صندوق النقد الدولي: على أميركا كبح عجزها ومعالجة عبء ديونها «المتزايد باستمرار»

في ظل خطة ترمب لخفض الضرائب التي تثير مخاوف المستثمرين

النائبة الأولى للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث تلقي كلمة في مؤتمر مالي في اسطنبول (منصة إكس)
النائبة الأولى للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث تلقي كلمة في مؤتمر مالي في اسطنبول (منصة إكس)
TT

صندوق النقد الدولي: على أميركا كبح عجزها ومعالجة عبء ديونها «المتزايد باستمرار»

النائبة الأولى للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث تلقي كلمة في مؤتمر مالي في اسطنبول (منصة إكس)
النائبة الأولى للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي غيتا غوبيناث تلقي كلمة في مؤتمر مالي في اسطنبول (منصة إكس)

دعت مسؤولة كبيرة في صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة إلى خفض عجزها المالي ومعالجة عبء ديونها «المتزايد باستمرار» في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن خطط الرئيس دونالد ترمب لتخفيضات ضريبية شاملة.

وقالت النائبة الأولى للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، غيتا غوبيناث لصحيفة «فاينانشيال تايمز» هذا الأسبوع: «العجز المالي الأميركي كبير جداً ويجب خفضه».

كما حذرت من أن أكبر اقتصاد في العالم لا يزال متأثراً بحالة عدم اليقين «المرتفعة للغاية» بشأن السياسة التجارية على الرغم من «التطورات الإيجابية»، مثل تخفيف إدارة ترمب للرسوم الجمركية على الصين.

جاءت تعليقات غوبيناث بعد أن جردت وكالة «موديز» الولايات المتحدة من آخر تصنيف ائتماني ممتاز متبقٍ لها من الدرجة «إيه إيه إيه» بسبب المخاوف بشأن تنامي ديون البلاد. وزاد اقتراح ترمب بتمديد تخفيضاته الضريبية لعام 2017 إلى ما بعد هذا العام من تلك المخاوف وأثار قلق المستثمرين.

وتقول الإدارة إن التخفيضات - إلى جانب تحرير القيود - ستغطي تكاليفها من خلال نمو أعلى، لكن لا «موديز» ولا الأسواق المالية مقتنعة بذلك. وقالت وكالة التصنيف الائتماني الأسبوع الماضي إن التشريع المقترح، الذي وصفه ترمب بأنه «مشروع القانون الكبير والجميل»، سيرفع عجز الولايات المتحدة من 6.4 في المائة العام الماضي إلى أقل بقليل من 9 في المائة بحلول عام 2035.

وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت لشبكة «إن بي سي» يوم الأحد إن تخفيض «موديز» للتصنيف الائتماني كان «مؤشراً متأخراً»، ملقياً باللوم في الوضع المالي على إدارة بايدن. وأضاف أن الإدارة «عازمة على خفض الإنفاق وتنمية الاقتصاد». وكان قد صرح سابقاً بأنه سيخفض العجز إلى 3 في المائة بنهاية ولاية ترمب.

لكن غوبيناث أشارت إلى أن نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي «في تزايد مستمر»، مضيفةً: «يجب أن تكون لدينا سياسة مالية في الولايات المتحدة تتسق مع خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بمرور الوقت».

وبلغ دين الحكومة الفيدرالية الذي يحمله الجمهور 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2024، مقارنة بـ73 في المائة قبل عقد من الزمان، وفقاً لمكتب الموازنة في الكونغرس. على الرغم من أن صندوق النقد الدولي توقع الشهر الماضي انخفاض العجز المالي الأميركي هذا العام مع نمو عائدات الرسوم الجمركية، فإن هذه التوقعات لم تأخذ في الاعتبار مشروع قانون ترمب الضريبي، الذي يشق طريقه عبر الكونغرس. وأضافت غوبيناث أن بيسنت كان محقاً في اتخاذ «قرار واضح» بخفض العجز المالي.

يضغط ترمب على الجمهوريين في مجلس النواب، حيث يتمتع بأغلبية ضئيلة، لدعم التشريع، بحجة أن القيام بخلاف ذلك سيزيد من فواتير الضرائب على الناخبين.

بيسنت يدلي بشهادته أمام لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الأميركي (رويترز)

وأدت مخاوف العجز وخفض تصنيف وكالة «موديز» إلى انخفاض الدولار ودفع الأسعار إلى الانخفاض وارتفاع العائدات في سوق سندات الخزانة. وارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 30 عاماً يوم الاثنين إلى 5.04 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2023.

يعني العجز الأكبر أن الحكومة ستضطر إلى بيع المزيد من السندات في وقت بدأ فيه المستثمرون الأجانب والمحليون يشككون في استقرار السوق الأميركية. وفي أبريل (نيسان)، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي بنحو نقطة مئوية واحدة إلى 1.8 في المائة في عام 2025، بينما خفّض توقعاته للنمو العالمي إلى 2.8 في المائة، نظراً لتأثير رسوم ترمب الجمركية.

ومنذ ذلك الحين، أعلن ترمب عن تخفيضات حادة في الرسوم الجمركية الأميركية، حيث اتفقت الصين والولايات المتحدة على خفض الرسوم الجمركية على كل منهما بمقدار 115 نقطة مئوية لمدة 90 يوماً.

ترمب يتحدث إلى أعضاء وسائل الإعلام أثناء مغادرته اجتماعاً للحزب الجمهوري في مبنى الكابيتول (أ.ف.ب)

وقالت غوبيناث: «إن تعليق الرسوم الجمركية مع الصين تطور إيجابي». لكنها أكدت أن معدل الرسوم الجمركية الفعلي الأميركي لا يزال أعلى بكثير مما كان عليه في العام الماضي، وأن الرسوم الجمركية المرتفعة على الصين قد تم تعليقها مؤقتاً فقط.

ولفتت إلى أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول كانت متوافقة تقريباً مع توقعات صندوق النقد الدولي، مضيفةً أن البيانات لا تزال صعبة القراءة لأن الشركات سارعت إلى شراء الإمدادات قبل فرض رسوم ترمب الجمركية.

قالت: «سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تظهر آثار كل هذه التطورات من خلال البيانات». وأضافت: «من الإيجابي للغاية أن يكون متوسط ​​أسعار التعريفات الجمركية أقل من تلك التي افترضناها في أبريل... ولكن هناك مستوى عالٍ جداً من عدم اليقين، وعلينا أن نرى ما ستكون عليه الأسعار الجديدة».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد وزيرة الموازنة الفرنسية أميلي دي مونتشالين (رويترز)

وزيرة الموازنة تُحذر: فرنسا أمام خطر إشراف دولي بسبب تدهور ماليتها

حذرت وزيرة الموازنة الفرنسية، أميلي دي مونتشالين، من أن فرنسا بحاجة ماسة إلى تنظيم وإعادة ترتيب شؤونها المالية، وإلا فإنها قد تواجه خطر الخضوع لإشراف دولي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد شعار صندوق النقد الدولي في مقره الرئيسي بواشنطن (رويترز)

صندوق النقد الدولي: لبنان يحرز تقدماً لكنه يحتاج لتمويل خارجي ميسر

أعلن صندوق النقد الدولي، يوم الخميس، عقب أسبوع من الاجتماعات في بيروت، أن لبنان أحرز تقدماً في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لإنعاش اقتصاده.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام يترأس اجتماعاً مع بعثة صندوق النقد الدولي في السراي الكبيرة (منصة إكس)

وزير المالية اللبناني: أولويتنا معالجة أزمة المصارف وحماية المودعين

قال وزير المالية اللبناني ياسين جابر، إن استعادة الثقة بالقطاع المصرفي أمر أساسي لإعادة تنشيط الاقتصاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد النائبة الأولى للمديرة العامة للصندوق غيتا غوبيناث خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (إكس)

صندوق النقد الدولي: سياسات ترمب التجارية أشد وطأة على الأسواق الناشئة من «كوفيد»

حذرت مسؤولة بارزة في صندوق النقد الدولي من أن الحرب التجارية التي يشنها دونالد ترمب تمثل تحدياً أصعب لصناع السياسات في الأسواق الناشئة مقارنة بأزمة «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أزمة طيران عالمية بسبب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران

صالة المغادرة خاوية بمطار بن غوريون في تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية لإيران (أ.ف.ب)
صالة المغادرة خاوية بمطار بن غوريون في تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية لإيران (أ.ف.ب)
TT

أزمة طيران عالمية بسبب التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران

صالة المغادرة خاوية بمطار بن غوريون في تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية لإيران (أ.ف.ب)
صالة المغادرة خاوية بمطار بن غوريون في تل أبيب عقب الضربة الإسرائيلية لإيران (أ.ف.ب)

في تطور خطير له تداعيات مباشرة على قطاع الطيران العالمي، اضطربت حركة الملاحة الجوية بشكل واسع صباح الجمعة عقب شن إسرائيل هجمات عسكرية على أهداف في إيران. ومع اتساع رقعة التصعيد، اضطرت شركات طيران عدّة إلى تعليق رحلاتها وتحويل مساراتها، في حين أغلقت دول عدة مجالاتها الجوية؛ تحسباً لأي تطورات أمنية مفاجئة.

وشهدت منطقة الشرق الأوسط إغلاقاً واسعاً لعدد من المجالات الجوية الحيوية بعد بدء الضربات الإسرائيلية على منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية في إيران. وقد أدى ذلك إلى شلل مؤقت في حركة الطيران، خاصة في أجواء، إسرائيل، وإيران، والعراق، والأردن وسوريا. وأفادت بيانات موقع «فلايت رادار 24» بأن كثيراً من شركات الطيران سارعت إلى تحويل رحلاتها بعيداً عن مناطق النزاع؛ حفاظاً على سلامة الركاب وأطقم الطيران.

وأغلقت إسرائيل مطار بن غوريون في تل أبيب حتى إشعار آخر، ووضعت منظومات الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى؛ ترقباً لأي ضربات انتقامية إيرانية محتملة. وبدورها، أعلنت السلطات الإيرانية تعليق الرحلات من مطار الخميني الدولي في طهران مع إغلاق المجال الجوي الإيراني مؤقتاً. كما أغلقت كل من العراق والأردن المجال الجوي؛ ما أثر على أحد أكثر ممرات الطيران ازدحاماً في العالم، الذي يربط أوروبا بالخليج وآسيا.

وأعلنت «طيران الإمارات» تعليق جميع رحلاتها إلى العراق، والأردن، ولبنان وإيران، كما نشرت على موقعها الإلكتروني قائمة بالرحلات الملغاة. وأكدت سلطات دبي تسجيل تأخير أو إلغاء بعض الرحلات في مطاري دبي الدولي ودبي وورلد سنترال نتيجة الإغلاق الجزئي للأجواء.

أما «الاتحاد للطيران» الإماراتية فقد علّقت رحلاتها كافة بين أبوظبي وتل أبيب، بينما أعلنت «فلاي دبي» تعليق رحلاتها إلى عمان، وبيروت ودمشق إضافة إلى إيران وإسرائيل، وأعادت جدولة كثير من الرحلات الأخرى.

من جانبها، علّقت «الخطوط الجوية القطرية» رحلاتها إلى إيران والعراق بشكل مؤقت، بينما حذرت الإدارة العامة للطيران المدني في الكويت من تحويل وإلغاء بعض الرحلات في مطار الكويت الدولي نتيجة الإغلاق الجزئي للأجواء المجاورة.

أما «طيران الخليج» البحرينية فقد نبّهت إلى احتمال تأجيل أو إلغاء بعض الرحلات، في حين ألغت «الخطوط الجوية السورية» جميع رحلاتها من وإلى الإمارات والسعودية مؤقتاً.

على صعيد الشركات العالمية، أعلنت «لوفتهانزا» الألمانية تعليق رحلاتها إلى طهران وتل أبيب حتى نهاية يوليو (تموز)، وإلغاء رحلاتها إلى عمان وبيروت وأربيل حتى 20 يونيو (حزيران) الحالي، مع تجنب التحليق فوق المجال الجوي للدول المتأثرة. وشمل القرار أيضاً شركات: «سويس إير»، و«أوستريان إيرلاينز»، و«يورو وينغز»، و«بروسلز»، و«إيتا إيرويز» و«لوفتهانزا كارغو».

ومن جانبها، حولت «الخطوط الجوية الهندية» مسارات رحلاتها المتجهة إلى أوروبا وأميركا الشمالية، كما أعلنت «إيروفلوت» الروسية و«إيجيان إيرلاينز» اليونانية و«إيه جيت التركية» التركية تعليق أو إعادة جدولة كثير من رحلاتها المتجهة إلى المنطقة. كذلك، أعلنت شركة «بيغاسوس» التركية تعليق رحلاتها إلى إيران، والعراق والأردن.

كما ألغت «كيه إل إم» الهولندية جميع رحلاتها إلى تل أبيب حتى مطلع يوليو، وأعلنت شركات الطيران الإسرائيلية «العال»، و«يسرائير»، و«أركيع» نقل طائراتها إلى مطارات خارج إسرائيل في إطار خطط طوارئ معدة مسبقاً، حيث تم نقل بعضها إلى قبرص وأوروبا.

وفي تطور إقليمي إضافي، حولت مطارات قبرص 32 رحلة قادمة من الشرق الأوسط إلى مطاري لارنكا وبافوس، إجراءً احترازياً تحسباً لتدهور الأوضاع الأمنية.

وتؤكد هذه الأحداث حجم المخاطر الجيوسياسية التي تهدد صناعة الطيران العالمية، حيث أصبحت مناطق النزاع عبئاً متزايداً على عمليات شركات الطيران وربحيتها، بحسب تحليلات «أوزبري فلايت سوليوشنز». ويؤدي إغلاق مساحات جوية واسعة إلى زيادة تكاليف التشغيل مع لجوء شركات الطيران إلى اتخاذ مسارات أطول عبر وسط آسيا أو شبه الجزيرة العربية؛ الأمر الذي يرفع من استهلاك الوقود وأوقات الرحلات ويؤثر على جداول الرحلات والالتزامات اللوجيستية.

وبحسب بيانات «يوروكنترول»، يمر يومياً نحو 1400 رحلة عبر أجواء الشرق الأوسط بين أوروبا وآسيا والخليج؛ ما يوضح حجم التأثير المباشر لأي إغلاق مفاجئ في المنطقة.

وسط هذه الفوضى الجوية، أصدرت جهات تنظيمية عدّة تحذيرات عاجلة لشركات الطيران بتوخي «أقصى درجات الحذر» في المنطقة، وفقاً لما أورده موقع «سيف إير سبيس» المختص بمخاطر الطيران. كما دعت مطارات مثل مطار زايد الدولي في أبوظبي ومطارات دبي المسافرين إلى متابعة تحديثات شركات الطيران بشكل مستمر؛ نظراً لاحتمال حدوث تغييرات طارئة في مواعيد الرحلات.

وبحسب المحللون، وفي ظل التصعيد المتسارع، تبقى المخاوف قائمة من أن تتحول هذه الأزمة إلى صراع أوسع قد يمتد أثره إلى قطاعات النقل والتجارة والاقتصاد العالمي بشكل أعمق. وتبقى الشركات والسلطات المعنية في حالة استنفار قصوى، وسط ترقب لما ستسفر عنه الأيام المقبلة من تطورات قد تعيد رسم خريطة الملاحة الجوية في المنطقة والعالم.