في مباراة إنجلترا أمام إيطاليا قبل ثمانية أشهر، حاول هاري ماغواير، تحت الضغط بالقرب من خط التماس بالناحية اليسرى، أن يلعب تمريرة أمامية بقدمه الضعيفة، لكن الكرة ذهبت للاعبي المنتخب الإيطالي وانطلق ماتيو ريتيغي في المساحة الخالية خلف ماغواير ولوك شو - الذي سيتم طرده لاحقاً - وسجل هدفاً. وفي مباراة أوكرانيا ضد إنجلترا في سبتمبر (أيلول) الماضي، كان الأمر يبدو هذه المرة وكأنه خطأ بن تشيلويل، لكنه لم يكن كذلك في حقيقة الأمر، حيث كان من ارتكب الخطأ هو جيمس ماديسون، الذي لم يعد للقيام بواجباته الدفاعية وترك بن تشيلويل بمفرده أمام اثنين من لاعبي أوكرانيا على الجهة اليمنى لأوكرانيا، وهو الأمر الذي مكن يوخيم كونوبليا من إرسال كرة عرضية متقنة قابلها أولكسندر زينتشينكو ووضعها في المرمى.
وفي مباراة أسكوتلندا ضد إنجلترا بعد أيام قليلة، كان كيران تريبيير، الذي يلعب بقدمه اليمنى، هو من يلعب في مركز الظهير الأيسر. تسلم أندرو روبرتسون، الذي يلعب بقدمه اليسرى، الكرة ناحية اليمين، وبالتالي كان روبرتسون يعرف أن ما سيفعله هو آخر شيء يمكن أن يتوقعه أي شخص تقريباً: اتجه ناحية خط التماس ووضع الكرة على قدمه الأضعف وأرسل كرة عرضية حاول ماغواير التعامل معها، لكنه وضعها في شباك فريقه ليحرز هدفاً من نيران صديقة.
وفي مباراة إنجلترا ضد أستراليا الشهر الماضي، كان لدينا ظهير أيسر جديد آخر، الذي كان في هذه الحالة لاعب خط وسط يُدعى ليفي كولويل! نقل لاعبو أستراليا الكرة نحو الجهة اليمنى، حيث كان كولويل يقف بمفرده ولم يحصل على الدعم الدفاعي اللازم من زملائه، وهو الأمر الذي ساعد مارتن بويل على تمرير كرة عرضية إلى ميتشل ديوك، الذي أهدر واحدة من أخطر فرص أستراليا في المباراة. وفي مباراة إنجلترا ضد إيطاليا بعد ذلك بأيام قليلة، عاد تريبيير مرة أخرى للعب في مركز الظهير الأيسر. نجح تريبيير في إيقاف دومينيكو بيراردي، ولكن نظراً لأن وضعية جسم تريبيير كانت موجهة نحو الجهة اليمنى المفضلة لديه، فقد فشل في رؤية جيوفاني دي لورينزو وهو يركض من خلفه. مرر بيراردي الكرة إلى دي لورينزو الذي صنع الهدف لجيانلوكا سكاماكا.
وأمام مالطا في كأس الأمم الأوروبية مؤخراً، وبعد مرور نحو 20 ثانية فقط من بداية اللقاء، كان أول شيء فعلته مالطا بمجرد حصولها على الكرة هو نقلها إلى الجهة اليسرى للمنتخب الإنجليزي، لكن فيكايو توموري - وهو أيضاً ليس ظهيراً أيسر - قطع الكرة هذه المرة وأخرجها إلى رمية تماس. لعبت مالطا رمية التماس واندفعت نحو المرمى، وسدد تيدي تيوما كرة قوية للغاية على بُعد ياردات قليلة من المرمى. وبعد 30 عاماً من اليوم الذي استقبلت فيه إنجلترا هدفاً أمام سان مارينو بعد مرور ثماني ثوانٍ فقط من بداية اللقاء، كانت إنجلترا على وشك استقبال هدف جديد بصورة صادمة أمام أحد المنتخبات الصغيرة.
لذلك، أصبح من الواضح للجميع أن المنتخب الإنجليزي يواجه مشكلة كبيرة في هذا المركز. في الواقع، إذا نظرنا إلى كل الفرص الخطيرة أو الأهداف التي استقبلها المنتخب الإنجليزي منذ كأس العالم الأخيرة سنرى أن الأغلبية العظمى منها جاءت من الجهة اليسرى. وبعد فوز إنجلترا بهدفين دون رد على مالطا، حرص غاريث ساوثغيت على تخفيف الضغط من على كاهل توموري بعد عرض متواضع في مركز لا يلعب به مع ناديه، حيث قال المدير الفني للمنتخب الإنجليزي: «لقد طلبنا من أشخاص مثل فيكايو أن يلعبوا أدواراً ليست في مراكزهم المعتادة، وليس من السهل عليه أن يتألق في هذا الجانب. لدينا مشاكل تتعلق بوفرة الخيارات في ذلك المركز، في الوقت الذي نحاول فيه منح بعض اللاعبين قدراً من الراحة».
وبطبيعة الحال، لم يكن ساوثغيت محظوظاً بشكل خاص في هذا الجزء من الملعب، حيث يغيب لوك شو عن الملاعب منذ ثلاثة أشهر تقريباً بسبب «إصابة عضلية» غامضة، كما يغيب بن تشيلويل عن الملاعب منذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي بسبب مشاكل متكررة في أوتار الركبة. ويتمثل الأمل الآن في أن تختفي هذه المشكلة بمجرد عودة هذين اللاعبين من الإصابة. لكن التركيز فقط على الأفراد يعني تجاهل المشكلة الأكبر، وهي أن المنتخب الإنجليزي يواجه مشكلة دفاعية كبيرة في الناحية اليسرى بغض النظر عن اللاعب الذي يشارك في هذا المركز.
فريق مالطا المصنف 171
على مستوى العالم حاول
استغلال نقطة الضعف
الواضحة في أداء إنجلترا
ولكي نفهم السبب وراء ذلك، دعونا ننظر إلى الجانب الآخر من الملعب. كان ساوثغيت يفضل الاعتماد في الناحية اليمنى خلال الأشهر الأخيرة على كايل ووكر وفيل فودين، اللذين يلعبان سوياً منذ فترة طويلة مع مانشستر سيتي ويفهمان بعضهما جيداً، ويُكمل كل منهما الآخر: اللعب بالقدمين اليسرى واليمنى، والضغط العالي والمتواصل على المنافس، وسرعة العودة للقيام بالواجبات الدفاعية، والدخول إلى عمق الملعب، والمهارة في المرور من المنافسين. وقبل كل شيء، فقد استفادت هذه العلاقة من عامل الوقت، ولهذا السبب بدت إنجلترا أكثر خطورة أمام مالطا بعد أن شارك ووكر بدلاً من تريبيير في مركز الظهير الأيمن.
وفي المقابل، فإن الشراكة الأقرب للمنتخب الإنجليزي في الناحية اليسرى تتمثل في لوك شو وماركوس راشفورد، اللذين يلعبان معاً في مانشستر يونايتد. لكن في ظل غياب شو بسبب الإصابة وابتعاد راشفورد عن مستواه المعروف، اضطر ساوثغيت إلى تجربة بعض البدائل الأخرى. فعندما يلعب شو وجاك غريليش من أمامه، تشعر على الفور بأن هناك فارقاً كبيراً في السرعات بين اللاعبين. وعندما يلعب تريبيير وراشفورد أمامه تشعر بأن هناك عدم تفاهم بينهما؛ وعندما يلعب تشيلويل ومن أمامه ماديسون فإن اللاعبين يتقدمان إلى الأمام كثيراً ويتركان مساحات خالية خلفهما، وهو الأمر الذي سيسبب مشكلات كبيرة أمام المنتخبات الأقوى. ومع ذلك، لم يكن بالإمكان تجربة أي من هذه الشراكات إلا في مباراة واحدة فقط، وبالتالي لم تحصل على الوقت الكافي من أجل التأقلم والتطور.
ويتمثل العائق الآخر هنا في ماغواير، الذي يلعب قلب دفاع ناحية اليسار مع منتخب إنجلترا، وهو المركز الذي لم يعد يشغله مع مانشستر يونايتد تحت قيادة إريك تن هاغ. قال المدير الفني الهولندي الموسم الماضي: «زوايا الرؤية لا تكون جيدة لهاري ماغواير عندما يلعب على الجانب الأيسر. ومن الصعب أيضاً عليه الدفاع في مساحات واسعة بقدمه اليسرى». وفي ظل حاجة ماغواير إلى نقل الكرة دائماً إلى قدمه اليمنى المفضلة بمجرد الاستحواذ على الكرة، فإن المنتخب الإنجليزي غالباً ما يفتقر إلى اللعب السريع من الناحية اليسرى بالشكل الذي يُمكنه من مباغتة المنافسين.
وبالتالي، فإن هذه المشكلة تتجاوز مجرد غياب بعض اللاعبين بداعي الإصابة أو تراجع مستوى بعض اللاعبين، وبالطبع لا يوجد شيء جديد بشأن ضعف الجهة اليسرى للمنتخب الإنجليزي. وتتمثل الصورة الأوسع في أنه إذا عدت لمشاهدة المباريات التي ذكرناها سابقاً، فستجد أن إنجلترا إما فازت أو تعادلت في جميع هذه المباريات. لكن اللعب في البطولات الكبرى مختلف تماماً، حيث تكون المنتخبات الكبرى قادرة على اكتشاف نقاط ضعف المنافسين والضغط عليها بلا رحمة. وإذا كانت هناك نقطة ضعف واضحة في أداء المنتخب الإنجليزي، فمن المؤكد أنها نقطة الضعف التي حاولت مالطا - الفريق المصنف 171 على مستوى العالم - استغلالها!* خدمة «الغارديان»