لبنان يتسلّم استنابة فرنسية حول تبييض أموال لآل سلامة

الوفود الأوروبية تكثّف تحقيقاتها وتطلب الاستماع لوزير المال الأسبوع المقبل

ماريان الحويك (الوكالة المركزية)
ماريان الحويك (الوكالة المركزية)
TT

لبنان يتسلّم استنابة فرنسية حول تبييض أموال لآل سلامة

ماريان الحويك (الوكالة المركزية)
ماريان الحويك (الوكالة المركزية)

تستكمل الوفود القضائية الأوروبية، اليوم (الجمعة)، استجواب ماريان الحويك، مساعدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حول الحسابات العائدة لها ولحاكم «المركزي» وشقيقه رجا سلامة في مصارف أوروبية ولبنانية، والتي تحوم حولها شبهات غسل الأموال، والبحث في مصادر الثروة المالية لكلّ منهم، على أن تستأنف بداية الأسبوع المقبل جلساتها التي تشمل وزير المال اللبناني يوسف خليل، بعد أن تعذّر استجواب الأخير يومي الثلاثاء والأربعاء لتقديمه معذرة طبية.
وخالفت الحويك كلّ التوقعات التي رجّحت تغيبها، ومثلت عند العاشرة من صباح أمس (الخميس) أمام الوفود الأوروبية في الطابق الخامس من قصر العدل من دون وكيلها القانوني، بحضور قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، المكلف بتنفيذ الاستنابات الأوروبية، بالإضافة إلى رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر التي تمثل الدولة اللبنانية والتي اتخذت صفة الادعاء ضد الأخوين سلامة والحويك وكل من يظهره التحقيق.
وقال مصدر قضائي لبناني إن القضاة الأوروبيين «طرحوا ما بين 50 و60 سؤالاً على الحويك، فأجابت عليها من دون تحفّظ، وقدّمت مستندات كانت لديها حول إفادتها». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأوروبيين «استمعوا إلى الحويك بصفة شاهدة وليس كمشتبهٍ بها، وهذا ما سيسري على باقي الأشخاص المطلوب الاستماع إليهم بموجب الاستنابات الأوروبية»، مذكراً بأن «تنفيذ الاستنابات يأتي انسجاماً مع نص المادة 47 من اتفاقية مكافحة الفساد، التي تتحدّث عن (جمع المعلومات) حول الملفات التي يجري التحقيق فيها». وأضاف: «لا يمكن للقضاة الأوروبيين توجيه أي اتهامات للأشخاص المستجوبين على الأراضي اللبنانية، لكن بعد عودتهم إلى بلادهم يمكنهم اتخاذ ما يرونه مناسباً من إجراءات».
ولم يحضر وزير المال يوسف خليل جلسة استجوابه التي كانت مقررة اليوم، بعدما رفض تسلّم مذكرة التبليغ التي أرسلت إليه بواسطة قوى الأمن الداخلي. وأشار المصدر القضائي إلى أن «القاضية الفرنسية أود بوريزي ضربت موعداً جديداً لاستماعه عند العاشرة من صباح الجمعة المقبل، على أن يتولى القاضي شربل أبو سمرا إبلاغه موعد الجلسة بواسطة أحد الموظفين القضائيين». وكشف المصدر أن بوريزي «استدعت رجا سلامة إلى جلسة تحقيق حددتها صباح الأربعاء المقبل، وتقرر إبلاغه موعدها عبر وكيله القانوني».
جدول جلسات الوفود الأوروبية سيكون حافلاً الأسبوع المقبل، إذ إنه بالإضافة إلى الوزير خليل ورجا سلامة، ستستمع إلى إفادات كلّ من جوزف طربيه، رئيس مجلس إدارة بنك «الاعتماد اللبناني»، وفهيم معضاد ورجا أبو عسلي، النائبين السابقين لحاكم مصرف لبنان. وعمّا إذا طرأت أسماء جديدة ترغب الوفود الأوروبية بالتحقيق معها، أوضح المصدر القضائي أن «هذا الأمر وارد، لكن ذلك يحتاج إلى إرسال استنابات جديدة من الخارج تتضمن أسماء الأشخاص المطلوب استجوابهم للتعامل واتباع نفس الإجراءات التي اعتمدت في الجولات السابقة».
بموازاة الاهتمام القضائي بمهمة الوفود الأوروبية، تتجه الأنظار إلى جلسة التحقيق التي تعقدها القاضية بوريزي في 16 مايو (أيار) المقبل في باريس، مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الملفّ المستقل لديها، وأكد المصدر القضائي أن القاضي أبو سمرا «في طور تبليغ سلامة موعد الجلسة ومضمون الاستنابة الفرنسية الخاصة بملفّه المفتوح في باريس». وتابع: «لا نملك معلومات عمّا إذا كان سلامة سيستجيب ويمثل أمام القضاء الفرنسي أم لا، لكنّه يدرك تداعيات حضوره والامتناع عن الحضور». ولفت إلى أن الجانب اللبناني «لم يتبلّغ ما إذا كانت بوريزي بصدد إعادة استجواب الوزير السابق مروان خير الدين في باريس منتصف الشهر المقبل»، لكنه أوضح أن «النائب العام التمييزي سيطلب رسمياً من السلطات القضائية الفرنسية، تزويده بنسخة عن التحقيقات التي أجريت مع خير الدين قبل أيام، خصوصاً بعدما أبدت بوريزي استعدادها للتعاون مع لبنان وتقديم كل التعاون المطلوب».
إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة على أجواء قصر العدل في بيروت، أن النيابة العامة التمييزية «تسلمت خلال الساعات الماضية استنابة فرنسية جديدة، تطلب فيها من السلطات اللبنانية، وضع مروان خير الدين تحت الرقابة المشددة، ومنعه من التواصل مع كلّ من رياض سلامة، ورجا سلامة، وندي سلامة (نجل رياض سلامة) وماريان الحويك، ومروان الخوري، ونبيل عون، وأنطوان سلامة».
وشددت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الاستنابة الفرنسية تتحدث بالتفصيل عن مساعدات قدمها خير الدين لرياض سلامة وشقيقه ونجله ومقربين منه عبر حسابات مالية، سهّلت عمليات غسل الأموال، كانت الأولى في 2 يوليو (تموز) 2021، والثانية في 24 أغسطس (آب) 2021، والثالثة في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه». وتوقّعت تطورات مهمّة في هذه القضية ستظهر نتائجها بعد أن تنهي بوريزي تحقيقاتها في بيروت وباريس.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

77 عاماً على القرار 181... إسرائيل تتجاهل والفلسطينيون يتمنون «التقسيم»

متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)
متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)
TT

77 عاماً على القرار 181... إسرائيل تتجاهل والفلسطينيون يتمنون «التقسيم»

متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)
متظاهر يشارك في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)

يصادف اليوم (الجمعة) مرور 77 عاماً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يحمل رقم 181، وبموجبه تقرر تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية. الدولة اليهودية التي قامت، بموجب القرار، ووافقت عليه، تتجاهل هذه المناسبة. وباستثناء بعض النشاطات الفردية لجمعيات وحركات، وبعضها تنظم جولات سياحية وتعليمية مدفوعة الأجر، لا يوجد أي نشاط رسمي. وكأن إسرائيل ترى فيه لعنة، تريد الهرب منها.

وبالمقابل، الفلسطينيون الذين رفضوا القرار بشكل عام، باستثناء مجموعة قليلة منهم قبلته واعتبرته أفضل الشرور، يتوقون إليه. ويسعون إلى تطبيق جزء منه.

ويتنازلون عن حقهم في معظمه. وإذا كان يمنحهم في الماضي 46 في المائة من فلسطين، يرضون اليوم بدولة فلسطينية على 22 في المائة من فلسطين. ومع ذلك فإن هذه الدولة ما زالت حلماً بعيداً وهدفاً يحتاج إلى نضال مرير لتحقيقه.

القرار اتخذ في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، بعد مداولات دامت عشرات السنين، بدأت بوعد بلفور في سنة 1917، وشملت اقتراحات أخرى بينها إقامة دولة واحدة للشعبين، وانتهت بالتوصية بتقسيم البلاد بين اليهود والعرب. وكان عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة 57 دولة، وعند التصويت تغيبت تايلاند، واتخذ القرار في حينه بأكثرية 33 دولة، وامتناع 10 دول عن التصويت، ومعارضة 13 دولة.

متظاهرون يشاركون في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في مدينة تورينو الإيطالية الجمعة (د.ب.أ)

لم يكن للشعب الفلسطيني في حينه قيادة رسمية منتخبة، ولكنه أرسل مندوبين عنه يشرحون للأمم أن منح اليهود دولة هو مؤامرة استعمارية وينطوي على ظلم قاسٍ. ولم يُفلحوا في الوقوف بمواجهة الدول العظمى.

وحاولت الدول العربية والإسلامية الممثلة في الأمم المتحدة مساعدة الشعب الفلسطيني على منع التقسيم، وهي أيضاً لم تفلح. وقد صوتت جميعها ضد القرار، وهي: أفغانستان، وإيران، وتركيا، وباكستان، والسعودية، وسوريا، والعراق، وكوبا، ولبنان، ومصر، والهند، واليمن، ووقفت معها اليونان.

في ذلك الوقت، كان الموقف العربي مفهوماً. فقرار التقسيم كان يقضي بمنح اليهود أرضاً عربية، يقيمون عليها دولة أو «وطناً قومياً»، في إطار التكفير عن ذنوب الغرب بحق اليهود. فالغرب اضطهد اليهود وحاول إبادتهم. وللتخلص منهم منحهم حلاً على حساب العرب. وليس هذا فحسب، بل بلغت مساحة الدولة العربية نحو 11 كيلومتراً مربعاً، تعادل 42.3 في المائة من فلسطين، فيما تحصل الدولة اليهودية على نحو 15 كيلومتراً مربعاً، تعادل 57.7 في المائة من فلسطين.

ووفقاً للقرار يتم وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية.

وكان عدد اليهود في فلسطين آنذاك 660 ألفاً، يشكلون نسبة 33 في المائة. والعرب 1.2 مليون نسمة. وبموجب القرار يعيش أكثر من 600 ألفاً من الفلسطينيين في إطار الدولة اليهودية.

متظاهرون يشاركون في إحياء يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني أمام السفارة الأميركية في جوهانسبورغ الجمعة (إ.ب.أ)

عملياً، لم يكن القرار عادلاً ولا منصفاً، بل ظالم ومجحف. لكن، في امتحان النتيجة، لا يكفي أن تنشد العدالة وحدها. وفي حسابات القضايا المصيرية، تنشد الشعوب القرارات الحكيمة. وقد ظهر أن رفض قرار التقسيم، لم يكن مدروساً. ولم يدرك أن الحركة الصهيونية كانت قد استعدت لهذا الرفض جيداً. وبالطبع، لم يحسن رفض قرار التقسيم للشعب الفلسطيني ولم يحقق له العدالة. وقد نشبت حرب شرسة، بمقاييس ذلك الزمان، قُتل فيها 6373 إسرائيلياً و17 ألف عربي.

وتم تشريد معظم الشعب الفلسطيني عن أرضه. وأوقعت إسرائيل فيه نكبة أليمة. واحتلت ليس فقط الأراضي المخصصة للدولة اليهودية، بل اقتطعت قسماً كبيراً من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية وأصبحت تمتد على 78 في المائة من فلسطين.

الشعب الفلسطيني لم يرضخ لنتيجة الحرب. وعندما تبلورت لديه قيادة وطنية (منظمة التحرير الفلسطينية)، وافق على معاقبة نفسه وقبل بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على مساحة 22 في المائة من فلسطين. لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استبدلت الفلسطينيين في سياسة الرفض. وعملت كل ما في وسعها حتى تمنع قيام الدولة الفلسطينية الصغيرة المقلصة هذه، باستثناء اثنتين: حكومة يتسحاق رابين الثانية في سنة 1993، التي وافقت على منح الفلسطينيين «أكثر من إدارة ذاتية وأقل من دولة»، وهو جوهر اتفاقيات أوسلو، وحكومة إيهود أولمرت، التي وافقت على منح الفلسطينيين دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بشرط أن تكون منزوعة السلاح في إطار اتفاقية سلام. وكما هو معروف، تم قتل رابين بأيدي متطرف يهودي في تل أبيب. وتم عزل أولمرت بتهم فساد. وعملياً، تم قتل فكرة الدولة الفلسطينية وتصفية قرار تقسيم فلسطين، الذي على أساسه قامت إسرائيل وبفضله اكتسبت شرعيتها الدولية. وازدادت قوى اليمين الرفضي ليسيطر على مقاليد الحكم ويسعى لتخليد الاحتلال لكل أرض فلسطين وللتخلص من القضية الفلسطينية وحتى من الشعب الفلسطيني.

كما هو معروف يوجد بين الفلسطينيين تيار سياسي، محدود ويمثل أقلية، ما زال يتمسك برفض قرار التقسيم ويطلق شعارات تهدد بتدمير إسرائيل. لكن أكثرية هذا الشعب وقيادته الشرعية تنازلت عن الرفض وتتخذ موقفاً وطنياً عقلانياً، يتمسك بالحل المبني على أساس الدولتين.

ويرى أن ما جرى من معاناة لهذا الشعب، أكثر من 140 ألف شهيد وسفك دماء مليون جريح ودخول نحو مليون شخص آخر السجون الإسرائيلية وتشرد خارج الوطن لنحو 6 ملايين نسمة وهدر قدرات، يكفي، وأن هناك ضرورة لعمل كل شيء في سبيل تسوية الصراع بشكل سلمي، وهؤلاء مسنودون بدعم عربي وإسلامي واسع وبتأييد المجتمع الدولي، الذين يعرضون على إسرائيل عرضاً سخياً يعدها بالسلام الشامل مع الدول العربية والإسلامية يتضمن حل الدولتين.

لقد مضت 77 عاماً على قرار التقسيم، وفي كل سنة يثبت من جديد أنه الحل الأفضل والأمثل والأجدى. والحرب الأخيرة تثبت أكثر من ذي قبل أن سياسة الرفض لن تجلب سوى الويلات على الشعبين.

وأن المسؤولية الوطنية تحتّم الجنوح إلى السلم، مهما يكلف ذلك من ثمن.

وواضح أن أي ثمن يُدفع لأجل السلام يظل بسيطاً أمام الثمن الذي ندفعه في الحرب. فمن يريد أن يحقن دماء الأطفال والنساء، ومن يريد لأولاد شعبه أن يعيشوا حياة طبيعية وينطلقوا في نهضة علمية وثقافية وعمرانية لا يضيع لحظة واحدة في السعي إلى هذا السلام.