«أولمبياد 1976»: فاتورة منشآت مرهِقة… وعلامة كاملة لناديا كومانتشي

ناديا كومانتشي لفتت أنظار العالم (الأولمبية الدولية)
ناديا كومانتشي لفتت أنظار العالم (الأولمبية الدولية)
TT

«أولمبياد 1976»: فاتورة منشآت مرهِقة… وعلامة كاملة لناديا كومانتشي

ناديا كومانتشي لفتت أنظار العالم (الأولمبية الدولية)
ناديا كومانتشي لفتت أنظار العالم (الأولمبية الدولية)

تقدّمت عاصمة مقاطعة كيبيك الكندية مونتريال خمس مرات لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية، وانتظرت حتى 10 مايو (أيار) 1970 لتحصل على هذا الشرف وتتفوّق على موسكو ولوس أنجليس، وتميّزت بملفها المتكامل من الألف إلى الياء فنالت 41 صوتاً مقابل 28 لموسكو لاستضافة نسخة 1976.

لكن طموحات بناء مرافق تؤرّخ لحقبة جديدة في تاريخ المنشآت الأولمبية شكّلت كابوساً للمنظمين فيما بعد، إذ أدت اضطرابات العمال المتتالية وموجات البرد القارس التي أوصلت الحرارة إلى درجة 40 تحت الصفر، إلى تأخير كبير في إنجاز المشاريع وإتمام الورش في مواعيدها. وتفاقم وضع المطالب العمّالية الاجتماعية، ما أوقع حكومة المقاطعة في ورطة كبيرة، ولما انتهى كل شيء كشفت الحسابات والتكاليف زيادة بنسبة 427 في المائة خلال ثلاثة أعوام.

أنفق نصف مليار دولار لبناء الاستاد الرئيسي الذي صمّمه الفرنسي روجيه تاليبير ويتسع لـ72 ألف متفرج، وارتفعت تكاليف إقامة القرية الأولمبية المؤلفة من 900 شقة التي لم تفصل بين الرجال والسيدات من 50 إلى 80 مليون دولار.

صحيحٌ أن الألعاب سجّلت أرباحاً من العائدات بلغت 260 مليون دولار، لكن نفقات البناء وتبعاتها الأخرى أوقعتا الحكومة في ديون تطلّب تسديدها سنيناً طويلة، على الرغم مما استفادت منه المدينة والمقاطعة عموماً من بنية تحتية متكاملة ومترو الأنفاق.

أُنفق نصف مليار دولار لبناء الاستاد الرئيسي الذي صمّمه الفرنسي روجيه تاليبير (الأولمبية الدولية)

طرح الأمر مجدداً عما ستقوم عليه الألعاب من عملقة في التنظيم والاستعداد لم تعد في مقدور الجميع. وهذا طبعاً بعيد من الروح الأولمبية الحقيقية وغايتها السامية.

وفي موازاة الابتكار في البناء والتصميم وتوفير سبل الراحة في المرافق والملاعب، إذ إن إفراغ الاستاد الرئيس مثلاً يتم في 7 دقائق، وإقامة أحواض سباحة عصرية تحت المدرجات، وتزويد حوض الغطس بمصاعد كهربائية توفيراً لطاقة المشاركين وجهدهم، واعتبار مضمار الدراجات «مساحة ضوء» مشعة، فإن الفاتورة النهائية جاءت مرتفعة أكثر مما تصوّره غلاة المتشائمين.

اللافت أن اللمسات الأخيرة أنهيت قبل دقائق من استخدام غالبية المرافق، ففوجئ المتفرّجون وحتى المشاركون بلافتة منبهة من الاقتراب من الجدران الخشبية خشية أن «تلطخ» ثيابهم بالطلاء «الطازج» وأزكت رائحته أنوفهم!

وأرخت العملية الفدائية في ميونيخ 1972، وبعدها عملية عنتيبي في أوغندا، ظلالهما على دورة مونتريال، إذ استنفر 16 ألف عنصر أمن، أي أكثر من نصف عدد المشاركين في الألعاب التي افتتحت بحضور ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وهي وقفت ساعة و22 دقيقة في المنصّة الرسمية تستعرض المشاركين وقلبها يخفق لابنتها الأميرة آن عضو المنتخب الإنجليزي للفروسية.

وتجسيداً للتعايش بين الشعب الكندي، أوقد الشعلة الكندي الفرنسي ستيفان بريفونتان (16 عاماً) والكندية الإنجليزية ساندرا هندرسون (15 عاماً). وهي نقلت إلى الأرض الكندية للمرّة الأولى كعلامة إلكترونية بواسطة الأقمار الاصطناعية.

وثبتت القوة السوفياتية في الصدارة برصيد 49 ذهبية مقابل 40 لألمانيا الشرقية و34 للولايات المتحدة.

ولعلّ أسعد لحظات ألعاب مونتريال كانت منافسات الجمباز التي حملت روائع السوفياتية نيللي كيم في الحركات الأرضية، والإثارة مع الرومانية الصغيرة ناديا كومانتشي التي قلبت المقاييس كلها، وباتت أول من تحصل على العلامة الكاملة (10 على 10) على أكثر من جهاز.

كانت الاستثناء الذي استحق هذه الدرجة 7 مرّات متتالية، وأنهت المسابقة بحصولها على ثلاث ذهبيات وفضية وبرونزية، ممهدة الطريق أمام جيل جديد من «الجمبازيات» الرومانيات تحديداً، وحلّقت بشهرتها بسرعة قياسية.

وكانت مونتريال 1976 مسرح الصناعة الألمانية الشرقية للأبطال والبطلات، إذ إن 14 انتقلوا لاحقاً إلى الطرف الغربي وكشفوا فضائح نظام المنشطات، وأكّدت السبّاحة ريناتا فوغل «كنا حقلاً للاختبارات».

بيد أن السبّاحات الشرقيات أحرزن في حينه تسعة من عشرة ألقاب، وأبرزهن كورنيليا إنيدر بطلة سباقات 100 و200م حرة و100 فراشة والبدل 4 مرات 100م متنوعة.

وفي موازاة السيطرة الألمانية الشرقية على سباحة السيدات، تميّز الأميركيون عند الرجال خصوصاً جيم مونتغومري أول من كسر حاجز 50 ثانية في سباق 100م حرة (49.99 ث).

كما تفوّق مواطنه براين غوديل في سباق 400م حرّة وسباقات التتابع، وغرّد البريطاني ديفيد ويلكي خارج السرب وسجل رقماً عالمياً جديداً في 200م صدراً (2:15.11 د).

وأصبح «الشرقي» عداء الموانع فالدمار شيبرنسكي أول ألماني يحرز سباق الماراثون مسجّلاً رقماً قياسياً (2:09:55 ساعة)، وتمكّن من المحافظة على اللقب بعد أربعة أعوام في موسكو.

ومن الإنجازات أيضاً، فوز البولندي تاديوش شلوسارسكي في القفز بالزانة (5.50م) ومواطنه ياتسيك فشولا في الوثب العالي (2.25م)، واكتفى المرشح الأول الأميركي دوايت ستونز بالمركز الثالث (2.21م). وأجريت المسابقة تحت زخات المطر.

وحافظ المجري ميكلوش نيميت على إرث عائلي في الألعاب الأولمبية، من خلال إحرازه ذهبية رمي الرمح وتسجيله رقماً عالمياً جديداً مقداره 94.58م، كونه نجل أيمري نيميت بطل مسابقة رمي المطرقة في دورة لندن 1948.

ونال «البلاي بوي» النيوزيلندي جون ووكر الغفران على مغامراته كلها، بعدما استحق الفوز في سباق 1500م (3:39.17 د).

وتعرّف العالم على «الحصان» الكوبي ألبرتو خوانتورينا بطل سباقي 400م (44.26 ث رقم عالمي)، و800م (1:43.50 د).

وقصد الفرنسي غي درو مونتريال «لأكون بطلاً أولمبياً، كنت أدرك أنها فرصتي الأخيرة، فبذلت مستطاعي»، وحققت إنجازاً هو الأول من نوعه، تمثل في كسر احتكار الأميركيين لحصد ذهب سباق 110 أمتار حواجز.

فاز درو مسجلاً 13.30 ث، متقدّماً على الكوبي راميريس كاساناس والأميركي ويلي دايفنبورت بطل دورة مكسيكو 1968.

وكان السوفياتي بوريس أونيتشينكو مصدر أكبر فضيحة في الألعاب، علماً بأنه يحمل ذهبية دورة ميونيخ للفردي في المبارزة، ويعدُّ أبرز المرشحين للمحافظة على اللقب الأولمبي.

بيد أن أونيتشينكو (39 عاماً)، الأوكراني الأصل، أُقصي لأن قبضة سلاحه كانت مزيفة، إذ أضاف إليها جهازاً مكهرباً يسمح له بالتحكّم في جهاز تسجيل النقاط في مصلحته متى أراد.

واحتجّ منافسون كثر لأونيتشينكو على إنارة جهاز تسجيل النقاط من دون أن يمسّهم المبارز السوفياتي، فقرّر الحكّام فحص سلاحه واكتشفوا الجهاز الإضافي، واستبعدوا «البطل الأولمبي» ومنتخب بلاده. وأوقف لاحقاً مدى الحياة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، وفرضت عليه عقوبات شديدة.


مقالات ذات صلة

رياضة عالمية روبرت يوهانسون (أ.ب)

يوهانسون يعتزل بعد فضيحة التلاعب بالملابس

أعلن البطل الأولمبي السابق روبرت يوهانسون اعتزاله بعد شهرين ونصف الشهر من فضيحة تلاعب بملابسه الرياضية التي هزت فريقه النرويجي.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
رياضة عالمية اللجنة طردت ثلاثة رؤساء اتحادات ضمن التكتل الداعم لضم الاتحادات الجديدة (الأولمبية اللبنانية)

انبثاق لجنتين أولمبيتين في لبنان نتيجة انقسام رياضي حاد

أدى الانقسام الحاد بين الاتحادات الرياضية في لبنان إلى انبثاق لجنتين أولمبيتين، وسط مخاوف من إمكانية إيقاف دولي للرياضة في البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
رياضة عالمية قالت شركة «ساتفا» الأميركية الاثنين إنها اختيرت لتكون المزود الرسمي لحشايا أَسرّة الرياضيين (إ.ب.أ)

«ساتفا» توفر «حشايا» لأَسرّة الرياضيين في أولمبياد 2028

قالت شركة «ساتفا» الأميركية، الاثنين، إنها اختيرت لتكون المزود الرسمي لحشايا أَسرّة الرياضيين في أولمبياد وبارالمبياد لوس أنجليس 2028.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
رياضة سعودية إنجاز سعودي في أولمبياد الأساتذة في تايوان (الشرق الأوسط)

5 ميداليات سعودية في افتتاحية أولمبياد الأساتذة في تايبيه

استهل المنتخب السعودي للأساتذة مشاركته في النسخة الحادية عشرة من دورة الألعاب الأولمبية للماسترز، بحصاد مميز بلغ 5 ميداليات ملونة.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)

لماذا يُعد عقد لامين يامال الجديد مع برشلونة «حالة خاصة»؟

لامين يامال يستعد لتمديد عقده مع برشلونة لفترة طويلة (إ.ب.أ)
لامين يامال يستعد لتمديد عقده مع برشلونة لفترة طويلة (إ.ب.أ)
TT

لماذا يُعد عقد لامين يامال الجديد مع برشلونة «حالة خاصة»؟

لامين يامال يستعد لتمديد عقده مع برشلونة لفترة طويلة (إ.ب.أ)
لامين يامال يستعد لتمديد عقده مع برشلونة لفترة طويلة (إ.ب.أ)

لا يزال لامين يامال، جوهرة برشلونة الشابة، لم يوقّع بعد على تمديد عقده المقترح مع النادي الكتالوني، وسط تأكيد رئيس النادي، خوان لابورتا، أن هذه الصفقة تُعد «حالة خاصة» بكل المقاييس.

وحسب شبكة «The Athletic»، يمتد العقد الحالي للنجم الإسباني الواعد حتى صيف عام 2026، ويتضمن شرطاً جزائياً خيالياً يبلغ مليار يورو، وقد أصبح يامال بالفعل واحداً من ألمع المواهب الصاعدة في العالم منذ آخر تجديد له عام 2023.

كان من المُتفق عليه أن يوقّع يامال على عقد جديد فور بلوغه سن الثامنة عشرة، في 13 يوليو (تموز) المقبل، لكن الصعود الصاروخي للاعب ومكانته المتعاظمة داخل الفريق عدّلا من سقف التوقعات المالية وشروط العقد الجديد.

فقد لعب يامال دوراً محورياً في تحقيق برشلونة ثلاثية محلية هذا الموسم: الدوري الإسباني، كأس الملك، وكأس السوبر الإسباني، فضلاً عن تألقه الكبير في مشوار الفريق بدوري أبطال أوروبا حتى نصف النهائي. وعلى الصعيد الدولي، شارك يامال في جميع مباريات منتخب إسبانيا خلال بطولة أمم أوروبا الأخيرة، التي توّج بها «لاروخا»، حيث حصد جوائز أفضل لاعب شاب، وأجمل هدف، وأكثر لاعب صناعة للأهداف، بالإضافة إلى اختياره ضمن التشكيلة المثالية للبطولة.

ولم يكن ذلك غريباً على من أصبح أصغر لاعب في تاريخ برشلونة يشارك مع الفريق الأول، عندما ظهر لأول مرة في أبريل (نيسان) 2023 بعمر 15 عاماً فقط.

لابورتا قال في تصريحات لقناة «TV3» الكاتالونية، مساء الاثنين: «لقد ناقشنا الأمر، وأسس العقد الجديد وُضعت بالفعل. لكننا لا نزال في انتظار التوقيع الرسمي. كل شيء يشير إلى نتيجة إيجابية للنادي، ولامين شخص رائع ومشجع كبير لبرشلونة... أعتقد أنه سعيد هنا».

وأضاف لابورتا: «راتب يامال يجب أن يعكس أهميته داخل الفريق. لا ينبغي لعمره أن يكون عائقاً أمام مكانته أو قيمته المالية. إنه حالة استثنائية بكل المقاييس ويستحق معاملة استثنائية».

وتابع: «كل اللاعبين يتبعون مساراً تصاعدياً في تطورهم، لكن في حالة يامال، الذي انفجر كموهبة بشكل غير مسبوق، علينا أن نتعامل معه بشكل مختلف. نحتاج إلى نقطة التقاء بين مصلحة اللاعب ومصلحة النادي. نريده أن يستمر هنا لسنوات طويلة، وأعتقد أن هذا ما سيحدث».

العقد الحالي ليامال تم توقيعه في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بعد بلوغه 16 عاماً، ويستمر حتى 2026، وكان من المخطط أن يُستبدل به عقد جديد يمتد لعدة سنوات، ويتضمن زيادة كبيرة في الراتب بمجرد بلوغه 18 عاماً.

لكن الواقع تجاوز كل التوقعات: «يامال الآن يُعتبر أبرز لاعب في الفريق وربما مرشح مستقبلي للكرة الذهبية. ولذلك بدأت مفاوضات مكثفة خلال الأشهر الأخيرة لإعادة تعريف شروط عقده الجديد بما يتناسب مع مستواه وتأثيره».

ورغم التفاهم المشترك على ضرورة بقاء يامال، تطرح تساؤلات عديدة داخل أروقة برشلونة:
هل من المنطقي أن يصبح لاعب يبلغ من العمر 17 عاماً الأعلى أجراً في نادٍ يعج بالنجوم الكبار؟
وإذا وصل إلى هذا المستوى الآن، فماذا يمكن أن يطلبه عندما يبلغ 24 عاماً إذا استمر في هذا التطور؟

هذه الأسئلة لا تُقلق مسؤولي برشلونة فقط، بل تشغل بال وكلاء اللاعبين المقربين من غرفة الملابس أيضاً. لكن الجميع متفقون على أن يامال حالة نادرة تتطلب حلاً خارج الأطر التقليدية.

كلمات لابورتا كشفت عن إدراك إدارة برشلونة لحجم التغيير في مكانة يامال على الساحة الكروية العالمية، وستكون هذه القضية من أكثر الملفات حساسية خلال الأشهر المقبلة.

من جانب آخر، ترددت أنباء عن احتمال انتقال يامال إلى ارتداء القميص الشهير رقم 10 في الموسم المقبل. هذا الرقم يحمله حالياً أنسو فاتي، المرتبط بعقد حتى 2027، وكان قد استعاده بعد عودته من إعارته لبرايتون.

لكن لابورتا لم يؤكد شيئاً بعد، وقال: «لامين اختار القميص رقم 19 الصيف الماضي. سنبحث داخلياً كيفية توزيع الأرقام للموسم الجديد».

وأردف: «لامين تطور كثيراً كلاعب، لكنه دائماً يُظهر روح الفريق. يعجبني فيه أنه، إلى جانب موهبته الفردية، ملتزم بالجانب الجماعي من اللعب».

لامين يامال ليس فقط نجم المستقبل، بل نجم الحاضر أيضاً. ومستقبله مع برشلونة سيكون، دون شك، من أكثر القضايا التي ستخضع للمتابعة الدقيقة في الفترة المقبلة.