لبنان يطلب من ألمانيا تزويده بملف رياض سلامة القضائي

حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة (أ.ب)
حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة (أ.ب)
TT

لبنان يطلب من ألمانيا تزويده بملف رياض سلامة القضائي

حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة (أ.ب)
حاكم المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة (أ.ب)

استجوب القضاء اللبناني اليوم (الأربعاء)، حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بناء على مذكرة التوقيف الصادرة بحقه في مدينة ميونيخ الألمانية بجرائم عدة بينها تبييض أموال واختلاس، وفق ما أفاد مسؤول قضائي وكالة الصحافة الفرنسية.

وتحقّق دول أوروبية عدة في ثروة سلامة ويشتبه المحققون في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي معقّد، فضلاً عن إساءة استخدامه أموالاً عامة لبنانية على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وقال المسؤول القضائي إن سلامة «خضع لجلسة تحقيق أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، الذي استجوبه في مضمون النشرة الحمراء التي عمّمها الإنتربول، بناء على مذكرة توقيف غيابية أصدرتها المدعية العامة في ميونيخ بجرائم تبييض أموال واحتيال واختلاس وإثراء غير مشروع».

وفق المصدر ذاته، قرّر قبلان في نهاية الجلسة «ترك سلامة رهن التحقيق ومنعه من السفر، بعد التثبّت من أنه لا يحوز أي جواز سفر غير الجوازين اللبناني والفرنسي اللذين تم حجزهما» الأسبوع الماضي بعد الاستماع إليه، بناء على مذكرة توقيف أصدرتها قاضية فرنسية بحقّه.

وأضاف المصدر: «طلب قبلان من القضاء الألماني، في كتاب وجّهه عبر الأمانة العامة للإنتربول وتضمّن محضر جلسة الاستجواب، تزويده بكامل ملفّ سلامة للاطلاع عليه واتخاذ المقتضى القانوني بشأنه».

وكان قبلان وجّه الطلب ذاته الأربعاء إلى القاضية الفرنسية أود بوريزي، بعد الاستماع إلى سلامة بناء على مذكرة توقيف فرنسية بالتهم ذاتها، صدرت إثر تمنعه عن المثول في باريس.
 

ولا تبيح القوانين اللبنانية تسليم المواطنين إلى دولة أجنبية لمحاكمتهم.

وكرّر سلامة خلال جلسة الاستجواب، التي استمرت لأكثر من ساعة، نفي كل الاتهامات الموجهة إليه. وأعاد التأكيد على أن «مصدر ثروته من أعماله الخاصة، وأنه لم يستفد من أي مبلغ من البنك المركزي خارج راتبه الشهري».

ولم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات اللبنانية إزاء مذكرتي التوقيف، لكن وزراء ونواباً طالبوا في تصريحات بتنحيه، علماً أن ولايته تنتهي في يوليو (تموز) المقبل.

وتركّز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة «فوري أسوشييتس» المسجّلة في الجزر العذراء، ولها مكتب في بيروت والمستفيد الاقتصادي منها شقيق الحاكم رجا سلامة. ويُعتقد أن الشركة أدت دور الوسيط لشراء سندات خزينة ويوروبوند من مصرف لبنان عبر تلقّي عمولة اكتتاب، تمّ تحويلها إلى حسابات شقيق الحاكم في الخارج.

وجمّدت فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ قبل عام 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه، بينهم شقيقه، بتهم غسل أموال و«اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021».
 

حقائق

120 مليون يورو

قيمة الأصول التي جمدتها فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه.

وكان من المقرر أن يمثل رجا سلامة الأربعاء أمام بوريزي في باريس. لكن محاميه قدّم، وفق المصدر، معذرة طبية تفيد بأنه يعاني من مشاكل في القلب ويحتاج عملية قسطرة تتطلب دخوله المستشفى وتحول دون ركوبه الطائرة. وقبلت بوريزي المذكرة وأرجأت استجوابه شهرين، وفق المصدر ذاته.

وكانت بوريزي استدعت مساعدة حاكم المصرف المركزي ماريان الحويك للمثول أمامها في 13 يونيو (حزيران) في الملف ذاته الذي يلاحق به سلامة.



حزب «البعث» السوري يتداعى

بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
TT

حزب «البعث» السوري يتداعى

بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)
بشار الأسد (الثاني يمين) في الجلسة الختامية لمؤتمر «حزب البعث» الحاكم في دمشق 20 يونيو 2000 (سانا - أ.ب)

بعد أيام قلائل من إطاحة «هيئة تحرير الشام» في سوريا بالرئيس بشار الأسد، أعلن «حزب البعث» الحاكم تجميد أنشطته، ما يمثل تغييراً صادماً في حظوظ الجماعة السياسية، التي حكمت لأكثر من 6 عقود، حسب تقرير وكالة «أسوشييتد برس».

ولجأ الكثيرون من أعضاء قيادة الحزب إلى الاختباء، بينما فر البعض الآخر إلى خارج البلاد. وفي خطوة رمزية، حوّل حكام سوريا الجدد المقر السابق للحزب في العاصمة دمشق، إلى مركز يصطف داخله أعضاء سابقون بالجيش وقوات الأمن، لتسجيل أسمائهم وتسليم أسلحتهم، فيما يعرف بـ«مراكز المصالحة والتسوية».

في الوقت ذاته، تتصاعد الدعوات لحل «حزب البعث العربي الاشتراكي»، الذي حكم سوريا رسمياً منذ عام 1963. ويرى الكثير من السوريين - بما في ذلك أعضاء سابقون بالحزب - أن حكمه أضر بالعلاقات مع الدول العربية الأخرى، وساعد في تفشي الفساد الذي أدى إلى انهيار الدولة التي مزقتها الحرب.

من بين هؤلاء، محمد حسين علي، 64 عاماً، الذي عمل في شركة نفط حكومية، وكان عضواً في الحزب لعقود حتى استقال في بداية الانتفاضة السورية المناهضة للحكومة عام 2011، التي تحولت إلى حرب أهلية. وقال: «لا ينبغي حل الحزب فحسب، بل يجب أيضاً أن يذهب إلى الجحيم».

يذكر أن علي لم يغادر البلاد قط، وقد أكد أنه سعيد بانتهاء حكم «البعث».

هويات معتقلين في فرع أمني بدمشق بعد سقوط الأسد (أ.ف.ب)

من جهته، قال مسؤول في «هيئة تحرير الشام»، التي قادت أطاحت بالأسد، إنه لم يجر بعد اتخاذ قرار رسمي بشأن ما يجب فعله مع «حزب البعث».

وأشار المسؤول، الذي اشترط عدم كشف هويته، لأنه غير مخول له بالتحدث عن الأمر، إلى أن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، قال إن المسؤولين الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوري على مدى العقود الماضية، سيمثلون أمام العدالة. وألمح إلى أن هذا يشمل أعضاء «حزب البعث».

أكبر تمثال لحافظ الأسد كما بدا أمس بعد نحو 3 أسابيع من إسقاطه في بلدة ديرعطية شمال دمشق (أ.ف.ب)

يذكر أن الحزب، الذي كان هدفه توحيد الدول العربية في أمة واحدة، تأسس على يدي اثنين من القوميين العرب السوريين، ميشيل عفلق وصلاح الدين بيطار، عام 1947. وفي فترة ما، حكم الحزب بلدين عربيين، العراق وسوريا.

واشتعلت حالة من التنافس بين الفرع السوري تحت حكم الأسد ووالده الراحل حافظ، والفرع العراقي تحت حكم صدام حسين، الذي أطاح به الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وأصبح «حزب البعث» داخل سوريا، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً للغاية بعائلة الأسد التي تولت السلطة منذ عام 1970. وعلى امتداد عقود، استغلت العائلة الحاكمة الحزب وآيديولوجيته القومية العربية للسيطرة على البلاد.

وشغل الكثيرون من أبناء الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها آل الأسد، وظائف عسكرية عليا، وجرى استغلال عضوية الحزب كغطاء لمنحه طابعاً وطنياً، بدلاً من الطابع الطائفي.

عناصر من أجهزة الجيش والشرطة والأمن قدموا لتسوية أوضاعهم في مركز المزة بدمشق (الشرق الأوسط)

من جهته، قال عبد الرحمن علي، جندي سابق، ظل عضواً في «حزب البعث» لعقود، وحرص على القدوم إلى مقر الحزب لقطع علاقاته العسكرية به، إنه لم يكن لديه أي فكرة عن تأسيس الحزب على يد عفلق وبيطار، وذكر أنه «لطالما اعتقد أن حافظ الأسد هو المؤسس».

أضاف علي، (43 عاماً): «أشعر بالسعادة. لقد تحررنا من الخوف. حتى الجدران كانت لها آذان. لم نجرؤ على التعبير عن آرائنا مع أي شخص»، في إشارة إلى أجهزة الأمن والاستخبارات المخيفة، التي اعتقلت وعذبت الأشخاص الذين عبروا عن انتقادهم للأسد أو المسؤولين الحكوميين.

منظمة «طلائع البعث» في سوريا فرضت تجديد الولاء اليومي للحزب وقائده قبل بدء ساعات الدراسة (متداولة)

جدير بالذكر أن الكثير من السوريين كانوا ملزمين بالانضمام إلى «طلائع البعث» و«شبيبة الثورة»، الفرعان الخاصان بالأطفال والشباب بالحزب، أثناء وجودهم في المدرسة الابتدائية، وذلك بغرض التأكيد على الآيديولوجية القومية العربية والاشتراكية.

وكان من الصعب على الأشخاص الذين لم يكونوا أعضاء بالحزب، الحصول على وظائف حكومية أو الانضمام إلى الجيش أو أجهزة الأمن والاستخبارات.

صورة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على غلاف تقرير فوق مكتب بمقر «حزب البعث» حيث ينتظر جنود سابقون تسجيل أسمائهم في «عملية المصالحة» في دمشق الاثنين (أ.ب)

عام 2012، بعد عام من اندلاع الانتفاضة السورية، جرى إلغاء فقرة من الدستور تنص على أن «حزب البعث» زعيم الأمة والمجتمع، في خطوة سعت إلى تهدئة مطالب الجمهور بالإصلاح السياسي. إلا أنه على صعيد الممارسة العملية، ظل الحزب مسيطراً، حيث شغل أعضاؤه مقاعد الأغلبية في البرلمان والحكومة.

عناصر من أجهزة الجيش والشرطة والأمن قدموا لتسوية أوضاعهم في مركز المزة بدمشق الثلاثاء (الشرق الأوسط)

جندي سابق آخر، لم يذكر سوى اسمه الأول، غدير، خوفاً من تعرضه للانتقام باعتباره من أبناء الطائفة العلوية، قال إنه جاء من عائلة فقيرة، وانضم إلى الحزب حتى يتمكن من دخول الجيش للحصول على دخل ثابت. وقال: «لا يمكنك الحصول على أي وظيفة إذا لم تكن بعثياً».

وفي حين أن قِلة من الناس يتباكون على سقوط الحزب في سوريا، فإن البعض يخشون أن الأغلبية السنية التي تسيطر الآن على البلاد، قد تشن حملة تطهير مماثلة لتلك التي حصلت في العراق بعد سقوط صدام حسين.

وقد جرى تشكيل لجنة لاجتثاث «حزب البعث» في العراق، وكانت مهمتها الرئيسة التخلص من الموالين لصدام داخل أروقة الحكومة والمؤسسات العسكرية. واعتبرت الأقلية السنية أن هذا الأمر وسيلة لتصفية الحسابات الطائفية من قبل الأغلبية الشيعية في البلاد. وأسهم الاستياء السني والحرمان من الحقوق الذي أعقب ذلك، في صعود جماعات متطرفة في البلاد، بما في ذلك تنظيما «القاعدة» و«داعش» في العراق.

طابور أمام مركز المزة للمصالحة والتسويات أمس (الشرق الأوسط)

في سوريا، دعا بيان لـ«حزب البعث»، صدر بعد 3 أيام من سقوط الأسد، جميع الأعضاء إلى تسليم أسلحتهم وسياراتهم العامة للسلطات الجديدة.

وفي 24 ديسمبر (كانون الأول)، كان عضو الحزب والعقيد السابق في الجيش، محمد مرعي، من بين مئات الأشخاص الذين اصطفوا في المقر السابق للحزب وسلموا الأسلحة.

وقال مرعي إنه ينبغي منح الحزب فرصة أخرى؛ لأن مبادئه جيدة، لكن أسيء استغلالها على مدى عقود. ومع ذلك، أوضح أنه ربما يرغب في الانضمام إلى حزب آخر، إذا أصبحت سوريا ديمقراطية متعددة الأحزاب في المستقبل.

وقد سلم مسدسه سوفياتي الصنع «ماكاروف»، وتسلّم وثيقة تفيد بأنه يستطيع الآن التحرك بحرية في البلاد، بعد المصالحة مع السلطات الجديدة. وقال: «أريد أن أصبح مواطناً سورياً عادياً مرة أخرى، وأن أعمل على بناء سوريا جديدة».