ثلث سكان العالم مهددون بالجفاف وتدهور الأراضي... والسعودية تقود مساعي دولية لمواجهتهما

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: 1.8 مليار نسمة متأثرين ومعظمهم من الدول النامية

TT

ثلث سكان العالم مهددون بالجفاف وتدهور الأراضي... والسعودية تقود مساعي دولية لمواجهتهما

أعلام دول العالم في مدخل «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)
أعلام دول العالم في مدخل «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

قبل أكثر من ثلاثة عقود، وتحديداً في عام 1992، اجتمع قادة العالم في ريو دي جانيرو البرازيلية خلال «قمة الأرض»، لوضع حلول جذرية لمشكلات البيئة المتفاقمة. أثمرت هذه القمة عن ثلاث اتفاقيات دولية كبرى، تُعرف بـ«اتفاقيات ريو»، وهي: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الاتفاقيات إطاراً دولياً للعمل البيئي المشترك.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استضافت السعودية مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16) المتعلق باتفاقية التصحر، والذي عُقد لأول مرة في الشرق الأوسط، واستمر لمدة أسبوعين في العاصمة الرياض، بمشاركة وفود من نحو 200 دولة. وشكل المؤتمر منصة عالمية لمناقشة تحديات التصحر وتدهور الأراضي، وطرح حلول لمكافحة هذه الظواهر، ونتج عنه 35 قراراً. أما مؤتمر الأطراف المقبل فمن المقرره عقده في منغوليا عام 2026 ليكون محطة رئيسية لمتابعة تنفيذ القرارات وتعزيز الجهود العالمية في مكافحة التصحر والجفاف.

صورة جماعية لزعماء العالم مجتمعين في «قمة الأرض» في ريو دي جانيرو البرازيل 13 يونيو 1992 (صور الأمم المتحدة: ميتشوس تزوفاراس)

وأطلقت السعودية خلال مؤتمر الأطراف «شراكة الرياض العالمية لمقاومة الجفاف»، حيث يُعتبر الجفاف أحد التحديات العالمية، ويؤثر على 1.8 مليار نسمة، أي ما يقارب ثلث سكان الكرة الأرضية، ومعظم المتأثرين في دول نامية، ومعظمهم من الأطفال والنساء والمجموعات الحساسة، كما روى الدكتور أسامة فقيها، وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة، لصحيفة «الشرق الأوسط».

وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة الدكتور أسامه فقيها متحدثاً لصحيفة «الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

توازن بين الجدية والاحتفاء بالثقافات وصف فقيها ما حصل في المؤتمر بأنه كان مزيجاً متوازناً بين المناقشات الجادة والاحتفاء بالتنوع الثقافي، حيث انقسم إلى منطقتين رئيسيتين:

* المنطقة الزرقاء التي أدارتها الأمم المتحدة، واحتضنت مفاوضات رفيعة المستوى حول سبل مكافحة التصحر، وشح التمويل، وتأثير ذلك على الأمن الغذائي والهجرة. اقتصرت هذه الجلسات على قادة الدول والوفود الرسمية، وشهدت نقاشات معمقة حول الحلول المستدامة.

جانب من المنطقة الزرقاء في «كوب 16» بالعاصمة السعودية لرياض (الشرق الأوسط)

* المنطقة الخضراء التي أشرفت عليها السعودية، وشملت «منتدى مبادرة السعودية الخضراء»، إلى جانب معرض لأحدث تقنيات التشجير، وأكثر من 300 جلسة حوارية حول قضايا المناخ، بحضور طلاب وعائلات وزوار من مختلف الفئات العمرية.

جانب من المنطقة الخضراء في «كوب 16» بالعاصمة السعودية لرياض (الشرق الأوسط)

وفي أرجاء المؤتمر، امتزجت الحوارات البيئية الجادة بالأجواء الثقافية، حيث تعالت أصوات «العرضة السعودية» بجوار عزف الموسيقى الكلاسيكية، وسط استعراض للأزياء التقليدية من مختلف الدول، وتقديم القهوة العربية. هذا التمازج الفريد بين العمل البيئي والاحتفاء بالتنوع الثقافي أضفى على المؤتمر طابعاً مميزاً، يعكس روح الانفتاح والتعاون الدولي.

تحديات تمويل استصلاح الأراضي

تواجه جهود استصلاح الأراضي المتدهورة تحديات تمويلية كبيرة، إذ أصدرت الأمم المتحدة خلال المؤتمر تقريراً يؤكد الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لاستعادة أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة، وهي مساحة تعادل حجم دولة كندا. ويتطلب تحقيق هذا الهدف ضخّ مليار دولار يومياً لمدة ست سنوات. وأشار البنك الدولي من جهته إلى أن معدلات الجفاف ارتفعت بنسبة 233 في المائة خلال الخمسين عاماً الماضية، لافتاً إلى أن العديد من خطط الجفاف الوطنية لم تُترجم إلى استثمارات فعلية على أرض الواقع. كما حذّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو من أن ثمانية من بين أكثر عشر دول تعرضاً للجفاف تقع في منطقة الشرق الأوسط، حيث تحتاج هذه الدول إلى تمويل سنوي يقدر بنحو 500 مليون دولار لدعم القطاع الزراعي في 22 دولة، مما يسلط الضوء على الفجوة التمويلية الكبيرة التي تعيق جهود مكافحة التصحر واستصلاح الأراضي.

طفل يجثو فوق أرض متشققة عند سد المسيرة في قرية أولاد عيسى مسعود وسط أسوأ موجة جفاف تشهدها المغرب منذ ما لا يقل عن أربعة عقود (أ.ف.ب)

التزامات مالية لمواجهة التحديات البيئية

رغم التحديات التمويلية الضخمة، تم الإعلان عن تعهدات مالية بقيمة 12 مليار دولار خلال المؤتمر، أبرزها:

* مجموعة التنسيق العربية: 10 مليارات دولار.

* البنك الإسلامي للتنمية: مليار دولار.

* صندوق أوبك: مليار دولار.

* السعودية: 150 مليون دولار لدعم 80 دولة متضررة من الجفاف عبر «شراكة الرياض العالمية».

* إيطاليا والنمسا: دعم مبادرة «الجدار الأخضر العظيم» في أفريقيا بـ14.6 مليون يورو.

* استثمار 70 مليون دولار في «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» لتعزيز الأمن الغذائي. لقد أسدل المؤتمر الستار بإقرار 35 قراراً شملت مكافحة تدهور الأراضي والجفاف، وتعزيز البحث والابتكار، وإشراك المرأة والشباب والمجتمعات المحلية في مواجهة التحديات البيئية. كما تم الاتفاق على إدراج مواضيع جديدة ضمن الاتفاقية، مثل إدارة المراعي، ونظم الأغذية الزراعية المستدامة.

ومن جهته، شدَّد وكيل وزارة البيئة على أن الجفاف والتصحر يمثلان تحديات بيئية كبرى تهدد الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في مختلف أنحاء العالم، خاصة في الدول النامية التي تعاني من شح الموارد وضعف التمويل. وأشار إلى أن مؤتمر الأطراف (كوب 16) في الرياض نجح في وضع هذه القضايا في صدارة الأجندة الدولية، من خلال جذب التزامات مالية وإطلاق مبادرات واعدة، من أبرزها «شراكة الرياض العالمية لمقاومة الجفاف»، التي تعكس التزام السعودية بدورها الريادي في حماية البيئة واستصلاح الأراضي.

مها عربي في إحدى المحميات في السعودية (مبادرة السعودية الخضراء)

ورغم التقدم المحرز، لا يزال الطريق طويلاً في ظل الفجوة التمويلية العميقة، التي تعيق التنفيذ الشامل للحلول البيئية. ويُشكّل مؤتمر الأطراف القادم في منغوليا 2026 محطة لمتابعة تنفيذ القرارات وتعزيز الجهود العالمية في مكافحة التصحر والجفاف.


مقالات ذات صلة

رئاسة «كوب 16» تجدد التأكيد على أهمية العمل الدولي لحماية الأراضي والحدّ من الجفاف

الاقتصاد الدكتور أسامة فقيها وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة لشؤون البيئة ومستشار رئاسة «كوب16» خلال المشاركة (الشرق الأوسط)

رئاسة «كوب 16» تجدد التأكيد على أهمية العمل الدولي لحماية الأراضي والحدّ من الجفاف

أكدت رئاسة الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أهمية تعظيم العمل الدولي لحماية الأراضي والحد من الجفاف.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
خاص مختار باباييف خلال مشاركته في ندوة أوبك الدولية الأخيرة (الشرق الأوسط)

خاص رئيس «كوب 29»: التعاون الدولي ضرورة حتمية لمواجهة تغير المناخ

أكد مختار باباييف، الرئيس المعيّن لمؤتمر «كوب 29»، أن التعاون الدولي أصبح اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لمواجهة التحديات المعقدة التي يفرضها التغير المناخي.

مساعد الزياني (الرياض)
الخليج صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» في الرياض: 35 قراراً لمكافحة التصحر

اختتم مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) اجتماعاته في الرياض، أمس، بالموافقة على 35 قراراً حول مواضيع محورية تسهم في الحد من تدهور

عبير حمدي ( الرياض)
الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

لا تزال المداولات مستمرة في الساعات الأخيرة قبل اختتام مؤتمر «كوب 16» المنعقد بالرياض.

عبير حمدي (الرياض)

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
TT

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

ارتفعت أسهم الصين يوم الجمعة، منهيةً سلسلة خسائر استمرت 3 أيام، ومعاكسةً خسائرها السابقة خلال الأسبوع، حيث عزز تجدد التفاؤل بشأن شركات صناعة الرقائق المحلية المعنويات.

وأغلق مؤشر «شنغهاي المركب» على ارتفاع بنسبة 0.7 في المائة ليصل إلى 3,902.81 نقطة، مسجلاً أول مكسب يومي له بعد 3 انخفاضات متتالية، ليصل بذلك تقدم الأسبوع إلى 0.4 في المائة. كما ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية بنسبة 0.8 في المائة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1.3 في المائة هذا الأسبوع. وفي هونغ كونغ، ارتفع مؤشر «هانغ سنغ» القياسي بنسبة 0.6 في المائة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 0.9 في المائة خلال الأسبوع. كما ارتفع مؤشر التكنولوجيا بنسبة 0.8 في المائة.

وكان سهم «مور ثريدز»، الذي يُطلق عليه غالباً اسم «إنفيديا الصين»، محور الاهتمام يوم الجمعة، حيث ارتفع بنحو 5 أضعاف في أول ظهور له بالبورصة، حيث راهن المستثمرون على أن الشركة الخاضعة لعقوبات أميركية ستستفيد من جهود بكين لتعزيز إنتاج الرقائق محلياً.

وجاء هذا الظهور القوي للشركة عقب أنباء عن تقديم مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين، مشروع قانون يوم الخميس، يهدف إلى منع إدارة ترمب من تخفيف القيود المفروضة على وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة من «إنفيديا» و«إيه إم دي» خلال العامين ونصف العام المقبلة.

وقال باتريك بان، استراتيجي الأسهم الصينية في «دايوا كابيتال ماركتس» بهونغ كونغ، إن الإنجازات التكنولوجية الصينية، بالإضافة إلى «الفخر الوطني»، وسط التوترات الجيوسياسية، من المتوقع أن تظل ركيزة أساسية لسوق الصعود البطيء خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة. وأضاف في مذكرة: «من منظور طويل الأجل، نعتقد أن التراجع الأخير في الأسهم الصينية، كان من المفترض أن يُتيح مزيداً من الفرص الصاعدة للعام المقبل». كما أسهم قطاع التأمين في دعم السوق يوم الجمعة، حيث ارتفع بنسبة 4.5 في المائة، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن أعلنت الهيئة التنظيمية للقطاع أنها ستخفض عامل المخاطرة لشركات التأمين التي تمتلك أسهماً معينة، وهي خطوة قد تُقلل متطلبات رأس المال وتُتيح مزيداً من الأموال للاستثمار.

وعلى الجانب الآخر، انخفض مؤشر «سي إس آي300 للعقارات» بنسبة 0.2 في المائة، مُواصلاً انخفاضه الأخير. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار المنازل في الصين بنسبة 3.7 في المائة هذا العام، ومن المرجح أن تستمر في الانخفاض حتى عام 2026 قبل أن تستقر في عام 2027، وفقاً لأحدث استطلاع أجرته «رويترز».

• اليوان مستقر

ومن جانبه، استقر اليوان الصيني مقابل الدولار يوم الجمعة، مع تزايد قلق المستثمرين، بعد أن أبدى البنك المركزي قلقاً متزايداً إزاء المكاسب السريعة الأخيرة، في حين تتطلع الأسواق إلى اجتماع مهم لاستشراف اتجاهات السياسة النقدية للعام المقبل.

وأفادت مصادر لـ«رويترز» بأن البنك المركزي أبدى حذره من الارتفاعات السريعة من خلال تصحيحه التوجيهي الرسمي، واشترت بنوك حكومية كبرى الدولار في السوق الفورية المحلية هذا الأسبوع، واحتفظت به في مسعى قوي غير معتاد لكبح جماح قوة اليوان. وقال متداولو العملات إن هذه التحركات دفعت بعض المستثمرين إلى جني الأرباح والانسحاب من السوق. واستقر اليوان المحلي إلى حد كبير عند 7.0706 للدولار بدءاً من الساعة 03:35 بتوقيت غرينيتش، منخفضاً عن أعلى مستوى له في 14 شهراً عند 7.0613 الذي سجله يوم الأربعاء. وكان نظيره في الخارج قد وصل في أحدث تداولات إلى 7.0686 يوان للدولار. وقبل افتتاح السوق يوم الجمعة، حدد بنك الشعب الصيني (المركزي) سعر نقطة المنتصف عند 7.0749 للدولار، وهو أعلى بنقطتين من تقديرات «رويترز» البالغة 7.0751. وجاء سعر نقطة المنتصف يوم الجمعة متوافقاً تقريباً مع توقعات السوق، منهياً 6 جلسات متتالية من الإعدادات الرسمية الأضعف من المتوقع.

وشهد سعر تثبيت سعر الصرف يوم الخميس، أكبر انحراف عن الجانب الضعيف منذ توفر البيانات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. ويُسمح لليوان الفوري بالتداول بحد أقصى 2 في المائة على جانبي نقطة المنتصف الثابتة يومياً. وصرح سون بينبين، كبير الاقتصاديين في شركة «كايتونغ» للأوراق المالية، بأنه من المتوقع أن ترتفع حصة اليوان المستخدمة في التجارة الخارجية والاستثمارات الخارجية للصين بشكل أكبر، مما سيساعد في رفع قيمة العملة على المديين المتوسط والطويل.

وأضاف سون: «مع ذلك، لا ينبغي أن تكون وتيرة وحجم الارتفاع سريعين للغاية، لتجنب التأثير سلباً على نمو الصادرات»، متوقعاً أن يصل اليوان إلى مستوى 7 يوانات للدولار، وهو مستوى مهم نفسياً، بحلول النصف الأول من العام المقبل. ويتوقع المتداولون والمحللون أن تُدير السلطات بعناية، وتيرة مكاسب اليوان لتحقيق التوازن بين نموه العالمي وقدرته التنافسية في الصادرات. وصرح إلياس حداد، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق في «براون براذرز هاريمان»: «نرى أن استمرار ارتفاع قيمة العملة الصينية قد يُساعد البلاد في تحويل نموذج نموها نحو الإنفاق الاستهلاكي من خلال تعزيز الدخل المتاح من خلال خفض أسعار الواردات».

وبالنظر إلى العوامل المحفزة على المدى القريب، سيتحول معظم اهتمام السوق إلى مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المُقرر عقده في وقت لاحق من هذا الشهر، بحثاً عن تلميحات محتملة حول أجندة السياسات للعام المقبل. وقال صموئيل تسي، كبير الاقتصاديين في بنك «دي بي إس»: «تتوقع السوق نبرة سياسية أكثر تفاؤلاً من مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المُقرر عقده». وأضاف: «من المرجح أن تشمل التوجهات السياسية الرئيسية دعماً أقوى للاستهلاك من خلال إعانات أكثر صرامة، وزيادة خلق فرص العمل، وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي».


توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
TT

توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)

توقع المعهد الاقتصادي الألماني (آي دبليو) في تقريره، الجمعة، أن يظل تعافي الاقتصاد الألماني هشاً خلال العام المقبل، في ظل استمرار معاناة الصادرات وتباطؤ النشاط التجاري العالمي.

ويرجّح المعهد أن يسجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ألمانيا نمواً طفيفاً نسبته 0.1 في المائة خلال العام الحالي بعد عامين من الانكماش، على أن يرتفع النمو إلى 0.9 في المائة في عام 2026، في تحسن يُعدّ ملحوظاً قياساً بالسنوات السابقة، وفق «رويترز».

وقال كبير اقتصاديي المعهد، مايكل غروملينغ، إن ألمانيا بدأت تخرج نسبياً من حالة الصدمة. ومع ذلك، يشير المعهد إلى أن نحو ثلث النمو المتوقع يعود إلى أثر التقويم؛ إذ سيشهد عام 2026 زيادة بنحو يومين ونصف اليوم في عدد أيام العمل مقارنة بعام 2025.

وكانت وزارة الاقتصاد الألمانية قد عدّلت في أكتوبر (تشرين الأول) توقعاتها لنمو 2025 إلى 0.2 في المائة، مع توقع نمو نسبته 1.3 في المائة في عام 2026.

عبء ضريبي غير مسبوق

أفاد المعهد بأن معدل الضرائب والمساهمات الاجتماعية في ألمانيا سيبلغ 41.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ارتفاعاً من 40.2 في المائة في العام السابق، وهو مستوى قياسي جديد.

وقال غروملينغ إن الاقتصاد الألماني يواجه أعباءً حكومية متزايدة، حتى في أوقات التباطؤ الاقتصادي، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع الإنفاق الدفاعي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، إضافة إلى التزامات اجتماعية متنامية تشمل المعاشات والتأمين الصحي وتأمين البطالة.

التوترات التجارية العالمية تثقل كاهل الاقتصاد

تتزايد حدة التأثير السلبي للرسوم الجمركية الأميركية والتوترات الجيوسياسية عبر العالم. فبعد نمو قدره 4.5 في المائة في التجارة العالمية في 2025، يتوقع المعهد تباطؤ النمو إلى 1.5 في المائة فقط في عام 2026.

وأشار المعهد إلى أن ضغوط التجارة الخارجية لا تزال تكبح استثمارات القطاع الخاص في ألمانيا، في حين أن الاستثمارات الحكومية لن تُنفَّذ بالكامل على الأرجح خلال العام المقبل. ومع ذلك، من المتوقع أن يسهم الاستثماران العام والخاص معاً بـ0.5 نقطة مئوية في النمو لعام 2026.

ضعف مستمر في سوق العمل وإنفاق المستهلك

يتوقع المعهد أن يبقى إنفاق المستهلكين دون إمكاناته، رغم استقرار التضخم عند قرابة 2 في المائة؛ وذلك بسبب ضعف آفاق التوظيف.

وقد يقترب عدد العاطلين عن العمل من 3 ملايين شخص، مع ركود في إجمالي مستويات التوظيف، في حين يُتوقع أن يخسر القطاع الصناعي مزيداً من الوظائف؛ ما يلقي بمزيد من الضغوط على توقعات النمو.

كما يُرجّح أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 66 في المائة، وأن تتجاوز حصة الحكومة من الناتج الاقتصادي 50 في المائة؛ ما يعكس زيادة الأعباء المالية على الدولة.

ارتفاع قوي في الطلبات الصناعية

على صعيد آخر، أظهرت بيانات رسمية صدرت الجمعة أن الطلبات الصناعية الألمانية ارتفعت بأكثر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، رغم أن الزيادة جاءت مدفوعة بالطلبات كبيرة الحجم.

وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي أن الطلبات ارتفعت 1.5 في المائة عن الشهر السابق بعد التعديلين الموسمي والتقويمي، مقابل توقعات استطلاع «رويترز» بارتفاع نسبته 0.4 في المائة فقط.

وباستثناء السلع الباهظة، زادت الطلبات الجديدة بنسبة 0.5 في المائة على أساس شهري. وأظهرت متوسطات الأشهر الثلاثة من أغسطس (آب) إلى أكتوبر تراجعاً بنسبة 0.5 في المائة مقارنة بالفترة السابقة.

كما تم تعديل بيانات سبتمبر (أيلول) لتظهر ارتفاعاً بنسبة 2 في المائة على أساس شهري بدلاً من القراءة الأولية البالغة 1.1 في المائة.


آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
TT

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند، مع سعي المستثمرين لتنويع محافظهم الاستثمارية، رغم المخاوف من ارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا التي قد تؤثر سلباً على الزخم.

وأظهرت بيانات بورصة لندن أن صفقات سوق رأس المال الاستثماري في آسيا، بما في ذلك الطروحات العامة الأولية وسندات المتابعة والسندات القابلة للتحويل، بلغت حتى الآن 267 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 15 في المائة عن عام 2024، مسجلة أول ارتفاع سنوي منذ عام 2021، وفق «رويترز».

وهيمنت هونغ كونغ، الوجهة المفضلة للشركات الصينية، على صفقات رأس المال الإقليمي، محققة 75 مليار دولار حتى الآن في 2025، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما جُمعت العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ 2021.

في المقابل، جمعت الهند 19.3 مليار دولار عبر الاكتتابات العامة الأولية حتى الآن هذا العام، بانخفاض 6 في المائة عن الرقم القياسي المسجل في 2024 والبالغ 20.5 مليار دولار. ولا تشمل البيانات الاكتتاب العام الأولي لمنصة التجارة الإلكترونية «ميشو» بقيمة 604 ملايين دولار، والذي يتم هذا الأسبوع.

وصرح جيمس وانغ، رئيس قسم إدارة رأس المال الاستثماري في آسيا باستثناء اليابان لدى «غولدمان ساكس»: «كان انتعاش الصين واستمرار توسع الهند المحركين الرئيسيين لإصدارات الأسهم في جميع أنحاء آسيا هذا العام». وأضاف: «نتوقع أن يظل السوقان محوريين لتدفقات الصفقات الإقليمية في 2026، وما زلنا في المراحل الأولى من انتعاش أوسع مدعوماً بالنمو الاقتصادي وتحسن أرباح الشركات».

وتشير توقعات شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية «إيكويروس كابيتال» إلى أن الهند قد تحقق ما يصل إلى 20 مليار دولار من الاكتتابات العامة الأولية في 2026. كما تقدمت أكثر من 300 شركة بطلبات للإدراج في بورصة هونغ كونغ، مع توقع أن تزيد عروض بارزة مثل الطرح العام الأولي لشركة «ريلاينس جيو بلاتفورمز» الهندية، والإدراج الثاني لشركة «تشونغجي إنولايت» الصينية، أحجام التداول في 2026.

التحول بعيداً عن الأصول الأميركية

استفادت الأسواق الآسيوية من توجه المستثمرين العالمي نحو تنويع محافظهم بعيداً عن الأصول الأميركية، وسط شكوك حول السياسات التجارية والجيوسياسية للولايات المتحدة.

وقال لي هي، الشريك والرئيس المشارك السابق لشركة «ديفيس بولك» في آسيا واليابان: «في فترات الاضطرابات الأميركية، غالباً ما تتجه رؤوس الأموال نحو آسيا بحثاً عن التنويع والنمو الهيكلي». وأضاف: «انتعاش 2025 يعكس وفرة السيولة في المنطقة وتحولاً نحو التقنيات الرائدة التي تعيد تشكيل طرق التصنيع والاستهلاك والتفاعل».

وحقق مؤشر هانغ سنغ مكاسب تقارب 30 في المائة هذا العام، متفوقاً على المؤشرات الأميركية، فيما ارتفع المؤشر الهندي القياسي نحو 10.8 في المائة. واستفادت شركات مثل «كاتل» الصينية، التي جمعت 5.3 مليار دولار في إدراجها الثاني في هونغ كونغ، وشركة «زيجين غولد انترناشيونال» التي جمعت 3.5 مليار دولار في اكتتاب عام أولي، من هذا الزخم.

مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي

أدت تقلبات الأسهم الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إثارة المخاوف بشأن تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي، وسط تساؤلات حول احتمالية انفجار فقاعة مضاربة. وتخطط شركات مثل «زيبو إيه آي» و«ميني ماكس»، وشركات تصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي «ميتا إكس» و«كونلونكسين»، لطرح أسهمها للاكتتاب العام، بما قد يصل إلى مليارات الدولارات.

وقال أرون بالاسوبرامانيان، شريك في شركة «فريشفيلدز» للمحاماة: «إذا أدت المخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي إلى عمليات بيع مكثفة، فقد يكون التأثير معدياً على الأسواق بأكملها، وليس قطاعاً واحداً فقط».

وأضاف براتيك لونكر، رئيس إدارة أسواق رأس المال في شركة «أكسيس كابيتال» الهندية: «المستثمرون الذين يتجنبون المخاطرة قد يجدون الهند جذابة، نظراً لانخفاض وزن استثمارات الذكاء الاصطناعي في السوق نسبياً. ومع إعادة تقييم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي ورؤية الأرباح، يتحول المستثمرون نحو الأسماء عالية الجودة والمدرّة للنقد، بعيداً عن قصص النمو ذات المضاعفات الأعلى».