ثلث سكان العالم مهددون بالجفاف وتدهور الأراضي... والسعودية تقود مساعي دولية لمواجهتهما

فقيها لـ«الشرق الأوسط»: 1.8 مليار نسمة متأثرين ومعظمهم من الدول النامية

TT

ثلث سكان العالم مهددون بالجفاف وتدهور الأراضي... والسعودية تقود مساعي دولية لمواجهتهما

أعلام دول العالم في مدخل «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)
أعلام دول العالم في مدخل «كوب 16» في الرياض (الشرق الأوسط)

قبل أكثر من ثلاثة عقود، وتحديداً في عام 1992، اجتمع قادة العالم في ريو دي جانيرو البرازيلية خلال «قمة الأرض»، لوضع حلول جذرية لمشكلات البيئة المتفاقمة. أثمرت هذه القمة عن ثلاث اتفاقيات دولية كبرى، تُعرف بـ«اتفاقيات ريو»، وهي: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الاتفاقيات إطاراً دولياً للعمل البيئي المشترك.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استضافت السعودية مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16) المتعلق باتفاقية التصحر، والذي عُقد لأول مرة في الشرق الأوسط، واستمر لمدة أسبوعين في العاصمة الرياض، بمشاركة وفود من نحو 200 دولة. وشكل المؤتمر منصة عالمية لمناقشة تحديات التصحر وتدهور الأراضي، وطرح حلول لمكافحة هذه الظواهر، ونتج عنه 35 قراراً. أما مؤتمر الأطراف المقبل فمن المقرره عقده في منغوليا عام 2026 ليكون محطة رئيسية لمتابعة تنفيذ القرارات وتعزيز الجهود العالمية في مكافحة التصحر والجفاف.

صورة جماعية لزعماء العالم مجتمعين في «قمة الأرض» في ريو دي جانيرو البرازيل 13 يونيو 1992 (صور الأمم المتحدة: ميتشوس تزوفاراس)

وأطلقت السعودية خلال مؤتمر الأطراف «شراكة الرياض العالمية لمقاومة الجفاف»، حيث يُعتبر الجفاف أحد التحديات العالمية، ويؤثر على 1.8 مليار نسمة، أي ما يقارب ثلث سكان الكرة الأرضية، ومعظم المتأثرين في دول نامية، ومعظمهم من الأطفال والنساء والمجموعات الحساسة، كما روى الدكتور أسامة فقيها، وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة، لصحيفة «الشرق الأوسط».

وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة الدكتور أسامه فقيها متحدثاً لصحيفة «الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

توازن بين الجدية والاحتفاء بالثقافات وصف فقيها ما حصل في المؤتمر بأنه كان مزيجاً متوازناً بين المناقشات الجادة والاحتفاء بالتنوع الثقافي، حيث انقسم إلى منطقتين رئيسيتين:

* المنطقة الزرقاء التي أدارتها الأمم المتحدة، واحتضنت مفاوضات رفيعة المستوى حول سبل مكافحة التصحر، وشح التمويل، وتأثير ذلك على الأمن الغذائي والهجرة. اقتصرت هذه الجلسات على قادة الدول والوفود الرسمية، وشهدت نقاشات معمقة حول الحلول المستدامة.

جانب من المنطقة الزرقاء في «كوب 16» بالعاصمة السعودية لرياض (الشرق الأوسط)

* المنطقة الخضراء التي أشرفت عليها السعودية، وشملت «منتدى مبادرة السعودية الخضراء»، إلى جانب معرض لأحدث تقنيات التشجير، وأكثر من 300 جلسة حوارية حول قضايا المناخ، بحضور طلاب وعائلات وزوار من مختلف الفئات العمرية.

جانب من المنطقة الخضراء في «كوب 16» بالعاصمة السعودية لرياض (الشرق الأوسط)

وفي أرجاء المؤتمر، امتزجت الحوارات البيئية الجادة بالأجواء الثقافية، حيث تعالت أصوات «العرضة السعودية» بجوار عزف الموسيقى الكلاسيكية، وسط استعراض للأزياء التقليدية من مختلف الدول، وتقديم القهوة العربية. هذا التمازج الفريد بين العمل البيئي والاحتفاء بالتنوع الثقافي أضفى على المؤتمر طابعاً مميزاً، يعكس روح الانفتاح والتعاون الدولي.

تحديات تمويل استصلاح الأراضي

تواجه جهود استصلاح الأراضي المتدهورة تحديات تمويلية كبيرة، إذ أصدرت الأمم المتحدة خلال المؤتمر تقريراً يؤكد الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لاستعادة أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة، وهي مساحة تعادل حجم دولة كندا. ويتطلب تحقيق هذا الهدف ضخّ مليار دولار يومياً لمدة ست سنوات. وأشار البنك الدولي من جهته إلى أن معدلات الجفاف ارتفعت بنسبة 233 في المائة خلال الخمسين عاماً الماضية، لافتاً إلى أن العديد من خطط الجفاف الوطنية لم تُترجم إلى استثمارات فعلية على أرض الواقع. كما حذّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو من أن ثمانية من بين أكثر عشر دول تعرضاً للجفاف تقع في منطقة الشرق الأوسط، حيث تحتاج هذه الدول إلى تمويل سنوي يقدر بنحو 500 مليون دولار لدعم القطاع الزراعي في 22 دولة، مما يسلط الضوء على الفجوة التمويلية الكبيرة التي تعيق جهود مكافحة التصحر واستصلاح الأراضي.

طفل يجثو فوق أرض متشققة عند سد المسيرة في قرية أولاد عيسى مسعود وسط أسوأ موجة جفاف تشهدها المغرب منذ ما لا يقل عن أربعة عقود (أ.ف.ب)

التزامات مالية لمواجهة التحديات البيئية

رغم التحديات التمويلية الضخمة، تم الإعلان عن تعهدات مالية بقيمة 12 مليار دولار خلال المؤتمر، أبرزها:

* مجموعة التنسيق العربية: 10 مليارات دولار.

* البنك الإسلامي للتنمية: مليار دولار.

* صندوق أوبك: مليار دولار.

* السعودية: 150 مليون دولار لدعم 80 دولة متضررة من الجفاف عبر «شراكة الرياض العالمية».

* إيطاليا والنمسا: دعم مبادرة «الجدار الأخضر العظيم» في أفريقيا بـ14.6 مليون يورو.

* استثمار 70 مليون دولار في «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» لتعزيز الأمن الغذائي. لقد أسدل المؤتمر الستار بإقرار 35 قراراً شملت مكافحة تدهور الأراضي والجفاف، وتعزيز البحث والابتكار، وإشراك المرأة والشباب والمجتمعات المحلية في مواجهة التحديات البيئية. كما تم الاتفاق على إدراج مواضيع جديدة ضمن الاتفاقية، مثل إدارة المراعي، ونظم الأغذية الزراعية المستدامة.

ومن جهته، شدَّد وكيل وزارة البيئة على أن الجفاف والتصحر يمثلان تحديات بيئية كبرى تهدد الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في مختلف أنحاء العالم، خاصة في الدول النامية التي تعاني من شح الموارد وضعف التمويل. وأشار إلى أن مؤتمر الأطراف (كوب 16) في الرياض نجح في وضع هذه القضايا في صدارة الأجندة الدولية، من خلال جذب التزامات مالية وإطلاق مبادرات واعدة، من أبرزها «شراكة الرياض العالمية لمقاومة الجفاف»، التي تعكس التزام السعودية بدورها الريادي في حماية البيئة واستصلاح الأراضي.

مها عربي في إحدى المحميات في السعودية (مبادرة السعودية الخضراء)

ورغم التقدم المحرز، لا يزال الطريق طويلاً في ظل الفجوة التمويلية العميقة، التي تعيق التنفيذ الشامل للحلول البيئية. ويُشكّل مؤتمر الأطراف القادم في منغوليا 2026 محطة لمتابعة تنفيذ القرارات وتعزيز الجهود العالمية في مكافحة التصحر والجفاف.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» في الرياض: 35 قراراً لمكافحة التصحر

الخليج صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» في الرياض: 35 قراراً لمكافحة التصحر

اختتم مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) اجتماعاته في الرياض، أمس، بالموافقة على 35 قراراً حول مواضيع محورية تسهم في الحد من تدهور

عبير حمدي ( الرياض)
الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

لا تزال المداولات مستمرة في الساعات الأخيرة قبل اختتام مؤتمر «كوب 16» المنعقد بالرياض.

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثّلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)

جمانا الراشد: العصر الرقمي اليوم يوفّر بيئة مثالية لصناعة المحتوى

جانب من الجلسات الحوارية في «ملتقى سيدات الأعمال» (الشرق الأوسط)
جانب من الجلسات الحوارية في «ملتقى سيدات الأعمال» (الشرق الأوسط)
TT

جمانا الراشد: العصر الرقمي اليوم يوفّر بيئة مثالية لصناعة المحتوى

جانب من الجلسات الحوارية في «ملتقى سيدات الأعمال» (الشرق الأوسط)
جانب من الجلسات الحوارية في «ملتقى سيدات الأعمال» (الشرق الأوسط)

أكدت الرئيسة التنفيذية لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)»، جمانا الراشد، أن العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم يوفّر بيئة مثالية لصناعة المحتوى، بفضل الترابط الرقمي والتقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، الذي يتيح للمؤسسات الإعلامية فهم جمهورها وتفضيلاته بشكل أعمق.

وشددت الراشد خلال كلمة لها في ملتقى «فورتشن» للسيدات الأقوى، على أن امتلاك استراتيجية إعلامية واضحة، إلى جانب الاستثمار المستمر في رفع المهارات والتدريب، يُعدّان من الضروريات لتمكين الصحافيين من مواكبة التحديات المتسارعة.

وأضافت أن تقلص مدى الانتباه لدى الجمهور لا يعني تقليل أهمية المحتوى أو التنازل عن النزاهة التحريرية، بل يتطلب تكيّفاً مع سلوك الجمهور المتغيّر والمنصات التي يفضل استهلاك المحتوى من خلالها.

ولفتت الراشد إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في منافسة الأدوات الرقمية الجديدة، بل في تبنيها ضمن الاستراتيجية الأساسية للمؤسسات الإعلامية، موضحةً أنه «إذا أصبحت هذه الأدوات جزءاً من استراتيجيتك، فلن تعود مضطراً للتنافس معها، بل تكون جزءاً منها».

وأشارت إلى أن منطقة الشرق الأوسط تضم شريحة شبابية واسعة، إذ إن غالبية السكان دون سن الثلاثين، وهم جيل رقمي يعيش على الإنترنت ويستهلك المحتوى عبر الشاشات.

وأكدت أن هذا الجمهور لا يرغب في محتوى مُجدول، بل يريده في الزمان والمكان المناسبين، ما يستدعي تقديم المحتوى بالأشكال والمنصات التي اعتاد عليها. واعتبرت أن استراتيجية المحتوى التي كانت تعتمد سابقاً على نموذج موحّد وإعادة تدوير المواد لم تعد صالحة، مشيرة إلى أهمية إنتاج محتوى أصلي ومخصص لكل منصة، مع الاستفادة من أدوات التحليل الفوري لقياس الأداء.

وفيما يخص التعامل مع الذكاء الاصطناعي، نبهت الراشد إلى ضرورة الالتزام بالمبادئ الصحافية الأساسية، مثل التحقق من صحة المعلومات من مصدرين على الأقل، وعدم الاكتفاء بتتبع ما يتم تداوله على المنصات الرقمية. لكنها في الوقت ذاته أكدت أن الجمهور بات يميل للرجوع إلى المصادر التقليدية والموثوقة للتحقق من الأخبار، خصوصاً في أوقات الأحداث الكبرى والطارئة.

ودعت الراشد وسائل الإعلام إلى استثمار هذه اللحظة لإبراز دورها المحوري في نقل الحقيقة ومواكبة القضايا، مع الحفاظ على النزاهة والمهنية، وقالت: «نحن لا نعيد اختراع العجلة، بل نخلق مصادر جديدة للإيرادات». وأوضحت أن «SRMG» عملت على تنويع مصادر دخلها من خلال تأسيس شركة للفعاليات، ليست فقط لربحية هذا القطاع، بل لتعزيز الحضور التفاعلي لعلامتها القوية التي تضم أكثر من 30 مطبوعة.

كما تطرّقت الراشد إلى تأسيس «SRMG Labs»، الذراع الإبداعية للمجموعة، التي تسهم في تقديم محتوى مخصص وعالي الجودة للعملاء، بالاعتماد على البيانات والتحليلات المستمدة من منصات المجموعة، بما يسهم في تعزيز العائدات وزيادة الربحية.

واختتمت كلمتها بالإشارة إلى أن المجموعة، رغم ريادتها السابقة في العديد من المبادرات الإعلامية مثل إطلاق أول مجلة نسائية وأول مواقع إلكترونية، دخلت التحول الرقمي قبل أكثر من أربع سنوات. وأوضحت أن لدى المجموعة استراتيجية تحول رقمي شاملة، انطلقت من إنتاج محتوى رقمي أصيل للجمهور الرقمي، وهو ما مهّد لتبني الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه بشكل فعّال اليوم.