«صندوق الاستثمارات العامة» يدعم مساعي السعودية لتحقيق الأمن الغذائي

أسّس شركات وشراكات لتوطين المعرفة وتعظيم قدرات الإنتاج المحلي وتعزيز سلاسل التوريد العالمية

مزرعة ضمن مشاريع إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة (الشرق الأوسط)
مزرعة ضمن مشاريع إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة (الشرق الأوسط)
TT

«صندوق الاستثمارات العامة» يدعم مساعي السعودية لتحقيق الأمن الغذائي

مزرعة ضمن مشاريع إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة (الشرق الأوسط)
مزرعة ضمن مشاريع إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة (الشرق الأوسط)

تمضي السعودية في تعزيز قدراتها المحلية في إنتاج الغذاء وشراكاتها الدولية لضمان استمرارية سلاسل التوريد، في خطوة تتمثل في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، والحفاظ على إمدادات الغذاء، ومواجهة تحديات التغير المناخي وندرة الموارد المائية، وفق معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط».

وتعد المملكة في مقدمة دول المنطقة في التعامل بنجاح مع ملف الأمن الغذائي منذ عقود، حيث قطعت أشواطاً كبيرة عبر إطلاق استراتيجيات ومبادرات عدة تنسجم مع «رؤية 2030»، في الوقت الذي تمثل مساهمات «صندوق الاستثمارات العامة» ركيزة رئيسية في دعم منظومة العمل السعودي لتعزيز الأمن الغذائي، منسجمةً مع أهداف «رؤية السعودية 2030»، واستراتيجية الهيئة العامة للأمن الغذائي السعودية، والاستراتيجية الوطنية للزراعة.

وتأتي خطوات المملكة بعد أن أحدثت جائحة كورونا إشكالية في ضمان الأمن الغذائي واستمرارية سلاسل توريد الغذاء، لتصبح إحدى أهم الأولويات الاستراتيجية المستقبلية لأغلب دول العالم، في ظل وصول معدلات المعاناة من نقص التغذية -في العام السابق للجائحة- إلى ما يقارب 10 في المائة من سكان العالم (811 مليون شخص حول العالم)، وفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وارتفاع هذا المعدل بعدما ألقت الجائحة بظلالها على سلاسل التوريد العالمية.

وخلال العامين الماضيين، ارتفعت وتيرة الاهتمام العالمي بضمان الأمن الغذائي بعد أن أثّر الصراع في شرق أوروبا على مصادر توريد ما يتراوح بين 20 و30 في المائة من الحبوب وما يقارب 80 في المائة من زيوت دوار الشمس عالمياً، حيث دفعت هذه الحالة المضطربة لتوافر الغذاء، الكثير من دول العالم لإطلاق مزيد من البرامج والمبادرات التي تعزز عبرها قدراتها المحلية على إنتاج الغذاء وشراكاتها الدولية لضمان استمرارية سلاسل التوريد، ومن أهمها دول منطقة الخليج العربي التي تستورد ما يصل إلى 80 في المائة من احتياجاتها من السلع الغذائية، حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

دور «صندوق الاستثمارات العامة»

وحسب معلومات، يمكن من خلال مراقبة طبيعة الأنشطة الاستثمارية للصندوق في القطاع ملاحظة السعي إلى تحقيق أهداف رئيسية على صعيد ملف الأمن الغذائي، وذلك في إطار الدور الأشمل للصندوق في الاقتصاد المحلي.

ويشمل ذلك تحفيز قدرات قطاع الزراعة والغذاء والتجزئة المحلي، وتعزيز قدراته الإنتاجية من خلال مجموعة من المشاريع الإنتاجية، وتمكين القطاع الخاص وتحفيزه على الاستثمار بهدف إيجاد منظومة أعمال وسلاسل توريد خدمية محلية متكاملة، وتوسعة شبكة الشراكات والاستثمارات الدولية لضمان استمرارية سلاسل التوريد العالمية.

ويظهر دعم استمرارية سلاسل التوريد المحلية في قطاع الأغذية في الاستثمار في كثير من الشركات ومنها «أمريكانا فودز» بهدف تعزيز قدراتها الإنتاجية لتلبية احتياجات الأسواق المحلية، الإقليمية والعالمية، بالإضافة إلى الاستثمار في شركة التجارة الإلكترونية «نون» بهدف تعزيز مرونة واستمرارية سلاسل التوريد المحلية وصولاً للمستهلك.

تسهم مبادرات وشركات الصندوق في تعزيز الأمن الغذائي للسعودية وسلاسل التوريد العالمية

توطين المعرفة

وحسب المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإنه في إطار تعزيز توطين المعرفة وتعظيم قدرات الإنتاج المحلي من السلع الغذائية الرئيسية، يجري العمل حالياً عبر الشراكة بين شركة تطوير منتجات الحلال -المملوكة بالكامل للصندوق- والشركة البرازيلية للصناعات الغذائية (بي آر إف) المالكة لعلامة الدواجن «ساديا» على توطين تربية وإنتاج دواجن العلامة محلياً، ومن المنتظر خلال العامين المقبلين طرح المنتج في السوق المحلية بجودته العالمية.

في الوقت الذي حرصت شركة «سالك» -المملوكة بالكامل لـ«صندوق الاستثمارات العامة»- على تعزيز قدرات الإنتاج في شركات محلية قائمة فعلياً مثل «المراعي»، و«نادك»، بمنظومة استثمارية ذكية تعتمد على ضخ استثمارات.

وتأتي تلك الخطوات ضمن جهود الصندوق لتمكين القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد والناتج المحلي، إذ تعزز استثمارات «سالك» قدرات شركات القطاع الخاص وتمكنها من الوصول بمنتجاتها إلى أسواق جديدة ضمن جهود الصندوق لتمكين الشركات السعودية.

واعتمد الصندوق منظمة متكاملة تشمل الاستثمار في مجموعة من شركات المنتجات الغذائية المحلية، ومنها «الشركة السعودية للقهوة - جازين» التي تستهدف تسليط الضوء على واحدة من الزراعات التراثية في المملكة وإيجاد منظومة أعمال متكاملة لها تضمن توسعها.

وتعمل الشركة على دعم منتج القهوة المحلي والارتقاء به إلى المصاف العالمية ورفع مكانة البلاد بوصفها لاعباً رئيسياً عالمياً، وتعزيز جهود تطوير الزراعة المستدامة في منطقة جازان بجنوب المملكة، بوصفها موطناً رئيسياً لبن الأرابيكا الأشهر عالمياً.

وفي الإطار نفسه، ضمن مكانة السعودية كأحد اللاعبين العالميين في إنتاج وتصدير التمور، أطلق الصندوق شركة «تراث المدينة» التي تهدف لأداء دور رئيسي في رفع وتحسين قدرة وجودة الإنتاج للتمور بمنطقة المدينة المنورة، بما يسهم في تعزيز صناعة التمور المحلية، وتسويقها محلياً ودولياً.

كما تشمل الاستثمارات تعزيز تراث حليب الإبل عبر إطلاق علامة «نوق» لمنتجات حليب الإبل من شركة «سواني» المملوكة بالكامل للصندوق، والتي استهدفت تحفيز الاستثمار في هذا النوع من المنتجات المرتبطة بالتراث السعودي، وتحفيز سلاسل التوريد المرتبطة بها، حيث تم إطلاق متاجر متخصصة لها.

وأسس الصندوق كذلك «شركة تطوير منتجات الحلال» التي تُعنى بتوطين وتطوير الصناعات المرتبطة بمنتجات الحلال في السعودية، ويشكل قطاع الأغذية أحد مرتكزات عملها، بهدف زيادة الصادرات وتعزيز مكانة المملكة في قلب صناعة الحلال العالمية.

عملية فرز للحبوب في أحد المشاريع

تمكين القطاع الخاص

وفي سياق تمكين القطاع الخاص وتعزيز قدرات نموه وتحفيز ريادة الأعمال، يسهم الصندوق في تعزيز بيئة الأعمال والدخول إلى قطاعات استثمارية جديدة وتنشيطها وتسجيل معدلات نمو جيدة بها بما يحفز القطاع الخاص ويمكنه من الدخول إليها ويُسهل عمليات ريادة الأعمال وتأسيس الشركات الناشئة ويعزز أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة.

ووفقاً للمعلومات فإن جهود الصندوق تسهم في تمكين تحوّل بعض مؤسسات القطاع الخاص المحلية إلى شركات إقليمياً وعالمياً عبر ضخ استثمارات ترفع رأس مال هذه الشركات وتعزز قدرتها على التوسع، وتطبق نظام حوكمة يمكنها من وضع استراتيجية واضحة للنمو.

والمثال على ذلك استثمار الصندوق في شركة «التميمي» التي بدأت في توسعها بشكل كبير على المستوى المحلي، وعززت تنوع معروضها من المنتجات، كما وفَّرت أماكن عرض للسلع والمنتجات الغذائية التي تنتجها شركات محفظة الصندوق الأخرى.

تعزيز سلاسل التوريد العالمية

وفي إطار توسعة شبكة الشراكات والاستثمارات الدولية لضمان استمرارية سلاسل التوريد العالمية، تسهم الشركات التابعة لمحفظة الصندوق بدور كبير عبر كثير من العقود وشراكات التوريد من الأسواق الخارجية، إلى جانب منظومة استثمارية عالمية تستهدف الاستثمار في الشركات والمؤسسات الغذائية حول العالم، لضمان أفضلية التوريد المستدامة للمملكة وبالأخص في أوقات الأزمات.

وفي هذا السياق، تأتي الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني «سالك» كإحدى أهم الركائز التي تعتمد عليها استراتيجية الصندوق في تحقيق هذا الهدف. ويضم نشاط الشركة استثمارات محلية وعالمية تستهدف المساهمة بفاعلية في تحقيق استراتيجية الأمن الغذائي بتوفير المنتجات الغذائية واستقرار أسعارها من خلال إنشاء شركات تابعة بمفردها وعقد شراكات، وطنية وإقليمية ودولية.

وتضم قائمة الاستثمارات الدولية في قطاع الغذاء الكثير من الاستحواذات والشراكات، منها ما تقوم به شركة «سالك» من شراكات استثمار في زراعة الأزر في الهند، واستثمار في إنتاج اللحوم الحمراء في كل من البرازيل وأستراليا، بالإضافة إلى استثمار في شركة «بي آر إف» البرازيلية، واستثمار في «أولام» الزراعية القابضة ومقرها سنغافورة، وهي إحدى الشركات العالمية في مجال تجارة الحبوب والأرز والأعلاف والزيوت وتنتشر فروعها في 30 دولة حول العالم.

إحدى المزارع التي عمل فيها الصندوق لدعم سلاسل التوريد الغذائي حول العالم

تكامل الخدمات

وضمن مساعي تحقيق مرونة وانسيابية سلاسل التوريد وضمان الأمن الغذائي، تضم جهود الصندوق بناء وتعزيز منظومة الأعمال المتكاملة وسلاسل التوريد الخدمية المحيطة بالقطاع بوصفها ركيزة أساسية لضمان تكامل الخدمات، حيث تعمل شركة الحبوب الوطنية التابعة لشركة «سالك»، على تطوير قدرات التخزين وإنشاء صوامع ذات سعة عالية لضمان انسيابية حركة التوريد والتخزين.

وورَّدت شركة «سالك» إلى السعودية خلال الأعوام الأربعة الماضية أكثر من أربعة ملايين طن من السلع الاستراتيجية، حيث بدأت أول وارداتها في عام 2020 بكمية بلغت 60 ألف طن من القمح، في حين تقدَّر الكميات المورَّدة في العامين الماضيين من القمح بأكثر من 35 في المائة من احتياج البلاد.

ويعمل «صندوق الاستثمارات العامة» عبر هذه المنظومة الاستراتيجية الواسعة والمتكاملة بفاعلية على تحقيق مستهدفات «رؤية 2030» فيما يخص تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والحفاظ على إمدادات الغذاء، وتحسين مؤشرات الأمن الغذائي، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في تحقيق النمو والتنوع الاقتصادي.


مقالات ذات صلة

مصادر: إسرائيل توقف فحص طلبات استيراد الأغذية إلى قطاع غزة

المشرق العربي أطفال فلسطينيون يتزاحمون للحصول على الطعام في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

مصادر: إسرائيل توقف فحص طلبات استيراد الأغذية إلى قطاع غزة

قال 12 مصدراً إن إسرائيل أوقفت النظر في طلبات يقدمها تجار لاستيراد أغذية إلى قطاع غزة، ما أدى إلى تعطل عمليات دخول الأغذية للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي حذرت الأمم المتحدة بأن سكان قطاع غزة سيواجهون شتاءً كارثياً بعد تراجع إيصال المساعدات الإنسانية (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: 345 ألفاً من سكان غزة سيواجهون جوعاً «كارثياً» هذا الشتاء

أفاد تقييم صادر عن الأمم المتحدة، اليوم الخميس، بأن نحو 345 ألفاً من سكان غزة سيواجهون جوعاً «كارثياً» هذا الشتاء، بعد تراجع إيصال المساعدات.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي لبنانيون يتفقدون مبنى مدمراً بغارات إسرائيلية في دورس جنوب مدينة بعلبك (أ.ف.ب)

استهداف البقاع يعطل الحياة اليومية... والسكان يفتقدون المواد الأساسية

انعكست نسب الإقفال المتفاوتة بين المحال التجارية و«السوبر ماركت» والصيدليات، وندرة التخزين بالمناطق الملتهبة في بعلبك - الهرمل، تراجعاً في توفر المواد الغذائية.

حسين درويش (بيروت)
يوميات الشرق الطلب على المياه العذبة سوف يتجاوز العرض بنسبة 40 في المائة بحلول نهاية العقد (رويترز)

أزمة المياه العالمية تُعرض نصف إنتاج الغذاء للخطر

حذّر خبراء من أن أكثر من نصف إنتاج العالم من الغذاء سيكون معرضاً للخطر خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، مع تفاقم أزمة المياه العالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عمال يرصُّون أجولة من السكر لشحنها في ميناء بولاية غوجارات الهندية (رويترز)

السكر يقود قفزة شاملة بأسعار الغذاء العالمي في سبتمبر

أظهرت بيانات أن مؤشر أسعار الغذاء العالمية قفز في سبتمبر (أيلول) مسجلاً أكبر زيادة له في 18 شهراً بدعم من ارتفاع أسعار السكر.

«الشرق الأوسط» (روما)

سندات لبنان السيادية ترتفع «دولياً» رغم احتدام الحرب

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
TT

سندات لبنان السيادية ترتفع «دولياً» رغم احتدام الحرب

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)

يثير الإقبال المستمر على حيازة سندات الدين الدولية المصدرة من الحكومة اللبنانية، الكثير من التكهنات في الأوساط المالية والمصرفية المحلية، التي ترصد باهتمام بالغ مصادر الطلب الاستثماري الخارجي، وطبيعة العوامل المحفزّة التي رفعت أسعار «اليوروبوندز» بما يقارب 50 في المائة خلال ثلاثة أسابيع فقط، من مستواها الأدنى البالغ نحو 6 سنتات إلى 9 سنتات لكل دولار.

واكتسبت هذه المعطيات المفاجئة اهتماماً استثنائياً لدى كبار المسؤولين في القطاع المالي وخارجه، بفعل تزامنها مع احتدام العمليات الحربية على الحدود الجنوبية، وتوسعها المشهود إلى مناطق داخلية واسعة في لبنان، مع ما يرافقها من أحداث جسيمة واغتيالات نوعية، ما يخرجها من إطارها السوقي الضيق إلى ربطها بترقبات التغييرات البنيوية التي يتوقع المستثمرون أن يشهدها لبنان في «اليوم التالي» لانتهاء الحرب.

وبالتماهي مع هذا التقييم الذي قد يفضي، وفق مراكز بحثية، إلى إرساء قواعد واعدة لاستقرار الاقتصاد واستعادة مسار النمو الإيجابي للناتج المحلي، ومعززاً بتوقع تدفق مساعدات مالية وعينية تشمل دعم القوى الأمنية والعسكرية، يمكن أن تنتعش تلقائياً بمعالجة إشكالية التخلف عن سداد السندات السيادية وفتح قنوات تفاوض مباشرة وجديّة مع الدائنين.

وفي سياق متصل، يشير أحدث تقرير دوري صادر عن «بنك عودة»، وهو أكبر البنوك المحلية، إلى أنه على الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة على مختلف الأراضي اللبنانية، فإن سوق سندات «اليوروبوندز» ظلت تشهد إقبالاً لافتاً من المتعاملين المؤسساتيين الأجانب في الأسواق المالية العالمية، وذلك للأسبوع الثالث على التوالي.

ويأتي ذلك، حسب التقرير، وسط رهان على إمكانية حصول تسويات سياسيّة في فترة ما بعد الحرب، ما من شأنه أن يفسح الطريق أمام تطبيق الإصلاحات الملحة التي طال انتظارها، ويؤدي إلى إعادة هيكلة الدين. أضف إلى ذلك أنّ بعض المتعاملين رغبوا في شراء سندات الدين اللبنانية من أجل تعزيز موقعهم التفاوضي في المستقبل.

ويلاحظ مسؤول مصرفي معني أن الاهتمام المتزايد بمتابعة السندات السيادية اللبنانية، وبما يشمل عمليات شراء في الأسواق الخارجية، يرد خصوصاً من قِبَل بنوك وشركات استثمارية عالمية، وبينها شركات أميركية. كما يتلقى مسؤولون كبار ومديرون معنيّون في الكثير من المصارف المحلية استفسارات طارئة من نظرائهم في بنوك مراسلة بشأن تقييمها لإعادة الهيكلة الحكومية لهذه المحفظة من الدين العام ولمستويات السداد المحتملة للأصول والفوائد المتراكمة في المرحلة اللاحقة.

ومن المؤكد، وفقاً للمسؤول المصرفي، أن الحصانة القوية التي حققتها السياسات النقدية الجديدة المعتمدة من قيادة البنك المركزي برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، أنعشت الأصداء المشجعة لدى صانعي القرار في الأسواق الخارجية للإبقاء على قنوات التواصل مع القطاع المالي اللبناني وسنداته الخاصة والعامة، لا سيما بعد ثبوت نجاعة هذه السياسات في الإدارة المحكمة للسيولة وحماية الاستقرار النقدي وعزله عن ضغوط يوميات الحرب، وتعزيز الاحتياطيات بالعملات الأجنبية رغم الانكماش الحاد للتدفقات الواردة من قطاع السياحة.

وقد يعكس النمط الحالي للطلب على السندات السيادية، وفقاً للمسؤول المصرفي، وبما يعاكس الأجواء السارية الموصوفة حكماً بالـ«طاردة للاستثمار»، تحولات في الجاذبية الاستثمارية لهذه الكتلة «المعلّقة» من الدين العام، والبالغة أصولها نحو 31 مليار دولار، وفوائد غير مسددة تعدّت 10 مليارات دولار، رغم محدودية الارتفاع المحقق في سقوف أسعار التداول إلى نحو 10 في المائة فقط من القيمة الاسمية للإصدار.

ويرى المسؤول المصرفي أن استمرار التحسن المحقّق ومدى ثباته، يمكن أن يطلق إشارة، ولو ضعيفة حتى الساعة، لفتح «كوة» في الجدار الذي يحول دون عودة لبنان إلى ردهات الأسواق المالية الدولية، بعد انتهاء الحرب وإعادة الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، بعدما تعمّدت منظومة الحكم والحكومة إخراجه منه بقرار ملتبس في ربيع عام 2020، قضى بالامتناع عن دفع موجبات أصول وفوائد شريحة مستحقة، والإطاحة عمداً بأي خيارات بديلة لإجراء عمليات مبادلة (سواب) أو التفاوض المسبق مع الدائنين لإعادة برمجة الاستحقاقات التي كانت موزعة أساساً حتى عام 2037.

كما يشير إلى أهمية العامل التقني لتحفيز الطلب، مع ترقب المستثمرين لاحتمال إقدام مجموعات من كبار حاملي السندات اللبنانية على رفع دعاوى قضائية في الربيع المقبل لدى محاكم نيويورك وفق مندرجات العقود المبرمة في عمليات الإصدارات، بذريعة انتهاء المهلة الزمنية لسداد الفوائد المعلقة، والمحددة لخمس سنوات بعد تاريخ الإفصاح الرسمي بالتوقف عن الدفع.