الجوع في العالم... تحدٍّ أخلاقي يتطلب حلاً مستداماً

الواعر لـ«الشرق الأوسط»: الاستثمار في الزراعة خطوة حاسمة لتعزيز الأمن الغذائي

يحمل الأطفال الفلسطينيون الأواني في طابور لتلقي الطعام من مطبخ خيري في رفح (رويترز)
يحمل الأطفال الفلسطينيون الأواني في طابور لتلقي الطعام من مطبخ خيري في رفح (رويترز)
TT

الجوع في العالم... تحدٍّ أخلاقي يتطلب حلاً مستداماً

يحمل الأطفال الفلسطينيون الأواني في طابور لتلقي الطعام من مطبخ خيري في رفح (رويترز)
يحمل الأطفال الفلسطينيون الأواني في طابور لتلقي الطعام من مطبخ خيري في رفح (رويترز)

يمثل الجوع وانعدام الأمن الغذائي تحديات أخلاقية وإنسانية تؤثر على الملايين حول العالم، ما يفرض مسؤولية أخلاقية تجاه المتضررين. ويتطلب ضمان الكرامة الإنسانية استجابات فعّالة تشمل استثمارات استراتيجية لبناء أنظمة زراعية غذائية مستدامة. ومع ازدياد التحديات مثل التغير المناخي والأزمات الاقتصادية، من الضروري إعادة التفكير في تقديم المساعدات الإنسانية والزراعية لتمكين الأفراد من إنتاج غذائهم. ورغم الجهود الدولية للقضاء على الجوع بحلول 2030، لا يزال التقدم بطيئاً، خاصة بعد جائحة «كوفيد – 19»، لذا، ينبغي توجيه استثمارات مستدامة وتعزيز التنسيق بين المساعدات الإنسانية والتمويل التنموي لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي.

المسؤولية الأخلاقية

بالتزامن مع إصدار منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقرير «الإنذار المبكر بشأن بؤر الجوع الساخنة وانعدام الأمن الغذائي»، الذي حذر من تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد في 16 نقطة جوع ساخنة، أكّد المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، عبد الحكيم الواعر لـ«الشرق الأوسط» أهمية مناقشة المسؤولية الأخلاقية تجاه الأفراد الذين يعانون من الجوع.

وقال: «انسجاماً مع هدف الحفاظ على الكرامة الإنسانية من خلال المساعدات الموجهة نحو الأفراد، تسهم التدخلات الزراعية المقدمة في الوقت المناسب في تمكين الناس من إنتاج غذائهم، وحماية سبل عيشهم، وزيادة توافر الأغذية المغذية في المجتمعات التي تعاني من مستويات مرتفعة من الجوع الحاد. وتستجيب المساعدات الزراعية الطارئة للاحتياجات الملحة للجوع؛ حيث تضمن إنتاج الأغذية المغذية في المناطق الأكثر حاجة، وتوفر سبيلاً للخروج من الأزمات الغذائية الطويلة والمتفاقمة».

وأضاف: «مع اقتراب نهاية عام 2024 ودخول عام 2025، نجد أن عدداً كبيراً من الأشخاص لا يزال مهدداً بخطر الجوع الحاد، بينما نشهد شحاً في الموارد المتاحة لمساعدتهم. يعاني منتجو الأغذية في المناطق الريفية من صعوبات تجعلهم غير قادرين على إطعام أسرهم. ومع تقديم الدعم المناسب في الوقت المناسب، يصبح بإمكانهم إطعام أنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم حتى في ظل الكوارث».

وتابع: «إننا لا نستطيع أن ندير ظهورنا لهؤلاء المحتاجين. ومنظمة الأغذية والزراعة، استناداً إلى مهمتها العميقة وخبرتها الفنية الواسعة، تلتزم بإنقاذ الأرواح، وتخفيف المعاناة، وصون كرامة كل من يواجه الأزمات».

ضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل

ورداً على سؤال حول الاستثمارات اللازمة لضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل، قال الواعر: «لا يزال العالم بعيداً عن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع؛ حيث يستمر انعدام الأمن الغذائي عالمياً عند نفس المستوى تقريباً لثلاث سنوات متتالية، عقب الارتفاع الكبير الذي شهدته بعد جائحة (كوفيد – 19) كما أن التقدم نحو ضمان وصول الجميع إلى الغذاء الكافي بشكل منتظم قد تعثر».

وأوضح أن المرحلة الحالية «تتطلب تسريع تحويل نظمنا الزراعية الغذائية لتعزيز قدرتها على الصمود في وجه التحديات الأساسية ومعالجة أوجه عدم المساواة، ما يضمن أن تكون الأنماط الغذائية الصحية متاحة للجميع. ولتحقيق الغايتين 2 - 1 و2 - 2 من أهداف التنمية المستدامة، تحتاج الجهود إلى زيادة التمويل الفعّال. وفي البلدان التي تعاني من أزمات طويلة الأمد وتكرار مخاطر المجاعة، تظل المساعدات الإنسانية المصدر الرئيسي لقطاع الأغذية، بينما يظل التمويل في هذا القطاع والتنمية هامشياً. لذلك، فإن تعزيز التنسيق يعد ضرورياً لبناء الاستقرار ومنع تأثيرات انعدام الأمن الغذائي الحاد مستقبلاً».

وبحسب الواعر، «تسهم الاستثمارات طويلة الأمد في خلق بيئة تمكينية للتنمية المستدامة، مما يمكّن المساعدات الإنسانية من الاستجابة الفعّالة للاحتياجات الفورية دون الضغط على معالجة حالات الطوارئ طويلة الأمد. وهذا يسمح بتسلسل مناسب بين التمويل الإنساني والتنموي لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي الحاد وتقليل الاحتياجات الإنسانية».

وتابع: «تعتبر الزراعة من بين أكثر التدخلات الإنسانية فاعلية من حيث التكلفة. يمثل سكان الريف ما لا يقل عن ثلثي مَن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفي بعض البلدان، قد تصل هذه النسبة إلى 90 في المائة. ومع ذلك، فإن جزءاً بسيطاً من المساعدات الإنسانية، لا يتجاوز 4 في المائة، مخصص لحماية سبل العيش الزراعية في سياقات الأزمات الغذائية».

رجل أفغاني مسن يحصد القمح في ضواحي كابل (رويترز)

وختم: «من خلال تمكين الإنتاج المحلي للغذاء، خاصة عبر التدخلات النقدية، يمكن للناس في المناطق الريفية تجنب مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد واستنزاف الأصول، وهو ما يعد بالغ الأهمية للبقاء والرفاه البدني والعقلي. فعلى سبيل المثال، أسهمت الزيادة الكبيرة في تمويل التدخلات الزراعية الطارئة في أفغانستان في خفض عدد الريفيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث انخفضت نسبتهم من 47 في المائة إلى 40 في المائة بين مارس (آذار) 2022 وأبريل (نيسان) 2023، مما يعني أن أكثر من 2.4 مليون شخص تحسنت أوضاعهم قبل موسم الحصاد».


مقالات ذات صلة

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أفريقيا أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)

أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل

أفاد تقرير بأن أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل، وهو رقم يزداد مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم آثار الحرب والتغير المناخي.

«الشرق الأوسط» (أبوجا )

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
TT

ألمانيا تحذر ترمب من تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد

سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)
سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات بميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

أعرب وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، ومرشح حزب «الخضر» لمنصب المستشار، عن اعتقاده بأن ألمانيا والاتحاد الأوروبي على استعداد جيد للتعامل مع رئاسة دونالد ترمب الجديدة، لكنه حذر ترمب من أن الرسوم الجمركية سلاح ذو حدين، وسيضر الاقتصاد الكلي.

وقال هابيك، نائب المستشار الألماني، وفق «وكالة الأنباء الألمانية»: «أقول إنه يتعين علي وأريد أن أواصل العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. لكن إذا تصرفت الإدارة الأميركية الجديدة بطريقة قاسية، فسنرد بشكل جماعي وبثقة بوصفنا اتحاداً أوروبياً».

يذكر أن الاتحاد الأوروبي مسؤول عن السياسة التجارية للدول الأعضاء به والبالغ عددها 27 دولة.

وهدد الرئيس الأميركي المنتخب ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع البضائع الصينية وما يتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من دول أخرى، ومن بينها الاتحاد الأوروبي، والتي ستشمل السيارات الألمانية الصنع، وهي صناعة رئيسية.

وقال هابيك إنه سيتم التوضيح للولايات المتحدة، من خلال الحوار البناء مع الاتحاد الأوروبي، أن العلاقات التجارية الجيدة تعود بالنفع على الجانبين، إلا أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إظهار قوتهما.

وأضاف هابيك: «ردي على ترمب ليس بالخضوع، ولكن بالثقة بقوتنا. ألمانيا قوية وأوروبا قوية».

كانت دراسة أجرتها شركة «بي دبليو سي» لمراجعة الحسابات، قد أظهرت أن اختيار دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، يُشكل تحدياً لصناعة الشحن الألمانية.

وكشفت الدراسة عن أن 78 في المائة من ممثلي الصناعة يتوقعون تداعيات سلبية من رئاسة ترمب، بينما يتوقع 4 في المائة فقط نتائج إيجابية. واشتمل الاستطلاع على ردود من 124 من صنّاع القرارات في قطاع الشحن.

وتمحورت المخاوف حول احتمالية زيادة الحواجز التجارية، وتراجع حجم النقل تحت قيادة ترمب.

كما ألقت الدراسة الضوء على الأزمة الجارية في البحر الأحمر، حيث تهاجم جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران السفن التجارية بطائرات مسيّرة وصواريخ.

وبدأت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتقول الجماعة إنها تستهدف السفن الإسرائيلية، والمرتبطة بإسرائيل، أو تلك المتوجهة إليها، وذلك نصرة للشعب الفلسطيني في غزة.

وتجنبت عدة شركات شحن قد شملها الاستطلاع، البحر الأحمر خلال فترة الاستطلاع الذي أجري من مايو (أيار) إلى يونيو (حزيران)، فيما لا تزال ثلاث شركات من أصل 72 شركة تبحر عبر المسار بشكل نموذجي، تعمل في المنطقة.

ووفقاً للدراسة، فإن 81 في المائة من الشركات لديها اعتقاد بأن الأسعار سوف تواجه ضغوطاً هبوطية في حال كانت مسارات النقل في البحر الأحمر تعمل بشكل سلس.