حاكم «المركزي» اللبناني يتغيّب عن استجوابه في باريس

بعدما فشلت كل محاولات إبلاغه بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (أرشيفية - رويترز)
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (أرشيفية - رويترز)
TT

حاكم «المركزي» اللبناني يتغيّب عن استجوابه في باريس

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (أرشيفية - رويترز)
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (أرشيفية - رويترز)

بات محسوماً أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لن يمثل أمام القاضية الفرنسية أود بوريزي في باريس، لاستجوابه في الجلسة المقررة غداً (الثلاثاء)، حول شبهات تتعلق بـ«الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع»، بعدما فشلت كل محاولات إبلاغه بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي.

وأكد مصدر قضائي لبناني أن قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا «تسلّم في الساعات الماضية جواب القوى الأمنية الذي يفيد بأنه تعذّر تبليغ سلامة مذكرة استدعائه إلى فرنسا، لعدم العثور عليه». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن «دورية أمنية تابعة لفصيلة ميناء الحصن في قوى الأمن الداخلي حاولت تبليغ حاكم (المركزي) 4 مرات متتالية، لكنها أخفقت في تنفيذ مهمتها»، مشيراً إلى أنه «في يوم الثامن من مايو (أيار) انتقلت الدورية إلى مقر مصرف لبنان، والتقت مسؤول الأمن عن المصرف (محمد. ب)، الذي أفاد بأن الحاكم ليس موجوداً ولا من ينوب عنه، ثم عادت في اليوم التالي، وتبلّغت أيضاً بأن سلامة لم يحضر لأسباب أمنية بسبب المظاهرة التي ينفذها المودعون أمام مقر المصرف في الحمرا. وفي المرة الثالثة، حضرت الدورية وتلقت جواباً من مسؤولي الأمن يفيد بأن سلامة يعقد اجتماع عمل خارج مبنى البنك المركزي، وفي المرة الرابعة في 12 مايو الحالي تلقت الدورية جواباً بأن سلامة كان موجوداً وغادر قبل ساعات لارتباطه بموعد خارج مكتبه». وخلص كتاب قوى الأمن إلى أنه «تعذّر تبليغ الحاكم لعدم العثور عليه».

وتترقب الأوساط القضائية والقانونية كيفية تعامل القاضية الفرنسية مع إخفاق القضاء اللبناني بتنفيذ استنابتها. وأشار المصدر القضائي إلى أن بوريزي «باتت أمام خيارين؛ الأول إرسال استنابة جديدة لتبليغ سلامة وهذا احتمال ضعيف، والآخر اعتباره ممتنعاً عن التبليغ ورافضاً للمثول أمامها، وعندها قد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات متعددة منها الادعاء عليه وإصدار لائحة اتهام، وقد يصل الأمر إلى إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقّه تعمم عبر الإنتربول الدولي». وشدد على أن بوريزي «لديها ما يكفي من المعطيات التي قد تستند إليها؛ أولها تبادل المعلومات في مرحلة سابقة بينها وبين النيابة العامة التمييزية في لبنان، والثانية إفادة مروان خير الدين الذي خضع لاستجواب أمامها في باريس في الأسابيع الماضية، والثالثة الاستماع إليه من قبلها (بوريزي) في بيروت أواخر شهر مارس (آذار) الماضي، بالإضافة إلى إفادتي رجا سلامة وماريان الحويك».

 

دفوع شكلية

وفي خطوة تدلّ على رفض سلامة لكلّ الإجراءات القائمة في فرنسا وأمام القضاء الأوروبي، علمت «الشرق الأوسط»، من مصادر مطلعة، أن وكلاء الدفاع عن حاكم «المركزي» وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك «تقدّموا بدفوع شكلية أمام النيابة العامة التمييزية أحيلت إلى القاضي أبو سمرا، طلبوا فيها إرجاء المساعدة القضائية الأوروبية لكونها تتعارض مع التحقيقات الجارية في لبنان». ولفتوا إلى أن «التحقيقات الأوروبية المتعلقة بملف مصرف لبنان، لا تراعي مبدأ وأهداف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد». وشددت الدفوع وفق المعلومات على أن «الإجراءات التي تقوم بها بعض الدول الأوروبية، تشكل خرقاً صارخاً للسيادة اللبنانية، لا سيما وأن القضاء اللبناني وحده المخوّل بإجراء تحقيقات بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضيه، وذلك تفادياً لصدور قرارات متعارضة مع تحقيقات وملاحقات أو إجراءات قضائية جارية في لبنان، الأمر الذي يخالف حسن سير العدالة».

ولمّحت الدفوع إلى الضغوط التي مارستها القاضية الفرنسية على رياض سلامة خلال جلسة استماعه في بيروت، وسأل مقدمو الدفوع: «هل يحقّ للقاضي الناظر بالملفّ (بوريزي) أن يصدر أحكاماً مسبقة والإفصاح عن الإجراءات التي سيتخذها؟ وهل يعقل أن يهدد القاضي المذكور المستمع إليه (سلامة) بإصدار مذكرة توقيف في الملف العالق أمامه في فرنسا، ليعممها على الإنتربول ويمنعه من دخول فرنسا؟». ولاحظوا أن «التهديد وصل إلى قمته عندما صرح القاضي بأنه سيمنعه (سلامة) من زيارة أولاده في فرنسا».

وطلب مقدمو الدفوع «نقل جميع إجراءات الملاحقة بجميع الجرائم الأصيلة، وتركيزها في لبنان أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا». كما شددوا على ضرورة أن «يطلب أبو سمرا من القضاة الأوروبيين، تعليق تحقيقاتهم المتعلقة بالجرائم الأصلية المزعومة في ملف شركة (فوري) وغيرها بشكل نهائي».

 

 

 

وإذا كانت جلسة سلامة في باريس متعذرة للأسباب الواردة أعلاه، فإن جلسة التحقيق المقرر عقدها أمام القاضي أبو سمرا يوم الخميس، تستأثر باهتمام واسع أيضاً، ورجّحت مصادر متابعة لمسار الملفّ اللبناني «ألا يحضر سلامة شخصياً، وأن يقتصر الأمر على وكلائه، الذين سيتبلغون قرار قاضي التحقيق بالدفوع الشكلية المقدمة منهم، التي طلبوا بموجبها إخراج الهيئة القضائية في وزارة العدل من الملف، وإبطال ادعائها ضدّ سلامة ورفاقه». وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن المعطيات «ترجّح أن يردّ أبو سمرا الدفوع الشكلية، ويبقي هيئة القضايا ممثلة للدولة شريكاً في الادعاء».

 

تعديلات حاموش

ولفتت إلى أن «ما يدعم هذا التوجّه هو التعديلات التي أدخلها المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش على مطالعته، التي اعتبر فيها أن الكتاب الموجّه من وزير المال يوسف خليل إلى رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، وطلب فيه أن تستمر باتخاذ ما تراه مناسباً من أجل حفظ حقوق الدولة، يعدّ موافقة ضمنية من الوزير على ادعاء هيئة القضايا ضدّ سلامة وكل من يظهره التحقيق» علماً بأن حاموش طلب في مطالعة سابقة قبول الدفوع المقدمة من وكلاء سلامة لأن هيئة القضايا لم تستحصل على إذن مسبق من وزير المال اللبناني. ولا تستبعد المصادر أن «يسارع وكلاء سلامة إلى استئناف قرار القاضي أبو سمرا أمام الهيئة الاتهامية في بيروت، في حال رفض الدفوع وقرر السير بإجراءات التحقيق». وأوضحت أن «استئناف الدفوع يعني أن جلسة سلامة ستؤجّل أسابيع عدّة، قد تمتد إلى ما بعد انتهاء ولايته في حاكمية مصرف لبنان مطلع يوليو (تموز) المقبل».


مقالات ذات صلة

بري يستبعد تأثير التغيير السوري سلباً على لبنان

المشرق العربي لقاء رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل مع «اللقاء النيابي التشاوري المستقل»... (الكتائب)

بري يستبعد تأثير التغيير السوري سلباً على لبنان

استبعد رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري «تأثيرات سلبية» لما يحدث في سوريا على لبنان، ورأى أن «المستفيد الأول حتى الآن هو إسرائيل، والثاني هو تركيا».

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي البطريرك بشارة الراعي (رويترز)

البطريرك الماروني «واثق» بأنه سيكون للبنان رئيس في 9 يناير

أكد البطريرك الماروني بشارة الراعي «ثقته» بأنه سيكون للبنان رئيس في 9 يناير المقبل.

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي خلال مشاركته في أعمال اليوم الأول للمنتدى العشرين للأمن الإقليمي «حوار المنامة 2024» (واس)

السعودية: على المجتمع الدولي ترجمة الأقوال لأفعال وتَجسيد حل الدولتين واقعياً

شددت السعودية على دعوتها للمجتمع الدولي إلى ترجمة أقواله لأفعال، وتجسيد حل الدولتين على أرض الواقع، خلال «حوار المنامة» المنعقد بالبحرين.

«الشرق الأوسط» (المنامة)
المشرق العربي صورة وزعها الجيش اللبناني لانتشار وحداته في جنوب لبنان (مديرية التوجيه)

لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النار في جنوب لبنان تبدأ عملها 

تؤكد مصادر عسكرية لبنانية أن لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار بين إسرائيل و«حزب الله» بدأت فعلياً عملها على أن تعقد أول اجتماعاتها مطلع الأسبوع المقبل.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي اجتماع بين رئيس البرلمان نبيه بري وكتلة «الجمهورية القوية» النيابية العام الماضي (أرشيفية)

قنوات تواصل رئاسية بين بري و«القوات»

فتحت قنوات التواصل بين رئيس البرلمان نبيه بري وحزب «القوات اللبنانية»، الخصمين اللدودين، على نية «تقارب وجهات النظر الرئاسية» بينهما.

كارولين عاكوم (بيروت)

مستشار بايدن يزور الشرق الأوسط في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة

مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)
مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)
TT

مستشار بايدن يزور الشرق الأوسط في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة

مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)
مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)

قال مصدران لموقع «أكسيوس» إنه من المتوقع أن يسافر مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إلى إسرائيل ومصر وقطر، هذا الأسبوع، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار في غزة، قبل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب في غضون 6 أسابيع.

ووفقاً للموقع، كان الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاروه يعملون من كثب مع فريق ترمب في الأسابيع الأخيرة، للدفع نحو التوصل إلى اتفاق يريده كلا الرئيسين قبل انتهاء فترة بايدن وتولي ترمب منصبه.

دبابتان إسرائيليتان قرب السياج الحدودي مع غزة (أ.ف.ب)

وأضاف التقرير أن بايدن لا يتمتع بنفوذ كبير على القادة في المنطقة؛ لكن مطالبة ترمب العلنية بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى «حماس» في غزة، تضع ضغوطاً على «حماس» والوسطاء المصريين والقطريين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للتوصل إلى اتفاق.

وقال ترمب، الثلاثاء، في اجتماع مع جوديث رعنان -وهي أميركية من أصل إسرائيلي احتجزتها «حماس» رهينة خلال هجوم أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في غزة لمدة أسبوعين، قبل أن تطلق الجماعة المسلحة سراحها-: «نحن نعمل بجدية شديدة لاستعادة الرهائن، وكما تعلمون فإن العشرين من يناير (كانون الثاني) هو يوم كبير جداً».

ولا يزال مائة رهينة محتجزين في غزة، بما في ذلك 7 أميركيين. وتعتقد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن ما يقرب من نصف الرهائن ما زالوا على قيد الحياة.

فلسطينية تطعم طفلها وسط أنقاض مبانٍ بخان يونس في جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكر البيت الأبيض أن سوليفان سيسافر إلى المنطقة، الأربعاء، ويلتقي نتنياهو يوم الخميس. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، شون سافيت، في بيان لـ«أكسيوس» إن سوليفان سيلتقي بقادة إسرائيليين لمناقشة عدد من القضايا، بما في ذلك إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار في غزة، وأحدث التطورات في سوريا، وكذلك لبنان وإيران، ثم يخطط للسفر إلى القاهرة والدوحة، للقاء القادة المصريين والقطريين ومناقشة جهود الوساطة.

وقال مصدران إن سوليفان يخطط للضغط على الإسرائيليين والقطريين والمصريين للقيام بما يلزم لإبرام الصفقة في غضون أيام، والبدء في تنفيذها في أقرب وقت ممكن.

والتقى سوليفان يوم الثلاثاء للمرة الخامسة عشرة مع عائلات الرهائن الأميركيين المحتجزين في غزة، وأخبرهم أن إدارة بايدن تعمل مع ترمب وفريقه للإفراج عن جميع الرهائن، وقال: «هذا يظل أولوية بالغة الأهمية للرئيس بايدن»، وفقاً لبيان صادر عن العائلات.

كما زار مدير جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي رونين بار، ورئيس أركان الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي، القاهرة، يوم الثلاثاء، والتقيا برئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، وكبار المسؤولين العسكريين المصريين، وفقاً لمصدر، وكانت إحدى القضايا التي ناقشوها هي صفقة إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار.

وفي الأسبوع الماضي، قدمت إسرائيل لـ«حماس» اقتراحاً محدَّثاً لصفقة لإطلاق سراح بعض الرهائن المائة المتبقين الذين تحتجزهم «حماس» والبدء في وقف إطلاق النار في غزة، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين.

وقال المسؤولون الإسرائيليون إن الاقتراح المحدَّث لا يختلف بشكل كبير عن الاقتراح الذي تم التفاوض عليه في أغسطس (آب) لكنه لم يتحقق.

وأضافوا أن التركيز الآن منصب على محاولة تنفيذ المرحلة الأولى من تلك الصفقة بشكل أساسي، مع بعض التغييرات.

وقال المسؤولون إن «حماس» أبدت استعداداً أكبر للتحلي بالمرونة، والبدء في تنفيذ حتى صفقة جزئية.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار في موقع غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (رويترز)

وقال مسؤول إسرائيلي كبير: «حتى وقت قريب، كان التفكير في إسرائيل هو أن (حماس) لا تريد صفقة، والآن يبدو أن هناك تحولاً وأن (حماس) ربما غيرت رأيها».

وقال إن هناك تقدماً في المفاوضات؛ لكن لم يتم التوصل إلى تفاهمات حتى الآن تسمح لإسرائيل و«حماس» بالتحرك نحو مفاوضات مفصلة بشأن اتفاق نهائي.

وذكر المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين، يوم الثلاثاء «نحن لسنا على وشك الانتهاء من صفقة؛ لكننا نعتقد أن هناك فرصة، ولا يزال هناك عمل يتعين القيام به، وتظل (حماس) العقبة، ونحن نضغط بقوة».

وقال مسؤول إسرائيلي: «هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق في الشهر المقبل، قبل أن ينهي بايدن رئاسته».