منذ لحظة لقائنا معها، بدت حاكمة طوكيو، يوريكو كويكي، كأنها تحمل توازناً بين الحسّ العملي والرؤية بعيدة المدى، وهما سمتان رافقتا مسيرتها الممتدة من البرلمان إلى وزارة الدفاع، فقيادة واحدة من أكثر العواصم تعقيداً في العالم: طوكيو.
شاركت كويكي مؤخراً في «ملتقى فورتشن للسيدات الأقوى»، الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض، وكانت إحدى المتحدثات الرئيسيات في الحدث. ألهمت بكلمتها الشابات، وسلطت الضوء على مسيرة امتدت لعقود في العمل العام، وعلى قناعتها بدور النساء المحوري في التغيير.
في حوارها مع صحيفة «الشرق الأوسط»، استعرضت كويكي أبرز محطات قيادتها، وتحدثت عن التحديات التي واجهتها، ورؤيتها للقيادة النسائية، كما توقفت عند العلاقات بين طوكيو والرياض في ظل الذكرى السبعين للعلاقات الدبلوماسية بين اليابان والمملكة.
الطريق إلى القيادة
قالت كويكي، وهي أول امرأة تتولى منصب عمدة طوكيو، إنها حرصت منذ توليها المنصب على معالجة قضايا لم يسبق للحكام السابقين التعامل معها بجدية. وأوضحت أن من بين هذه القضايا توفير بيئة مناسبة تساعد على التوفيق بين الشريكين وتربية الأطفال، مشيرةً إلى أهمية السياسات التي تلامس حياة النساء بشكل مباشر.
وأضافت أن القائدات من النساء قادرات على تنفيذ سياسات «تلقى صدى» لدى النساء، اللواتي يُشكّلن نصف عدد السكان، مؤكدةً أن قوة التعاطف قادرة على تغيير المجتمع، وهو ما يجعل من النساء صانعات حقيقيات للتغيير، وقادرات على تمهيد الطريق بوصفهن قائدات جديدات.
3 عيون للقيادة
وتحدثت كويكي عن رؤيتها الخاصة لمفهوم القيادة، مشيرةً إلى أنها توصي الشابات بتبني ثلاثة أنواع من «العيون»، بمعنى أن تكون لها رؤية فكرية رمزية تساعد القائد على فهم الواقع والتعامل معه:
أولاً- عيون كالطائر، لرؤية الصورة الكبيرة.
ثانياً- عيون كالحشرة، لملاحظة التفاصيل الدقيقة وفهم ما يحدث فعلياً في اللحظة الراهنة.
ثالثاً- عيون كالسمكة، للإحساس بالاتجاه والتيارات السائدة فيما يحدث من حولنا.
وقالت إن هذه الأنواع الثلاثة من الرؤية لا تقتصر على النساء فقط، بل هي ضرورية لكل من يسعى إلى أن يكون قائداً فعالاً.
استضافة الأولمبياد خلال الجائحة
وتحدثت كويكي عن تجربة استضافة دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية في طوكيو عام 2020، فأكدت أن التحدي كان كبيراً بسبب جائحة كورونا. وقالت: «رغم الجائحة، تمكّنا من إقامة الحدث الدولي بنجاح. وبصراحة، فإن استضافة حدث بهذا الحجم خلال جائحة لم يكن أمراً سهلاً على الإطلاق».
وأوضحت أن الرؤية الواضحة والمشتركة للنجاح، إلى جانب التفاني الثابت لجميع الموظفين، كانا عنصرين حاسمين في تحقيق هذا الإنجاز، مضيفة: «تمكّنا من احتواء انتشار فيروس كورونا، واستضفنا الألعاب بنجاح».
وفيما يتعلق بنهجها في قيادة طوكيو، قالت كويكي إنها دفعت الكثير من المبادرات المبتكرة قدماً، وعلى رأسها تشجيع الزواج وتوفير بيئة مناسبة لتربية الأطفال. وأكدت أن الرؤية الواضحة والثابتة كانت العامل الرئيسي في تحقيق هذه المبادرات.
وأضافت: «عندما يعرض القائد رؤية واضحة، يمكن للموظفين أن يتوحدوا لتجاوز التحديات المختلفة وتحقيق تغييرات تحولية في المجتمع».
70 عاماً من العلاقات
وحول العلاقات السعودية - اليابانية، قالت كويكي إن عام 2025 يحمل أهمية خاصة لأنه يصادف الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ووصفت العاصمتين، طوكيو والرياض، بأنهما مركزان مهمان في آسيا والشرق الأوسط على التوالي، لافتةً إلى أنهما حظيتا في السنوات الأخيرة باهتمام عالمي واسع بفضل استضافة فعاليات دولية كبرى.
وأضافت أنه من الضروري الاستمرار في تبادل الخبرات والنقاشات في مجالات مثل تمكين المرأة وبناء مدن مستدامة، وهي تحديات مشتركة بين البلدين. كما رأت أن زيارتها الرياض في هذا التوقيت تمثل فرصة مثالية لتعزيز العلاقات القيّمة بين العاصمتين، وقالت: «أتطلع من خلالها إلى تقوية الشراكات بين مدينتينا».