق وأبلغنا بأنها قررت التمديد (للحود)، قلت له أنا سأستقيل. خاف رفيق الحريري (رحمه الله) وقال لي: دعنا نقطع صلة الوصل بيننا لئلا يظنون أنني دفعتك إلى الاستقالة. قلت له: لا لا، أنا سأستقيل وسأرفض التمديد. أنت ماذا تريد أن تفعل؟ قال لي: أنا لست قادراً على الرفض. هذا يأخذني إلى معركة كبيرة داخلياً. إلى حرب لست قادراً عليها. قلت له: مرة أخرى، يقع على الموارنة مسؤولية خوض المعارك. (فقال) لا تقدّم الاستقالة لي. صار رفيق الحريري القلق يتهرب مني كي لا يُتهم أنه وراء استقالتي. في اليوم التالي أعددت الاستقالة، ولم أرد أن أقدمها إلى إميل لحود، فقدمتها عبر الإعلام والتلفزيونات.

التمديد للحود... والتهديد السوري

يتذكر بويز الزيارة الشهيرة للحريري إلى دمشق حين طولب بتأييد التمديد للحود:

ذهب إلى سوريا أسبوعاً قبل التمديد لإميل لحود (عام 2004). كان يوم سبت، وكنت حينها في منزلي الجبلي في فقرا، وسمعت بأنه غادر دمشق الساعة الثانية بعد الظهر. اتصلت بقريطم في الرابعة لأستفهم منه (ما حصل في زيارته للعاصمة السورية)، فقيل لي إنه لم يصل بعد. بعد لحظات، أتلقى اتصالاً خفياً من صديق وهو من معاوني رفيق الحريري.

قال لي: أين أنت يا معالي الوزير؟ قلت له: أنا في الجبل. فقال لي: هو (الحريري) بالقرب منك، فاذهب إليه دون اتصال هاتفي. اذهب مباشرة. ذهبت. في البداية اعتقدت أن الموضوع غير صحيح. لم أشاهد حراسة حول المنزل. ولما وصلت إلى البيت فتح لي الباب فدخلت ووجدت رفيق الحريري وحده. جلست معه. هو استغرب كيف علمت أنه هناك. قلت له: علمت. قدّرت أنك هنا. ماذا فعلت؟ فقال لي: لا حول ولا قوة... يريدون التمديد. قلت له: هل خضت معركة في هذا الأمر؟ قال لي: أنت تريد أن تهينني؟ ماذا تعتقد؟ قلت: لا. قال لي، ورأيت الدمعة تسقط (من عينه): قالوا لي إننا سندمر لبنان على رأسك وعلى رأس جاك شيراك.

جاك شيراك ورفيق الحريري في باريس عام 2003 (غيتي)

ذهبنا إلى المجلس النيابي لجلسة الانتخاب. يومها، فيما كنت هيأت نفسي للذهاب، جاءني اتصال من العميد جميل السيد. كانت العلاقة بيننا طوال عهد الرئيس الهراوي باردة جداً. لم نكن نلتقي، لأنها بدأت في أوائل عهد الهراوي عندما أوقفت المخابرات بعض الشباب العونيين أو القواتيين الذين كانوا يكتبون على الجدران، فراجعت بشأنهم فحدث رد فعل عكسي، أي صاروا يريدون توقيفهم لأنني راجعت أنا بشأنهم. ضمن الحساسيات التي كانت موجودة. لم تكن هناك علاقة، وإذ اتصل بي صبيحة يوم الانتخاب في المجلس. استغربت. قال لي: معالي الوزير، العميد رستم غزالة يود التحدث إليك، هل لديك مانع؟ فقلت له: لا، لكنني أسمع أحياناً أنه يتحدث بكلام فوق السطوح، إن شاء الله لا يغلط معي في هذا الموضوع لأنني لا أعمل حسابات لأي شيء. فقال: لا لا، ولو! كيف هذا الكلام. بعد عشر دقائق اتصل رستم غزالة، وقال لي: معالي الوزير أنا كلفني سيادة الرئيس أن أتحدث معك، ونحن نفهم اعتراضاتك على الرئيس لحود، ولكن هناك تمنٍ عليك من سيادة الرئيس بأن تصوّت مع التمديد. فقلت له: هذا مستحيل، موقفي متخذ. أنت تعرف أنني لا أتراجع عن المواقف بسهولة. ثم عاد وقال لي: ممكن نطلب منك أن تتغيب عن الجلسة؟ فقلت له: ليس ممكناً، لأنني طلبت الكلام في الجلسة. فقال لي: لا يزال لدي طلب، افعل ما تشاء، ولكن هل يمكن أن نطلب منك ألا تتكلم؟ فقلت: سبق أن طلبت الكلام، كيف أطلب منهم العكس؟ الأمر ليس وراداً. وقلت له: انظر يا عميد، هذا الكلام موجّه لكم أكثر مما هو موجه إلى النواب اللبنانيين. اسمعه جيداً واعطني رأيك فيه.

جلسة البرلمان اللبناني للتمديد للرئيس إميل لحود عام 2004 (غيتي)

وبالفعل، ذهبت إلى الجلسة وجاء دوري وتكلمت، ونظرت إلى حلفاء سوريا، الحزب القومي وحزب البعث... إلخ، وقلت لهم: ويقال إن سوريا تتعرض لعملية تطويق ولعملية تضييق ولعملية إضعاف. صحيح، ومن الطبيعي أن تواجه، ولكن بربكم قولوا لي: بماذا وكيف تواجهون؟ رحم الله من قال يوماً إنه لا أحد يمكنه أن يجر سوريا إلى معركة لم تختر موقعها ولم تختر سلاحها، ولم تختر توقيتها. فأنتم بأي سلاح معطّل وبأي توقيت خاطئ وبأي ذخيرة مبللة تأخذون سوريا إلى هذه المعركة؟ بسلاح التمديد لإميل لحود؟ أنا أعتقد بأنكم تستكملون المؤامرة على سوريا وليس العكس.

وفي الحقيقة، وصلت إلى منزلي، وإذ بي أتلقى اتصالاً من رستم غزالة. قال لي: والله قسوت علينا يا معالي الوزير. فقلت له: أنا قلت الرأي الصريح، وهذا الرأي، أذكّرك بأنه موقف الرئيس حافظ الأسد عندما حاولت منظمة التحرير الفلسطينية أن تجره إلى صراع مع إسرائيل في الجولان لم يكن مهيئاً له. أنا أعتقد أنكم تجرون سوريا، تحت عنوان أنها مطوقة، إلى معركة خاسرة جداً. لا أعتقد أن هذه المعركة التي تستطيع حماية سوريا.

قرار مجلس الأمن.. وبصمات الحريري

سألت بويز إن كان يعتقد أن قرار مجلس الأمن الرقم 1559 (يطالب بخروج القوات السورية من لبنان) يحمل بصمات الحريري فأجاب: لا. أنا أعتقد أنه لا يحمل بصمات رفيق الحريري، ولا يحمل كما ادعى البعض بصمات ميشال عون ولا يحمل بصمات لبنانية. هذا القرار هو قرار أكبر من لبنان. هو قرار إسرائيلي. في البداية، هو قرار تحاول إسرائيل من خلاله إضعاف سوريا بعدما فشلت في استدراجها إلى اتفاق سلام. إضعاف سوريا عبر إخراجها من لبنان في الدرجة الأولى، والتضييق عليها بالدرجة الثانية.

أعتقد أن رفيق الحريري، وكما قيل الرئيس ميشال عون وغيرهم، لم يكن لهم دور في هذا الموضوع على قدر دور المحافظين الجدد الذين كانوا متحصنين في أميركا، ودور الإسرائيليين الذين كانوا يديرون المحافظين الجدد القريبين جداً من المناخ الإسرائيلي. هناك قناعة إسرائيلية ربما ساهمت في حرب العراق وثم حرب سوريا لإضعاف النظامين الرافضين للسلام مع إسرائيل أو إسقاطهما. أعتقد أن إسرائيل كانت تعتبر إخراج سوريا من لبنان يمثّل إضعافاً كبيراً لدورها.

يوم اغتيال الحريري

واسترجع بويز يوم اغتيال الحريري الذي دعاه إلى تناول الغداء معه في منزله، وروى.

موقع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في بيروت عام 2005... بويز كان مدعواً لتناول الغداء معه (غيتي)

كان هناك في مجلس النواب نقاش للجان المشتركة حول قانون الانتخاب. وفيما كنت أصعد سلّم المجلس النيابي التقيت الرئيس الحريري نازلاً فبادرني بالقول: لماذا تضيّع وقتك، هذا القانون مُنزل، وهو يومئ باتجاه دمشق. فقلت له: أعرف أنه منزل، ولكن سأسجّل اعتراضي فقد طلبت الكلام (في الجلسة). فقال لي: اسمع مني ولنذهب لتناول الغداء معاً. ستكون (جلسة الغداء) مفيدة أكثر، ونرى ماذا سيأتينا مستقبلاً. فقلت له: لا، لياقةً، طلبت الكلام في الجلسة واقترب دوري. سأتحدث لخمس دقائق وألاقيك. قال: حسناً، إذا خرجت فوراً فستجدني في المقهى أتناول فنجاناً من القهوة مع الشباب، أي بعض النواب، وإذا تأخرت أكثر فالحق بي إلى بيتي في قريطم. قلت: حسناً. طبعاً لو استجبت لطلبه لذهبت معه بسيارته وقضيت معه (في الانفجار). هذه أول أعجوبة.

وصلت إلى باب قاعة المجلس، فوضعت يدي على الباب وإذ بي التقي بميشال المر، الذي كان يترأس اجتماع اللجان المشتركة بصفته نائباً لرئيس المجلس. قال لي: تأخرت يا معالي الوزير وذهب دورك. أنا لست مصراً على الكلام وأتيت لياقةً، فوضعت يدي على مسكة الباب لأغلقه فناداني قائلاً: لا، لا، أنا أمزح معك. في هذه اللحظة كان النائب أنور الخليل ينهي كلامه، فقال لي: تفضل. أيضاً لو خرجت لوجدت رفيق الحريري وذهبت معه في السيارة. دخلت وتحدثت بضع دقائق ثم خرجت فاستوقفني صحافيون على المدخل يريدون تصريحات. وبينما أعدّوا كاميراتهم وحضّروا أسئلتهم، خلال دقيقة أو دقيقة ونصف الدقيقة، بدأت أنا بالكلام. في هذا الوقت كان لا يزال رفيق الحريري في المقهى مقابل المجلس. بدأت أتكلم وفي هذه الأثناء دوّى صوت انفجار هائل، فرحل كل الصحافيين وبقيت أنا أسير الكاميرات وهي مضاءة، أي كانت تسجل، وأنا مقابلها وعرفت أنها صورة ستدخل التاريخ. فإذا هربنا فسيسجل علينا أننا هربنا. ومن الناحية الثانية لم أعد قادراً على الكلام لأنه لم يبق أحد في مواجهتي. بعد دقيقة جاء صحافي وقال لي: معالي الوزير انفجار، ألم تسمعه؟ عندئذٍ قلت تلك الكلمة وكأنني أفسّر للجمهور أن انفجاراً كبيراً وقع واسمحوا لنا أن نترك الكاميرات، ثم خرجت ورأيت دخاناً أسود يتصاعد. رأيته من درج المجلس.

هاتف قريطم

استقللت السيارة فوراً، وظننت أنه رفيق الحريري. اتصلت هاتفياً بقريطم وإذ أجابني مسؤول الهاتف: أهلاً معالي الوزير، هل تريد دولة الرئيس؟ قلت: نعم، أين هو؟ قال: هل تريد أن أحوّله لك؟ ظننت من أجابته أن الحريري لم يكن الهدف. قلت له: لا شكراً، أبلغه أنني آت. بعد لحظة، قال لي (النائب) فريد مكاري: ماذا؟ من برأيك؟ قلت له: أكيد ليس صاحبك، الآن اتصلت بقريطم وقالوا لي كذا. اتصل هو أيضاً، وقال له موظف الهاتف: تريد أن أحوّله لك؟

توجهت إلى مكان الانفجار لأرى ماذا حصل وذهلت من حجم الدخان الأسود، حجم النيران الملتهبة. هذا حصل بعد دقائق. حذّرني المرافقون من أن نتسمر في أرضنا لأن سيارات تأتي وتصطف خلفنا. لم نتمكن من معرفة شيء فكل المكان متفحم. لو استطعت أن أرى بقية السيارات لعرفت أنه رفيق الحريري، ولكن لا شيء ظاهراً، مما يجعلك تشك بأن شاحنة غاز أو شاحنة نفط احترقت. رجعنا، وأردت أن أذهب إلى بيت الحريري على أساس أنه ينتظرني على الغداء، وإذ بي ألتقي أمام فندق البريستول بالصحافي فيصل سلمان. توقفت وسألته: كيفك يا فيصل؟ فقال لي: العوض بسلامتك، الله يرحمه. قلت له: من؟ قال لي: الرئيس. قلت له: أي رئيس، فأجاب: الحريري. قلت له: كيف؟ أنا ذاهب لأتغدى معه. قال: أين ستتغدى؟ أنا عائد من برّاد مستشفى الجامعة الأميركية حيث جثته. لم أصدق. أكملت إلى قريطم ورأيت التجمع والناس تسب وتشتم، ففهمت أن القصة حقيقية.

ذهبت من هناك إلى منزل وليد جنبلاط الذي استبقاني على الغداء. قال لي: الساعة الخامسة هناك اجتماع في منزل الحريري، اجتماع جامع لكل ما سيسمى فيما بعد (14 آذار). نحو 50 شخصية. ذهبنا أنا ووليد جنبلاط. وكان ذلك أول خطأ أننا ذهبنا بالسيارة ذاتها إلى منزل الحريري. والخطأ الثاني أننا دخلنا معاً. الخطأ الثالث أننا جلسنا متجاورين. اكتمل حضور الشخصيات، وإذ يقوم وليد جنبلاط ويقول: يا إخوان، إن الثورة تُقطف في لحظاتها، فإذا لم نوجه الآن المظاهرات إلى قصر بعبدا للإطاحة بإميل لحود فسنفشل وسينجح في البقاء وسيقضي علينا. وأنا أشهد له بهذا الحس والحدس. قال: لنرسل هذه الجماهير الغاضبة ونستفيد من هذا الغضب ونرسلهم إلى التظاهر أمام قصر بعبدا مطالبين بإسقاط رئيس الجمهورية كونه المسؤول المعنوي عن الجهاز الأمني. وإذ هنا، يقوم الموارنة المسترئسون، ويقولون له: ماذا لو دخلنا في الفراغ في هذه الظروف؟ فيرد عليهم جنبلاط قائلاً: أنا أجريت اتصالات مع الفريق الآخر، أي سوريا و«حزب الله»، وعندي تأكيد أنهم يقبلون بمرشح توافقي، شرط ألا يكون عدواً لهم. المرشح التوافقي أفضل كثيراً من بقاء إميل لحود الذي هو عدونا ويريد أن يقضي علينا. هنا انشغل بالمسترئسين: من هو هذا المرشح التوافقي؟ ويستشعرون أن وليد جنبلاط دخل مع فارس بويز وجلسا قرب بعضهما بعضاً، ويطلعون بحجة ثانية: لا نستطيع في هذا الموضوع تجاوز البطريرك الماروني، فالإطاحة برئيس جمهورية ماروني ليست أمراً عادياً وتحتاج إلى موافقة من البطريرك نصر الله بطرس صفير. فرد وليد جنبلاط قائلاً: اسمعوا مني ولا تضيعوا لحظة هذا الغضب، إذا مرت لحظة هذا الغضب فلن تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً بعدها. لكنهم كانوا مصرين على موقفهم.

إضعاف 14 آذار

خرجنا من الاجتماع، فقال لي وليد جنبلاط: أنا أجريت اتصالاً عبر غازي العريضي بالسيد حسن نصر الله، وبالسوريين عبر رستم غزالة الذي اتصل بقيادته وليس لديهم مانع. هم لن يقيلوا إميل لحود، ولكن ليس لديهم مانع، إذا ذهب تحت ضغط مظاهرات، أن يكون هناك رئيس وفاقي، شرط ألا يكون عدواً لا لهذا ولا لذاك. ويبدو أن اسمك، هو الاسم المقبول. قلت له: سأذهب إلى البطريرك. ذهبت إلى البطريرك وأصبحت الساعة وقتها الثامنة والنصف مساءً، والبطريرك يذهب في هذا الموعد إلى النوم.

يبدو أن الآخرين سبقوني إليه. تحدثت معه وقلت له إن وليد جنبلاط يدعو إلى إسقاط رئيس الجمهورية. فقال لي البطريرك: هل كلّما ضرب الكوز بالجرة نقيل رئيساً؟ فقلت له: سيّدنا، مقتل الحريري ليس كوزاً ضرب بجرة، هذا زلزال إقليمي، كيف تنظر إليه هكذا؟ فقال لي: من الذي يضمن لنا أننا لن نذهب إلى الفراغ؟ فقلت له: وليد جنبلاط أجرى اتصالات. فقال لي: أين الضمانة؟ ومن هو الشخص الذي يمكن أن يكون مقبولاً؟ فهمتُ أن الآخرين، أي المسترئسين الموارنة، سبقوني وألّبوا البطريرك... وفعلاً، بقي إميل لحود وأضعف (حركة) 14 آذار.

غداً حلقة ثالثة


مقالات ذات صلة

التصعيد الجوي الإسرائيلي يعيد التذكير بقصف المنازل في حرب 2006

المشرق العربي دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)

التصعيد الجوي الإسرائيلي يعيد التذكير بقصف المنازل في حرب 2006

أعادت الغارات الجوية الإسرائيلية المتزامنة على مناطق في جنوب لبنان التذكير بوتيرة المعارك التي شهدها الجنوب في حرب عام 2006.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي وزير المالية يوسف الخليل أثناء لقاء في يونيو الماضي مع الممثل الدائم لصندوق النقد الدولي في لبنان فردريكو ليما ومسؤولة مكتب الصندوق في لبنان نجلا نخلة (إكس)

«الحاجة ملحّة» لإصلاح أجهزة الجمارك والضرائب اللبنانية

كشف تقرير دولي عن وجود «حاجة ملحّة» لتدخل حكومي يستهدف إصلاح أجهزة الجمارك والضرائب في لبنان، وإنقاذها من الحال التي انحدرت إليها بفعل الأزمات.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي العماد جوزيف عون

التمديد لقائد الجيش اللبناني يهدد تحالف «حزب الله» - «الوطني الحر»

لم تشهد العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» عدم استقرار كالذي تشهده منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون في أكتوبر.

بولا أسطيح
المشرق العربي دخان الغارات الإسرائيلية قرب طير حرفا بالجنوب اللبناني (أ.ف.ب)

«حزب الله» يعلن استخدام مسيّرات ملغومة لمهاجمة موقع قيادة إسرائيلي

أعلن «حزب الله» إطلاق طائرات مسيّرة ملغومة على موقع قيادة إسرائيلي، اليوم الأحد، في حين شنّت إسرائيل ضربات جوية على جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد احتياطات الذهب تريح اللبنانيين «نفسياً»

احتياطات الذهب تريح اللبنانيين «نفسياً»

تشير البيانات المالية الأحدث لمصرف لبنان المركزي إلى ارتفاع قيمة احتياطات الذهب التي يحتفظ بها إلى عتبة 19 مليار دولار، مما يعزز الأثر النفسي الموازي.

علي زين الدين (بيروت)

الجوع يفاقم ظاهرتي «التسوّل» و«نبش» حاويات القمامة في دمشق

ينتظرون شراء الخبز خارج مخبز على مشارف دمشق (رويترز)
ينتظرون شراء الخبز خارج مخبز على مشارف دمشق (رويترز)
TT

الجوع يفاقم ظاهرتي «التسوّل» و«نبش» حاويات القمامة في دمشق

ينتظرون شراء الخبز خارج مخبز على مشارف دمشق (رويترز)
ينتظرون شراء الخبز خارج مخبز على مشارف دمشق (رويترز)

مع تعمق تردي الأوضاع المعيشية للأغلبية العظمى في دمشق وتضخم ظاهرتي «نبش» أكياس وحاويات القمامة و«التسوّل»، جاء قرار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بإنهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة في جميع أنحاء سوريا اعتباراً من بداية العام المقبل، ليزيد أكثر من سوء تلك الأوضاع.

وتفاجأ سكان دمشق، مؤخراً، بإعلان برنامج الأغذية العالمي، انتهاء مساعداته العامة بجميع أنحاء سوريا في يناير (كانون الثاني) المقبل، بسبب نقص التمويل. وذكر البرنامج، في بيان، أنه سيواصل دعم الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء سوريا من خلال «تدخلات طارئة أصغر وموجهة أكثر»، دون تحديد طبيعة هذه التدخلات.

وبحسب الموقع الرسمي للبرنامج، فإنه كان يقدم شهرياً مساعدات غذائية إلى 5.6 مليون شخص في سوريا، من خلال الحصص الغذائية أو القسائم النقدية لشراء الطعام للعائلات، كما يوفر لأطفال المدارس في جميع أنحاء البلاد وجبات غذائية خفيفة، ويعمل على الوقاية والعلاج من سوء التغذية للأمهات والأطفال.

يأتي إعلان البرنامج، في وقت تعيش فيه الأغلبية العظمى من سكان دمشق، أسوأ أوضاع معيشية على الإطلاق منذ اندلاع الحرب في البلاد في عام 2011، بسبب موجات ارتفاع الأسعار المتتالية.

فعلى مدى عقود طويلة سبقت الحرب، كانت عملية «اقتراض» العائلة رغيفي خبز أو ثلاثة من جيرانها ومن ثم ردها مسألة طبيعية، لكن الأمر بات «تسوّلاً مجمّلاً» مع عدم رد المادة بسبب الفقر الشديد، وفق العجوز «أم يوسف» التي تسكن في غرب دمشق ومعروف عنها طيبة القلب وأنها ميسورة الحال.

تؤكد العجوز لنا أنها «لا تتردد بتلبية أي طلب للجيران إذا كان متوفراً لديها حبتي بندورة، أو كاسة رز أو برغل». وبالنسبة «للعائلات الفقيرة جداً أقوم بشراء كميات وأرسلها لهم».

مع طول أمد الحرب والسنوات اللاحقة التي انهار فيها الاقتصاد وقيمة الليرة السورية، تزايدت العائلات التي انضمت إلى شريحة الفقراء الأشد حاجة. ووصل الأمر وفق «أم يوسف»، إلى أن «أي حارة بات لا يوجد فيها سوى عائلتين أو ثلاث مكتفية ذاتياً». وتلفت إلى أن بابها يقرع أكثر من 20 مرة في اليوم من قبل متسولين يجوبون الشوارع، وتضيف: «يطلبون مالاً، أو خبزاً وطعاماً، ويبحثون في أكياس القمامة عن بقايا طعام».

في المقابل، تذكر «م. س» التي لديها 3 فتيات، أنها بعد موت زوجها عملت في تنظيف المنازل، لكن «الشغل خف». وتوضح السيدة وهي تحبس دموعها، أن العائلة كانت «تمشّي حالها» بالسلة الغذائية التي تستلمها من جمعية خيرية، وتضيف: «حالنا بالويل ونعيش من خير الجيران الخيّرين». وبعدما انفجرت بالبكاء، أقسمت أنها وبناتها يتناولن «سندويشة» واحدة في اليوم، وأحياناً «رغيف حاف».

ظاهرة التسوّل موجودة في سوريا منذ القديم، لكن الظاهرة ازدادت حدة منذ اندلاع الحرب وما خلفته من فقر ومآس ونزوح، تكاثرت جداً مع ارتفاع الأسعار المتتالية وتدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي الذي يسجل حالياً نحو 14 ألف ليرة بعدما كان في عام 2010 50 ليرة.

شكل ذلك أزمة جوع كبيرة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، إذ لا يتعدى راتب موظف الدرجة الأولى لدى الدولة 180 ألف ليرة، وفي القطاع الخاص قد يصل إلى مليون ليرة، على حين باتت العائلة المؤلفة من 5 أفراد تحتاج إلى 6 ملايين ليرة في الشهر.

ينتظرون شراء الخبز خارج مخبز على مشارف دمشق (رويترز)

وأكد برنامج الغذاء العالمي، الشهر الماضي، أن 12.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، بعدما أعلن في بداية العام الجاري، أن سوريا باتت تعاني من مستويات قياسية في الجوع.

في ظل هذه الحال، باتت شوارع وأسواق وحدائق دمشق، تعج بعشرات المتسولين (أطفال، ونساء، ورجال)، فيما يفترش الكثير أرصفة الشوارع يسألون المارة المساعدة. وأُضيف إلى المشهد تسوّل الرغيف أمام الأفران والأغذية من أصحاب وزبائن البقاليات ومحال الخضراوات، والدواء من الصيدليات.

صحيفة «تشرين» الرسمية نشرت بداية عام 2021 إحصائية من الدراسات الاجتماعية تقدر عدد المتسولين في سوريا بشكل تقريبي بحوالي 250 ألف متسول.

وفي 22 الشهر الماضي، ذكرت صحيفة «الوطن» المقربة من الحكومة، أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تعكف على إعداد مسودة قانون رادع خاص بمكافحة التسوّل.

النبش في الحاويات في أحد شوارع دمشق

وتترافق مسألة تضخم آفة «التسوّل» مع تزايد ظاهرة «نبش» أكياس وحاويات القمامة، إذ يلاحظ المتجول في دمشق، انتشار مجموعات من الأطفال والفتيات والنساء والشباب وكبار السن، في كل الأوقات بعدما كان الأمر يتم في الصباح الباكر ومن قبل أعداد قليلة.

ويقوم البعض بنبش أكياس وحاويات القمامة، بحثاً عن بقايا طعام، بينما اتخذ كثيرون من الأمر وسيلة للارتزاق عبر جمع بقايا الخبز والبلاستيك والكرتون وبيعها لمحال مختصة بشراء هذه النفايات.

وأدى تزايد هذه الظاهرة إلى حصول تسابق بين العاملين فيها على نبش الحاويات ووقوف البعض عندها لساعات بانتظار من يجلبون إليها أكياس القمامة، ويصل الأمر أحياناً إلى حصول مشاجرات بين «النابشين».

امرأة تتسول في ظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة

يوضح لنا خبير في الشؤون الاجتماعية بدمشق، أن هناك عدة أسباب لتضخم واستفحال ظاهرة التسوّل في مناطق الحكومة، فهناك من يمتهنها لرفد دخله، والبعض تشغّلهم «مافيات»، لكن السبب الأبرز هو «الظروف المعيشية الصعبة التي تزداد صعوبة بشكل يومي».

يضيف: «الدراسات تؤكد أن 94 في المائة يعيشون في حالة فقر، وبالتالي يرجح أن كثيرين يندفعون إلى التسوّل بسبب الجوع. المشهد يؤكد أن عدد المتسوّلين يفوق عشرات أضعاف ما تتحدث عنه وسائل إعلام الحكومة».

ويرى الخبير، أن المعالجة تكون من خلال إيجاد حل من قبل الحكومة للأزمات الاقتصادية المتراكمة، ومنح رواتب تتناسب مع الأسعار الحالية، وتوفير المواد الأساسية بأسعار مقبولة.

يضيف: «قبل الحرب كان راتب موظف الدرجة الثالثة لدى الحكومة نحو 300 دولار، حالياً راتب موظف الدرجة الأولى لا يتجاوز راتبه 15 دولاراً!».


تباينات إسرائيلية حول سيناريوهات نهاية الحرب

بنيامين نتنياهو يتفقد قواته بقطاع غزة في 26 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
بنيامين نتنياهو يتفقد قواته بقطاع غزة في 26 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

تباينات إسرائيلية حول سيناريوهات نهاية الحرب

بنيامين نتنياهو يتفقد قواته بقطاع غزة في 26 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
بنيامين نتنياهو يتفقد قواته بقطاع غزة في 26 نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

بغض النظر عن التصريحات الإسرائيلية الرسمية من القادة العسكريين والسياسيين التي يزعمون فيها أن حركة «حماس» تبدي علامات انكسار أمام الهجوم الإسرائيلي الشرس، وأن القيادة العليا للحركة تفقد سيطرتها على القيادات الميدانية، تشير تقديراتهم إلى أنهم يحتاجون إلى شهور طويلة، وهناك من يقول أكثر من سنة حتى تتحقق أهداف الحرب، وهي «إبادة (حماس)، وإعادة الأسرى، وتنفيذ إجراءات تجعل قطاع غزة منطقة آمنة لا مجال لإطلاق صواريخ منها تهدد سكان الجنوب».

لكن الجمهور الإسرائيلي، ومعه وسائل الإعلام والخبراء، غير مقتنعين بأن الجيش يمتلك رصيداً يكفيه للبقاء سنة كاملة وأكثر في قطاع غزة، ويقولون إنه يدخل الشهر الثالث للحرب، ولا يحرز إنجازات ملموسة تدل بشكل فعلي على قرب انكسار «حماس»؛ فهو دمر كل المباني في الجزء الشمالي من قطاع غزة، واحتل المنطقة كلها تقريباً، لكن ما زالت عناصر «حماس» تفاجئ الجيش الإسرائيلي بعمليات نوعية تدمر آليات وتقتل جنوداً، بل يطلقون قذائف وبعض الصواريخ من هذه المنطقة بشكل خاص. والجيش نفسه يتحدث عن «معارك ضارية» يخوضها مع العدو.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قادة القوات الإسرائيلية في 26 نوفمبر (د.ب.أ)

حجب أشرطة «حماس»

وعلى الرغم من أن معظم وسائل الإعلام العبرية ما زالت تحجب عن الجمهور أي بيان أو شريط تسجيل من «حماس»، فإن قليلاً من الإسرائيليين يصدقون روايات الناطق بلسان الجيش، دانيل هغاري، حول ما يدور في قطاع غزة. وهو يعرف ذلك. فمع أن استطلاعات الرأي تشير إلى انه يحظى بثقة 86 في المائة من الجمهور، فإنه لا يحظى بثقة 50 في المائة من الصحافيين، وهم يعبّرون عن هذا في الصحف، ويقولونه في وسائل الإعلام الأخرى.

والشعور هو أن إسرائيل عادت إلى الوراء 50 عاماً من ناحية فرض الرقابة العسكرية. فعلى الرغم من أن هذا الإعلام يمارس رقابة ذاتية شديدة من بداية الحرب، ويمتنع عن نشر بيانات «حماس» وأشرطتها المسجلة، فإنه يسود شعور بأن الرقابة وقادة الجيش يريدون لمن يتلقون الأخبار أن يكونوا مثل الإمعة تماماً.

وأقدم الناطق هغاري على خطوات لاسترداد الثقة، فنظم جولات للصحافيين كل واحد على حدة في غزة. وأتاح لكل صحافي أن يتحدث مع من يريد. واستجاب هغاري لطلبهم حول إعطاء صورة أكثر دقة عن نتائج المعارك. وعدم الاكتفاء بالقول إن قواته تقترب من السنوار، وإن «حماس» تقترب من الانكسار. وأجروا مفاوضات معه في الأيام الأخيرة حول عدد القتلى والمصابين.

وأصر على أن عدد القتلى في معارك غزة وحدها بلغ 100 (إضافة إلى 320 في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لكنهم أبلغوه بأن لديهم معلومات من المستشفيات بأن عدد الجرحى يفوق أضعاف ما ينشره هو، واتفقوا في النهاية على أن العدد يصل إلى 5 آلاف جريح، بعد أن كان قد وافق على ما نشرته صحيفة «هآرتس»، يوم الثلاثاء الماضي، من أن العدد هو 1000، وكان الرقم في حينه صادماً.

حطام يتناثر وسط انفجار خلال ما يقول الجيش الإسرائيلي إنها عملية في خان يونس (رويترز)

جنود الاحتياط

والمعروف أن الجيش بدا يحرر مجموعات كبيرة من جنود الاحتياط الذين جندهم في بداية الحرب (360 ألف جندي جرى توجيه 130 ألفاً منهم نحو الحدود الشمالية والبقية قرب غزة)، وقد بلغ مجموع من دخلوا منهم وخرجوا من وإلى غزة، نحو 100 ألف جندي، خلال الحرب، يوجد في حكم المؤكد 5 آلاف جريح. ويتضح أن الجراح متنوعة وشديدة، فهناك إصابات في الكلى والطحال والكبد وطبعاً في الرأس. وهناك عدد كبير من الإصابات في العيون. والمستشفيات تقيم أقساماً سرية، وتبلغ نسبة المعوقين الدائمين منهم 15 في المائة على الأقل، وهؤلاء هم المصابون الذين فقدوا أطرافاً من أجسادهم.

وبناءً عليه، فحتى لو كانت هناك ضربات موجعة جداً لـ«حماس» ومقاتليها، وحتى لو كان هناك انكسار في بعض مواقع «حماس»، فإن القتال الضاري يبين أن الادعاءات الإسرائيلية حول قرب انهيار «حماس» هو جزء من حرب نفسية وحملة دعائية، وليس بالضرورة يعكس الواقع.

والحديث عن الحاجة إلى سنة إضافية يعني أن الجيش الإسرائيلي يتعثر، فهو جيش كبير وضخم الموارد، ولديه أحدث الأسلحة والتقنيات التكنولوجية العالية، ويحظى بكل ما يحتاج إليه من الدعم وأكثر من الجيش الأميركي، الذي ينظم حملة جوية من 200 طائرة شحن ضخمة محملة بالذخائر والعتاد، ومع ذلك يتقدم ببطء شديد أمام قوات «حماس» و«الجهاد»... وغيرها.

صورة من بيت لاهيا لعشرات الفلسطينيين المعتقلين وهم شبه عراة (رويترز)

صورة العراة

والأشرطة التي يعرضها الجيش، وتظهر تارة شباناً أُجْبِروا على خلع قمصانهم والجلوس أرضاً وهم عراة بغرض إذلالهم، أو الشريط الذي يتباهى فيه بقتل 3 عناصر من «حماس» في عملية راجلة في أحد أزقة جباليا، أو هدم نصب تذكاري في ميدان فلسطين ورفع علم إسرائيل فيه، هي صور غير تناسبية، قد تلائم جيشاً حقق انتصاراً على فرقة من الجيش الصيني أو الروسي، وليس جيشا يعد أحد أقوى الجيوش في العالم، ويحارب تنظيماً مسلحاً مثل «حماس» من 30 ألف مسلح.

ووفق المراسل العسكري لصحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية ألون بن دافيد، الذي عاد من جولة في قلب غزة بضيافة الجيش، فإنه «في الجانب العسكري سجل الجيش الإسرائيلي لنفسه غير قليل من الإنجازات، لكن الصور تثير نقاشاً يقظاً بين الخبراء، فيما إذا كانت هذه بوادر علامات انكسار في أوساط «حماس».

والوضع في جنوب القطاع مختلف؛ فمع أن الجيش يعمل بقوة لوائية كبيرة في خان يونس، فإنه لم ينجح بعد في كسر 4 كتائب لـ«حماس» التي تعمل في المدينة. والتقدير هو أنه سيتطلب لأجل ذلك 3 أسابيع، وربما أكثر، بينما كان التشديد الأساسي على محاولة المس بمسؤولي «حماس» الكبار، وعلى رأسهم يحيى السنوار وشقيقه محمد، اللذان، حسب كل المؤشرات، يعملان في هذه الجبهة.

فلسطينيون أمام مركز أممي لتوزيع الطحين في غزة (أ.ف.ب)

احتلال خان يونس

وإذا كان احتلال خان يونس يحتاج إلى 3 أسابيع، فإن رفح التي تبلغ أضعافها من حيث المساحة والكثافة السكانية، ودير البلح وبقية المناطق التي لم تدخلها القوات الإسرائيلية تحتاج إلى شهور، لكن القيادات السياسية تؤكد أنه لا يوجد لها كل هذا الوقت، من الناحية السياسية.

ومع أن الولايات المتحدة استخدمت، يوم الجمعة، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن على مشروع قرار يدعو إلى وقف نار فوري في غزة، فإن هناك قلقاً واضحاً في إسرائيل من أنه باستثنائها صَوَّتَتْ بقية الـ13 دولة مع مشروع القرار، (وبريطانيا امتنعت). ووفق تقارير مختلفة من واشنطن فإن الإدارة الأميركية تعتزم السماح لإسرائيل بمواصلة القتال حتى نهاية السنة الميلادية، أي 3 أسابيع من اليوم قبل أن تطالبها بإعادة الانتشار.

وهذا كله، من دون حل لقضية المخطوفين الإسرائيليين لدى «حماس»، الذين لا يبدو أن تحرير أي منهم غاية سهلة، وقد فشلت العملية الخاصة التي حدثت فجر الجمعة، لتحرير الجندي ساهر باروخ وانتهت بقتله. وهذا علماً بأن الجيش يؤكد أن جهوداً مشابهة ستستمر في المستقبل أيضاً، رغم الظروف المعقدة لنجاحها».

بناءً على ذلك كله، فإن العمليات الحربية في قطاع غزة تعد ورطة ليس فقط لـ«حماس»، بل للجيش الإسرائيلي أيضاً.


المصريون يصوتون في اليوم الأول للانتخابات الرئاسية

السيسي يدلي بصوته في الانتخابات بمدرسة الشهيد يسري أبو عميرة في مصر الجديدة (أ.ف.ب)
السيسي يدلي بصوته في الانتخابات بمدرسة الشهيد يسري أبو عميرة في مصر الجديدة (أ.ف.ب)
TT

المصريون يصوتون في اليوم الأول للانتخابات الرئاسية

السيسي يدلي بصوته في الانتخابات بمدرسة الشهيد يسري أبو عميرة في مصر الجديدة (أ.ف.ب)
السيسي يدلي بصوته في الانتخابات بمدرسة الشهيد يسري أبو عميرة في مصر الجديدة (أ.ف.ب)

بدأت عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية المصرية، الأحد، لمدة ثلاثة أيام، لاختيار رئيس للبلاد لولاية جديدة مدتها ست سنوات، حتى عام 2030، وسط دعوات رسمية شددت على أهمية المشاركة.

وينافس الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي تولى الحكم عام 2014، كل من رئيس «الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي» فريد زهران، ورئيس حزب «الوفد» عبد السند يمامة، ورئيس «حزب الشعب الجمهوري» حازم عمر.

وأظهرت لقطات تلفزيونية السيسي، صاحب الفرصة الأعلى للفوز، وهو يدلي بصوته في لجنة انتخابية بحي «مصر الجديدة» شرق العاصمة القاهرة. بينما أدلى عمر بصوته في إحدى اللجان الانتخابية بحي «التجمع» بالقاهرة، وصوت زهران في لجنة بحي «المقطم» بالقاهرة، بينما صوت يمامة في حي «الدقي» بمحافظة الجيزة.

المرشح الرئاسي حازم عمر أثناء الإدلاء بصوته (رويترز)

وفتحت جميع لجان الاقتراع الفرعية، البالغ عددها أكثر من 11 ألف لجنة، أبوابها أمام الناخبين، صباح الأحد، دون استثناء واحد، وفق بيان للهيئة العامة للاستعلامات بمصر.

وقال رئيس الهيئة، ضياء رشوان، إن العملية الانتخابية تسير في مختلف أنحاء الجمهورية بـ«صورة منتظمة»، فيما لفت إلى «وجود كثافات كبيرة أمام مراكز الاقتراع منذ صباح الأحد»، مشيراً إلى مشاركة 528 مراسلاً صحافياً لوسائل إعلام أجنبية، في تغطية الانتخابات، يمثلون 110 مؤسسات إعلامية من صحف ومجلات ووكالات أنباء ومواقع إخبارية وقنوات تلفزيونية، ينتمون لعدد 33 دولة.

ولم تتلق غرفة المتابعة المركزية بالهيئة، منذ فتح اللجان سوى 4 ملاحظات من مراسلين أجانب تتعلق بالتصوير داخل بعض لجان الاقتراع، تم حلها جميعاً، بحسب رشوان.

مصري مسن يدلي بصوته في اليوم الأول من الانتخابات الرئاسية (رويترز)

وإزاء ما وصفته بـ«إقبال كثيف غير مسبوق» من الناخبين في مختلف المحافظات خلال اليوم الأول؛ قررت «الهيئة الوطنية للانتخابات» «الدفع بالعديد من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية الاحتياطيين إلى عدد من اللجان الفرعية؛ لتسريع وتيرة عملية التصويت، والتخفيف من زحام طوابير الناخبين أمام هذه اللجان».

وأعربت الهيئة، في بيان، عن «تقديرها» للمواطنين الذين أظهروا «وعياً عميقاً» بأهمية المشاركة الإيجابية الفاعلة في هذا الاستحقاق.

مصريون يصطفون في إحدى اللجان مع بداية عملية التصويت الأحد (أ.ف.ب)

ورفع ناخبون علم مصر أمام العديد من اللجان، فيما ردد بعض الناخبين هتافات لدعم الرئيس الحالي مثل «تحيا مصر... بنحبك يا سيسي»، كما سُمعت أصداء الأغاني الوطنية تطوف الشوارع.

وعقب الإدلاء بصوته، دعا رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في تصريحات تلفزيونية، جموع الناخبين من أبناء الشعب المصري إلى «التمسك بحقهم الدستوري عبر المُشاركة الفاعلة في هذا الاستحقاق الأهم وطنياً بصورة إيجابية وجادة».

فيما قال وزير الداخلية المصري محمود توفيق، في تصريحات للصحافيين عقب الإدلاء بصوته، إن «جميع أجهزة وزارة الداخلية في حالة استنفار قصوى، لتأمين المواطنين وتهيئة الأجواء المناسبة لسير العملية الانتخابية بالشكل الذي يتيح الفرصة أمام كل المصريين للمشاركة فيها».

بالحبر الفسفوري... مصري يؤكد مشاركته في الانتخابات (رويترز)

ويحق لأكثر من 67 مليون مصري الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي تقام تحت إشراف القضاء، وتراقبها 14 منظمة دولية، و62 منظمة مجتمع مدني محلية، وفقاً للهيئة الوطنية للانتخابات.

وتتواصل عمليات الاقتراع يومي الاثنين والثلاثاء ما بين التاسعة صباحاً والتاسعة مساء (07.00 و19.00 ت غ). فيما أدلى المصريون في الخارج بأصواتهم على مدى ثلاثة أيام أيضاً، بداية الشهر الحالي.

وفي الانتخابات الراهنة تتجه الأنظار إلى نسبة المشاركة التي بلغت 41.5 في المائة في 2018، أقل بست نقاط عن الانتخابات السابقة. ومن المقرر إعلان النتيجة في 18 ديسمبر (كانون الأول) في حال حسم السباق من الجولة الأولى.

وأدى السيسي اليمين الدستورية لفترته الرئاسية الأولى في يونيو (حزيران) 2014، وأعيد انتخابه لفترة ثانية في يونيو 2018.

ووصل السيسي، وزير الدفاع الأسبق، إلى الحكم، عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو (تموز) 2013، بعد احتجاجات شعبية حاشدة. وفي انتخابات عامي 2014 و2018، فاز السيسي بأكثر من 96 في المائة من الأصوات.

وتقرر تمديد فترة الرئاسة لستة أعوام، بعد أن كانت أربعة، إثر تعديلات دستورية أقرت عام 2019، وهو ما مدد الفترة الرئاسية الثانية للسيسي حتى مطلع أبريل (نيسان) عام 2024، كما سمح له بالترشح لفترة ثالثة.


التصعيد الجوي الإسرائيلي يعيد التذكير بقصف المنازل في حرب 2006

دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)
دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)
TT

التصعيد الجوي الإسرائيلي يعيد التذكير بقصف المنازل في حرب 2006

دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)
دخان غارة إسرائيلية على بلدة عيتا الشعب (أ.ب)

أعادت الغارات الجوية الإسرائيلية المتزامنة على مناطق في جنوب لبنان التذكير بوتيرة المعارك التي شهدها الجنوب في حرب عام 2006، وذلك في أعنف تصعيد تشهده المنطقة منذ شهرين، بموازاة استخدام «حزب الله» طائرة مسيّرة مفخخة انفجرت في موقع قيادة إسرائيلي على بعد كيلومترين من المنطقة الحدودية، فيما حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق بيروت وشمال لبنان.

ولم تشهد المنطقة الحدودية قصفاً جوياً مكثفاً منذ بداية الحرب في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شبيهاً بما شهدته الأحد، حيث دوت انفجارات عنيفة في المنطقة الحدودية الواقعة بين بلدتي يارون وكونين ومدينة بنت جبيل على جولتين متقاربتين، تبين أنها ناتجة عن غارات جوية. ووثق مقطع فيديو نشره ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، نحو 6 غارات جوية في وقت واحد استهدفت مناطق مفتوحة مكسوة بالغطاء الحرجي في المنطقة.

وبعد أقل من ساعتين، استهدفت غارات جوية حياً سكنياً في بلدة عيترون الحدودية أدت إلى تدمير عدة منازل وتضرر منازل أخرى، وقضت على مربع سكني بالكامل، فيما هرعت طواقم الإسعاف إلى المكان، حيث تم انتشال 4 جرحى من الحي، حسبما أفادت مصادر ميدانية، في وقت حلقت مقاتلات إسرائيلية على علو متوسط ومرتفع فوق بيروت والضاحية الجنوبية وجبل لبنان، ووصلت إلى شماله.

وقالت مصادر ميدانية في الجنوب لـ«الشرق الأوسط»، إن وتيرة القصف الجوي «هي الأعنف منذ بدء الحرب في الجنوب»، موضحة أنه في الأيام العشرة السابقة التي تكثف فيها القصف، «اعتمدت فيها القوات الإسرائيلية على القصف المدفعي والغارات بالمسيرات، بينما كانت تقع غارات جوية ضخمة في أوقات ومناطق متباعدة».

وقالت المصادر إن ما تبدل يوم الأحد أن «وتيرة القصف في القطاع الأوسط كانت الأعنف، واعتمدت فيها إسرائيل على الغارات الجوية بشكل أساسي، بما يعيد إلى الأذهان مشاهد وتطورات حرب عام 2006»، حيث كانت الغارات الجوية أساس الحملة العسكرية في الحرب، واستهدفت فيها المنازل والأحياء السكنية بشكل مكثف في الجنوب والضاحية.

دخان غارة إسرائيلية على بلدة يارون الحدودية (أ.ب)

وبدا من سياق القصف أن الجيش الإسرائيلي وسّع مساحة الغطاء الناري، خصوصاً في القطاع الأوسط، حيث لم يخلُ يوماً من عمليات عسكرية لـ«حزب الله» في المنطقة باتجاه مواقع إسرائيلية محاذية، وانتقل الجيش الإسرائيلي من استهداف المناطق المفتوحة في الحدود إلى المنازل والأحياء السكنية. وتكرر استهداف المواقع المأهولة بالغارات الجوية خلال الأيام الماضية، حيث يأتي استهداف الحي السكني في عيترون بعد ثلاثة أيام على استهداف مماثل في عيتا الشعب. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية بأن هذه الغارات على عيترون «تسببت بتدمير حي كامل في بلدة عيترون، حيث سويت العديد من المنازل الآمنة بالأرض، وتضرر عدد كبير آخر وحضرت إلى المكان طواقم إغاثة».

«حزب الله» يوسع أهدافه

في المقابل، وسّع «حزب الله» مروحة أهدافه، حيث أعلن عن هجوم جوي بطائرات ‏مسيرة انقضاضية على مقر قيادة مستحدث للجيش الإسرائيلي في القطاع الغربي جنوب ‏ثكنة يعرا، وقال إن المسيرات «أصابت أهدافها بدقة وأوقعت إصابات مؤكدة في صفوف العدو»، حسبما جاء في البيان.

وقال الجيش الإسرائيلي بدوره، إن «أهدافاً جوية مشبوهة» عبرت من لبنان، وتم اعتراض اثنين منها. وأضاف أن جنديين إسرائيليين أصيبا بجروح متوسطة، فيما أصيب عدد آخر بجروح طفيفة جراء الشظايا واستنشاق الدخان.

وذكر أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية نفذت «سلسلة واسعة من الضربات على أهداف إرهابية لـ(حزب الله) في الأراضي اللبنانية». وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن نقل مصابين بالمروحيات من المنطقة، من غير الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

وتحدثت وسائل إعلام قريبة من «حزب الله» عن أن «حزب الله» قام «بمشاغلة الاحتلال في عدة نقاط قبل الهجوم بالمسيّرات على ثكنة يعرا بهدف تعطيل دفاعاته الجوية في القطاع الغربي قبل إطلاق المسيّرات»، وقال إن ثكنة يعرا «تبعد 2 كلم عن الحدود اللبنانية واستهدفتها المقاومة اليوم للمرة الأولى»، في إشارة إلى تحديث الحزب معلوماته الاستخبارية من الداخل الإسرائيلي.

وأعلن الحزب في بيانات منفصلة عن عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في القطاعين الشرقي والغربي، في حين تفعلت القبة الحديدية مساء في محاولة لاعتراض وابل من الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل في القطاع الغربي عند الحدود. كما أعلن تدميره «دشمة في موقع العباد يتحصن فيها جنود العدو الإسرائيلي وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة بين قتيل وجريح»، ولاحقاً استهدافه «تجمعاً لجنود العدو الإسرائيلي في قلعة هونين (قرية هونين اللبنانية المحتلة) ‏بالأسلحة المناسبة وحقّقوا فيه إصابات مباشرة».

ولم تهدأ المدفعية الإسرائيلية منذ الصباح، حيث قصفت أطراف بلدات الفرديس وكفر شوبا وحلتا وحولا ومحيبيب وعيترون ومارون الراس ويارون في القطاعين الشرقي والأوسط، ومن بينها استهداف منزل في ​كفر كلا​ بقذيفتَين إسرائيليّتَين، وإطلاق رشقات نارية غزيرة باتجاه البلدة. وبالتزامن أفيد عن قصف أطراف علما الشعب ورميش والناقورة في القطاع الغربي. وتحدث صحافيون في رميش عن سقوط 5 قذائف في أحراج ملاصقة لفندق يقيم فيه الصحافيون في المنطقة، بينما قال القس طوني إلياس لـ«رويترز» إن الضربات الجوية حطمت نوافذ منازل ومتاجر ومدرسة في قرية رميش. كما أطلقت مسيرة صاروخاً استهدف جوار مسجد بلدة مروحين. وأفادت «الوطنية» بسقوط بقايا صاروخ اعتراضي إسرائيلي قرب مركز اليونيفيل في الناقورة.

«حزب الله» يرفض مطالب إسرائيل

بموازاة التصعيد العسكري، رفض «حزب الله» النقاشات والرسائل الدولية التي تصل إلى لبنان، وتطالب بإبعاد الحزب من المنطقة الحدودية إلى منطقة شمال الليطاني وتطبيق القرار 1701.

ورأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ علي دعموش، أن «العدو الإسرائيلي ليس في موقع من يفرض إرادته على لبنان». وأضاف: «تهديد نتنياهو ووزير حربه للبنان هو تهديد فارغ لا قيمة له، فالعدو يعرف تماماً أننا لا نعبأ بالتهديد والتهويل». وقال إن «المقاومة ستواصل استنزافها للعدو، ولن تتوقف ما لم يتوقف العدوان على غزة ولبنان». وأضاف: «الاعتداءات التي يقوم بها العدو بالغارات والمسيرات والقصف على القرى والبلدات ليست بلا رد، فرد المقاومة قوي ومحكم ودقيق ومؤلم، ولم تبق المقاومة للعدو مكاناً أو موقعاً عسكرياً آمناً على امتداد الحدود اللبنانية الفلسطينية، وهي تحقق إنجازات، وتجبر العدو على دفع أثمان كبيرة، ولن تسمح بتغيير المعادلات أو المس بالسيادة اللبنانية أو بتحقيق أي مكسب لإسرائيل على حساب المقاومة أو على حساب السيادة الوطنية».

صورة وزعها «حزب الله» للنائب حسن فضل الله يتفقد موقع غارة في عيتا الشعب الحدودية (رويترز)

وتكرر الموقف على لسان عضو كتلة الحزب النيابية (الوفاء للمقاومة) النائب حسن فضل الله، أثناء جولة في المنطقة الحدودية، الأحد، حيث قال: «يحاول العدو التسلل بتسريب أحلام بعض الواهمين حول خطوات في المستقبل تتعلق بالوضع في الجنوب ويطلق قادته تهديدات، وهذا كله سيبقى في دائرة الوهم الذي يغرق به العدو ومن هو صدى لتمنياته، فنحن اليوم أمام فشل كبير لجيش الاحتلال في الميدان، سواء في غزة أو الجنوب، وهو أصيب في الصميم وكثرة كلام قادته لا تعيد له الهيبة، بل هي دليل إضافي على تحوله إلى آلة دعائية كاذبة تفضح زيفها الوقائع العسكرية اليومية، ولذلك بدل أن يكثروا من التهديدات الفارغة يخلصون من فشلهم العسكري في غزة أو يوقفون هلع جيشهم على حدودنا».


«الحاجة ملحّة» لإصلاح أجهزة الجمارك والضرائب اللبنانية

وزير المالية يوسف الخليل أثناء لقاء في يونيو الماضي مع الممثل الدائم لصندوق النقد الدولي في لبنان فردريكو ليما ومسؤولة مكتب الصندوق في لبنان نجلا نخلة (إكس)
وزير المالية يوسف الخليل أثناء لقاء في يونيو الماضي مع الممثل الدائم لصندوق النقد الدولي في لبنان فردريكو ليما ومسؤولة مكتب الصندوق في لبنان نجلا نخلة (إكس)
TT

«الحاجة ملحّة» لإصلاح أجهزة الجمارك والضرائب اللبنانية

وزير المالية يوسف الخليل أثناء لقاء في يونيو الماضي مع الممثل الدائم لصندوق النقد الدولي في لبنان فردريكو ليما ومسؤولة مكتب الصندوق في لبنان نجلا نخلة (إكس)
وزير المالية يوسف الخليل أثناء لقاء في يونيو الماضي مع الممثل الدائم لصندوق النقد الدولي في لبنان فردريكو ليما ومسؤولة مكتب الصندوق في لبنان نجلا نخلة (إكس)

كشف تقرير دولي عن وجود «حاجة ملحّة» لتدخل حكومي يستهدف إصلاح أجهزة الجمارك والضرائب في لبنان، وإنقاذها من الحال التي انحدرت إليها بفعل الأزمات الحاضرة، مما أفضى إلى انحدار حاد في موارد الخزينة العامة.

وزارت لبنان بعثة خاصة من صندوق النقد الدولي بين 25 سبتمبر (أيلول) و6 أكتوبر (تشرين الأول) والتقت خلالها وزير المال يوسف الخليل ومديري الجمارك والإدارات المختصة بالضرائب، وخلصت إلى ضرورة القيام بسلسلة مبادرات عاجلة ومتدرجة من الأسهل إلى الأساسية لإحداث التغيير المنشود مع دعم مالي وتقني تتكفل به مؤسسات اقتصادية ومالية دولية، شرط توفر الإرادة الداخلية، مبيّنة أن الوضع القائم يتسبّب في انخفاض حاد في قدرات جباية الضرائب، مع تدهور نسبة الإيرادات الضريبيّة من الناتج المحلي الإجمالي من 21 في المائة في عام 2018 إلى 6.3 في المائة في عام 2022.

ويكتسب تقرير البعثة المنجز عقب مهمة خاصة وجولة بحث واستقصاءات دامت أسبوعين، بناء لطلب رسمي من قبل وزير المال يوسف الخليل، أهمية استثنائية لتزامنه مع استمرار مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل في سلسلة اجتماعات لجنة المال النيابية، ولا سيما لجهة ما أثارته من إشكاليات اتسمت بالحدة غالباً، وتساؤلات بشأن تدفق الإيرادات الحكومية عبر المنافذ الجمركية والضريبية.

وسلّط التقرير الضوء، حسب الملخص الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أعدّتها دائرة الأبحاث في مجموعة «الاعتماد اللبناني»، على الحالة السيئة لإدارات الضرائب والجمارك في لبنان، لا سيّما على صعيد الكادر البشري، والذي يعاني من تجميد التوظيف ومن استقالة الموظفين الحاليين الذين انخفضت قيمة رواتبهم بشكل كبير على خلفيّة التدهور الكبير في سعر صرف العملة المحليّة.

وبما يخص الموارد البشريّة أيضاً، ظهر أن الوضع أكثر حرجاً في قسم تكنولوجيا المعلومات، حيث لا يوجد سوى موظّف واحد في مديريّة تكنولوجيا المعلومات في إدارة الجمارك اللبنانيّة، ولا يوجد أي موظّف في المديريات الأخرى للضرائب.

دعم مشروط

بناءً على ذلك، لفت التقرير إلى الحاجة الملحّة للإصلاح، مشيراً إلى أن كثيراً من المانحين الدوليين مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق النقد الدولي قد أعربوا عن استعدادهم للدعم المالي شريطة توافر إرادة لإحداث التغيير.

في التقرير، استعملت بعثة الصندوق النقد الدولي منهجيّة لتسليط الضوء على أولويات الإصلاح، تأخذ في الاعتبار النتائج التي سيحدثها هذا الإصلاح والتعقيد الفنّي المطلوب لتنفيذه. وبناءً على ذلك، قام صندوق النقد الدولي بتقسيم الإصلاحات إلى ثلاث فئات تتوزع بين المكاسب السريعة التي يمكن تحقيقها من خلال مبادرات سهلة نسبيّاً من شأنها أن تساعد في بناء الزخم للانتقال إلى حزمة المبادرات الأساسية التي تشكل الجزء الأكبر من برنامج الإصلاح، فضلاً عن إجراءات إضافية يجب دراستها بعناية قبل تنفيذها.

مكاسب سريعة

وفيما يتعلق بدائرة الضرائب، أشار التقرير إلى ثلاثة مكاسب سريعة، وهي الحاجة إلى البدء بتبادل البيانات مع إدارة الجمارك، ومعالجة التسّرب الضريبي من قبل كبار دافعي الضرائب، وإنتاج إحصاءات يمكن تحليلها لتعزيز تحصيل الضرائب.

وتالياً، تشمل المبادرات الأساسيّة معالجة مسألة استقالة الموظّفين وتوظيف أشخاص جدد، وخاصّة في دوائر تكنولوجيا المعلومات والتدقيق والتحصيل برواتب تتماشى مع أسعار السوق، وتحسين ظروف العمل، حيث إن المكاتب تعاني من انقطاع الكهرباء ومن نقص في الإمدادات وتجديد الهيكل التنظيمي الحالي الذي يقسّم مديريات الضرائب من خلال إنشاء إدارة ضريبية شبه مستقلة.

أما التدابير المضافة، فتشمل إعادة إطلاق مكتب كبار دافعي الضرائب، مع العلم بأنّ المعايير الحالية قد تآكلت بسبب التضخم، وتوسيعه ليشمل ضريبة القيمة المضافة أيضاً، وإنشاء مكتب إدارة الإصلاح لتنسيق الإصلاحات بين الإدارات المختلفة، ودمج دوائر الامتثال بين دائرتي الإيرادات وضريبة القيمة المضافة.

ودعت بعثة الصندوق إلى وضع استراتيجيّة امتثال خاصّة بالأزمة، ومعالجة التراكم في مكننة تقديم طلبات ضريبة الدخل الفردي مع التركيز على السنوات الأخيرة، وتحقيق استقرار في عمليّات تكنولوجيا المعلومات، واستئناف التبادل الدولي لضريبة الدخل الفردي، إضافة إلى أولويات القضاء على ازدواجية الوظائف من خلال حصر العمليّات في الإدارة المركزيّة، واستبدال نظام (SIGTAS) المعمول به، بواسطة نظام جديد لتكنولوجيا المعلومات يشمل الضرائب المباشرة وغير المباشرة.

وبما يتعلق بإدارة الجمارك، فإنّ المكاسب السريعة تتمحور حول تحقيق الاستقرار في دائرة تكنولوجيا المعلومات من خلال معالجة مشاكل التوظيف والتطبيق الصحيح للنظام الآلي للبيانات الجمركية (ASYCUDA) لمكافحة التلاعب في تقييم البضائع في الجمارك.

وعلق التقرير بالقول إنّ الأموال التي يستوجبها تحقيق الاستقرار في عمليات تكنولوجيا المعلومات يمكن توفيرها بسهولة، مشيراً في هذا الصدد إلى أن المجلس الأعلى للجمارك يدفع حاليّاً بدل إيجار بقيمة 340 ألف دولار، في حين لا يزال مبنى الجمارك المنشأ حديثاً في مرفأ بيروت شاغراً بسبب عدم وتوفير ما قيمته حوالي 30 ألف دولار من أثاث ومفروشات مكتبيّة وتوصيلات لشبكة الإنترنت لتجهيزه بالكامل.

مراجعة الرسوم

وتشمل المبادرات الأساسيّة إجراء مراجعة لرسوم الخدمات الجمركية، حيث إن كثيراً من الرسوم إما مجانيّة وإما بتكلفة أقل بكثير من تلك المطلوبة لتلبية هذه الرسوم، وتحديث قانون الجمارك ليتوافق مع المعايير الدولية، وإنشاء مكتب لإدارة الإصلاح ووحدة لإدارة المخاطر، وتعزيز عمليّات المراجعة التي تلي التخليص الجمركي.

وبخصوص التدابير المضافة، فهي توصي بحلّ مشاكل التوظيف، كما هي الحال مع إدارة الضرائب، وتحديث تنفيذ التعريفة الإلكترونية المستند حالياً إلى إصدار عام 2017، ليتحول إلى إصدار عام 2022، بينما توجب الأولويات إنشاء هيكل تنظيمي جديد، ونقل إدارة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بنظام (ASYCUDA) التي تعمل حاليا تحت إشراف اللجنة العليا للجمارك إلى مدير عام الجمارك لتحسين الكفاءة وبعض الإصلاحات على جبهة الموارد البشرية.


في ذكرى تأسيسه الثامنة... «مسد» يدعو السوريين للجلوس على طاولة الحوار

اجتماعات أخيرة لمجلس «مسد» في مدينة الرقة السورية (الشرق الأوسط)
اجتماعات أخيرة لمجلس «مسد» في مدينة الرقة السورية (الشرق الأوسط)
TT

في ذكرى تأسيسه الثامنة... «مسد» يدعو السوريين للجلوس على طاولة الحوار

اجتماعات أخيرة لمجلس «مسد» في مدينة الرقة السورية (الشرق الأوسط)
اجتماعات أخيرة لمجلس «مسد» في مدينة الرقة السورية (الشرق الأوسط)

دعا «مجلس سوريا الديمقراطية» جميع الأطراف السورية للجلوس على طاولة الحوارات، والعمل على بلورة مشروع وطني ديمقراطي، والحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، والتمسك بالهوية الوطنية الجامعة، وفق دستورٍ عصري ونظام حكم لامركزي، لإنهاء الحرب والأزمة الدائرة منذ سنوات.

وقال المجلس في بيان نُشر على موقعه الرسمي، اليوم (الأحد)، بمناسبة مرور 8 سنوات على تأسيسه، إن «القوى الدولية المعنية بالملف السوري لم تتوافق بعد لحل الأزمة، لتتحّول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات، وحروب بالوكالة، ومشاريع عابرة للجغرافيا ودخيلة على الهوية السورية».

من جهتها، تقول إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية للمجلس لـ«الشرق الأوسط»، إن المطلوب من كل السوريين وبعد كل هذا العداء والإقصاء «الجلوس إلى طاولة الحوار طالما هناك يقين لدى كل القوى والأطراف السورية. إننا سنجلس يوماً ما على الطاولة نفسها، فلماذا نقصي بعضنا البعض، ونخلق كل هذا العداء؟». وحذرت من أن استمرار الحرب سيؤدي لمزيد من الدمار والخراب والتصدعات في جسم المجتمع السوري.

وشددت على أن «المفاوضات ستغلق الأبواب أمام سيناريوهات قد تكون كارثية أكثر مما عايشناه سابقاً، كما ستضع حداً للمأساة التي يعانيها السوريون أينما كانوا، سواء يعيشون بالداخل أو في الخارج».

تدريبات مشتركة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وقوات «التحالف الدولي» ضد «داعش» في ريف الحسكة (أ.ف.ب)

ويتبع المجلس تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، التي تسيطر على مناطق في شمال وشمال شرقي سوريا، تدعمها قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في إطار مهامها لمحاربة تنظيم «داعش» شرقي سوريا.

وأكد البيان على أن قوات «قسد» تمكنت من تحرير مدن وبلدات الشمال والشمال الشرقي من البلاد، وشكلت هياكل مدنية تدير شؤونها، «في وقت تتعرّض فيها أجزاء من الشمال السوري للاحتلال التركي وسيطرة فصائل موالية لها ترتكب الجرائم بحق السوريين»، فيما ترزح بقية المحافظات السورية «تحت وطأة حكم مركزي مستبد»، في إشارة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

يضم مجلس «مسد» 16 حزباً وتياراً سياسياً عربياً وكردياً ومن المكون السرياني الأشوري، إلى جانب شخصيات تكنوقراط. ولديه تفاهمات سياسية مع «هيئة التنسيق الوطنية» و«حزب الإرادة الشعبية». وأطلق العديد من المبادرات السياسية لوضع حد للحرب في سوريا، كما عقد جولات مباشرة مع ممثلين رسميين من الحكومة السورية في العاصمة دمشق منتصف 2018.

إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية (الشرق الأوسط)

وعن موقفهم من النظام الحاكم، قالت القيادية الكردية إلهام أحمد: «دائماً كنا منفتحين على الحوار مع كل الأطراف السورية بما فيها النظام، شريطة أن تمتلك هذه الجهات قرارها السيادي»، لافتة إلى أن «النظام يتوهم بأنه سيعود لسابق عهده ساعياً لكسب الوقت، علماً بأن الظروف الدولية والإقليمية قد تغيرت». داعية دمشق إلى تقييم المبادرات السياسية السلمية والتجاوب معها لتشمل كل السوريين، بهدف التصالح والتوافق على مبادئ ضمان كرامة وحقوق الشعب السوري في إطار دستور جديد.

وحمّلت أحمد النظام الحاكم والمعارضة السورية، مسؤولية تجميد المحادثات الدولية الخاصة بحل النزاع السوري وعدم تطبيق القرار الأممي 2254، عازية السبب إلى «أن المسار الدولي قائم على الإقصاء. بمعنى آخر، هذه العملية لم تعد تجدي نفعاً بالنسبة لحل القضية السورية طالما أن هذا الإقصاء مستمر».

لقاء هيئة التفاوض السورية سبتمبر الماضي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومبعوثه إلى سوريا (حساب الهيئة)

وشددت إلهام على أن إصرار جميع الأطراف المشاركة بالعملية السياسية وتمسكها بالشكل القديم للمحادثات والآلية المتبعة في اختيار المنصات، «أديا بالمجمل إلى تجميد العملية السياسية وإفشال عمل اللجنة الدستورية. كما أن عدم تجاوب الطرفين (النظام والمعارضة) مع هذه العملية، نسف الجهود والمساعي الأممية».

وطالبت القيادية الكردية بضرورة إعادة هيكلية «هيئة التفاوض السورية» المعارضة، وإشراك جميع القوى والجهات السورية في العملية السياسية، وأخذ قرارات بما يتناسب مع الوضع الحالي، والضغط على حكومة دمشق للانخراط بشكل حقيقي وفعال في العملية السياسية، «لأنها لا تقبل بتغيير الدستور المعمول به حالياً». وشددت على أن الشعب الكردي جزء أصيل من الحالة الوطنية؛ مطالبة النظام والمعارضة «بعدم التعامل مع أكراد سوريا على أنهم جسم غريب، فنحن جزء أساسي من الحالة الوطنية، وننتمي لهذه الدولة، ونعيش على أرضنا منذ مئات السنين».

يذكر أن «مجلس سوريا الديمقراطية» تأسس بداية ديسمبر (كانون الأول) 2015، ويعد المظلة السياسية لقوات «قسد» التي تسيطر على ربع مساحة البلاد، لتكون ثاني قوى عسكرية مسيطرة على الأرض بعد قوات الجيش السوري، ولعبت رأس حربة وفاعلية في قتال تنظيم «داعش» خلال السنوات الأخيرة.

و«قسد» شريك رئيسي للتحالف الدولي وواشنطن في محاربة وملاحقة خلايا التنظيم النائمة.


توقف انقطاع الكهرباء خلال الانتخابات يثير تندر مصريين

رغم التوسع في إنشاء المحطات الكهربائية تواجه مصر أزمة في انتظام التيار الكهربائي (مجلس الوزراء المصري)
رغم التوسع في إنشاء المحطات الكهربائية تواجه مصر أزمة في انتظام التيار الكهربائي (مجلس الوزراء المصري)
TT

توقف انقطاع الكهرباء خلال الانتخابات يثير تندر مصريين

رغم التوسع في إنشاء المحطات الكهربائية تواجه مصر أزمة في انتظام التيار الكهربائي (مجلس الوزراء المصري)
رغم التوسع في إنشاء المحطات الكهربائية تواجه مصر أزمة في انتظام التيار الكهربائي (مجلس الوزراء المصري)

استقبل مصريون إعلان الحكومة، وقف العمل بخطة «تخفيف الأحمال» للتيار الكهربائي، خلال أيام الانتخابات الرئاسية، بسيل من التندر والسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

ومنذ أغسطس (آب) الماضي، تشهد مصر انقطاعات يومية بالتيار الكهربائي على خلفية نقص إمدادات الوقود المشغل لمحطات توليد الكهرباء، ما دفع الحكومة لإعلان خطة رسمية، تشمل معظم محافظات الجمهورية لتخفيف الأحمال لمدة ساعة أو ساعتين يومياً.

ومع انطلاق الانتخابات الرئاسية، الأحد، أوقفت الحكومة المصرية «قطع التيار عن المواطنين طوال فترة الانتخابات». ويستمر تصويت المصريين في الانتخابات حتى يوم الثلاثاء المقبل. وقال مصدر مسؤول بوزارة الكهرباء لـ«الشرق الأوسط»، إن «التعليمات الصادرة من مجلس الوزراء تتحدث عن إيقاف عملية تخفيف الأحمال بشكل كامل على مستوى الجمهورية اعتباراً من السبت (قبل الانتخابات بيوم) وحتى مساء الأربعاء المقبل، وهو الموعد المتوقع الانتهاء فيه من الفرز بمختلف اللجان».

وأكد المصدر أنه «لا توجد تعليمات بما إذا كان سيتم العودة لتخفيف الأحمال مرة أخرى أم لا».

وأعلن الإعلامي أحمد موسى عبر حسابه بموقع «إكس» الخبر، السبت، مبشّراً المواطنين بوقف انقطاع الكهرباء خلال الانتخابات.

ولاقت تدوينة موسى تفاعلاً كبيراً لمئات الآلاف من المتابعين، أبرزهم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، الذي تساءل عن عودة «ساعات الظلام» مرة أخرى بعد الانتخابات.

ودوّن حساب باسم «رنا» تعليقاً ساخراً على قصر وقف انقطاعات التيار الكهربائي خلال الانتخابات، قائلة: «ياريت تمددو الانتخابات 6 شهور».

وهي تدوينة تتشابه مع تعليق آخر لمحمود فتحي، الذي كتب يتحدث عن أمله في مد فترة التصويت.

وانتقدت المدونة أمل كمال نشر الخبر بهذه الطريقة.

لكن حساباً لسيدة تدعى شهيرة طاهرة، دافع عن القرار بالقول: «ينفع تروح لجنة تلاقي الكهربا قاطعة! 3 أيام الانتخابات ممنوع قطع الكهربا».

وهو المنطق الذي تبناه الفنان نبيل الحلفاوي في تدوينة كتبها عبر «إكس»، قائلاً: «يعني الناس تروح تنتخب يقولولهم الكهربا مقطوعة؟».

وشاركت مريم عبر حسابها في «إكس»، مؤكدة انتظام التيار الكهربائي من دون انقطاع، وأضافت: «الكهربا مقطعتش لتاني يوم على التوالي، أكيد أكيد ده من ضمن الدعاية للانتخابات بعدها هترجع تقطع».

ورغم توقع انتهاء الانقطاعات، في منتصف سبتمبر (أيلول) وفق تصريحات لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مع بداية الأزمة، فإن تخفيف الأحمال تواصل حتى مطلع الشهر الحالي مع تفاوت في عدد ساعات انقطاع التيار، في وقت ساهم فيه فصل التيار الكهربائي لمدة ساعة يومياً بتوفير 300 مليون دولار قيمة الوفر في الوقود، وفق وسائل إعلام محلية.


التمديد لقائد الجيش اللبناني يهدد تحالف «حزب الله» - «الوطني الحر»

العماد جوزيف عون
العماد جوزيف عون
TT

التمديد لقائد الجيش اللبناني يهدد تحالف «حزب الله» - «الوطني الحر»

العماد جوزيف عون
العماد جوزيف عون

لم تشهد العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» عدم استقرار كالذي تشهده منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية السابق ميشال عون، في أكتوبر (تشرين الأول) 2022؛ استحقاقات كثيرة خلال عام افترق خلالها الطرفان اللذان يُفترض أنه يجمعهما تفاهم سياسي متين منذ عام 2006، وآخرها استحقاق التصدي للشغور في قيادة الجيش، مع اقتراب موعد إحالة القائد الحالي، العماد جوزيف عون، إلى التقاعد.

فبعد أشهر من الصمت المطبق في مقاربة هذا الملف من قبل الحزب مقابل إعلان واضح وصريح من «التيار» برفض تمديد ولاية عون، يبدو واضحاً أن «حزب الله» يتجه لتغطية تأجيل التسريح الذي تؤيده معظم القوى السياسية الأخرى، والذي يُفترض أن يحصل خلال جلسة تشريعية تُعقد هذا الأسبوع؛ ما من شأنه أن يزيد الهوة بينه وبين «التيار» الذي صعّد كثيراً بوجه القائد الحالي في الآونة الأخيرة، علماً بأن الرئيس السابق ميشال عون هو الذي كان قد اقترح اسمه للقيادة، وساهم بإيصاله إلى اليرزة (مقر وزارة الدفاع اللبنانية).

إلا أن الخلافات المتمادية بين عون وباسيل أدَّت لتردي العلاقة بين الطرفين وصولاً لانقطاعها، وتحولهما عدوين لدودين، خصوصاً مع شغور سدة رئاسة الجمهورية وعدّ باسيل عون منافساً رئيسياً له لتولي سدة الرئاسة.

وتعدّ مصادر قريبة من الحزب أن «الخلاف الأساسي اليوم هو بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يؤيد التمديد لعون، والنائب جبران باسيل الذي يرفضه تماماً. ونحن حاولنا الوصول إلى حل يرضي الجميع؛ سواء كان بالتعيين أو التمديد، إلا أن ذلك متعذَّر حتى الساعة»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «مع ضيق المُهَل واقتراب موعد انتهاء ولاية العماد عون، يبقى تأجيل التسريح عبر المجلس النيابي الخيار الأخير للتصدي لشغور في قيادة الجيش نرفضه وترفضه كل القوى السياسية تماماً».

ويبدو أن الحوار والنقاش بين «التيار» والحزب في هذا الملف متوقّف؛ إذ يقول النائب في «تكتل لبنان القوي» جيمي جبور أن «موقف التيار من التمديد معلَن وواضح؛ بالرفض، ولا حاجة للحوار مع الأطراف السياسية المختلفة إلا في إطار إيجاد المخارج لعدم إيقاع قيادة الجيش في أي فراغ. ونحن سبق أن أعلنّا عن وجود حلول عديدة غير مخالفة للقوانين وتجاوز حد السلطة في فرض تمديد غير قانوني ولا يراعي مصلحة الجيش وضباطه وقيادته»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «بخصوص ما هو مطروح اليوم من عرض لاقتراحات قوانين متعلقة برفع سن التقاعد؛ فالأمر يعود بتُّه للمجلس النيابي في حال عرضه على جلسة عامة، وهذا لا يغير بموقفنا شيئاً، ما دمنا ملتزمين بعدم التشريع لمصلحة أشخاص محددين سلفاً».

من لقاء سابق بين النائب جبران باسيل ومسؤولين في «حزب الله» (مواقع التواصل)

وعن سبب تعاطي التيار مع معركة عدم التمديد بوصفها معركة وجودية، يوضح جبور أن «المسألة ليست معركة حياة أو موت، إنما هي موقف ومحطة عادية، وليست المرة الأولى والوحيدة التي نتباين فيها مع (حزب الله)، إنما سبقها، وقد يلحق بها، تباينات عديدة، حسب الرؤية والنظرة إلى الأمور، وللرأي العام الحكم لاحقاً على مواقف جميع القوى السياسية سلباً أم إيجاباً».

وتشير مصادر «الوطني الحر» إلى أنه «لو أراد الحزب حقيقة عدم التمديد؛ فهو قادر على عدم تأمين نصاب الجلسة التشريعية»، مشيرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «سيره بالتمديد أمر متوقَّع من قِبَلنا، وأصلاً لم نعد نتكل على الحزب، وباتت العلاقة معه بإطار تقاطع المصالح».

واتهم باسيل قائد الجيش قبل فترة بأنه «يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوة صلاحيات وزير الدفاع، ويتصرف على هواه بالملايين بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش». ويأخذ عليه أيضاً أداءه خلال «انتفاضة 17 تشرين» عام 2019، كما اتهمه بالتراخي والتلكؤ في فتح الطرقات، وحمَّله مسؤولية توسيع رقعة الاحتجاجات وإطالة أمدها، مما أدى إلى التضييق على العهد وإضعافه.

كذلك يتهم العونيون قائد المؤسسة العسكرية بخضوعه لضغوط غربية للتشدد بمكافحة عمليات التهريب التي تحصل انطلاقاً من الشواطئ اللبنانية إلى أوروبا، مقابل التراخي بضبط الحدود البرية سامحاً لآلاف النازحين السوريين بالانتقال من سوريا إلى لبنان، إلا أن مؤيدين وقريبين من العماد عون يضعون كل هذه الاتهامات في خانة محاولة باسيل تصفية حسابات شخصية، والسعي لتقليص حظوظه الرئاسية.


«الشرق الأوسط» تستعرض خريطة الفصائل الفلسطينية المقاتلة في غزة

«كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة يوليو الماضي (أ.ف.ب)
«كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

«الشرق الأوسط» تستعرض خريطة الفصائل الفلسطينية المقاتلة في غزة

«كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة يوليو الماضي (أ.ف.ب)
«كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة يوليو الماضي (أ.ف.ب)

شكلت عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ضربة غير متوقعة لإسرائيل، بدا معها أن القيادة السياسية والجيش الإسرائيلي ومنظومة المخابرات والاستخبارات في فشل كبير، ليس فقط بسبب عامل المفاجأة التي صعقت «حماس» من خلاله إسرائيل، لكن أيضاً لأن القدرات العسكرية للكتائب السبع الأبرز على الأرض، خصوصاً «القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، بدت أكثر تطوراً مما عرفته أو تتوقعه إسرائيل. وتعد «كتائب القسام» القوة العسكرية الأبرز بين الأجنحة المسلحة في كل الأراضي الفلسطينية، وأكثرها عدةً وعتاداً، فيما يظهر مقاتلوها بأساً شديداً وتدريباً عالياً.

بالإضافة إلى أنه توجد فصائل أخرى مقاتلة وفاعلة في قطاع غزة تستعرض «الشرق الأوسط» أهمها.

«كتائب القسام» (مجد سابقاً)

تعد «كتائب القسام» أكبر قوة عسكرية حالياً في قطاع غزة، وفي كل الأراضي الفلسطينية. تأسست بداية عام 1988 باسم «مجد»، قبل أن يطلق عليها بعد أشهر قليلة اسمها الحالي، وبقي اسم «مجد» مرتبطاً بجهازها الأمني السري لملاحقة العملاء الذين يعملون لصالح المخابرات الإسرائيلية. وكان من أبرز مؤسسيه يحيى السنوار قائد حركة «حماس» حالياً في قطاع غزة والمطلوب الأول لإسرائيل بتهمة الوقوف خلف هجمات السابع من أكتوبر.

مرت «الكتائب» بالعديد من المراحل منذ نشأتها، وبدأت تبرز بشكل واضح عام 1994، مع تنفيذ محاولات اختطاف إسرائيليين ونجاحها في أول عملية أسر في الضفة الغربية للجندي نخشون فاكسمان، الذي قتلته القوات الإسرائيلية مع آسريه في عملية عسكرية قرب إحدى القرى بين رام الله والقدس.

«كتائب القسام» تشارك في عرض عسكري وسط قطاع غزة يوليو الماضي (أ.ف.ب)

اشتهرت «القسام» كثيراً مع تنفيذها عمليات تفجير داخل إسرائيل في بداية التسعينات، وتحول يحيى عياش أحد أبرز قادتها في الضفة إلى رمز للحركة بعد فشل إسرائيل في اغتياله أو اعتقاله، وكان يلقب بـ«المهندس»، حتى اغتيل في قطاع غزة بتفخيخ هاتف عام 1996.

استمرت العمليات التفجيرية التي تميزت بها «القسام» في الانتفاضة الثانية، ثم نفذت عملية أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006، ونجحت بالاحتفاظ به لأعوام طويلة، وأجبرت إسرائيل على عقد صفقة تبادل معها عام 2011، أفرجت بموجبها عن 1027 أسيراً.

فرضت «القسام» عام 2007 سيطرتها العسكرية على القطاع في أعقاب اشتباكات مع الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وحسمت معركتها مع السلطة في ساعات قليلة.

30 ألف مقاتل

جربت «القسام» إطلاق صواريخ بدائية على إسرائيل في كل سنوات الانتفاضة، وهي صواريخ كان يصفها مسؤولون فلسطينيون بأنها «عبثية»، لكنها فاجأت إسرائيل بداية عام 2009 بإطلاق صواريخ «غراد» تصل إلى نحو 50 كم.

في سنوات لاحقة، طورت «القسام» من قوتها وبنت مواقع عسكرية علنية، وعملت بتنظيم هرمي، وجندت الآلاف في صفوف مقاتليها، وسط تقديرات بأن لديها نحو 30 ألف مقاتل. تتوزع قواتها على «قوات النخبة» وكتائب تابعة للمناطق الجغرافية، وفيها وحدات خاصة للأنفاق والتصنيع العسكري والاستخبارات.

يحيى السنوار زعيم «حماس» في غزة وصورة تعود إلى أكتوبر 2022 (رويترز)

تمتلك «القسام» أنفاقاً دفاعية وهجومية أقلقت المنظومة العسكرية الإسرائيلية كثيراً، ونجحت في استخدامها بكثافة خلال حرب عام 2014 التي استمرت 51 يوماً، ونجحت بإخفاء جنديين إسرائيليين أسرتهما من حي التفاح شرق مدينة غزة، ورفح جنوب القطاع، وما زال مصيرهما حتى الآن مجهولاً.

قصفت مدينة تل أبيب بصاروخ «فجر» إيراني الصنع لأول مرة عام 2012، في رد على اغتيال القيادي البارز فيها أحمد الجعبري. ثم طورت طائرات بدون طيار، وعشرات الصواريخ التي فاجأت إسرائيل في جولات ومعارك وحروب أخرى كما جرى في حرب 2014، ومعركة 2021 «سيف القدس» التي بدأت بقصف مدينة القدس بعدة صواريخ، وكذلك في الحرب الحالية.

أبرز قادتها الذين قتلتهم إسرائيل هم يحيى عياش وعماد عقل وصلاح شحادة وفوزي أبو القرع وأحمد الجعبري ورائد العطار وأحمد الغندور، بينما نجا محمد الضيف قائد «القسام» العام والرقم 1 المطلوب منذ أكثر من 30 عاماً، من سلسلة محاولات اغتيالات فاشلة.

شباب فلسطينيون في رام الله يرمون الحجارة على دوريات الجنود الإسرائيليين في ذكرى الانتفاضة الثانية سبتمبر 2002 (غيتي)

«سرايا القدس» (القوة رقم 2)

تعد «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، القوة الثانية عسكرياً في الأراضي الفلسطينية، وتم تأسيسها مع بداية انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت نهاية عام 2000.

عملت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات باسم «قسم»، ونفذت في تلك الحقبة سلسلة هجمات في المدن الإسرائيلية والضفة وغزة، كما نفذت هجمات مماثلة خلال الانتفاضة الثانية.

ترتبط «سرايا القدس» بإيران و«حزب الله» أكثر من غيرها من الأجنحة المسلحة الأخرى، وتدرب المئات من قياداتها وكوادرها في إيران وسوريا، الذين عادوا لقطاع غزة، وقاموا بتصنيع صواريخ وطائرات بدون طيار، لكنها أقل درجة من حيث التأثير وتحسين قدراتها، مقارنة بما تمتلكه «كتائب القسام».

مناورة عسكرية هجومية بالذخيرة الحيّة لـ«سرايا القدس» الذراع العسكرية لـ«الجهاد الإسلامي» في غزة (أرشيفية - حساب الحركة)

يبلغ عدد مقاتلي «سرايا القدس»، وفق تقديرات تقريبية، نحو 11 ألف مقاتل، ويمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وآلاف الصواريخ متوسطة المدى، والعشرات من الصواريخ البعيدة التي تصل إلى تل أبيب والقدس. لكن كما ظهر في العديد من الحروب والجولات التصعيدية، لا تملك صواريخ بحجم أو تأثير «القسام»، كما أنها لا تمتلك منظومة أنفاق كبيرة كما «القسام».

وبالرغم من كل ذلك، شكلت لسنوات تحدياً واضحاً للمنظومة الإسرائيلية، خصوصاً في جولات التصعيد التي وقعت بغزة خلال السنوات الخمس الماضية، وكانت «حماس» تمتنع عن المشاركة فيها.

على مدار سنوات، اغتالت إسرائيل العديد من قيادات «سرايا القدس» في قطاع غزة والضفة الغربية، من أبرزهم مقلد حميد وبشير الدبش وعزيز الشامي وخالد الدحدوح وماجد الحرازين وبهاء أبو العطا وخالد منصور، وغيرهم الكثير من غزة والضفة.

برزت الحركة في العامين الأخيرين، في الضفة، من خلال «كتيبة جنين»، أحد أهم التشكيلات العسكرية البارزة شمال الضفة الغربية التي تقودها «سرايا القدس»، ونفذت سلسلة هجمات مسلحة، فيما اغتيل العديد من قياداتها آخرهم منذ أيام محمد الزبيدي.

«ألوية الناصر»

«ألوية الناصر صلاح الدين»، هي الجناح المسلح للجان المقاومة الشعبية في فلسطين. أسسها جمال أبو سمهدانة الذي اغتيل عام 2006، مع بدايات انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000.

تعد حالياً القوة الثالثة نسبياً، وتضم نحو 5 آلاف مقاتل، وتمتلك العشرات من الصواريخ وقذائف الهاون.

ألوية الناصر صلاح الدين في الضفة الغربية (حساب الحركة)

كانت أولى عملياتها نهاية عام 2000، بتفجير عدة عبوات ناسفة كبيرة بدبابة إسرائيلية ما أدى لتدمير أجزاء كبيرة منها، عند مفترق نتساريم، ومقتل جنديين إسرائيليين في حينها.

تلقت دعماً من «حزب الله» اللبناني وحركة «الجهاد الإسلامي»، وخلال سنوات الانتفاضة الثانية شاركت بسلسلة عمليات اقتحام لمستوطنات بغزة قبيل الانسحاب، بمشاركة فصائل أخرى، وقتل عناصرها العديد من الإسرائيليين. اغتالت إسرائيل العديد من قادتها، بينهم كمال النيرب وزهير القيسي وهم من خلفوا أبو سمهدانة في قيادة اللجان.

«كتائب شهداء الأقصى»

تعد «كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لحركة «فتح»، القوة الرابعة بعد أن كانت في بدايات «انتفاضة الأقصى» القوة الأولى عسكرياً، ونفذت حينها سلسلة هجمات كبيرة ضد الإسرائيليين، بما في ذلك هجمات داخل عمق المدن الإسرائيلية.

كانت تسمى سابقاً بعدة أسماء منها «العاصفة»، وخاضت عمليات كثيرة على مدار عصور من النضال الفلسطيني داخل وخارج فلسطين.

تضم «الكتائب» حالياً، بمختلف تشكيلاتها العسكرية، نحو 2000 مقاتل يمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وعشرات الصواريخ محلية الصنع، التي تصل فقط لنحو 16 كم من حدود غزة.

مشيعون يحملون جثمان قائد «كتائب شهداء الأقصى» إبراهيم النابلسي في نابلس بالضفة أغسطس 2022 (أ.ف.ب)

وخلال سنوات الانتفاضة الثانية التي تأسست مع بداياتها، نفذت «الكتائب» سلسلة عمليات إطلاق نار متفرقة بالضفة وغزة. اغتالت إسرائيل العديد من قياداتها، إلا أنه مع مرور السنوات تراجع حضورها كثيراً في المشهد الفلسطيني، بعد أن أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2007 حلها رسمياً، وتفريغ عناصرها في الأجهزة الأمنية.

عاد بعض رجالها للظهور مؤخراً في جنين ونابلس واغتيل بعضهم.

«كتائب أبو علي مصطفى»

هي الجناح العسكري لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، أسست بهذا الاسم بعد اغتيال أمين عام الجبهة، أبو علي مصطفى عام 2001، في مكتبه برام الله، إثر قصف من طائرة مروحية.

تعد القوة الخامسة حالياً، وتضم مئات المقاتلين بغزة والضفة، وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ محلية الصنع.

نفذت سلسلة هجمات، أبرزها الرد على اغتيال أمينها العام، باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق، رحعبام زئيفي، عام 2001 في أحد فنادق غرب القدس.

الأمن الإسرائيلي ينقل أحمد السعدات قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واثنين من رفاقه من سجن ريمون مايو الماضي (حساب الجبهة)

اعتقل أمينها العام الحالي أحمد سعدات برفقة قيادات من «الكتائب» بتهمة التخطيط والمشاركة بالعملية في عام 2002 لدى أجهزة الأمن الفلسطينية، ونقلوا لسجن أريحا المركزي، قبل أن تقتحمه القوات الإسرائيلية عام 2006، وتعتقلهم وتصدر بحقهم أحكاماً بالمؤبد. للحركة مئات من المقاتلين.

«كتائب المقاومة الوطنية»

هي الجناح العسكري لـ«الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، وعملت بأسماء مختلفة قبل انتفاضة الأقصى، قبل أن تعمل بهذا الاسم.

تضم مئات المقاتلين في صفوفها، وتعد القوة السادسة، وتمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ محلية الصنع.

نفذت سلسلة هجمات خلال سنوات طويلة من النضال الفلسطيني وانتفاضة الأقصى الثانية، وقتلت العديد من الإسرائيليين، كم قتل العديد من قادتها وكوادرها.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قادة القوات الإسرائيلية في قطاع غزة في اليوم الثالث من هدنة مع حماس 26 نوفمبر (د.ب.أ)

«كتائب المجاهدين»

هي مجموعة عسكرية منبثقة عن تشكيلات حركة «فتح»، قبل أن تعلن انفصالها التام عنها، وتتلقى تمويلاً من «حزب الله» اللبناني وحركة «الجهاد الإسلامي».

تضم المئات من المقاتلين، كما أنها تمتلك أسلحة خفيفة ومتوسطة وصواريخ تصل إلى عسقلان وسديروت وغيرها.

نفذت منذ بداية الانتفاضة الثانية، سلسلة هجمات وقتلت إسرائيل بعض قادتها.


السوداني ينجح في تحييد قواعد الاشتباك بين واشنطن والفصائل العراقية المسلحة

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
TT

السوداني ينجح في تحييد قواعد الاشتباك بين واشنطن والفصائل العراقية المسلحة

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رويترز)

حسم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني العلاقة الملتبسة بين الحكومات العراقية المتعاقبة وبين الفصائل المسلحة التي ترتبط بعضها بعلاقات تحالفية مع إيران. فالوصف الذي أطلقه على عمليات القصف بالصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت المواقع التي يوجد فيها الأميركان وفي مقدمتها السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء بـ«الأعمال الإرهابية» وضع حدا حاسما لهذا الالتباس.

فعلى عهد كل الحكومات السابقة كانت قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة الأميركية والفصائل المسلحة يستند على فكرة الرفض الكامل من قبل هذه الفصائل للوجود الأميركي في العراق بوصفه احتلالا رغم توقيع (اتفاقية الإطار الاستراتيجي) بين بغداد وواشنطن عام 2008 تنظم العلاقة بين الطرفين.

جنود أميركيون يتحلقون حول قذيفة صاروخية قرب قاعدة عسكرية غرب العراق (أرشيفية - رويترز)

وبينما كانت تتحدد العلاقة بين الطرفين في سياق العلاقة الكلية بين الولايات المتحدة وإيران، حيث أصبحت الأرض العراقية ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين، لكنها كانت محكومة بقواعد اشتباك تحددها قرب تلك الفصائل مع الحكومة ورئيس الوزراء تحديدا أو بعدها عنه.

وحتى حين أقدمت واشنطن على ما عدته كل الأطراف والجهات سواء كانت داخلية أم خارجية أقوى ضربة للنفوذ الإيراني في العراق حين قامت باغتيال قائد فيلق القدس في «الحرس الثوري الإيراني» قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد أوائل عام 2020 على أواخر عهد رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي فإن قواعد الاشتباك بقيت ملتبسة. بل زادت التباسا بعد تسلم مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، حيث بدأت حرب مفتوحة بين أميركا وكثير من تلك الفصائل المسلحة من جهة وبينها وبين الكاظمي نفسه من جهة أخرى بلغت حد استهدافه شخصيا حين قامت بقصف منزله داخل المنطقة الخضراء، الأمر الذي أدى إلى إصابته بجروح مثلما أظهرته صورة شهيرة عندما ظهر في إحدى اللقطات وهو «مشدود» اليد بضمادة دلالة على جرحه جراء القصف.

ومع كل تلك الحرب المفتوحة بينه وبين الفصائل المسلحة والتي بلغت حد التظاهر ضده داخل المنطقة الخضراء دون أن تواجهها القوات الماسكة للأرض في المنطقة وهي فرقة عسكرية خاصة تأتمر بأمر رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، لكنه لم يجرؤ على إطلاق عبارة «الأعمال الإرهابية» على ما تقوم به من عمليات، حيث كانت السفارة الأميركية هدفا مفتوحا لهجمات شبه يومية بالصواريخ والمدفعية.

من الإطار وإليه

بعد فشل التحالف الثلاثي الذي شكله زعيم التيار الصدري «إنقاذ وطن» في تشكيل حكومة لا شرقية ولا غربية مثلما أطلق عليها أكسب قوى الإطار التنسيقي الشيعي قوة إضافية جعلها تنجح في الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني.

فبعد ظهور نتائج انتخابات 2021 وفوز التيار الصدري بالمرتبة الأولى (73 مقعدا)، قرر الصدر تشكيل حكومة أغلبية وطنية عبر تحالفه مع حزب «التقدم» السني بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي والحزب «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني.

لكن الثلث المعطل الذي نجحت قوى الإطار التنسيقي التي تضم خصوم الصدر من القوى الشيعية (ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وبدر بزعامة هادي العامري، والعصائب بزعامة قيس الخزعلي، والنصر بزعامة حيدر العبادي، والحكمة بزعامة عمار الحكيم وغيره) في تشكيله عبر التحالف مع السنة والكرد الذين بقوا خارج التحالف الثلاثي حال دون تحقيق طموح الصدر.

جراء ذلك وبعد انسحاب الصدر من البرلمان والعملية السياسية تشكلت حكومة السوداني بوصفه مرشح الإطار التنسيقي، والتي جرى دعمها من قبل ائتلاف برلماني كبير هو ائتلاف إدارة الدولة.

ومع أن العلاقة استمرت طبيعية بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني والفصائل المسلحة من منطلق أنها قريبة من الحكومة وهو ما أدى إلى حصول هدنة طويلة استمرت سنة تقريبا فإن حرب غزة أحدثت فرزا في المواقف والتوجهات تم خلاله خرق الهدنة لأكثر من مرة من قبل بعض تلك الفصائل.

السوداني بوصفه رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة حاول فرض مساحة للمناورة بين موقف الحكومة العراقية الذي بدا قويا من حرب غزة لجهة باتجاه دعم «حركة حماس» وبين ما قامت به الفصائل من عمليات مسلحة هنا وهناك. وكانت أول سمات فرض تلك المساحة أن كثيراً من الفصائل المسلحة التي أسهمت في تشكيل الحكومة والتي لديها تمثيل برلماني وحكومي، وأبرزها «بدر» بزعامة هادي العامري، و«العصائب» بزعامة قيس الخزعلي بقي موقفها مؤيداً ومنسجماً مع موقف الحكومة وإجراءات السوداني.

«الصاروخ» الذي قصم ظهر البعير

وبينما اختلف موقف الفصائل الأخرى وفي المقدمة منها «النجباء» و«كتائب حزب الله العراقي» التي استمرت في قصف القواعد التي يوجد فيها الأميركان في قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق، و«حرير» في أربيل بإقليم كردستان، فإن الصاروخ الذي قصم ظهر العلاقة بين السوداني والفصائل المسلحة التي لم تلتزم بموقف الحكومة هو القصف الذي طال السفارة الأميركية. فالموقف هنا اختلف والإجراءات اللاحقة له.

جندي أميركي يقف في قاعدة عسكرية تؤوي قوات أميركية في العراق (أرشيفية - رويترز)

واشنطن عبرت عن غضبها حيال ذلك، علما أن بغداد كانت تقول لها دائما إن حماية البعثات الدبلوماسية من مسؤوليتها.

وفيما بدا أن هناك خلافا واضحا وربما يبدو حادا بين بغداد وواشنطن، فإن إطلاق السوداني في بيان رسمي وصف «الأعمال الإرهابية» على ما قامت به الفصائل غيّر قواعد الاشتباك تماما، وأدى إلى حصول خلاف آخر بين تلك الفصائل حين أعلن فصيل «الوعد الصادق» رفضه استهداف البعثات الدبلوماسية.

وبهذا الموقف تكون شقة الخلاف داخل تلك الفصائل اتسعت لا سيما أن السوداني حصل على تأييد داخلي واسع النطاق، فضلا عن رضا خارجي تمثل في موقف مغاير عبرت عنه الحكومة الأميركية حين أيدت تلك الإجراءات التي قام بها السوداني ونجح في فرضها برغم استمرار الخلافات.