تستعد بنوك الاستثمار الأميركية لاتخاذ مزيد من خطوات تسريح الموظفين إذا استمر عدم اليقين الاقتصادي في التأثير سلباً على إتمام الصفقات في الأشهر القادمة، وفقاً لتحليلات مختصين ومسؤولي توظيف.
وتسببت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين في اضطراب الأسواق المالية، مما انعكس سلباً على نشاط أسواق رأس المال وزاد من احتمالات التباطؤ الاقتصادي. وقد أدت هذه الاضطرابات إلى تقليص التفاؤل حول انتعاش الصفقات في «وول ستريت» هذا العام، رغم الدعم الحكومي للأعمال، وفق «رويترز».
وقد بدأت بنوك «وول ستريت» الكبرى، مثل «جيه بي مورغان» و«بنك أوف أميركا»، بالفعل في تنفيذ تسريحات سنوية تستهدف الموظفين ذوي الأداء الضعيف، بينما يخطط كل من «غولدمان ساكس» و«مورغان ستانلي» لتسريح موظفين إضافيين في الأسابيع المقبلة.
وحذر المحللون ومسؤولو التوظيف من أنه إذا استمر التباطؤ في صفقات السوق، فستضطر العديد من البنوك والشركات الكبرى إلى إعادة تقييم قواها العاملة بشكل جذري. وقال مايك مايو، المحلل المصرفي في «ويلز فارغو»، إن «هناك توقعات بأن انتعاش قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية قد تأخر، ولكنه لم ينتهِ بعد». وأضاف أنه إذا لم تتحقق الإيرادات المتوقعة بحلول منتصف الصيف، فسيتحمل الموظفون العبء الأكبر.
من جهته، أكد كريس كونورز، مدير شركة «جونسون أسوشيتس» الاستشارية، أن البنوك الكبرى تتحرك بسرعة أكبر لتقليص أعداد موظفيها، بينما قد تسير البنوك الأصغر على نفس الخطى لاحقاً. وأضاف أن البنوك قد تضطر إلى اتخاذ خطوات إضافية لتقليص القوى العاملة إذا لم يتم تحقيق أهداف التخفيض بشكل سريع.
وفيما يتعلق بالبيانات المالية، انخفضت رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية العالمية بنسبة 6.3 في المائة، مسجلةً 16.83 مليار دولار في الفترة بين 1 يناير (كانون الثاني) و13 مارس (آذار)، مقارنة بـ17.96 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن «ديلوجيك». ويُعتبر هذا الانخفاض أكثر حدة مقارنة بالربع الرابع، الذي شهد انتعاشاً في صفقات الاستثمار.
كما شهدت عروض الأسهم الأميركية تباطؤاً ملحوظاً هذا العام، حيث بلغت الإصدارات 57 مليار دولار حتى 19 مارس، بانخفاض عن 69 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.
من جانبه، أشار العديد من المصرفيين إلى أن التوقعات الاقتصادية غير المؤكدة أثرت سلباً على ثقة المديرين التنفيذيين في القدرة على إتمام الطروحات العامة الأولية في الأرباع القادمة.
ورغم أن المكافآت في بنوك «وول ستريت» شهدت ارتفاعاً العام الماضي مع انتعاش النشاط، فإن هناك مخاوف من أن هذه المكافآت قد تكون مهددة بحلول عام 2025. على سبيل المثال، ارتفعت مكافآت مصرفيي «بنك أوف أميركا» بنسبة 10 في المائة في المتوسط لعام 2024، في حين حصل الرؤساء التنفيذيون للبنوك على زيادات في رواتبهم نتيجة انتعاش النشاط في إبرام الصفقات.
وبينما تأثرت أسهم البنوك الكبرى بشكل طفيف، إلا أن أسهم البنوك الاستثمارية الصغيرة شهدت تراجعاً كبيراً. فقد انخفضت أسهم «إيفركور» بنسبة 22 في المائة منذ بداية العام، في حين تراجعت أسهم «جيفريز» بنسبة 21 في المائة، مقارنة بارتفاع بنسبة 3.5 في المائة لأسهم «جيه بي مورغان» و1.3 في المائة لـ«غولدمان ساكس».
وأكد «غولدمان ساكس» أنه لا يعلق على التفاصيل المتعلقة بالتخفيضات السنوية، لكن أشار إلى أنها جزء من عملية إدارة المواهب السنوية المعتادة.
من المتوقع أن تقوم البنوك بمراجعة كوادرها بعد الموجة المعتادة من التوظيف والرحيل التي تلي دفعات المكافآت السنوية، وفقاً لمسؤولي التوظيف. وأضافت بريان ستيرلينغ، رئيسة قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية في شركة «سيلبي جينينغز» للتوظيف، أن «الشركات تدرس حالياً احتياجاتها من الموظفين وكيفية ملء الكوادر اللازمة للنمو، أو حتى تقليص أعدادها هذا العام». وأشارت إلى أن هناك مجالاً للنمو في قطاعات مثل الائتمان الخاص والتكنولوجيا، لكن قطاعات الاستهلاك والصناعة والبناء تواجه تباطؤاً محتملاً.
وفي تحذير آخر، أعلنت شركة «أوبنهايمر» الأميركية للوساطة أنها لم تعد تتوقع نمواً في إيرادات الخدمات المصرفية الاستثمارية هذا العام بسبب حالة عدم اليقين الناجمة عن الرسوم الجمركية، بعدما كانت قد توقعت سابقاً زيادة بنسبة 32 في المائة.
وأشار ماكراي سايكس، مدير المحافظ الاستثمارية في «غابيلي فاندز»، إلى أن «جميع البنوك الاستثمارية تحدد أهدافاً ميزانياتية، وإذا انخفضت الإيرادات عن المتوقع، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على ضوابط التكاليف، سواء من خلال تقليص الموظفين أو خفض التعويضات».