لغز السياسة النقدية في منطقة اليورو... هل يتسبب في ركود جديد؟

السوق تتوقع عدم تسريع «المركزي الأوروبي» لرفع الفائدة

مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
TT

لغز السياسة النقدية في منطقة اليورو... هل يتسبب في ركود جديد؟

مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)
مقر المصرف المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

يبدو أن أفضل تخمين للسوق هو أن المصرف المركزي الأوروبي لن يزيد من وتيرة رفع أسعار الفائدة في الدورة المقبلة - وهو إما تخمين بعيد تماماً عن الواقع أو أمر يبعث على القلق الشديد.

ووفق توقعات السوق الحالية، من المتوقع أن يظل تحديد أسعار الفائدة من قِبل «المركزي الأوروبي» عبئاً طفيفاً، على الأقل، على الكتلة الاقتصادية البطيئة النمو على مدى العامين المقبلين، حتى مع خفض «المركزي الأوروبي» تدريجياً سعر الفائدة الرئيسي، وفق «رويترز».

ويبدو تجنب فقدان هدف التضخم، البالغ 2 في المائة، والحفاظ على النمو الإيجابي، دون التحول إلى موقف التحفيز، أمراً صعباً أيضاً؛ نظراً للمشاكل العميقة التي واجهتها المنطقة لأكثر من عقد من الزمان.

وكان المصرف المركزي الأوروبي بالفعل أكثر استباقية من «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي، ومن المرجح أن يخفّض أسعار الفائدة الرئيسية، للمرة الثانية، خلال هذه الدورة، قبل أن يبدأ «الاحتياطي الفيدرالي» التحرك، في وقت لاحق من هذا الشهر.

وهذا يبدو منطقياً؛ فاقتصاد منطقة اليورو كان أضعف بكثير من نظيره الأميركي، على مدى العامين الماضيين.

كما أن أوروبا أكثر عرضة للتباطؤ الاقتصادي المُقلق في الصين والانحدار في التصنيع العالمي؛ لأن التصنيع يمثل 20 في المائة من الاقتصاد الألماني، و15 في المائة من اقتصاد منطقة اليورو بأكمله.

لقد كان الانخفاض في معدلات التضخم، وخصوصاً في أسعار السلع الأساسية، سريعاً، وأصبحت أهداف التضخم، التي حددها «المركزي الأوروبي»، في متناول اليد.

لكن المشكلة ليست في سبب بدء تخفيف السياسة النقدية لـ«المركزي الأوروبي» بالفعل، بل في المكان الذي من المتوقع أن ينتهي إليه.

وفي الوقت الحالي، تتوقع الأسواق المالية أن تصل أسعار الفائدة لـ«المركزي الأوروبي» إلى أدنى مستوى لها، خلال الـ12 إلى 18 شهراً المقبلة، عند نحو 2.10-2.20 في المائة.

لكن بافتراض، كما يفعل «المركزي الأوروبي»، أن التضخم سينخفض بشكل دائم إلى هدف 2 في المائة قبل عام 2026، فإن الأسواق تشير إلى أن أسعار الفائدة «الحقيقية» لـ«المركزي الأوروبي» ستظل في المنطقة الإيجابية طوال الدورة.

وهذا يعني أن أسعار الفائدة ستظل أعلى من المستوى الذي يعتقد معظم صانعي السياسة في «المركزي الأوروبي» أنه يمثل «المعدل الطبيعي».

والأكثر من ذلك، بينما تفترض السوق أن أسعار الفائدة للمصرف المركزي الأوروبي ستبقى في النهاية أقل بـ125 نقطة أساس، على الأقل، من نظيراتها في «الاحتياطي الفيدرالي»، تشير التسعيرات الحالية أيضاً إلى أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيُخفف السياسة النقدية بمقدار 50 نقطة أساس أكثر من «المركزي الأوروبي»، خلال الدورة الكاملة حتى نهاية العام المقبل.

وقد جرى توجيه بعض الحذر في السوق من قِبل مسؤولي «المركزي الأوروبي» بالطبع، حيث إن كثيرين منهم مُصرّون على ضرورة الاستمرار في كبح التضخم المرتفع بقطاع الخدمات ونمو الأجور السريع.

ومن خلال إعادة تأكيد تصميمهم على الحفاظ على السياسة النقدية مشدَّدة إلى حد ما، بغض النظر عن تبِعات النمو، قد يلعب المسؤولون أيضاً لعبة نفسية للحفاظ على توقعات التضخم منخفضة.

وأبرزت عضو مجلس إدارة المصرف المركزي الأوروبي، إيزابيل شنابل، الأسبوع الماضي، أهمية «الاستمرار» في السياسة، والتزام المصارف المركزية «المدرك» بتحقيق أهدافها، من أجل استعادة استقرار الأسعار بعد صدمة.

والأكثر من ذلك أنها أشارت إلى أن عدم الوضوح المحيط بالمعدل الطبيعي قد يجعل تحديد سعر الفائدة النهائي بمثابة لعبة تخمين.

وقالت شنابل، في خطاب ألقته في تالين: «كلما اقتربت أسعار الفائدة من النطاق الأعلى لتقديرات المعدل الطبيعي للفائدة - أي كلما أدى عدم اليقين بشأن مدى تقييد سياستنا - يجب أن نكون أكثر حذراً».

كل هذا قد يفسر، إلى حد ما، سبب تردد «المركزي الأوروبي» في إعلان «الانتهاء من المهمة»، لكنه لا يفسر سبب تردد السوق في الرهان على عودة التحفيز النقدي.

وما لم تكن هناك تغييرات جذرية في بعض الجوانب الهيكلية لاقتصاد منطقة اليورو منذ الجائحة، فمن المرجح أن يضطر «المركزي الأوروبي» للتحرك بقوة لإعادة تحفيز المنطقة ذات النمو البطيء.

على سبيل المثال، يشير التباطؤ الكبير في التصنيع العالمي، وازدياد الروابط التجارية المباشرة لأوروبا مع الاقتصاد الصيني المتعثر، إلى أن منطقة اليورو تواجه خطراً حقيقياً يتمثل في النمو السلبي، وحتى الانكماش في العام المقبل.

وأشارت باركليز مؤخراً إلى أن التضخم السنوي للسلع الأساسية في منطقة اليورو انخفض إلى 0.4 في المائة فقط خلال يوليو (حزيران) الماضي، حيث تراجع التضخم العام في المنطقة إلى 2.2 في المائة.

وفي الوقت نفسه، لا يزال التضخم السنوي لأسعار المصانع الصينية مهماً.

وقد حذّر مدير صندوق التحوط، ستيفن جين، منذ فترة طويلة، من أن الدول الغربية قد تتجاوز توقعات التضخم وتدخل في حالة انكماش مباشرة، حيث تتلاشى الشوائب في العرض، والتي كانت مسؤولة عن الصدمة التضخمية الأخيرة. وقد أعاد تأكيد هذا الاعتقاد، الأسبوع الماضي.

وقال: «من المحتمل أن تكون هناك فترة من الانكماش التام، ولا أزال أعتقد ذلك».

وإذا كان هذا السيناريو سيتحقق، فكيف يمكن للسوق ألا تسعر احتمالاً كبيراً بأن «المركزي الأوروبي» سيحتاج إلى تغيير جذري في موقف سياسته النقدية في المستقبل؟

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت أسعار الفائدة «الحقيقية» لـ«المركزي الأوروبي» قد قضت كل شهر، باستثناء شهر واحد في العقد السابق، في المنطقة السلبية.

ويبقى السؤال: هل تغيَّر كثير منذ جائحة «كوفيد-19»؟ صحيح أن الاضطرابات الجيوسياسية غيّرت قواعد اللعبة، وأن الوصول إلى الغاز الروسي الرخيص اختفى، لكن الضغوط الأكبر التي تؤثر على الإمكانات الاقتصادية للمنطقة هي نفسها إلى حد كبير، كما كانت في أواخر عام 2019، ولا سيما التغيير الديموغرافي المتزايد بمنطقة اليورو، والذي يتناقض بشكل حاد مع الصورة الأكثر إشراقاً في الولايات المتحدة.

بالطبع، قد يكون السبب في عدم توقع «المركزي الأوروبي» التحول إلى موقف سياسة تحفيزي حقيقي خلال الدورة هو أنه قد لا يكون قادراً على ذلك.

وأبرز فريق الائتمان في «دويتشه بنك» مؤخراً المسوحات التي تُظهر أن التوظيف على مستوى الكتلة يتدهور، حتى مع بقاء الأجور الأساسية، ونمو الأسعار لا يزال مرتفعاً للغاية لكثير من مسؤولي المصرف المركزي.

وكتب ستيف كابريو وفريقه من «دويتشه بنك»، الشهر الماضي: «قد يؤدي التضخم الثابت إلى إدخال مزيد من الضوضاء في وظيفة رد فعل (المركزي الأوروبي)، مما يجعل المصرف متحيزاً بشكل مفرط، مقارنة باتجاهات النمو الأوروبية».

لكن عند محاولة العثور على الإشارة من خلال كل هذه الضوضاء، يبدو أن انخفاض توقعات التضخم يجب أن يكون الشاغل الأكبر لـ«المركزي الأوروبي» والأسواق.


مقالات ذات صلة

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد المصرف المركزي التركي (رويترز)

«المركزي» التركي يمدد تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن

مدَّد البنك المركزي التركي تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن على التوالي، إذ قرر إبقاء سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع دون تغيير عند 50 في المائة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

مقترحات ترمب الاقتصادية تعيد تشكيل سياسة «الفيدرالي» بشأن الفائدة

قبل بضعة أسابيع، كان المسار المتوقع لبنك الاحتياطي الفيدرالي واضحاً. فمع تباطؤ التضخم وإضعاف سوق العمل، بدا أن البنك المركزي على المسار الصحيح لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

دي غالهو من «المركزي الأوروبي»: التعريفات الجمركية لترمب لن تؤثر في توقعات التضخم

قال فرنسوا فيليروي دي غالهو، عضو صانع السياسات في البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، إن زيادات التعريفات تحت إدارة ترمب الجديدة لن تؤثر في توقعات التضخم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تراجع مبيعات التجزئة البريطانية أكثر من المتوقع قبيل موازنة ستارمر

متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)
متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)
TT

تراجع مبيعات التجزئة البريطانية أكثر من المتوقع قبيل موازنة ستارمر

متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)
متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)

تراجعت مبيعات التجزئة البريطانية بشكل أكبر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية التي أضافت إلى مؤشرات أخرى على فقدان الزخم الاقتصادي قبيل أول موازنة للحكومة الجديدة، برئاسة رئيس الوزراء كير ستارمر.

وكان استطلاع للرأي أجرته «رويترز» بين الاقتصاديين قد توقّع انخفاضاً شهرياً في أحجام المبيعات بنسبة 0.3 في المائة، مقارنة بشهر سبتمبر (أيلول).

وكان الانخفاض في أكتوبر هو الأكبر منذ يونيو (حزيران) عندما تراجعت المبيعات بنسبة 1 في المائة مقارنة بشهر مايو (أيار). كما تم تعديل الزيادة الشهرية في المبيعات في سبتمبر إلى 0.1 في المائة بعد أن كانت قد قُدِّرت سابقاً بزيادة 0.3 في المائة.

وانخفض الجنيه الإسترليني بنحو 5 سنتات مقابل الدولار الأميركي فور صدور البيانات، قبل أن يعاود التعافي.

وقال «المكتب الوطني للإحصاء» إن التجار في جميع القطاعات أفادوا بأن المستهلكين قلصوا الإنفاق قبل أول موازنة ضريبية وإنفاقية للحكومة الجديدة في 30 أكتوبر.

وأضاف المكتب أن سبباً محتملاً آخر لضعف المبيعات كان عطلة نصف الفصل الدراسي في إنجلترا وويلز، التي عادة ما تقع ضمن فترة تقارير البيانات في أكتوبر، ولكنها لم تحدث هذا العام.

وكانت مبيعات الملابس ضعيفةً بشكل خاص في أكتوبر، وهو ما كان قد أظهرته الأرقام السابقة التي أصدرتها «جمعية التجزئة البريطانية»، التي تمثل الصناعة، والتي ربطت الانخفاض بطقس كان أكثر دفئاً من المعتاد.

وقال «المكتب الوطني للإحصاء» إنه في الـ12 شهراً حتى أكتوبر، ارتفعت أحجام المبيعات بنسبة 2.4 في المائة، وهو تباطؤ عن الزيادة البالغة 3.2 في المائة في سبتمبر، وأضعف من التوقعات المتوسطة في استطلاع «رويترز»، التي كانت تشير إلى زيادة بنسبة 3.4 في المائة.