السوري غازي المحمد... من منصة الإعدام إلى روحانية المشاعر المقدسة

قال لـ«الشرق الأوسط» إن كرم السعوديين غمره بالحج وأنساه ذكريات المعتقل

TT

السوري غازي المحمد... من منصة الإعدام إلى روحانية المشاعر المقدسة

وزير الحج السعودي خلال لقائه السوري غازي المحمد (الشرق الأوسط)
وزير الحج السعودي خلال لقائه السوري غازي المحمد (الشرق الأوسط)

يروي الحاج السوري غازي المحمد تفاصيل رحلته الإيمانية لأداء مناسك الحج، بعد أن كاد يُعدم في سجون النظام السوري السابق، واصفاً إياها بالرحلة الأجمل في رحاب الكعبة وسط منظومة متكاملة وخدمات عالية الجودة.

المحمد، لم يخفِ أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط» في مكة المكرمة، مشاعره التي اختلط فيها الألم بالفرح، والذهول بالسكينة، قائلاً: «ما حظيت به من كرم سعودي أحاط بي من كل اتجاه أسهم في تضميد جراحي، وأعاد لي بعضاً مما فقدته من ذاتي وذاكرتي، فرغم الألم، وجدت في هذه الرحلة الإيمانية بصيصاً من حياة».

في لحظة وصفها بأنها من أسعد لحظات عمره، عبَّر المحمد عن مشاعره خلال لقائه وزير الحج والعمرة السعودي، الدكتور توفيق الربيعة، قائلاً: «ما لمسته من تواضعه وكرمه لا يُوصف، منذ أن وطأت قدماي أرض المملكة وجدت ترحيباً راقياً من الجميع، كرم في كل اتجاه، وتعامل إنساني نادر».

وزير الحج السعودي خلال لقائه السوري غازي المحمد (الشرق الأوسط)

يقول المحمد إن المشاعر المقدسة بثت فيه طمأنينة كان يفتقدها منذ سنوات، ويضيف: «أجواء مكة ضمدت أوجاعي، وخففت من آلامي، بل أقول إنها أنقذتني من نفسي، من ذكريات لا تمحى خلف القضبان ومنفردات العذاب».

ويروي الحاج تفاصيل مروعة عن اعتقاله، ويقول إن قصته بدأت عندما سافر من لبنان إلى دمشق لاستخراج جواز سفر لابنته، وهناك داهمت دورية أمنية مقر الشركة التي يعمل بها، ليتم اقتياده مع صديقه الطبيب إلى أحد الأفرع الأمنية، حيث أمضى أول 33 يوماً داخل زنزانة انفرادية لا تزيد على مترين في متر، دون أي تواصل مع السجناء الآخرين.

ويضيف: «في تلك الفترة ذقنا شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، قبل أن نُنقل إلى معتقل آخر، أمضيت فيه خمسة أشهر، ازداد خلالها العنف بشكل وحشي، خصوصاً في الأسبوع الأخير قبيل التحرير، حيث نُقلنا فجأة إلى موقع الإعدام مع 54 معتقلاً آخر، كنا مجموعتين، واحدة من 24 شخصاً والأخرى 30، جرى تقييدنا بالسلاسل، وُجهت الأسلحة إلينا، وكانت هناك إهانات لا تنتهي، قبل أن تقتحم مجموعة من الشباب السجن.

السوري غازي المحمد (الشرق الأوسط)

المشهد بالنسبة له لم يكن واقعياً: «شعوري لحظة التحرر كان يشبه الحلم، بل امتزج لدي الحلم بالحقيقة حتى فقدت التمييز بينهما. بقيت فترة طويلة بعد خروجي أخضع لعلاج عصبي بسبب هذا الانفصال عن الواقع».

وتابع المحمد: «أثناء تنفيذ حكم الإعدام، عشت شعوراً مركباً: ألم الفراق عن الأهل، وراحة من العذاب اليومي الذي لا يُحتمل. كنت في كل لحظة أفكر في الانتحار، لولا خوفي من غضب الله. الألم كان يتجاوز الوصف، تعذيب جسدي لا يُطاق، إهانات متكررة، حرمان من أبسط الحقوق مثل استخدام دورة المياه لأيام».

أمراض عدة ألمت بالمحمد بعد خروجه، منها كما يقول المحمد: «تمزقات في الكتف والصدر، تقرحات في المريء، تغيرات في أنسجة الجهاز الهضمي، كلها بسبب ظروف الاعتقال والتعذيب، ومع ذلك، الحمد لله على النجاة، فكل شيء يهون حين أقارن بين ما كنت فيه وما أنا عليه اليوم، واقفاً أمام الكعبة المشرفة».

ويتابع: «أكثر ما كنت أتمناه عند خروجي من المعتقل هو زيارة بيت الله الحرام، كان ذلك حلماً يراودني داخل الزنزانة، واليوم تحقق هذا الحلم العظيم، وأنا أستعد للصعود إلى عرفة».

أحد عناصر الأمن السوري بسجن صيدنايا العسكري على مشارف دمشق في يناير 2025 (أ.ب)

يقول المحمد إن أسباب اعتقاله لا تزال غامضة: «لم توجه لي أي تهمة، كانوا يركّزون على سؤالي عن إخوتي في إدلب، علماً أنهم تجار معروفون، وشركتنا في دمشق عمرها أكثر من خمسين عاماً. يبدو أن مجرد كوني من إدلب كان سبباً كافياً للاعتقال، فالجميع يعلم أن أبناء هذه المحافظة لم يكن لهم مكان في العاصمة آنذاك».

وأوضح أنه كان في المعتقل، مجرد رقم 3006: «لا أحد يناديني باسمي. وأعتقد أن أغلب الاعتقالات آنذاك كانت تعسفية وعشوائية، ودون محاكمة أو مسوغ قانوني، بل كانت النية هي التصفية المباشرة».

لم تكن فرحة التحرر مباشرة، بل جاءت متدرجة، كما يروي المحمد: «في البداية، كل تفكيري كان كيف أهرب. لم أكن أعلم شيئاً عمّا يحدث في الخارج. عائلتي في إدلب، وأهلي في لبنان، وأنا معزول تماماً. تساؤلات كثيرة كانت تُقلقني أكثر من فرحة خروجي، لكن حين جمعت شمل العائلة، عشت لحظة الفرح الحقيقية. واليوم أعيش في إدلب مع أسرتي بعد أن أعدت لمّ شملهم، والحمد لله على ذلك».

ويكشف المحمد تفاصيل صادمة عن التعذيب داخل المعتقل: «كانوا يستخدمون معنا أسلوب الشبح، حيث يتم تعليق المعتقل من يديه بالحبال لساعات طويلة، وهذا سبَّب لي تمزقات في عضلات الصدر والكتف. وهناك ما يُعرف بالدولاب، وهي طريقة تعذيب كانت تُمارس يومياً. بالإضافة إلى حرماننا من دورات المياه، وتعامل لا إنساني يجعل الإنسان مجرد رقم في قائمة الإذلال».

ويختم حديثه قائلاً: «العذاب كان منهجياً، ومدروساً، لا هدف له إلا التدمير النفسي والجسدي. ولم يكن لدي سوى رجاء واحد: أن أخرج حياً من هناك. واليوم، وأنا أرى الكعبة أمامي، أعلم أن الله لم يخذلني، وأن الرجاء لا ينقطع مهما اشتد الظلام».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي عنصر من القوات السورية الجديدة بالقرب من صورة للرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر في مقر الفرقة الرابعة بدمشق يناير الماضي (رويترز)

من منفاهما في روسيا... رئيس سابق للمخابرات السورية وابن خال الأسد يخططان لانتفاضتين

كشف تحقيق عن أن اثنين كانا ذات يوم من أقرب رجال بشار الأسد وفرَّا من سوريا بعد سقوطه، ينفقان ملايين الدولارات على عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

قالت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الجمعة)، إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي توغلت في ريف القنيطرة بجنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص لسوريا توماس براك خلال مقابلة مع وكالة «رويترز» في بيروت - لبنان - 22 يوليو 2025 (رويترز)

براك: على لبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»

قال المبعوث الأميركي توم براك، اليوم (الجمعة)، إنه ينبغي للبنان أن يناقش مع إسرائيل مسألة «حزب الله»، معبّراً عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شابان سوريان يقفان على تلة في داريا مُطلّة على القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد في دمشق أواخر أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

في داريا قرب دمشق... سوريون يعيدون بناء حياتهم وأحيائهم المدمرة

لداريا مكانة خاصة في تاريخ الثورة السورية. تقع على مسافة سبعة كيلومترات فقط من العاصمة دمشق، وعلى مرمى البصر من القصر الرئاسي الفسيح للرئيس السابق بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (داريا (سوريا))

برنامج سعودي لتحسين وضع التغذية في سوريا

المهندس أحمد البيز مساعد المشرف العام على المركز للعمليات والبرامج لدى توقيعه البرنامج في الرياض الخميس (واس)
المهندس أحمد البيز مساعد المشرف العام على المركز للعمليات والبرامج لدى توقيعه البرنامج في الرياض الخميس (واس)
TT

برنامج سعودي لتحسين وضع التغذية في سوريا

المهندس أحمد البيز مساعد المشرف العام على المركز للعمليات والبرامج لدى توقيعه البرنامج في الرياض الخميس (واس)
المهندس أحمد البيز مساعد المشرف العام على المركز للعمليات والبرامج لدى توقيعه البرنامج في الرياض الخميس (واس)

أبرم «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، الخميس، برنامجاً تنفيذياً لتحسين وضع التغذية لأكثر الفئات هشاشة، من الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات، في المناطق ذات الاحتياج ومجتمعات النازحين داخلياً بمحافظات سورية.
ويُقدِّم البرنامج خدمات تغذية متكاملة وقائية وعلاجية، عبر فرق مدربة ومؤهلة، بما يسهم في إنقاذ الأرواح وضمان التعافي المستدام. ويستفيد منه 645 ألف فرد بشكل مباشر وغير مباشر في محافظات دير الزور، وحماة، وحمص، وحلب.

ويتضمن تأهيل عيادات التغذية بالمرافق الصحية، وتجهيزها بالأثاث والتجهيزات الطبية وغيرها، وتشغيل العيادات بالمرافق الصحية، وبناء قدرات الكوادر، وتقديم التوعية المجتمعية.

ويأتي هذا البرنامج في إطار الجهود التي تقدمها السعودية عبر ذراعها الإنساني «مركز الملك سلمان للإغاثة»؛ لدعم القطاع الصحي، وتخفيف معاناة الشعب السوري.


انعقاد اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي - القطري في الرياض

الأمير فيصل بن فرحان والشيخ محمد آل ثاني يرأسان اجتماع اللجنة التنفيذية المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي - القطري (واس)
الأمير فيصل بن فرحان والشيخ محمد آل ثاني يرأسان اجتماع اللجنة التنفيذية المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي - القطري (واس)
TT

انعقاد اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي - القطري في الرياض

الأمير فيصل بن فرحان والشيخ محمد آل ثاني يرأسان اجتماع اللجنة التنفيذية المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي - القطري (واس)
الأمير فيصل بن فرحان والشيخ محمد آل ثاني يرأسان اجتماع اللجنة التنفيذية المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي - القطري (واس)

استقبل الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، في مقر الوزارة بالرياض الخميس، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر، وجرى خلال الاستقبال بحث العلاقات الثنائية وأوجه التعاون المشترك، وسبل تنميتها بما يلبي تطلعات قيادتَي وشعبَي البلدين الشقيقين.

وترأَّس الأمير فيصل بن فرحان والشيخ محمد آل ثاني، اجتماع اللجنة التنفيذية المنبثقة من مجلس التنسيق السعودي - القطري، حيث استعرضا العلاقات الأخوية المتينة، وسبل تطويرها على الصعيدَين الثنائي ومتعدد الأطراف في إطار أعمال مجلس التنسيق السعودي - القطري، وتكثيف التعاون المشترك من خلال عددٍ من المبادرات التي من شأنها الارتقاء بالعلاقات نحو آفاق أرحب.

وأشاد الجانبان بالتعاون والتنسيق القائم بين لجان مجلس التنسيق المنبثقة وفرق عملها، وشدَّدا على أهمية استمرارها بهذه الوتيرة؛بهدف تحقيق المصالح النوعية المشتركة للبلدين الشقيقين وشعبيهما.

الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر (واس)

كما استعرضت أمانة اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي - القطري، خلال الاجتماع، مسيرة أعمال المجلس ولجانه المنبثقة منه خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى المستجدات والأعمال التحضيرية للاجتماع الثامن للمجلس التنسيقي السعودي - القطري.

وفي ختام الاجتماع، وقَّع وزير الخارجية السعودي، ورئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، محضر اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس التنسيق السعودي - القطري.

حضر الاجتماع، أعضاء اللجنة التنفيذية من الجانب السعودي، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور مساعد العيبان، ووزير المالية محمد الجدعان، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية السفير الدكتور سعود الساطي، ورئيس فريق عمل الأمانة العامة المهندس فهد الحارثي.


«إعلان الصخير»: أمن الخليج كلٌّ لا يتجزأ

لقطة تذكارية لقادة وممثلي دول الخليج لدى انعقاد قمة المنامة أمس (واس)
لقطة تذكارية لقادة وممثلي دول الخليج لدى انعقاد قمة المنامة أمس (واس)
TT

«إعلان الصخير»: أمن الخليج كلٌّ لا يتجزأ

لقطة تذكارية لقادة وممثلي دول الخليج لدى انعقاد قمة المنامة أمس (واس)
لقطة تذكارية لقادة وممثلي دول الخليج لدى انعقاد قمة المنامة أمس (واس)

شدد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خلال قمتهم في العاصمة البحرينية المنامة، أمس (الأربعاء) على أن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ. وأكد القادة الالتزام باحترام سيادة دول المجلس الست، وسائر دول المنطقة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفضهم استخدام القوة، أو التهديد بها.

وحمل «إعلان الصخير» رسائل عدة تعكس توجهاً خليجياً نحو تعزيز الأمن المشترك، والدفع باتجاه إقامة الدولة الفلسطينية، والعمل على إطفاء الحروب في العالم العربي.

وأعلن جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون إنشاء الهيئة الخليجية للطيران المدني، واعتماد تعديلات على بعض مواد الاتفاقية الموحدة للضريبة المضافة والانتقائية، وإطلاق منصة الخليج الصناعية، وبدء تنفيذ المركز الخليجي للثورة الصناعية الرابعة، والتقدم في مشروع الاتحاد الجمركي عبر تشغيل منصة تبادل البيانات الجمركية 2026.

من جانب آخر، ترأس الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والأمير سلمان بن حمد، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء البحريني، في المنامة، أمس، الاجتماع الرابع لمجلس التنسيق بين البلدين.