الحرارة السياسية تعقّد قرارات محافظي البنوك المركزية خفض الفائدة

بينما يستعد الناخبون في أميركا والمملكة المتحدة للذهاب إلى صناديق الاقتراع

لا تزال الأسواق تتوقع أن يخفض «الفيدرالي» الأميركي الفائدة في سبتمبر وهو موعد اجتماعه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (الموقع الرسمي للمصرف المركزي)
لا تزال الأسواق تتوقع أن يخفض «الفيدرالي» الأميركي الفائدة في سبتمبر وهو موعد اجتماعه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (الموقع الرسمي للمصرف المركزي)
TT

الحرارة السياسية تعقّد قرارات محافظي البنوك المركزية خفض الفائدة

لا تزال الأسواق تتوقع أن يخفض «الفيدرالي» الأميركي الفائدة في سبتمبر وهو موعد اجتماعه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (الموقع الرسمي للمصرف المركزي)
لا تزال الأسواق تتوقع أن يخفض «الفيدرالي» الأميركي الفائدة في سبتمبر وهو موعد اجتماعه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (الموقع الرسمي للمصرف المركزي)

يعمل تصاعد الحرارة السياسية على تعقيد قرارات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تدرس المصارف المركزية ما إذا كانت ستخفض تكاليف الاقتراض بينما يستعد الناخبون للذهاب إلى صناديق الاقتراع.

وقال مسؤولون واقتصاديون سابقون إن «بنك إنجلترا» و«بنك الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي يريدان تجنب أي تصور بأنهما يخفضان أسعار الفائدة لمساعدة الحكومات الحالية، مما يزيد من احتمالية انحرافهما عن التحركات التي اقتربت كثيراً من يوم الاقتراع، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

الوضع صعب بشكل خاص بالنسبة إلى «بنك إنجلترا»؛ وفقاً لصانعي السياسة النقدية السابقين، نظراً إلى أن اجتماعه المقبل يعقد قبل أسبوعين فقط من الانتخابات العامة في 4 يوليو (تموز) المقبل. وأشار المحافظ آندرو بيلي إلى أن خفض سعر الفائدة قريب.

وقال تشارلز غودهارت، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية في «بنك إنجلترا»: «المصارف المركزية لا تريد أن تبدو كأنها تمارس السياسة على الإطلاق، لذا فإن أسهل شيء هو عدم فعل أي شيء... لكن إذا لم تحرك أسعار الفائدة هذا الشهر، فيمكن فعل ذلك في الشهر المقبل».

بعد رفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات عدة في الاستجابة لأسوأ ارتفاع للتضخم منذ جيل كامل، أصبحت المصارف المركزية الغربية الآن تحت ضغط شديد لعكس الاتجاه. و«بنك كندا» و«البنك المركزي الأوروبي» من بين البنوك التي اتخذت بالفعل خطوتها الأولى نحو سياسة نقدية أكثر مرونة، فقد نفذت أول تخفيضاتها الأسبوع الماضي.

لكن «بنك الاحتياطي الفيدرالي» و«بنك إنجلترا» يتخلفان عن الركب في الوقت الذي يدرسان فيه تأثيرات تضخم الخدمات الثابتة.

وفي الولايات المتحدة، يواجه «بنك الاحتياطي الفيدرالي» حملة انتخابية أطول كثيراً من تلك التي تواجهها العملية المتسارعة في المملكة المتحدة. ولا تزال الأسواق تتوقع أن يخفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة في منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو موعد اجتماعه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، على الرغم من تقرير الوظائف القوي يوم الجمعة.

لكن البعض يعتقد أن هذا قد يكون صعباً على صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة. وقال آدم بوسن، مدير «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» والعضو السابق في لجنة السياسة النقدية، إن الاقتصاد الأميركي القوي يعني أنه من غير المرجح أن يضع «الاحتياطي الفيدرالي» نفسه في دائرة الضوء من خلال خفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات.

وأضاف: «لا يمكن لـ(بنك الاحتياطي الفيدرالي) أن يضع نفسه في حالة تعليق إلى أجل غير مسمى، وينبغي له ألا يشير إلى أنه سيظل معلقاً». لكنه أضاف أن تخفيضات أسعار الفائدة غير محتملة حتى سبتمبر المقبل، و«إذا سمحت البيانات بذلك، فسيحاولون جاهدين تحاشي فعل أي شيء حتى نوفمبر» المقبل.

وبينما يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً سياسية من بعض الديمقراطيين، فقد كان هو ووزيرة خزانته، رئيسة «بنك الاحتياطي الفيدرالي» السابقة، جانيت يلين، عازمَين على أنهما لا يريدان المساس باستقلال البنك المركزي.

ويمكن لهذه البيانات أن تشتري الوقت لـ«بنك الاحتياطي الفيدرالي». ولا يزال تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي، عند 2.7 في المائة، أعلى بكثير من هدفه البالغ اثنين في المائة. فيما سوق العمل تتباطأ أكثر مما كان متوقعاً.

وقال إسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنيل، إن أرقام الوظائف في مايو (أيار) الماضي تستبعد بشكل شبه مؤكد خفض الوظائف في يوليو المقبل.

وأضاف: «إن أي إجراء من جانب (بنك الاحتياطي الفيدرالي)، الذي يبدو غير مرجح في الصيف، قد يجري دفعه الآن بشكل غير مريح بالقرب من انتخابات نوفمبر. الجمع بين التوظيف القوي ونمو الأجور، جنباً إلى جنب مع الضغوط التضخمية المستمرة، يسلط الضوء على زخم النمو المستدام».

لقد أجل «بنك الاحتياطي الفيدرالي» بالفعل اجتماعه في شهر نوفمبر بحيث يعقد بعد الانتخابات. وحدثت هذه الفجوة أيضاً في عام 2020.

ومع ذلك، يرى آخرون أن «بنك الاحتياطي الفيدرالي» من غير المرجح أن يسمح لتوقيت الانتخابات العامة بلعب دور. وقال نائب رئيس «بنك الاحتياطي الفيدرالي» السابق، دونالد كوهن، إن رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، «كان واضحاً للغاية في أن قراراتهم ليست مدفوعة بالسياسة؛ بل بالاقتصاد. أنا واثق بأنه سيلتزم بذلك».

وأضاف: «لذلك؛ إذا وصلنا إلى سبتمبر وضعفت سوق العمل وظل التضخم منخفضاً، فلا أرى سبباً لعدم خفض أسعار الفائدة».

وفي المملكة المتحدة، قال سوشيل وادواني، وهو عضو سابق آخر في لجنة السياسة النقدية، إنه لا يوجد سبب من حيث المبدأ يمنع «بنك إنجلترا» من التحرك قبل الانتخابات. لقد صوّت لخفض أسعار الفائدة قبل يوم واحد فقط من الانتخابات العامة في يونيو (حزيران) 2001، على الرغم من أن الأغلبية اختارت إبقاءها معلقة. لكنه أضاف: «الوضع الحالي أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنك؛ لأنهم (السياسيون) كانوا يتحدثون أكثر (عن أسعار الفائدة)».

وقال بيلي الشهر الماضي إن أعضاء لجنة السياسة النقدية «لا يناقشون السياسة مطلقاً» في اجتماعاتهم، و«مهمتنا هي اتخاذ قرارات تتفق مع اختصاصاتنا».

لكن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أشار الشهر الماضي إلى أن التصويت لمصلحة حزب المحافظين بدلاً من حزب العمال المعارض سيكون بمثابة تصويت لمصلحة تكاليف اقتراض أرخص، في تدخل بدا متجاهلاً استقلال «بنك إنجلترا».

وقال مارتن ويل، عضو لجنة السياسة النقدية من 2010 إلى 2016: «كانت هذه الحكومة الأخيرة أكثر استعداداً لتقديم وجهات نظر حول السياسة النقدية مقارنة بالحكومات السابقة؛ لا يبدو أنها تفهم حقاً مفهوم الاستقلال التشغيلي. لو كنت عضواً في لجنة السياسة النقدية؛ فأعتقد أنني كنت سأحتاج إلى سبب وجيه بشكل خاص لإجراء تغيير قبل وقت قصير من الانتخابات العامة».

وكانت أرقام التضخم في المملكة المتحدة لشهر أبريل (نيسان) الماضي أقوى من المتوقع، في حين انخفض نمو مؤشر أسعار المستهلكين في قطاع الخدمات بشكل هامشي فقط إلى 5.9 في المائة؛ وهو أعلى بكثير من مستوى 5.5 في المائة الذي توقعه «بنك إنجلترا».

ولكن إذا أظهرت أرقام التضخم لشهر مايو الماضي، التي من المقرر نشرها في 19 يونيو الحالي، تراجعاً ملحوظاً في أسعار المستهلكين، فإن الحجة المؤيدة لخفض فوري لسعر الفائدة من 5.25 في المائة في الاجتماع التالي لـ«بنك إنجلترا» قد تتفوق على أي حسابات سياسية.


مقالات ذات صلة

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

عضو في «المركزي الأوروبي»: المصرف سيراقب من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم

قال رئيس البنك المركزي الفرنسي، فرنسوا فيليروي دي غالهاو، إن «المركزي» ليس متأخراً في خفض أسعار الفائدة، لكنه بحاجة إلى مراقبة من كثب خطر عدم بلوغ هدف التضخم.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد المصرف المركزي التركي (رويترز)

«المركزي» التركي يمدد تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن

مدَّد البنك المركزي التركي تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن على التوالي، إذ قرر إبقاء سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع دون تغيير عند 50 في المائة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

مقترحات ترمب الاقتصادية تعيد تشكيل سياسة «الفيدرالي» بشأن الفائدة

قبل بضعة أسابيع، كان المسار المتوقع لبنك الاحتياطي الفيدرالي واضحاً. فمع تباطؤ التضخم وإضعاف سوق العمل، بدا أن البنك المركزي على المسار الصحيح لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

دي غالهو من «المركزي الأوروبي»: التعريفات الجمركية لترمب لن تؤثر في توقعات التضخم

قال فرنسوا فيليروي دي غالهو، عضو صانع السياسات في البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، إن زيادات التعريفات تحت إدارة ترمب الجديدة لن تؤثر في توقعات التضخم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

نيجيريا تلجأ إلى الغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعار النقل بعد رفع دعم البنزين

مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)
مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)
TT

نيجيريا تلجأ إلى الغاز الطبيعي مع ارتفاع أسعار النقل بعد رفع دعم البنزين

مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)
مركبة قديمة تنقل الناس في مدينة إبادان بجنوب غربي نيجيريا (أ.ف.ب)

ارتفعت تكاليف النقل في نيجيريا بشكل كبير مع ارتفاع سعر البنزين بأكثر من 3 أمثاله، بعدما أنهى الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الدعم المالي للوقود في أكثر دول أفريقيا اكتظاظاً بالسكان.

ومنذ تخلت نيجيريا عن دعم الوقود في العام الماضي، أدى ذلك إلى أسوأ أزمة في تكلفة المعيشة في البلاد منذ نحو جيل كامل. وهذا يعني انخفاضاً هائلاً في عدد الركاب، وتأثر العاملون في مجال استدعاء سيارات الأجرة في العاصمة أبوجا.

وكانت الحكومة تزعم أن التخلي عن دعم الوقود سيخفض تكاليف النقل في النهاية بنحو 50 في المائة.

وقدمت السلطات النيجيرية في أغسطس (آب) مبادرة الغاز الطبيعي المضغوط (CNG) للاستفادة من احتياطاتها الضخمة من الغاز - الأكبر في أفريقيا - وإطلاق حافلات تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط مع تحويل المركبات التي تعمل بالبنزين أيضاً.

وجرى تعديل أكثر من 100 ألف مركبة للعمل بالغاز الطبيعي المضغوط أو بالموتور الهجين من الغاز الطبيعي والبنزين، واستثمرت الحكومة ما لا يقل عن 200 مليون دولار في إطار هذه المبادرة، وفقاً لمدير المبادرة مايكل أولوواغبيمي.

وتهدف الحكومة إلى تحويل مليون مركبة من أكثر من 11 مليون مركبة في نيجيريا في السنوات الثلاث المقبلة، لكن المحللين يقولون إن العملية تسير بشكل بطيء، مشيرين إلى ضعف التنفيذ والبنية الأساسية المحدودة.

وعلى الرغم من أن نيجيريا واحدة من أكبر منتجي النفط في أفريقيا، فإنها تعتمد على المنتجات البترولية المكررة المستوردة؛ لأن مصافيها تكافح مع انخفاض الإنتاج إلى أدنى مستوياته منذ عقود بسبب عمليات سرقة النفط الضخمة.

إلى جانب الإصلاحات الأخرى التي قدمها تينوبو بعد توليه السلطة في مايو (أيار) من العام الماضي، كان من المفترض أن يؤدي إلغاء الدعم إلى توفير أموال الحكومة ودعم الاستثمارات الأجنبية المتضائلة. ومع ذلك، فقد أثر ذلك في سعر كل شيء تقريباً، وأجبرت تكاليف النقل المرتفعة الناس على التخلي عن مركباتهم، والسير إلى العمل.

التحول إلى الغاز صعب

وبالإضافة إلى الافتقار إلى شبكة كافية من محطات تحويل الغاز الطبيعي المضغوط وتعبئته، المتاحة في 13 ولاية فقط من ولايات نيجيريا الـ 36، كان نجاح مبادرة الحكومة محدوداً أيضاً بسبب انخفاض الوعي العام بين جموع الشعب، وقد ترك هذا مجالاً للتضليل من جهة والتردد بين السائقين للتحول للغاز من جهة أخرى.

وقد أعرب بعض السائقين عن مخاوفهم من أن تنفجر سياراتهم مع تحويلها إلى الغاز الطبيعي المضغوط - وهي ادعاءات قالت الهيئات التنظيمية إنها غير صحيحة ما لم يتم تركيب المعدات بشكل غير مناسب.

وفي ولاية إيدو الجنوبية، وجدت السلطات أن السيارة التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط والتي انفجرت تم تصنيعها من قبل بائع غير معتمد.

حتى في أبوجا العاصمة والمركز الاقتصادي في لاغوس، محطات الوقود نادرة وورش التحويل القليلة المتاحة غالباً ما تكون مصطفة بمركبات تجارية تنتظر أياماً للتحول إلى الغاز الطبيعي المضغوط بأسعار مدعومة. وفي الوقت نفسه، تبلغ تكلفة المركبات الخاصة للتحول 20 ضعف الحد الأدنى للأجور الشهرية في نيجيريا البالغ 42 دولاراً.

وهناك تحدٍّ آخر، وهو أن التحدي الذي يواجه مبادرة الغاز الطبيعي المضغوط هو محدودية خط أنابيب الغاز في نيجيريا.

وتدرك الحكومة أنه لا يزال هناك «كثير من عدم اليقين» حول مبادرة الغاز الطبيعي المضغوط، وتعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة، وتوفير البنية الأساسية اللازمة، كما قال توسين كوكر، رئيس الشؤون التجارية في المبادرة، وفق وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

وقال كوكر: «الغاز الطبيعي المضغوط هو وقود أنظف، وهو وقود أرخص وأكثر أماناً مقارنةً بالبنزين الذي اعتدناه؛ لذا سيكون لديك مزيد من المال في جيبك وهو أنظف للبيئة».