الإنفاق الدفاعي والتوترات التجارية يعقِّدان التضخم والسياسة النقدية الأوروبية

الأعلام الأوروبية معروضة في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا (رويترز)
الأعلام الأوروبية معروضة في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا (رويترز)
TT

الإنفاق الدفاعي والتوترات التجارية يعقِّدان التضخم والسياسة النقدية الأوروبية

الأعلام الأوروبية معروضة في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا (رويترز)
الأعلام الأوروبية معروضة في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا (رويترز)

قال كلاس نوت، رئيس البنك المركزي الهولندي، يوم الخميس، إن أوروبا مُحقة في زيادة إنفاقها الدفاعي، غير أن هذه الخطوة ستُفاقم مستويات الدين العام، مما يجعل التنبؤ بالتضخم واتجاه السياسة النقدية أكثر تعقيداً.

وخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة 6 مرات منذ يونيو (حزيران) الماضي، لكنه لم يُقدم سوى إشارات محدودة، إن وُجدت، حول تحركاته المستقبلية، مؤكداً أن استمرار حالة عدم اليقين يتطلب يقظةً وقرارات تُتخذ بناءً على كل اجتماع على حدة، وفق «رويترز».

وتُشكل الحرب التجارية المحتملة مع الولايات المتحدة، إلى جانب الحاجة المتزايدة للإنفاق الدفاعي لتعويض الفراغ الناجم عن تراجع الدور الأميركي، تحديات جوهرية قد تترك أثراً عميقاً وطويل الأمد على كل من الأسعار والنمو الاقتصادي.

وفي هذا السياق، قال نوت، العضو الأقدم في مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، خلال مؤتمر صحافي: «الإعفاء المؤقت من قواعد الموازنة لتمويل الإنفاق الدفاعي الإضافي أمر مُبرَّر، لكنه يجب أن يظل بالفعل مؤقتاً، نظراً إلى أن مستويات الدين العام في الاتحاد الأوروبي لا تزال مرتفعة للغاية».

وفي ظل هذه المتغيرات، تعمل ألمانيا على تعديل نظامها الدستوري الصارم المتعلق بكبح الديون، بهدف تمويل مزيد من الإنفاق العسكري، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي خططاً لتخفيف قواعد الميزانية الخاصة بالإنفاق الدفاعي.

ورغم أن هذا الإنفاق الإضافي المتوقع قد يُعزز النمو الاقتصادي، فإنه أدى بالفعل إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما خلق قوتين متضادتين تؤثران على التضخم.

وتزيد الحرب التجارية من تعقيد المشهد، حيث حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، في وقت سابق من يوم الخميس، من أن اندلاع صراع تجاري شامل، مقروناً بإجراءات انتقامية، قد يؤدي إلى تراجع نمو منطقة اليورو بنصف نقطة مئوية في السنة الأولى، بينما يرفع معدلات التضخم بالمقدار ذاته.

وفي هذا الصدد، أشار نوت إلى أن «حالة عدم اليقين بشأن مسار التضخم تعد الأكبر منذ فترة طويلة»، مؤكداً أنه لا يزال منفتحاً تماماً بشأن قرار البنك المركزي بشأن السياسة النقدية في أبريل (نيسان) المقبل.

وبعد الإعلان عن الحزمة المالية الألمانية، ارتفعت توقعات التضخم طويلة الأجل القائمة على السوق، لكنها عادت للتراجع تدريجياً لتستقر عند 2.15 في المائة، وهي نسبة لا تزال أعلى من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة.

وأضاف نوت، الذي يقترب من نهاية ولايته هذا الصيف: «التنبؤ بمسار أسعار الفائدة أصبح بالغ الصعوبة، تماماً كما هو الحال مع التضخم الأوروبي، في ظل التطورات المتسارعة».

وحالياً، يتوقع المستثمرون احتمالاً يقارب 60 في المائة لخفض أسعار الفائدة في أبريل، في حين يُعد خفض الفائدة بحلول يونيو (حزيران) أمراً محسوماً. وتشير التوقعات إلى خفض إضافي آخر قبل نهاية العام، مما سيؤدي إلى تراجع سعر الفائدة على الودائع إلى 2 في المائة.

وفيما يتعلق بتأثير الحرب التجارية، لم يُقدم نوت توقعات واضحة، مشدداً على أن السياسة النقدية تشهد حالة من التقلب الشديد، وأنه لا شيء محسوماً.

وختم بالقول: «علينا الحكم على الإدارة الأميركية بناءً على أفعالها، فليس من السهل التنبؤ بسياستها اعتماداً على تصريحاتها فقط».

من جانبه، قال ماريو سينتينو، محافظ البنك المركزي الأوروبي وبنك البرتغال، إنه من غير المحتمل أن تُسرّع الحرب التجارية العالمية المتصاعدة من وتيرة التضخم في أوروبا، بل قد تؤثر سلباً على الأسعار.

وقال سينتينو في مؤتمر صحافي: «لا أرى كيف يمكننا الخروج من سيناريو الحرب التجارية هذا مع اقتصاد يتماشى مع الارتفاع الكبير في الأسعار»، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية، التي شبهها بالضرائب، من المتوقع أن تترك تأثيراً اقتصادياً انكماشياً.


مقالات ذات صلة

ضغوط البيانات الاقتصادية تُخفض عوائد سندات منطقة اليورو

الاقتصاد أوراق نقدية من اليورو (رويترز)

ضغوط البيانات الاقتصادية تُخفض عوائد سندات منطقة اليورو

تراجعت عوائد سندات حكومات منطقة اليورو، يوم الأربعاء، عقب صدور سلسلة من البيانات الاقتصادية التي عززت توقعات المستثمرين بقيام «المركزي الأوروبي» بتيسير نقدي.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد  لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

مسح «المركزي الأوروبي» يظهر ارتفاع توقعات التضخم للسنوات المقبلة

أظهر مسح أجراه البنك المركزي الأوروبي، يوم الثلاثاء، أن مستهلكي منطقة اليورو رفعوا توقعاتهم بشأن التضخم للسنوات المقبلة في مارس.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت )
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

رين من «المركزي الأوروبي»: خفض إضافي للفائدة وارد

قال أولي رين، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، إن البنك قد يحتاج إلى خفض أسعار الفائدة بشكل إضافي، مشيراً إلى أنه لا ينبغي استبعاد إجراء تخفيض أكبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي» يتوقع تباطؤ نمو الأجور في 2025

من المتوقع أن يشهد نمو الأجور بمنطقة اليورو تباطؤاً ملموساً، خلال العام الحالي، وفق بيانات صدرت، يوم الأربعاء، عن البنك المركزي الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد كريستين لاغارد تتحدث خلال مؤتمر صحافي بعد اجتماع المجلس التنفيذي للمركزي الأوروبي في فرانكفورت 17 أبريل 2025 (أ.ب)

لاغارد: آمل ألا يكون احتمال إقالة باول مطروحاً

أعربت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، الثلاثاء عن أملها في ألا يكون احتمال إقالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وزير السياحة المصري: الاستقرار وثقة السائح مفتاحا نمو القطاع

TT

وزير السياحة المصري: الاستقرار وثقة السائح مفتاحا نمو القطاع

شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)
شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)

أكد وزير السياحة والآثار في مصر، شريف فتحي، أن الاستقرار السياسي في البلاد، وثقة السائح المتراكمة عبر عقود طويلة، ركيزتان أساسيتان في استمرار نمو القطاع السياحي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.

وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش مشاركته في «سوق السفر العربي» في دبي إن مصر لطالما استعادت عافيتها السياحية سريعاً بعد الأزمات، ما يعكس متانة الوجهة، وثقة الأسواق العالمية في المقصد المصري.

وأوضح أن هذا النمو لم يكن مصادفة، بل نتيجة عمل مؤسسي طويل الأمد تقوده الدولة، مدعوماً ببرامج تسويقية متطورة، واستثمارات متزايدة في البنية التحتية، والخدمات الفندقية.

وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي (الشرق الأوسط)

المنافسة الخليجية... تكامل لا تعارض

وحول المنافسة المتزايدة بين الوجهات السياحية في المنطقة، شدد فتحي على أن التنافس في السياحة العربية «صحي وضروري»، لكنه لا يلغي فرص التكامل.

وكشف عن لقاء جمعه مؤخراً بوزيرة السياحة البحرينية، تم خلاله الاتفاق على بحث إطلاق برامج سياحية مشتركة بين البلدين، بما يتيح للمسافرين العرب والأجانب زيارة وجهات متعددة ضمن حزمة واحدة.

وقال فتحي: «لدينا أيضاً تعاون مع السعودية، وقطر، والأردن، ونؤمن بأن السائح يمكن أن يستفيد من تنسيق عربي مشترك، بحيث تتكامل التجارب السياحية، وتُبنى على نقاط القوة لكل بلد».

وأضاف أن هذه المبادرات، وإن لم تحقق أرقاماً ضخمة مباشرة، فإنها تعزز من قيمة التجربة السياحية، وتفتح آفاقاً جديدة للسوق.

شريف فتحي وزير السياحة والآثار في مصر في الجناح المصري المشارك في سوق السفر العربي في دبي (الشرق الأوسط)

تنوع في المنتج السياحي

وتطرق وزير السياحة والآثار المصري عن رؤية الوزارة التي تركز على استثمار الميزة التنافسية الكبرى لمصر، والمتمثلة في تنوع أنماط السياحة، وقال: «لدينا منتج سياحي متفرد، يجمع بين التاريخ الفرعوني، والآثار القبطية والإسلامية، والسياحة الشاطئية والصحراوية، والواحات، والمنتجعات العالمية في شرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالي».

وأشار إلى أن الوزارة أطلقت حملات تسويقية حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، استهدفت أسواقاً أوروبية، وحققت أكثر من 100 مليون مشاهدة خلال أيام، مما ساهم في رفع معدلات الاهتمام بمصر على أنها وجهة متنوعة، وآمنة.

جانب من الجناح المصري في سوق السفر العربي (الشرق الأوسط)

تمكين القطاع الخاص

وأكد فتحي أن الوزارة تعمل على تمكين القطاع الخاص، بوصفه المحرك الأساسي لصناعة السياحة، وأضاف: «نحن لا ندير رحلات السائحين، بل نهيئ البيئة التنافسية، ونرفع من جودة الخدمات»، لافتاً إلى أن مصر تشهد تطوراً مستمراً في مستوى الخدمات، من المطارات إلى الفنادق، والمزارات، نافياً أن تكون معدلات الازدحام مشكلة مقارنةً بدول سياحية أخرى.

كما أشار إلى أن عام 2025 يتوقع أن يشهد نمواً في أعداد السياح بنسبة تصل إلى 8 في المائة، بعدما سجل الربع الأول نمواً بنسبة 25 في المائة، واعتبر أن استمرار هذا الزخم ممكن في حال الحفاظ على الاستقرار، وتحسين القدرة الشرائية العالمية.

مشاركة سوق السفر العربي

وفي ختام حديثه، تطرق فتحي إلى مشاركة مصر بجناح ضخم في «سوق السفر العربي»، معتبراً أن الحضور المصري في هذه التظاهرة السياحية الكبرى يعكس الاهتمام الرسمي بالأسواق الخليجية، والعربية.

وقال: «الجناح يمتد على مساحة 800 متر مربع، ويضم 77 عارضاً، إلى جانب شركات كبرى لها أجنحة منفصلة. التصميم هذا العام يعكس التجديد، ويضم تقنيات الواقع الافتراضي، وأقساماً لعرض المقتنيات الأثرية».

وأضاف أن المشاركة ليست فقط للترويج، بل أيضاً لتعزيز الشراكات مع الأسواق الخليجية التي تُعد امتداداً طبيعياً للسياحة المصرية، وقال: «نحن لا نتعامل مع السائح الخليجي كزائر، بل كأحد أهل الدار».