اجتماعات الخريف في واشنطن تنعقد على وقع تفاقم الصراع و«تحليق» الديْن العالمي

لقاءات صندوق النقد والبنك الدوليين تأتي قبل 3 أسابيع من الانتخابات الأميركية

رجل يسير أمام لافتات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2024 خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)
رجل يسير أمام لافتات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2024 خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات الخريف في واشنطن تنعقد على وقع تفاقم الصراع و«تحليق» الديْن العالمي

رجل يسير أمام لافتات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2024 خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)
رجل يسير أمام لافتات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2024 خارج مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن (أ.ف.ب)

بدءاً من يوم الاثنين وعلى مدى أسبوع، يلتقي وزراء مالية ومحافظو المصارف المركزية في جميع أنحاء العالم في واشنطن تحت مظلة اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي تتزامن مع تفاقم الصراع في الشرق الأوسط، واستمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، وضعف الطلب في ثاني اقتصاد عالمي، أي الصين.

وتأتي هذه الاجتماعات قبل أسبوعين من الانتخابات الأميركية التي قد تحدد حقبة جديدة.

في اجتماعات الخريف في العام الماضي التي عقدت بين التاسع والخامس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) في مراكش، طغت حرب غزة والزلزال المدمر في المغرب على الجلسات والأحاديث الجانبية. واليوم، بعد عام لا يزال الصراع مستمراً في الشرق الأوسط، فيما تسجل نقطة إيجابية للاقتصاد العالمي بإحراز معظم الدول تراجعات في معدلات التضخم إلى مستويات جيدة بفضل مزيج من إجراءات السياسة النقدية الحازمة، وهو ما أبعد الاقتصاد العالمي عن حالة من الركود، وفقدان الوظائف على نطاق واسع، وهو أمر رأيناه خلال الجائحة، وعقب النوبات التضخمية السابقة، وخشي الكثيرون من تكراره، وفق المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا.

ورغم الأخبار الجيدة، فإنه ليس من المتوقع أن يكون الأسبوع احتفالاً بالنصر، لثلاثة أسباب وفق غورغييفا:

أولاً قد تكون معدلات التضخم آخذة في التراجع، ولكن ارتفاع مستوى الأسعار الذي نشعر بتأثيره على جيوب المواطنين مستمر.

ثانياً نحن نعيش في بيئة جغرافية - سياسية صعبة، ويساور الجميع قلق بالغ إزاء اتساع الصراع في الشرق الأوسط، ودوره المحتمل في زعزعة استقرار اقتصادات المنطقة، وأسواق النفط والغاز العالمية.

ثالثاً تشير فيه التنبؤات إلى مزيج قاس من تراجع النمو وارتفاع الدين.

وقد أشار الصندوق إلى بعض المواضيع التي يأمل في طرحها من خلال مجموعة من التوقعات والدراسات حول الاقتصاد العالمي في الأيام المقبلة. ويصدر الصندوق، الثلاثاء، تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي، في حين سيتضمن تقرير المرصد المالي لصندوق النقد الدولي يوم الأربعاء تحذيراً من أن مستويات الدين العام من المقرر أن تصل إلى 100 تريليون دولار هذا العام، مدفوعة بالصين والولايات المتحدة، وفق «بلومبرغ». ويوم الخميس، يصدر تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأكدت غورغييفا، يوم الخميس الماضي، كيف أن جبل الاقتراض هذا يثقل كاهل العالم. وقالت: «تشير توقعاتنا إلى مزيج لا يرحم من النمو المنخفض والديون المرتفعة - مستقبل صعب... يجب على الحكومات العمل على خفض الديون وإعادة بناء المخازن للصدمة التالية - والتي ستأتي بالتأكيد، وربما قبل أن نتوقع».

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في كلمة سابقة لها خلال اجتماعات الربيع (رويترز)

وقد تلقى بعض وزراء المالية تذكيرا أكثر من مرة في هذا الشأن حتى قبل نهاية الأسبوع؛ إذ تلقت وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز بالفعل تحذيراً من صندوق النقد الدولي بشأن خطر رد فعل السوق إذا لم يستقر الدين. ويمثل يوم الثلاثاء آخر إصدار لبيانات المالية العامة قبل موازنتها في 30 أكتوبر.

وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز تلقي كلمتها الرئيسية بالمؤتمر السنوي لحزب «العمال» البريطاني في ليفربول (أرشيفية - رويترز)

في غضون ذلك، حددت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني يوم الجمعة موعداً لتقرير محتمل عن فرنسا، التي تواجه تدقيقاً مكثفاً من جانب المستثمرين في الوقت الحاضر. ومع ارتفاع تقييمها خطوة واحدة عن المنافسين الرئيسيين، ستراقب الأسواق أي خفض في التوقعات.

أما بالنسبة لأكبر المقترضين على الإطلاق، فإن لمحة من تقرير صندوق النقد الدولي الذي نُشر بالفعل تحتوي على تحذير قاتم: «ماليتكم العامة هي مشكلة الجميع». وقال الصندوق: «يمكن لكل من مستويات الديون المرتفعة وعدم اليقين المحيط بالسياسة المالية في البلدان المهمة على المستوى النظامي، مثل الصين والولايات المتحدة، أن يولد آثاراً جانبية كبيرة في شكل تكاليف اقتراض أعلى، ومخاطر مرتبطة بالديون في اقتصادات أخرى».


مقالات ذات صلة

العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (رويترز)

السيسي: مصر قد تراجع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إذا أدى إلى ضغوط «غير محتملة»

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الأحد أن حكومته قد تضطر إلى مراجعة اتفاقها مع صندوق النقد الدولي إذا ما أدى إلى ضغوط «لا يحتملها الرأي العام».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزيرة المالية راشيل ريفز تلقي خطاباً بوزارة الخزانة تعلن فيه عن خطوات الحكومة لتحقيق النمو الاقتصادي، 8 يوليو 2024 (رويترز)

ريفز ستشدد على الاستقرار في أول زيارة لصندوق النقد وزيرةً للمالية البريطانية

ستؤكد راشيل ريفز، في أول رحلة لها وزيرةً للمالية البريطانية، التزامها بالاستقرار خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد غورغييفا تستعد للحديث عن التوقعات الاقتصادية العالمية خلال كلمتها الافتتاحية لاجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن (إ.ب.أ)

غورغييفا «ليست متشائمة للغاية» بشأن الاقتصاد العالمي رغم مخاطر الحروب

قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الخميس، إنها «ليست متشائمة للغاية» رغم المخاطر الناجمة عن الحروب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد المصرف المركزي التركي

المركزي التركي يبقي على سعر الفائدة عند 50% للشهر السابع

أبقى مصرف تركيا المركزي على سعر الفائدة ثابتاً عند 50 في المائة للشهر السابع على التوالي تماشياً مع توقعات السوق

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)

سندات لبنان السيادية ترتفع «دولياً» رغم احتدام الحرب

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
TT

سندات لبنان السيادية ترتفع «دولياً» رغم احتدام الحرب

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)

يثير الإقبال المستمر على حيازة سندات الدين الدولية المصدرة من الحكومة اللبنانية، الكثير من التكهنات في الأوساط المالية والمصرفية المحلية، التي ترصد باهتمام بالغ مصادر الطلب الاستثماري الخارجي، وطبيعة العوامل المحفزّة التي رفعت أسعار «اليوروبوندز» بما يقارب 50 في المائة خلال ثلاثة أسابيع فقط، من مستواها الأدنى البالغ نحو 6 سنتات إلى 9 سنتات لكل دولار.

واكتسبت هذه المعطيات المفاجئة اهتماماً استثنائياً لدى كبار المسؤولين في القطاع المالي وخارجه، بفعل تزامنها مع احتدام العمليات الحربية على الحدود الجنوبية، وتوسعها المشهود إلى مناطق داخلية واسعة في لبنان، مع ما يرافقها من أحداث جسيمة واغتيالات نوعية، ما يخرجها من إطارها السوقي الضيق إلى ربطها بترقبات التغييرات البنيوية التي يتوقع المستثمرون أن يشهدها لبنان في «اليوم التالي» لانتهاء الحرب.

وبالتماهي مع هذا التقييم الذي قد يفضي، وفق مراكز بحثية، إلى إرساء قواعد واعدة لاستقرار الاقتصاد واستعادة مسار النمو الإيجابي للناتج المحلي، ومعززاً بتوقع تدفق مساعدات مالية وعينية تشمل دعم القوى الأمنية والعسكرية، يمكن أن تنتعش تلقائياً بمعالجة إشكالية التخلف عن سداد السندات السيادية وفتح قنوات تفاوض مباشرة وجديّة مع الدائنين.

وفي سياق متصل، يشير أحدث تقرير دوري صادر عن «بنك عودة»، وهو أكبر البنوك المحلية، إلى أنه على الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة على مختلف الأراضي اللبنانية، فإن سوق سندات «اليوروبوندز» ظلت تشهد إقبالاً لافتاً من المتعاملين المؤسساتيين الأجانب في الأسواق المالية العالمية، وذلك للأسبوع الثالث على التوالي.

ويأتي ذلك، حسب التقرير، وسط رهان على إمكانية حصول تسويات سياسيّة في فترة ما بعد الحرب، ما من شأنه أن يفسح الطريق أمام تطبيق الإصلاحات الملحة التي طال انتظارها، ويؤدي إلى إعادة هيكلة الدين. أضف إلى ذلك أنّ بعض المتعاملين رغبوا في شراء سندات الدين اللبنانية من أجل تعزيز موقعهم التفاوضي في المستقبل.

ويلاحظ مسؤول مصرفي معني أن الاهتمام المتزايد بمتابعة السندات السيادية اللبنانية، وبما يشمل عمليات شراء في الأسواق الخارجية، يرد خصوصاً من قِبَل بنوك وشركات استثمارية عالمية، وبينها شركات أميركية. كما يتلقى مسؤولون كبار ومديرون معنيّون في الكثير من المصارف المحلية استفسارات طارئة من نظرائهم في بنوك مراسلة بشأن تقييمها لإعادة الهيكلة الحكومية لهذه المحفظة من الدين العام ولمستويات السداد المحتملة للأصول والفوائد المتراكمة في المرحلة اللاحقة.

ومن المؤكد، وفقاً للمسؤول المصرفي، أن الحصانة القوية التي حققتها السياسات النقدية الجديدة المعتمدة من قيادة البنك المركزي برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، أنعشت الأصداء المشجعة لدى صانعي القرار في الأسواق الخارجية للإبقاء على قنوات التواصل مع القطاع المالي اللبناني وسنداته الخاصة والعامة، لا سيما بعد ثبوت نجاعة هذه السياسات في الإدارة المحكمة للسيولة وحماية الاستقرار النقدي وعزله عن ضغوط يوميات الحرب، وتعزيز الاحتياطيات بالعملات الأجنبية رغم الانكماش الحاد للتدفقات الواردة من قطاع السياحة.

وقد يعكس النمط الحالي للطلب على السندات السيادية، وفقاً للمسؤول المصرفي، وبما يعاكس الأجواء السارية الموصوفة حكماً بالـ«طاردة للاستثمار»، تحولات في الجاذبية الاستثمارية لهذه الكتلة «المعلّقة» من الدين العام، والبالغة أصولها نحو 31 مليار دولار، وفوائد غير مسددة تعدّت 10 مليارات دولار، رغم محدودية الارتفاع المحقق في سقوف أسعار التداول إلى نحو 10 في المائة فقط من القيمة الاسمية للإصدار.

ويرى المسؤول المصرفي أن استمرار التحسن المحقّق ومدى ثباته، يمكن أن يطلق إشارة، ولو ضعيفة حتى الساعة، لفتح «كوة» في الجدار الذي يحول دون عودة لبنان إلى ردهات الأسواق المالية الدولية، بعد انتهاء الحرب وإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، بعدما تعمّدت منظومة الحكم والحكومة إخراجه منه بقرار ملتبس في ربيع عام 2020، قضى بالامتناع عن دفع موجبات أصول وفوائد شريحة مستحقة، والإطاحة عمداً بأي خيارات بديلة لإجراء عمليات مبادلة (سواب) أو التفاوض المسبق مع الدائنين لإعادة برمجة الاستحقاقات التي كانت موزعة أساساً حتى عام 2037.

كما يشير إلى أهمية العامل التقني لتحفيز الطلب، مع ترقب المستثمرين لاحتمال إقدام مجموعات من كبار حاملي السندات اللبنانية على رفع دعاوى قضائية في الربيع المقبل لدى محاكم نيويورك وفق مندرجات العقود المبرمة في عمليات الإصدارات، بذريعة انتهاء المهلة الزمنية لسداد الفوائد المعلقة، والمحددة لخمس سنوات بعد تاريخ الإفصاح الرسمي بالتوقف عن الدفع.