التضخم والسياسات التجارية تثير مخاوف من الركود التضخمي في أميركا

توقعات بارتفاع عوائد سندات الخزانة بسبب التأثيرات الاقتصادية للرسوم الجمركية

بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)
بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)
TT
20

التضخم والسياسات التجارية تثير مخاوف من الركود التضخمي في أميركا

بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)
بورصة نيويورك في الحي المالي بمانهاتن (رويترز)

أثار التضخم العنيد والسياسات التجارية المتشددة للرئيس الأميركي دونالد ترمب مخاوف متجددة بشأن احتمال حدوث ركود تضخمي، وهو مزيج مقلق من النمو البطيء والتضخم المستمر الذي شهدته الولايات المتحدة في السبعينات. ورغم أن الأسواق ظلت متفائلة تجاه أجندة ترمب المؤيدة للنمو، فإن الحديث عن العودة المحتملة للركود التضخمي تزايد على مدار الخمسين سنة الماضية، حيث كان يلوح تهديداً غير حقيقي للمستثمرين. ومع ذلك، عاد هذا السيناريو ليبرز بوصفه خطراً رئيسياً في الأسابيع الأخيرة، حيث أثارت احتمالات الحروب التجارية والتعريفات الجمركية العقابية مخاوف بشأن تأثيرها على النمو في الولايات المتحدة.

وقال جاك ماكنتاير، مدير محفظة استراتيجيات الدخل الثابت في «برانديواين غلوبال»: «لقد أصبح الركود التضخمي احتمالاً حقيقياً بكل تأكيد، حيث قد تؤثر السياسات الحالية على الطلب الاستهلاكي في حين يحد التضخم المستمر من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على اتخاذ قرارات مرنة. هذا السيناريو لم يعد بعيداً»، وفق «رويترز».

وقد استقر أحد الجوانب الرئيسية للركود التضخمي - التضخم المستمر - في وقت سابق من هذا الشهر، عندما أظهرت بيانات حكومية أن أسعار المستهلك ارتفعت في يناير (كانون الثاني) بأسرع وتيرة شهرية لها منذ أغسطس (آب) 2023، مما رفع معدل التضخم السنوي إلى 3 في المائة.

ويظل الجزء الآخر من قصة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة مهدداً بسبب الرسوم الجمركية، التي تهدد بإضافة ضغوط تضخمية من شأنها أن ترجح كفة الميزان. وقال تيم أوربانوفيتش، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة «إنوفيتور كابيتال مانجمنت»: «إن ما يقلقنا أكثر من التضخم نفسه هو الركود التضخمي. وفي حين نواجه تضخماً متفاقماً، فإن التعريفات الجمركية قد تضر بالاقتصاد من خلال العمل كضريبة على المستهلكين والتأثير على الأرباح والنمو الاقتصادي».

وأظهر استطلاع أجراه «بنك أوف أميركا» لمديري الصناديق العالمية، أن نسبة المستثمرين الذين يتوقعون حدوث ركود تضخمي - الذي يعرّفه البنك على أنه نمو أقل من المتوسط وتضخم أعلى من المتوسط - بلغت أعلى مستوى لها في سبعة أشهر. في الوقت نفسه، ظل المستثمرون متفائلين بشأن الأسهم، حيث نظروا إلى الحرب التجارية بوصفها خطراً منخفض الاحتمال.

وفيما يتعلق بالرسوم الجمركية، قالت ماددي ديسنر، رئيسة خدمات فئات الأصول في «كابيتال غروب»، إن التعريفات قد تعزز النمو على المدى البعيد، حيث تدعم الصناعات التي ستستفيد من قلة المنافسة العالمية. ومع ذلك، قد ترفع الرسوم الجمركية في البداية ضغوط الأسعار.

وأضافت ديسنر: «من المحتمل أن يكون التأثير في مكان ما بين هذين السيناريوهين»، مشيرة إلى أن الرسوم الجمركية كانت أحد الأسباب وراء تعديل «كابيتال غروب» لتوقعاتها لعائدات سندات الخزانة لمدة 10 سنوات لتصل إلى 3.9 في المائة على مدى 20 عاماً، ارتفاعاً من التوقعات السابقة التي كانت 3.7 في المائة.

وعلى الرغم من ظهور قلق بشأن الركود التضخمي في عام 2022، عندما ارتفعت معدلات التضخم وانخفضت أسعار الأسهم والسندات، فإن هذا السيناريو لم يتحقق حينما تراجع التضخم وظل النمو مرناً. ويعتقد كثيرون أن الاقتصاد الأميركي سيتجنب الركود التضخمي مرة أخرى، خصوصاً أن التضخم الأساسي ما زال عند نحو 3 في المائة، وهو أقل بكثير من المستويات التي سجلها في السبعينات.

ومع ذلك، حذر مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في «موديز أناليتيكس»، من أن السوق قد تكون أقل تقديراً لمخاطر الركود التضخمي. وأشار إلى أن احتمالية ترحيل العمال على نطاق واسع بسبب سياسات ترمب قد تسهم في زيادة التضخم. وقال: «تمثل الرسوم الجمركية وتكاليف الترحيل صدمات سلبية في العرض، ما يسهم في زيادة التضخم ويضر بالنمو الاقتصادي».

من جانبه، قال جونيت دينغرا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأميركية في «بي إن بي باريبا»، إن السوق كانت «مطمئنة» خلال الأشهر الستة الماضية، مع التركيز على سياسات ترمب المؤيدة للنمو. وأضاف أن المستثمرين الذين يخشون الركود التضخمي قد يميلون إلى بيع سندات الخزانة لمدة عامين التي من المرجح أن تفقد قيمتها بسبب ارتفاع التضخم، مع شراء سندات الخزانة لمدة 10 سنوات التي قد تستفيد في سيناريو النمو المنخفض.

وقال ماثيو بارتوليني، رئيس أبحاث «إس بي دي آر أميركاز» و«ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»: إن الاهتمام المتزايد بالذهب الذي وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، يشير إلى أن بعض المستثمرين بدأوا يشعرون بالتوتر، حيث يعد الذهب أحد الأصول القليلة التي تحتفظ بقيمتها في بيئة ركود تضخمي.

واختتم جاك ماكنتاير من «برانديواين غلوبال» حديثه قائلاً: «الفائز الكبير الآخر في هذه البيئة سيكون النقد، ولكن في هذه المرحلة سأتردد في اتخاذ قرارات كبيرة بشأن الانتقال إلى أدوات الدخل الثابت الشبيهة بالنقد».


مقالات ذات صلة

إنفاق قوي للأميركيين قبيل تطبيق الرسوم يدفع مبيعات التجزئة للارتفاع في مارس

الاقتصاد امرأة تتفقد منتجات التجميل في أحد المتاجر المحلية بمدينة نيويورك (رويترز)

إنفاق قوي للأميركيين قبيل تطبيق الرسوم يدفع مبيعات التجزئة للارتفاع في مارس

زاد المستهلكون الأميركيون من إنفاقهم خلال الشهر الماضي مدفوعين بشراء سلع مرتفعة الثمن من الإلكترونيات إلى السيارات قُبيل دخول الرسوم الجمركية الموسعة

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد يُسكب النيكل المصهور في مصنع «نادجدا» للمعادن التابع لشركة «نوريلسك نيكل» في مدينة نوريلسك القطبية (رويترز)

ترمب يأمر بالتحقيق في فرض رسوم على واردات المعادن الحرجة

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الثلاثاء، أمراً بفتح تحقيق حول فرض رسوم جمركية محتملة على جميع واردات المعادن الحرجة إلى الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مبنى هاري إس ترومان المقر الرئيسي لوزارة الخارجية الأميركية في واشنطن (أ.ب - أرشيفية)

اقتطاعات كبيرة مرتقبة في موازنة الخارجية الأميركية

نقلت وسائل إعلام أن موازنة وزارة الخارجية الأميركية قد تخفض بمقدار النصف تقريبا وستتوقف الولايات المتحدة جزئيا عن تمويل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والناتو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن (رويترز)

«سكوب» الأوروبية: تصنيف أميركا مهدد إذا تضررت الثقة بالدولار بسبب حرب تجارية

حذّرت وكالة «سكوب» الأوروبية للتصنيف الائتماني من احتمال خفض تصنيف الولايات المتحدة، في حال أدت حرب تجارية طويلة الأمد إلى تقويض الثقة العالمية بالدولار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد تفريغ حاويات الشحن من السفن في مجمع ميناء لوس أنجليس (رويترز)

انخفاض غير متوقع في أسعار الواردات الأميركية خلال مارس

سجلت الواردات الأميركية تراجعاً غير متوقع في مارس مدفوعاً بانخفاض تكاليف منتجات الطاقة

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

إنفاق قوي للأميركيين قبيل تطبيق الرسوم يدفع مبيعات التجزئة للارتفاع في مارس

امرأة تتفقد منتجات التجميل في أحد المتاجر المحلية بمدينة نيويورك (رويترز)
امرأة تتفقد منتجات التجميل في أحد المتاجر المحلية بمدينة نيويورك (رويترز)
TT
20

إنفاق قوي للأميركيين قبيل تطبيق الرسوم يدفع مبيعات التجزئة للارتفاع في مارس

امرأة تتفقد منتجات التجميل في أحد المتاجر المحلية بمدينة نيويورك (رويترز)
امرأة تتفقد منتجات التجميل في أحد المتاجر المحلية بمدينة نيويورك (رويترز)

زاد المستهلكون الأميركيون من إنفاقهم خلال الشهر الماضي، مدفوعين بشراء سلع مرتفعة الثمن، من الإلكترونيات إلى السيارات، قبيل دخول الرسوم الجمركية الموسعة التي فرضها الرئيس دونالد ترمب حيّز التنفيذ.

وأظهرت بيانات وزارة التجارة ارتفاع مبيعات التجزئة بنسبة 1.4 في المائة في مارس (آذار)، مقارنة بزيادة طفيفة بلغت 0.2 في المائة في فبراير (شباط)، في حين تراجعت بنسبة 1.2 في المائة في يناير (كانون الثاني)، متأثرة بالطقس البارد الذي حدّ من حركة المتسوقين، وأضر بمبيعات السيارات ومعظم المتاجر الأخرى.

وباستثناء مبيعات السيارات، سجّلت مبيعات التجزئة ارتفاعاً أكثر تواضعاً بلغ 0.5 في المائة، وفق «وكالة أسوشييتد برس».

وارتفعت مبيعات تجار السيارات وقطع الغيار بنسبة 5.3 في المائة، بينما شهدت متاجر الإلكترونيات زيادة بنسبة 0.8 في المائة. وسجلت مبيعات السلع الرياضية نمواً بنسبة 2.4 في المائة. وحققت متاجر البقالة زيادة طفيفة بنسبة 0.1 في المائة، في حين ارتفعت مبيعات متاجر الملابس والإكسسوارات بنسبة 0.4 في المائة. أما مبيعات التجزئة عبر الإنترنت فزادت بنسبة 0.1 في المائة، وسجّلت المطاعم نمواً بنسبة 1.8 في المائة. بالمقابل، تراجعت مبيعات متاجر الأثاث والمفروشات المنزلية بنسبة 0.7 في المائة.

وقال كريستوفر إس روبكي، كبير الاقتصاديين في شركة «إف دبليو دي بوندز» في مذكرة إن «هذه أرقام مذهلة لمبيعات التجزئة لشهر مارس، حيث يسارع الناس إلى الشراء كما لو كانت هناك خصومات هائلة. يتوقع المستهلكون ارتفاعات كبيرة في الأسعار خلال العام المقبل، ويسارعون إلى شراء السلع والاستفادة من العروض قبل نفادها».

ويتوقع المحللون أن تبدأ المبيعات في التراجع مع ارتفاع تكلفة الرسوم الجمركية على الشركات، واضطرار كثير من تجار التجزئة إلى رفع الأسعار، ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب من جانب المتسوقين. كما أن ثقة المستهلكين قد تضررت بالفعل. ويُوقف عدد زائد من تجار التجزئة والموردين الشحنات الآتية من الصين، ويعلّقون الطلبات مؤقتاً بانتظار تسوية أوضح للرسوم، وفي بعض الحالات يتم إلغاء الطلبات بالكامل.

وأسفرت الحرب التجارية حتى الآن عن فرض تعرفة أساسية بنسبة 10 في المائة على معظم الدول، بينما تُفرض رسوم بنسبة مجمعة تبلغ 145 في المائة على الواردات من الصين. وتواجه السلع الآتية من كندا والمكسيك رسوماً تصل إلى 25 في المائة، فيما تُفرض النسبة نفسها على واردات السيارات والفولاذ والألمنيوم. وردت الصين الأسبوع الماضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 125 في المائة على السلع الأميركية.

وفي مطلع هذا الشهر، أعلن ترمب عن رسوم جمركية واسعة النطاق وشديدة على معظم الشركاء التجاريين. لكنه تراجع الأسبوع الماضي وأوقف تنفيذ الرسوم الجديدة على نحو 60 دولة لمدة 90 يوماً، رغم أن الرسوم الأميركية تبقى أعلى بكثير مقارنة بالأشهر الماضية.

وأعلنت إدارة ترمب يوم الجمعة الماضي إعفاءً مؤقتاً على بعض الإلكترونيات، مثل الجوالات الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، لكنها عادت بعد أيام لتؤكد أن هذه الإعفاءات مؤقتة فقط.

وفي ظل هذا الغموض، تراجعت معنويات المستهلكين الأميركيين بشدة في أبريل (نيسان)، مسجلة انخفاضاً للشهر الرابع على التوالي، في مؤشر واضح على رفض السياسات التجارية لترمب، وسط مخاوف من تسريح العمال وارتفاع التضخم.

وأظهر المؤشر الأولي لثقة المستهلك الصادر عن جامعة «ميشيغان» تراجعاً بنسبة 11 في المائة على أساس شهري إلى 50.8، وهو أدنى مستوى منذ ذروة جائحة «كوفيد - 19». وعلى مدار العام الماضي، انخفض المؤشر بنسبة 34 في المائة.

ويرى المحللون أن كبار تجار التجزئة سيكونون أكثر قدرة على التكيّف مع هذه الأوضاع مقارنة بالشركات الصغيرة، التي تفتقر إلى القوة التفاوضية الكافية لامتصاص التكاليف الإضافية أو الضغط على الموردين. ومع ذلك، يعتمد التأثير أيضاً على نوعية السلع المبيعة، خصوصاً إذا كانت مستوردة.

وقال الرئيس التنفيذي دوغ ماكميلون خلال لقاء مع المستثمرين: «رغم أننا لسنا محصنين على المدى القصير، فإننا في موقع يسمح لنا باتخاذ خطوات استباقية... البيئة الحالية لا تُقلل من ثقتنا في أعمالنا أو استراتيجيتنا».

أما الرئيس التنفيذي لشركة «أمازون»، آندي جاسي، فقال الأسبوع الماضي إن الشركة تبذل كل ما في وسعها للحفاظ على الأسعار المنخفضة، من خلال تسريع استيراد البضائع قبل تطبيق الرسوم، والتفاوض مع الموردين. ولكنه أضاف في مقابلة مع أندرو سوركين على قناة «سي إن بي سي»، أن شبكة البائعين الخارجيين التابعة لـ«أمازون» ستضطر إلى تمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلكين.

وقال جاسي: «اعتماداً على الدولة، قد لا يتوفر للبائعين هامش ربح إضافي بنسبة 50 في المائة لتعويض الرسوم، لذا من المرجح أن يُمرروا التكلفة إلى المستهلك». وأشار إلى أنه لم يلحظ تغيراً كبيراً في سلوك المستهلكين منذ إعلان الرسوم الجديدة، رغم بعض المؤشرات على قيام المتسوقين بتخزين البضائع تحسباً لارتفاع الأسعار، لكنه أضاف أن البيانات لا تزال محدودة، ولا يمكن الجزم بمدى انتشار هذا السلوك.

وبحسب شركة «بلومريتش»، التي ترصد مبيعات أكثر من 1000 علامة تجارية وتاجر تجزئة حول العالم، ارتفعت إيرادات التجارة الإلكترونية في أميركا الشمالية بنسبة 0.4 في المائة خلال الأسبوع المنتهي في 31 مارس مقارنة بالأسبوع الأول من الشهر. ومع ذلك، ارتفعت المبيعات بنسبة 6 في المائة بين الأسبوع الممتد من 24 مارس والأسبوع الممتد من 31 مارس.

وسجلت مبيعات الملابس عبر الإنترنت زيادة لافتة بنسبة 44.8 في المائة خلال أسبوع 31 مارس مقارنة بالأسبوع الأول من الشهر، بحسب «بلومريتش».