يتوجه المستثمرون إلى محادثات التجارة المرتقبة هذا الأسبوع بين الزعيمَيْن الأميركي والصيني وسط شعور بـ«تكرار المشهد»؛ إذ يتطلعون إلى إعلان هدنة محتملة، لكنهم في الوقت نفسه يخشون أن تكون الصفقة المنتظرة محدودة المضمون ولا تحمل الكثير للاحتفال به.
وقفزت أسواق الأسهم العالمية، يوم الاثنين، بعد أن أفاد مسؤولون أميركيون بأن مفاوضي البلدين توصّلوا إلى إطار عمل لاتفاقيات تشمل خفض الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات الصينية، مقابل تنازلات من بكين بشأن قيود تصدير المعادن النادرة، وفق «رويترز».
ومع تزايد التوقعات بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب تلك الاتفاقية مع نظيره الصيني شي جينبينغ يوم الخميس، في خطوة تهدف إلى تهدئة العلاقة المتقلبة منذ فترة طويلة بين أكبر اقتصادَين في العالم، ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 1 في المائة، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق.
كما سجلت مؤشرات الأسهم في كوريا الجنوبية وتايوان واليابان مستويات قياسية جديدة، فيما تراجعت الملاذات الآمنة التقليدية مقابل الذهب، في إشارة إلى استعداد المستثمرين لتحمل مزيد من المخاطر.
وهذا النمط تكرر مراراً خلال رئاستَي ترمب الأولى والثانية، كما حدث في أثناء الحرب التجارية مع الصين عام 2019، وبعد حملته العالمية على الرسوم الجمركية فيما سُمّي «يوم التحرير» هذا العام، حين تراجع ترمب في النهاية بعد سلسلة من المواجهات مع شركائه التجاريين.
وقالت الاستراتيجية المتخصصة في الأصول المتعددة في «ميزوهو إنترناشيونال»، إيفلين غوميز-ليشتي: «شهدنا هذه العناوين من قبل، تبعتها اضطرابات في الأسواق، ثم عادت الأجواء لتبدو بنّاءة، والآن بدأ هذا الزخم يتلاشى مجدداً». وأضافت: «بصراحة، كلما صدرت هذه التصريحات من ترمب، فإنها تتبع ما نطلق عليه في وول ستريت نمط (تاكو) -(Trump Always Capitulates Ultimately)- أي أن ترمب يُطلق تهديدات كبيرة ثم يتراجع في النهاية».
وفي الشهر الماضي، تراجعت الأسواق بعد أن هدد ترمب بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100 في المائة على الواردات الصينية، إلى جانب قيود على تصدير برمجيات أميركية الصنع عالية الحساسية، رداً على تشديد بكين قيودها على صادرات المعادن النادرة.
وكما جرت العادة في نمط «تاكو»، ارتفعت الأسهم الصينية لأكثر من أسبوع قبيل انعقاد محادثات شي-ترمب.
حتى وإن لم يسفر الاجتماع المرتقب بين الزعيمَين عن نهاية حاسمة لحربهما التجارية الطويلة، يبدو المستثمرون مستعدين للمراهنة على أي تهدئة محتملة للتوترات.
وقال رئيس استراتيجية أسواق منطقة اليورو في مجموعة «زيوريخ» للتأمين، روس هاتشيسون: «عدد كبير من مديري الصناديق التقديرية التزموا الحذر خلال الفترة الماضية بسبب الاضطرابات الهائلة في بيئة التجارة العالمية»، مضيفاً أن «أي تدفق للأخبار الإيجابية يمكن أن يشكل فرصة لهؤلاء المستثمرين لزيادة تعرضهم للمخاطر».
ومع أن تداول أخبار محادثات التجارة بات مألوفاً للأسواق، فإن لدى المستثمرين أسباباً أخرى تدعوهم إلى التفاؤل والحذر في الوقت ذاته.
وقال كبير مسؤولي الاستثمار، رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة في بنك «يونيون بانكير بريفيه» بلندن، توماس كريستيانسن: «احتمال الوصول إلى نتيجةٍ سلبية لمجرد تحقيق مكاسب سياسية يبدو محدوداً، إذ لا توجد مكاسب كبيرة يمكن لأي من الطرفين جنيها في هذه المرحلة». وأضاف: «إذا نظرنا إلى المسألة بوصفها معضلة فإن النتيجة المنطقية دائماً هي التوصل إلى مستوى معين من الاتفاق».
كما يُتوقع أن يخفّض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة مجدداً هذا الأسبوع، وربما يُخفف السياسة النقدية، وهو ما قد يعزز الزخم الصعودي في الأسواق.
لكن مع بلوغ الأسهم مستويات قياسية جديدة وتركزها الكبير في أسهم الذكاء الاصطناعي، فإن أي نتائج أرباح مخيبة للآمال قد تُبدد التفاؤل المحيط باتفاق التجارة أو تُفاقم الأثر السلبي لأي تعثر في اجتماع ترمب وشي.
وقالت مديرة محفظة الدخل الثابت العالمي في «برانديواين غلوبال»، تريسي تشين: «الوضع غير متناظر؛ إذ إن الأسواق تميل إلى التفاعل بشكل أقوى مع الأخبار السلبية مقارنة بالإيجابية».
وأشار كبير استراتيجيي السوق في شركة «بي رايلي ويلث»، آرت هوغان، إلى أن الأسواق تفترض ضمنياً أن متوسط الرسوم الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة ومعظم شركائها التجاريين سيستقر عند نحو 15 في المائة، مضيفاً: «إذا حدث أي تطور سلبي يُغيّر هذه التوقعات، فستظهر بالتأكيد مخاطر هبوط إضافية».
وللمستثمرين سجلٌّ طويلٌ من الخيبات في هذا الملف، كان أحدثها بعد اتفاق جنيف بين الولايات المتحدة والصين في مايو (أيار) 2025.
وقال استراتيجي العملات الأجنبية والأسعار العالمية في «ماكواري»، تييري ويزمان، في مذكرة بحثية: «لدى الولايات المتحدة والصين تاريخ طويل من المفاوضات التي تنتهي إلى الفشل حتى بعد التوصل إلى اتفاق مبدئي»، مضيفاً: «نتوقع أن يتلاشى الحماس مجدداً».
