دون قيد أو شرط توافدوا آحاداً وجماعات إلى المشاعر المقدسة تاركين الاجتماع والصحبة وكل ملذات الحياة، ليكونوا بين الحجاج على مدار أيام معدودة يقدمون الرعاية لهم ضمن منظومة التطوع، في صورةٍ تجسد عطاء وتفاني شباب وشابات السعودية لخدمة كل من يفد إلى البلاد.
تلك هي مشاعرهم، وتلك هي طموحاتهم، وتلك هي غاياتهم في أن يكون الحاج مرتاحاً أولاً وثانياً وثالثاً، بما يقدمون من خدمات طبية ورعاية أولية، سخّرت فيها بلادهم «السعودية» كل ما يلزم لتقديم رعاية طبية متكاملة للحجاج وأنفقت من أجلها مليارات الدولارات في مستشفيات المدن المقدسة والمشاعر، خدمةً لضيوف الرحمن.
وعندما تلتقي احد الـ550 متطوعاً «شاباً أو فتاة» وأنت تتجول في المشاعر المقدسة وهم يخدمون أو يعالجون حالة في ظروف جوية شديدة الحرارة، وفي أوقات مختلفة، تدرك حينها أن ما تشهده خلف الشاشة الصغيرة من جمالية الرحلة الإيمانية لقوافل الحجيج هناك، يتضمن تفاصيل التفاصيل يحيكها رجال وفتيات داخل منظومة متشابكة تجهل تفاصيلها.
وتدفق إلى مشعر منى 550 متطوعاً من البرنامج الصحي التطوعي بالحج الذي تنفذه الجمعية الخيرية للرعاية الصحية الأولية «درهم وقاية»، حيث تم توزيعهم عبر 110 فرقة طبية راجلة تجوب المشاعر المقدسة لتقديم الرعاية الصحية لضيوف الرحمن للحالات الصحية الشائعة، في الوقت الذي خضع المتطوعون لبرنامج تدريبي مكثف يغطي الجانبين النظري والميداني، وتلقت الفرق تدريباً مكثفاً لإتقان التعامل مع الحالات الصحية الشائعة.
على مدار ساعات وساعات يقدم المتطوعون في الجانب الصحي خدمات جليلة خلال موسم الحج مكتفين بدعوة تقدَّم لهم تشكل سعادة يومهم بأكمله، سواء في أثناء علاج إصابات «القدم السكري» أم حالة إعياء وإجهاد حراري أم حالة تعرضت لضربة شمس، إلى جانب إلمامهم بطرق فرز الحالات والقدرة على تمييز الحالات التي تستدعي التحويل إلى المراكز الصحية.
ويقول الدكتور جاسر الشهري، رئيس الجمعية الخيرية للرعاية الصحية الأولية (درهم وقاية)، إن عدد المتطوعين البالغ عددهم 550 متطوعاً يأتي من أصل عدد تجاوز 3400 طلب تلقته الجمعية للانضمام للبرنامج من جميع أنحاء المملكة، منهم أكثر من 200 متطوع ومتطوعة من 36 جامعة حكومية وخاصة.
وذكر أن البرنامج يتكون من ثلاث مراحل تشمل التدريب النظري والعملي ثم فرز المتطوعين وتوزيعهم في فرق ميدانية بمعدات طبية للبدء بمهامهم، وتتضمن المرحلة الأخيرة انتهاء البرنامج وجمع البيانات.
ويهدف البرنامج الصحي الخاص بالحج إلى تحقيق تكامل نوعي بين الجهات الحكومية والخاصة عبر تقديم نموذج تطوعي ميداني يسهم في تعزيز الرعاية الصحية لضيوف الرحمن.
ويشارك مع وزارة الصحة 1500 متطوع من خلال برنامج «سواعد الصحة» في جميع مواقع وجود الحجاج للعام الثالث تحت إشراف مركز التطوع الصحي الذي تأسس عام 2019، وتشمل الكوادر المشاركة الكثير من التخصصات العلاجية والوقائية والخدمات المساندة.
وأكدت «الصحة السعودية» جاهزية منشآتها الصحية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة خلال موسم الحج، وأشارت إلى تسخير 32 مستشفى، تتضمن مستشفيات ميدانية يساندها 140 مركزاً صحياً لتقديم الرعاية الصحية للحجاج، لافتةً النظر إلى زيادة سعة المستشفيات السريرية إلى 6132 سريراً، وتخصيص 761 سريراً للعناية المركزة، و222 سريراً مخصصة لضربات الشمس، يقوم على خدمتهم من الكوادر الصحية المؤهلة أكثر من 32 ألف ممارس.
وبيَّنت «الصحة» أنها ستقدم خدماتها للموسم الثاني عبر المستشفى الافتراضي بعد تسجيله نجاحاً وتميزاً في موسم الحج الماضي، حيث أضافت عدداً من العيادات الافتراضية في المشاعر المقدسة والمدينة المنورة خلال هذا العام.
وأعدت الوزارة نقاطاً طبية في قطار المشاعر وقطار الحرمين، وجهَّزت عربات متنقلة طبية تكون موجودة على خط المشاة بين المشاعر المقدسة، وكثفت جهودها في المنطقة المركزية للحرم المكي الشريف، إضافةً إلى توفير 190 سيارة إسعاف، وتهيئة 16 مركز طوارئ على منشأة جسر الجمرات في مشعر منى.
يُذكر أن السعودية تولي اهتماماً كبيراً للتطوع ضمن مستهدفات برنامج التحول الوطني، و«رؤية المملكة 2030»، المتمثلة في الوصول إلى مليون متطوع بحلول عام 2030.