اتهم عدد من الموظفين الحاليين والسابقين في «الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)» الأمين العام له، فيرون موسينغو أومبا، بإدارة المنظمة كما لو كانت «ملكاً خاصاً له»، وبتأسيس ثقافة خوف ورعب داخل المقر الرئيسي في القاهرة، حيث يُقال إن الموظفين يُفصلون من أعمالهم لمجرد اعتراضهم أو كشفهم عن المخالفات الإدارية.
ووفق ما نقلته صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد تحدث عدد من العاملين عن أجواء من التهديد والارتياب داخل أروقة «الاتحاد»، مشيرين إلى أن الأمين العام يعمد إلى تهميش زملائه وإسكات المبلغين عن التجاوزات. وأفاد بعضهم بأن «أي شخص يجرؤ على الكلام يُفصل دون سبب ودون أي إجراءات قانونية».
ومن بين من طالتهم قرارات الإقالة حنان نور، الرئيسة السابقة لقسم الحوكمة والمخاطر والامتثال، التي كانت قد رفعت العام الماضي تقريراً شديد اللهجة اتهمت فيه موسينغو أومبا بـ«إعاقة» عمل إدارتها وانتهاك لوائح الحوكمة والتدقيق الداخلي. وكشفت لجنة التدقيق والامتثال في «كاف»، لاحقاً، عن أن الأمين العام تدخل بشكل غير مصرح به في التحقيق اللاحق بهدف «تبييض نتائجه».

لم تكن نور الوحيدة التي واجهت هذا المصير. فقد أُقيلت أبيولا إيجاسانمي، المديرة التنفيذية السابقة للعمليات، في أبريل (نيسان) الماضي، بعد تقديمها تقريراً مماثلاً، كما شمل قرار في أغسطس (آب) كلاً من نوماندياز دوي رئيس لجنة التحكيم، وراوول شيبيندا مدير التطوير. وقال أحد موظفي قسم الإعلام: «لدينا أوامر واضحة بالتحكم في المعلومات ومنع أي تسريبات، وعندما تسرّبت التقارير بدأوا مطاردة من يظنون أنه هو من سرّبها، بدلاً من معالجة جوهر المشكلة».
ويؤكد موظفون آخرون أن اللجان المستقلة داخل «الاتحاد» لم تعد مستقلة، بل أصبحت قراراتها «مُسيّرة» أو «موجّهة» من مكتب الأمين العام. وقال أحد كبار المسؤولين السابقين: «فيرون وبعض المديرين يديرون (الكاف) كأنه مشروعهم الشخصي. اللجان لا تعمل، والقرارات تُتخذ بطريقة تخدم مصالح محددة».
كما وُجهت اتهامات لموسينغو أومبا بالمحاباة وتعيين أشخاص من بلده جمهورية الكونغو الديمقراطية في مناصب رفيعة دون مؤهلات كافية، مستفيدين من قربهم الشخصي منه. وأضاف أحد الموظفين: «لقد حول (الكاف) إلى دائرة مغلقة تخدم أصدقاءه، ولم يعد (الاتحاد) يسعى إلى تطوير كرة القدم الأفريقية، بل إلى حماية مصالح أفراد».
يُعرف موسينغو أومبا بعلاقته الوثيقة برئيس «الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)»، جياني إنفانتينو؛ إذ كانا زميلين في الجامعة، ويُقال إن نفوذه داخل (الكاف) ازداد منذ تعيينه عام 2021. وتشير مصادر داخلية إلى أنه أصبح الرجل الأقوى فعلياً داخل «الاتحاد»، متجاوزاً في سلطاته الرئيس؛ الجنوب أفريقي باتريس موتسيبي، الذي «نادراً ما يزور المقر» وفق أحد الموظفين. وأضاف المصدر: «في 4 سنوات من رئاسته، زار المقر مرتين فقط، والتقى الموظفين مرة واحدة، ولا يعلم ما يجري داخل مؤسسته».
إلى جانب الخلافات الإدارية، أُثيرت مخاوف بشأن طريقة إدارة الأموال الآتية من برنامج «فيفا فوروارد» المخصص لتطوير كرة القدم في أفريقيا. حيث زعمت مصادر أن موسينغو أومبا استحوذ على التحكم الكامل في الصناديق؛ مما أدى إلى مخالفات لم تخضع لتدقيق مستقل. كما حاولت لجنة التدقيق والامتثال مناقشة المسألة، لكن «أسلوبه المعتاد هو إسكاتك أو التخلص منك»، وفق أحد المطلعين.
ورغم إعلان «الاتحاد» خلال جمعيته العامة الأخيرة في الكونغو الديمقراطية تحقيق أرباح قدرها 9.48 مليون دولار للسنة المالية 2023 - 2024، مدّعياً أن ذلك يعكس «زيادة في الإيرادات التجارية بفضل جاذبية كرة القدم الأفريقية عالمياً»، فإن موظفين حاليين يؤكدون أن الوضع المالي هش للغاية، وأن التقارير الرسمية «تخفي أزمات حقيقية».
ويُفترض أن موسينغو أومبا، البالغ من العمر 66 عاماً هذا الشهر، يبلغ سن التقاعد النظامي وفق لوائح «الكاف»، لكنه أبدى رغبته في البقاء بمنصبه ونقله مؤقتاً إلى المغرب خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية التي تنطلق في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وأوضح أحد المسؤولين: «يجب ألا يستمر بعد 15 أكتوبر (تشرين الأول)، لكن يبدو أنه مصمم على البقاء».

في المقابل، تقدمت حنان نور بدعوى قضائية أمام «مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم الدولي» تطالب فيها بتعويض عن فصلها التعسفي، على أن تُنظر القضية خلال الأشهر المقبلة. أما «الاتحاد الأفريقي» نفسه فلم يرد على الأسئلة المفصلة بشأن الاتهامات، بينما أنكر موسينغو أومبا في وقت سابق ارتكاب أي مخالفات، مؤكداً أنه «تصرف بنزاهة كاملة» وأن «التحقيقات المستقلة ستثبت بطلان هذه الادعاءات».
ورغم أن الرئيس موتسيبي أعلن «ثقته الكاملة» بالأمين العام، وأكد أن «الاتحاد» ينتظر نتائج تحقيق مستقل بشأن ما ورد في تقرير قسم الحوكمة، فإن مصادر داخلية تؤكد أن الضرر المعنوي والإداري قد وقع بالفعل.
وقال أحد الموظفين المخضرمين في ختام حديثه: «أشعر بالحزن على (الكاف) وكرة القدم الأفريقية. لم نعد نسعى للتنمية كما كنا، بل أصبحنا فقط نحمي من هم في السلطة».

