الهند وأوروبا تلتزمان بإبرام اتفاق تجارة وسط «عواصف الجمارك الأميركية»

النمو الهندي يتسارع في الربع الأخير لكن بأقل من التوقعات

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحافي مشترك بالعاصمة نيودلهي يوم الجمعة (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحافي مشترك بالعاصمة نيودلهي يوم الجمعة (إ.ب.أ)
TT

الهند وأوروبا تلتزمان بإبرام اتفاق تجارة وسط «عواصف الجمارك الأميركية»

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحافي مشترك بالعاصمة نيودلهي يوم الجمعة (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مؤتمر صحافي مشترك بالعاصمة نيودلهي يوم الجمعة (إ.ب.أ)

اتفقت الهند والاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، على إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بحلول نهاية العام، وهو أول التزام لهما بموعد نهائي للمحادثات التي استمرّت لسنوات، حيث يتطلعان إلى تخفيف تأثير زيادات الرسوم الجمركية من الولايات المتحدة.

وتم إعلان الأمر في مؤتمر صحافي مشترك بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي تقوم بزيارة تستغرق يومين للهند.

ويحاول الجانبان منذ سنوات إبرام اتفاقية تجارة حرة، التي من شأنها أن تنطوي على تنازلات كبيرة من جانب الهند، التي تعدّ واحدة من أكثر الأسواق المحمية في العالم. واستؤنفت المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والاتحاد الأوروبي في عام 2021 بعد توقفها لمدة 8 سنوات.

وقال مودي: «لقد أعددنا مخططاً للتعاون في مجالات التجارة، والتكنولوجيا، والاستثمار، والابتكار، والنمو الأخضر، والأمن، والمهارات، والتنقل»، مضيفاً أنه طُلب من المسؤولين في بلاده إبرام الصفقة بحلول نهاية العام.

والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للهند في السلع، حيث نمت التجارة الثنائية بنحو 90 في المائة على مدى عقد من الزمان، لتبلغ 137.5 مليار دولار في السنة المالية 2023 - 2024.

ومن جانبها دعت فون دير لاين إلى اتفاقية تجارية واستثمارية «طموحة» يمكن أن تغطي الصناعات التي تمتد من البطاريات والمستحضرات الصيدلانية، إلى أشباه الموصلات والهيدروجين النظيف والدفاع.

وتأتي زيارة فون دير لاين، برفقة زعماء دول الاتحاد الأوروبي، إلى الهند في وقت من التوتر الجيوسياسي المتصاعد، وفي الوقت الذي هدَّد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعريفات جمركية متبادلة على جميع الدول، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والهند، بحلول أبريل (نيسان) المقبل.

وقالت فون دير لاين، قبل محادثاتها مع مودي: «نحن الاثنان نخسر في عالم من مجالات النفوذ والعزلة، ونحن الاثنان نستفيد في عالم من التعاون والعمل معاً. لكنني أعتقد أن هذه النسخة الحديثة من المنافسة بين القوى العظمى هي أيضاً فرصة لأوروبا والهند لإعادة تصور شراكتهما».

وتأخر الاتفاق لسنوات عدة؛ بسبب إحجام نيودلهي عن خفض التعريفات الجمركية في بعض المناطق، في حين يتردَّد الاتحاد الأوروبي في تخفيف قيود التأشيرات على المهنيين الهنود.

ويريد الاتحاد الأوروبي من الهند خفض التعريفات الجمركية على السيارات المستوردة والمشروبات، بينما تسعى الهند إلى زيادة وصول أدويتها وموادها الكيميائية الأرخص إلى سوق الاتحاد الأوروبي. وتريد الهند أيضاً خفض التعريفات الجمركية على صادراتها من المنسوجات والملابس والمنتجات الجلدية. كما تعارض اقتراح الاتحاد الأوروبي برفع التعريفات الجمركية من 20 في المائة إلى 35 في المائة اعتباراً من يناير (كانون الثاني) 2026 على السلع عالية الكربون، بما في ذلك الصلب والألمنيوم والأسمنت.

وقال أجاي سريفاستافا، من مؤسسة «غلوبال تريد إنيشياتيف» للأبحاث في دلهي: «لن يكون من السهل اختتام محادثات التجارة الحرة ما لم توافق الهند على خفض التعريفات الجمركية بشكل كبير على السيارات وغيرها من المنتجات التي قد تضر بالصناعة المحلية».

ومحلياً، أظهرت بيانات، صدرت يوم الجمعة، أن اقتصاد الهند نما بنسبة 6.2 في المائة في الرُّبع ما بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كانون الأول)، وهو ما يقل قليلاً عن التوقعات، لكنه أسرع من الرُّبع السابق على خلفية زيادة الإنفاق الحكومي والاستهلاكي.

وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي أقل قليلاً من التوسع بنسبة 6.3 في المائة الذي توقَّعه المحللون في استطلاع أجرته «رويترز»، وكذلك مقارنة بتقديرات البنك المركزي البالغة 6.8 في المائة. ونما خامس أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 5.8 في المائة في الرُّبع السابق.

ونمت القيمة المضافة الإجمالية، وهي مقياس للنشاط الاقتصادي يُنظر إليه على أنه مقياس أكثر استقراراً للنمو، بنسبة 6.2 في المائة خلال تلك الفترة، مقارنة بتوسع منقح بنسبة 5.8 في المائة في الرُّبع السابق. كما ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 8.3 في المائة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2024، وذلك من زيادة متواضعة بنسبة 3.8 في المائة في الأشهر الثلاثة السابقة.

أيضاً، ارتفع إنفاق المستهلك الخاص بنسبة 6.9 في المائة على أساس سنوي، ارتفاعاً من 5.9 في المائة في الرُّبع السابق، بدعم من تحسن الطلب الريفي؛ بسبب اعتدال أسعار المواد الغذائية وزيادة الإنفاق على المشتريات لموسم المهرجانات مقارنة بالعام السابق.

ورفعت الحكومة توقعاتها للنمو للعام بأكمله قليلاً، يوم الجمعة، حيث قدرت أن الاقتصاد سينمو بنسبة 6.5 في المائة في السنة المالية المنتهية في 31 مارس (آذار)، مقابل توقعات سابقة بلغت 6.4 في المائة.

ولتعزيز الاقتصاد، أعلن البنك المركزي الهندي في فبراير (شباط) خفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ نحو 5 سنوات. وتركت مداولات لجنة السياسة النقدية الباب مفتوحاً لمزيد من خفض أسعار الفائدة مع تركيز معظم الأعضاء على دعم النمو مع تراجع التضخم، الذي انخفض إلى 4.3 في المائة في يناير.


مقالات ذات صلة

بيسنت: الهند قد تكون أولى الدول الموقّعة على اتفاق تجاري مع أميركا

الاقتصاد سكوت بيسنت خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن (رويترز)

بيسنت: الهند قد تكون أولى الدول الموقّعة على اتفاق تجاري مع أميركا

قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الاثنين إن كثيراً من كبار شركاء الولايات المتحدة التجاريين قدموا مقترحات «جيدة جداً» لتجنب الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سيارات مُعدّة للتصدير تنتظر التحميل في ميناء بريمرهافن (رويترز)

تدهور حاد في توقعات الصادرات الألمانية لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية

تراجعت توقعات الصادرات الألمانية إلى أحد أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية، وفقاً لما أعلنه معهد «إيفو» الألماني للبحوث الاقتصادية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد ميناء جدة الإسلامي (واس)

الصادرات غير النفطية في السعودية ترتفع 14.3 % في فبراير

سجلت الصادرات غير النفطية بالسعودية ارتفاعاً بنسبة 14.3 في المائة مقارنة بفبراير (شباط) 2024، بينما انخفضت الصادرات النفطية بنسبة 7.9 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد سكوت بيسنت يستمع أثناء حديث ترمب مع الصحافيين في مراسم أداء بول أتكينز اليمين رئيساً للجنة الأوراق المالية... في المكتب البيضاوي (أ.ب)

وزير الخزانة الأميركي: هناك فرصة لإبرام صفقة كبيرة مع الصين

قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن خطوة الرئيس ترمب لإعادة ترتيب نظام التجارة هي بداية للتفاعل مع الصين، مشيراً إلى أن هناك فرصة لصفقة كبيرة مع الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد سيارات معدة للشحن في ميناء يانتاي شرق الصين (أ.ف.ب)

بكين: الباب «مفتوح» لمحادثات تجارية مع واشنطن

أكدت الصين، الأربعاء، أنها مستعدة للدخول في محادثات تجارية مع واشنطن، بعد يوم على قول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه مستعد لخفض الرسوم الجمركية الباهظة.

«الشرق الأوسط» (عواصم)

ترمب يَعِد بصفقات تجارية مع الصين... ويتراجع عن التهديد بإقالة رئيس «الفيدرالي»

ترمب في حديقة البيت الأبيض (رويترز)
ترمب في حديقة البيت الأبيض (رويترز)
TT

ترمب يَعِد بصفقات تجارية مع الصين... ويتراجع عن التهديد بإقالة رئيس «الفيدرالي»

ترمب في حديقة البيت الأبيض (رويترز)
ترمب في حديقة البيت الأبيض (رويترز)

وصل الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض على حصان الاقتصاد، بعدما جعل الناخبين يصوّتون له في 2024 على أساس أنه المنقذ من تراجع الوضع الاقتصادي، وغلاء المعيشة، وارتفاع التضخم، وزيادة البطالة. واعتاد ترمب أن يبدأ خطاباته الانتخابية متوجهاً للناخبين بسؤال: هل أنتم أفضل مما كنتم عليه قبل أربع سنوات؟ ثم مغازلتهم بوعود خفض الضرائب والأسعار، وتحقيق انتعاشة اقتصادية غير مسبوقة.

لكن المائة يوم الأولى في سجل ترمب الاقتصادي شهدت انقلابات تجارية ومالية واقتصادية غير مسبوقة، وكانت بصمته واضحة في إحداث موجة من الصدمات في الأسواق المالية الأميركية والعالمية، وشن حرباً بفرض رسوم جمركية ضخمة على عدد كبير من دول العالم، متهماً إياها باستغلال الولايات المتحدة.

ووصفت صحيفة «واشنطن بوست» أداء ترمب الاقتصادي بأنه فشل اقتصادي كبير، وأن أداءه كان الأسوأ لأي رئيس أميركي جديد في المائة يوم الأولى من ولايته منذ أكثر من 100 عام. وشددت الصحيفة على أن ترمب الذي يكمل يومه المائة بمنصبه في الثلاثين من أبريل (نيسان) الجاري، حقق نجاحاً مذهلاً في إحداث مستوى مرتفع من الفوضى والقلق وعدم اليقين، إلى درجة أن المؤرخين يجدون صعوبة في العثور على مثيل له في التاريخ.

متداول في بورصة نيويورك (أ.ب)

الحلفاء والأعداء

في هذه الفترة من ولاية ترمب تباطأ النمو الاقتصادي، وانهارت ثقة المستهلكين والشركات، وهبطت الأسواق، وانخفضت قيمة مدخرات الأميركيين، خاصة في صناديق التقاعد. وتوقع الخبراء ارتفاعاً في التضخم مرة أخرى بعدما اقترب «الاتحادي الفيدرالي» الأميركي من تحقيق هدفه المنشود في خفض التضخم إلى ما يقارب 2 في المائة. وجاءت الانتقادات لسياسات ترمب الاقتصادية من قبل حلفائه وأصدقائه قبل أعدائه؛ فالحرب التجارية التي شنها ضد كندا والمكسيك وأوروبا واليابان أثارت الغضب، وأدت إلى موجة من الانتقادات والغضب ضد الولايات المتحدة، خاصة حينما تحدث ترمب عن كندا كولاية أميركية، وعندما هدد كلاً من غرينلاند وبنما، وعندما اتخذ خطوات انعزالية بعيداً عن «حلف شمال الأطلسي». وأرسل ذلك كله إشارات متكررة بأن الولايات المتحدة أصبحت شريكاً غير موثوق به في التجارة، والتعاون الاقتصادي والسياسي.

ترمب ينظر إلى جيروم باول، مرشحه لمنصب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في العام 2017 (رويترز)

أما الأعداء، فرأوا في سياسات ترمب فشلاً اقتصادياً على مستوى جديد؛ فالصين - التي يعتبرها ترمب العدو الاستراتيجي والاقتصادي اللدود - ردت بقوة في الحرب التجارية، وبدأت في نشر نفوذها لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب ترمب من الساحة التجارية الدولية، وراحت تكسب ود حلفاء الولايات المتحدة الساخطين. وفي ردها الانتقامي على رسوم ترمب، قامت الصين بتعليق تصدير المعادن النادرة الضرورية للصناعات التكنولوجية المتقدمة، والتي تعتمد عليها الولايات المتحدة في 90 بالمائة من إمداداتها.

انخفاض في نسبة التأييد

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته مجلة «إيكونوميست» بالتعاون مع مؤسسة «يوغوف»، أن 42 في المائة من الأميركيين يوافقون على أداء ترمب الاقتصادي، في حين أبدى 52 في المائة عدم موافقتهم، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 16 نقطة مئوية منذ بداية توليه السلطة. وأبدت غالبية المشاركين في الاستطلاع نظرة متشائمة حول الاقتصاد، وقالوا إن البلاد تسير على الطريق الخطأ، وإنها خارجة عن السيطرة.

نفس النتائج أظهرها استطلاع آخر أجرته وكالة «رويترز» و«إيبسوس»، بأن الأميركيين يشعرون بعدم الرضا بشكل متزايد بشأن تعامل ترمب مع الاقتصاد والتضخم رغم انتخابه بناء على وعوده بإنعاش الاقتصاد الأميركي. وقال 37 في المائة فقط من المشاركين في الاستطلاع إنهم يوافقون على قيادته الاقتصادية.

امرأة تتسوق في متجر في كاليفورنيا (أ.ف.ب)

وقال بروس كاسمان كبير الاقتصاديين بمؤسسة «جي بي مورغان»، إن أول 100 يوم من ولاية ترمب مليئة بالأحداث والتداعيات، وحالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الناجمة عن موجة الرسوم الجمركية التي أدت إلى تقلب أسواق الأسهم والسلع، وأسفرت عن توقعات بانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، متوقعاً أن يتعثر الاقتصاد الأميركي ويتحرك نحو الركود في الربع الثالث من العام الجاري.

الرسوم الجمركية

لم يقتصر أثر التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب على ثقة المستهلكين والمواطنين العاديين، بل تجاوزهم إلى المستثمرين ورجال الأعمال في مختلف الصناعات؛ من السيارات إلى الملابس والأحذية والإسكان... مع ارتفاع تكلفة استيراد مدخلات الكثير من الصناعات، وإرباك سلاسل التوريد التجارية.

وألقت تلك المخاوف بظلال متشائمة على ميزانيات الأسر الأميركية، وأرباح الشركات على السواء. فهذه الرسوم تعني ارتفاعاً كبيراً في الأسعار بالنسبة للأسر التي لا تستطيع تحملها، وتضر بالشركات التي تعتمد على المدخلات المستوردة، وتخاطر بحدوث ركود وصدمة سلبية كبيرة على الاقتصاد الأميركي. وعلى الرغم من أن الهدف المثالي للرئيس ترمب هو زيادة الإنتاج المحلي وزيادة التوظيف في قطاع التصنيع، فإن الأميركيين غير مستعدين لقبول معدلات تضخم أعلى، وارتفاع في أسعار السلع والخدمات.

كذلك هناك تأثيرات سلبية على المستوى الدولي؛ فقد حذر صندوق النقد الدولي من أن الرسوم الجمركية الأميركية ستفاقم الضغوط الاقتصادية، وتدفع الدين العام العالمي إلى مستويات تفوق تلك التي تم تسجيلها خلال جائحة «كوفيد 19»، وأنها ستقترب من نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول 2030 في ظل تباطؤ النمو وتراجع التجارة.

«يوم التحرير»

كان قرار ترمب فرض موجة من التعريفات الجمركية في حفل كبير في حديقة الزهور بالبيت الأبيض في الثاني من أبريل، والذي أطلق عليه «يوم التحرير»، هو بداية الحرب التي اشتعلت وامتدت شراراتها إلى كل دول العالم. وشهدت أسواق الأسهم تقلبات جامحة في محاولة التكيف مع فوضى الحرب التجارية التي وصفها كريستوفر والر أحد محافظي «الاتحادي الفيدرالي» بأنها «واحدة من أكبر الصدمات التي أثرت على الاقتصاد الأميركي منذ عقود».

ترمب يحمل قائمة بالرسوم الجمركية بجوار وزير التجارة هوارد لوتنيك بينما (رويترز)

وأطلّ شبح الركود برأسه على الاقتصاد الأميركي، حتى إن المستثمرين تندروا من مصطلح «يوم التحرير» وراحوا يسخرون فيما بينهم بالقول: «هل شعرتم اليوم بالتحرير؟! هل تحررتم من أموالكم؟!».

وشهدت أسعار الذهب ارتفاعاً متواصلاً غير مسبوق، وعادة ما ترتفع أسعار الذهب حينما يشعر المستثمرون بعدم الاستقرار، في حين شهدت العملة الأميركية تراجعاً أمام العملات الأخرى، وهو مؤشر آخر بأن المستثمرين أصبحوا حذرين بشأن الاقتصاد الأميركي. لكن ما أثار المخاوف أكثر، هو ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية، وهو ما يعد أمراً غير معتاد؛ لأنه حينما تصبح الأسواق أكثر غموضاً، فإن الدولار يرتفع وتنخفض عائدات سندات الخزانة، في حين يحاول المستثمرون التحول إلى أكثر الأصول أماناً؛ أي الدولار والديون الحكومية الأميركية. لكن في ظل هذا السيناريو الذي تشهده الأسواق، فإن المستثمرين يتخلّصون من سندات الخزانة، وتتجه فائدة السندات إلى الارتفاع ويضعف الدولار، وهو مؤشر قوي إلى أن تكلفة السلع ستكون أعلى من التوقعات.

وتذبذبت حركة المؤشرات الرئيسة في «وول ستريت داو جونز» و«ستاندرد آند بورز» و«ناسداك» مع تجميد ترمب فرض الرسوم لمدة 90 يوماً، فارتفعت قليلاً، ثم عاودت الهبوط مع تهديده بإقالة جيروم باول رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، ومطالبته بخفض أسعار الفائدة، ثم ارتفعت مرة أخرى بعد تصريح ترمب بأنه لا ينوي إقالة باول، مما خفّف بعضاً من قلق المستثمرين حول القيادة داخل «الاحتياطي الفيدرالي».

صفقات عادلة مع الصين

لا يزال ترمب ومسؤولو إدارته يؤكدون أن الضربات التي تلقتها سوق الأوراق المالية هي جزء من خطة عمل، وأنها ستتحول إلى فوائد اقتصادية كبيرة. وأضفت تصريحات ترمب، ووزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، ومسؤولي البيت الأبيض، بعض الهدوء لدى المستثمرين لجهة أن الصراع التجاري مع الصين قد يهدأ، ويتم إبرام اتفاق وصفقة تجارية معها ومع الاتحاد الأوروبي وبقية الدول.

الناس يزورون القاعة التذكارية للمؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني بينما يتم عرض مقطع فيديو للرئيس الصيني شي جينبينغ (رويترز)

وأشارت صحيفة «وول ستريت» إلى أن البيت الأبيض يدرس اقتراحاً بخفض الرسوم إلى 35 في المائة على المواد التي لا تعتبر تهديداً للأمن القومي، وأن التعريفات الجمركية الإجمالية على الصين سوف تتراوح بين 50 و65 في المائة. وأعلن ترمب للصحافيين أنه يخطط أن يكون لطيفاً للغاية مع الصين في أي محادثات تجارية، وأن التعريفات الجمركية سوف تنخفض إذا تمكنت الدولتان من التوصل إلى اتفاق، في إشارة إلى أنه سوف يتراجع عن موقفه الصارم. لكن إلى الآن - وقت كتابة التقرير - لم يتم الإعلان عن اتفاق أو صفقة حقيقية، سواء مع الحلفاء أو الأعداء، حول الرسوم الجمركية. وقد أثارت تصريحات المتحدث باسم الخارجية الصينية بأن الباب مفتوح على مصراعيه للمحادثات مع الولايات المتحدة، موجة تفاؤل كبيرة للأسواق، لكن بول دونوفان كبير الاقتصاديين في شركة «بو بي إس» لإدارة الثروات قال إن الرئيس ترمب يُظهر نجاحاً كبيراً في فن التراجع، وحذر في مذكرة لعملاء الشركة من أن «دورة التهديد، ثم التراجع عن التهديد، لها عواقب اقتصادية، وستؤثر حالة عدم اليقين الناتجة عنها على قرارات المستهلكين والشركات».

التساؤلات تتزايد، فإذا كان هذا هو حال الاقتصاد في الولايات المتحدة، وحال التجارة مع دول العالم خلال مائة يوم فقط، فكيف ستكون الأيام الـ1360 القادمة من ولاية ترمب؟!