سنشتري هذا العام مازوتاً... سورية وزوجها يؤثِران تدفئة أطفالهما على هدية «عيد الحب»

مبيعات الزهور تراجعت بنسبة 80 % (وكالة أنباء العالم العربي)
مبيعات الزهور تراجعت بنسبة 80 % (وكالة أنباء العالم العربي)
TT

سنشتري هذا العام مازوتاً... سورية وزوجها يؤثِران تدفئة أطفالهما على هدية «عيد الحب»

مبيعات الزهور تراجعت بنسبة 80 % (وكالة أنباء العالم العربي)
مبيعات الزهور تراجعت بنسبة 80 % (وكالة أنباء العالم العربي)

«الأولويات تغيّرت، والتقشف سمة المرحلة الحالية»... هكذا وصفت السورية هديل الشامي الوضع في بلدها، والذي جعلها تستجيب لأولويات المرحلة، وتكتفي بشراء قنّينة عطر بخسة الثمن لتهديها لزوجها في «عيد الحب» أو «الفلانتاين» هذا العام؛ فأي هديّة أخرى وإن كانت بسيطة قد تكلفّها راتب شهرين على الأقل.

في حوار أجرته معها «وكالة أنباء العالم العربي»، قالت الأستاذة الجامعية إنها وزوجها سيبتاعان أيضاً بضع ليترات من المازوت ليؤمنّا التدفئة لأطفالهما الثلاثة، بدلاً من الملابس التي اعتادوا إهداءها لبعضهما البعض في هذه المناسبة من قبل، بالإضافة إلى تلك القنينة التي تكلفتها 50 ألف ليرة (أي نحو 3.7 دولار أميركي).

أشارت هديل إلى أن معظم من كانوا ينتظرون هذه المناسبة تجاوزوا الهدايا مُرغمين؛ أمّا من غامر بتقديم هدية، فقد تجاهل تلك الباهظة الثمن، والتي جرت العادة على أن تكون من بينها الملابس والإكسسوارات ومستحضرات التجميل.

في شارع الحمراء بالعاصمة السورية دمشق، وقف الشاب الثلاثيني ماهر كنعان دقائق عدة للتعرف على الأسعار في محل لبيع الساعات النسائية حتى يشتري لخطيبته هديّة بهذه المناسبة.

ماهر، الذي يعمل موظفاً في أحد المصارف الحكومية، قال في حوار مع «وكالة أنباء العالم العربي» إن أسعار أكثر الهدايا تواضعاً تبدأ من 100 ألف ليرة، وتصل إلى 400 ألف، وهو ما يعادل راتب شهر كامل بالنسبة له.

أمّا رامي عويشة (38 عاماً)، وهو موظف في إحدى الشركات الخاصة بدمشق، فيرى أن الاحتفال بأي مناسبة في ظل غلاء المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي بات «أمراً غير مفهوم».

وقال رامي لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن الغلاء «الذي طال حتى الهدايا الرمزية» دفع كثيرين ممن يعرفهم إلى التعبير عن حبّهم بطريقة مختلفة تبعاً للأولويات، كتأمين المحروقات أو شراء جرة غاز من السوق السوداء، وهي أمور يجدها منطقية أكثر في الوقت الحالي من شراء الهدايا المعتاد تبادلها في هذه المناسبة.

الأسر انصرفت إلى الأولويات المعيشية وشراء السلع الأساسية بسبب الغلاء (وكالة أنباء العالم العربي)

إقبال ضعيف

في أحد الممرات الضيقة بين بنايات منطقة القصاع بدمشق، يعمل أيمن حمصي في محل شهير لبيع الزهور، حيث اعتاد إعداد بعض باقات الزهور والهدايا في هذه المناسبة. وتُباع الباقة الواحدة، التي تضم 15 وردة فقط وعدداً من حبات الشوكولاته، مقابل 300 ألف ليرة.

وقال أيمن إن مبيعات الزهور تراجعت بنسبة 80 بالمائة، حيث بات معظم الزبائن لا يشترون باقة كاملة في عيد الحب، ويكتفون بشراء وردة واحدة أو اثنتين على الأكثر، بينما أصبح من يعملون في الخارج فقط هم الأكثر قُدرة على الشراء «حيث يتصلون ويحوّلون المال المطلوب لإرسال باقات الورد إلى أحبتهم».

في الشارع نفسه، كان الشاب الثلاثيني نادر المنصور يجلس أمام محله الذي يبيع فيه الهدايا والتذكارات، منتظراً قدوم الزبائن.

وقال الشاب: «نُعاني حالة ركود كبيرة هذا العام؛ فالأسر انصرفت إلى الأولويات المعيشية، وشراء السلع الأساسية بسبب الغلاء»، مشيراً إلى أن العام الماضي حمل موسماً سيئاً أيضاً، بسبب حالة الحزن التي سيطرت على السوريين بعد زلزال السادس من فبراير (شباط) من ذلك العام.

وأوضح أن أكثر الهدايا شهرة في هذه المناسبة تكون الدُّمى أو الورود الحمراء؛ لكنه قال إن «الدبدوب (الدمية على شكل دُب) كبير الحجم، أي بطول متر فأكثر، يتجاوز سعره حالياً 1.8 مليون ليرة سورية، في حين أسعار ذات الحجم الصغير (في حجم اليد) تبدأ من 80 ألف ليرة سورية، والمتوسطة الحجم تبدأ من 200 ألف، وصولاً إلى 900 ألف ليرة سورية».

وأضاف: «هذه الأسعار دفعت بعض الأشخاص للاستعاضة عنها ببدائل أقل تكلفة لتقديمها هدية بهذه المناسبة، ومثال ذلك شراء إطارات الصور أو ساعة أو شمعة حمراء يتراوح سعرها بين 60 ألفاً و120 ألف ليرة سورية حسب الحجم، وهناك بعض الأشخاص ممن يلجأون لشراء صندوق خشبي وبداخله ورد مجفف وقطعة شوكولاته بتكلفة لا تتعدى 150 ألف ليرة».

التقشف سمة المرحلة الحالية (وكالة أنباء العالم العربي)

سهرات باهظة التكلفة

في الوقت نفسه، تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات عن حفلات غنائية في مختلف المناطق لمطربين في فنادق ومنتجعات سياحية بمناسبة عيد الحبّ؛ لكن تكلفة غالبيتها للشخص الواحد تعادل ضعف الحد الأدنى للأجور، البالغ 278 ألفاً و910 ليرات سورية شهرياً.

مؤيد العلبي، الذي يعمل مهندس اتصالات في إحدى الشركات الخاصة، قال بدوره إن تكلفة البطاقة الواحدة لتناول العشاء أو الغداء في أحد المطاعم تبدأ من 30 دولاراً وتصل إلى 50 دولاراً، في حين أن البطاقات الخاصة بالسهرات الفنية التي يحييها مطربون لا يقل سعر الواحدة منها عن 60 دولاراً، وتصل إلى 200 دولار لحفلات يحييها فنانون من الخارج.

وأمام هذه الأرقام، يشير مؤيد إلى أنه سيكتفي بإحضار بعض الحلوى والموالح والتوجه إلى منزل خطيبته للاحتفال هناك مع تقديم سلسلة ذهبية «تبقى ذكرى جميلة ودائمة، بدلاً من إهدار المال على حفلات باهظة لن يبقى منها إلا الصور».

وترى الدكتورة سهى عطا الله، المتخصصة في علم الاجتماع، أن تدهور الوضع المادي للكثير من الأسر السورية أسهم في «تغييب ثقافة التهادي عموماً، وتبادل الهدايا بين الأزواج خصوصاً».

وقالت: «الهديّة، أياً كان نوعها وثمنها، تسعد الطرف الآخر، وهي سعادة تأخذ منحى تصاعدياً مع مرور الوقت... هذا العيد له آثار إيجابية على الصعيد الاجتماعي من خلال التواصل الإنساني الراقي الذي فقدناه اليوم نتيجة التحول الرقمي والظروف الاقتصادية الصعبة».

ويعاني السوريون ظروفاً معيشية ضاغطة على نحو غير مسبوق منذ اندلاع الصراع وبداية الأزمة الاقتصادية في البلاد قبل 12 عاماً؛ ويعيش 90 بالمائة منهم تحت خط الفقر، وفق ما أعلنته اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في يونيو (حزيران) الماضي.

وارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من 5 أفراد في سوريا إلى أكثر من 12 مليون ليرة (أي نحو 909 دولارات أميركية) مع بداية هذا العام، بعد أن كان في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي نحو 9.5 مليون ليرة، وفقاً لجريدة (قاسيون) المحلية.

(الدولار الأميركي يُساوي 13200 ليرة سورية في السوق الرسمية).


مقالات ذات صلة

تونس تسجل ارتفاعاً في العجز التجاري خلال النصف الأول

الاقتصاد حاويات في محطة تحميل بميناء رادس في تونس (رويترز)

تونس تسجل ارتفاعاً في العجز التجاري خلال النصف الأول

أظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس، اليوم (الجمعة)، أن العجز التجاري للبلاد ارتفع بنسبة 24 في المائة خلال النصف الأول من عام 2025.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم «الأمم المتحدة» تتمكن من إدخال نحو 75 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة (أ.ب)

غزة تتلقى أول شحنة وقود أممية منذ أشهر وسط غارات إسرائيلية عنيفة

قامت «الأمم المتحدة» بتوصيل وقود إلى قطاع غزة، لأول مرة منذ أكثر من أربعة أشهر، بينما تتواصل الحملة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة الساحلية

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان (الموقع الإلكتروني لمنظمة «أوبك»)

الأمير عبد العزيز بن سلمان: مليارا شخص حول العالم يعانون من نقص الطاقة

قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن نحو ملياري شخص حول العالم يعانون من نقص الطاقة، في الوقت الذي يدعو فيه البعض إلى التحول الطاقي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الاقتصاد مصفاة النجف العراقية (إكس)

العراق يرفع الطاقة التكريرية لمصفاة النجف إلى 100 ألف برميل يومياً

أطلق رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الأعمال التنفيذية في مشروع توسعة مصفاة النجف لتكرير النفط الخام بطاقة إجمالية تصل إلى 100 ألف برميل يومياً.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
الاقتصاد مقر «سابك» في العاصمة السعودية الرياض (موقع الشركة الإلكتروني)

«سابك» السعودية تدرس خيارات استراتيجية لـ«غاز» تشمل الطرح العام الأولي

أعلنت «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)» بدء دراسة وتقييم عدد من الخيارات الاستراتيجية بخصوص شركتها التابعة، الشركة الوطنية للغازات الصناعية (غاز).

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هجوم ترمب الجمركي على كندا يهبط بأسواق «وول ستريت»

متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
TT

هجوم ترمب الجمركي على كندا يهبط بأسواق «وول ستريت»

متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)
متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

شهدت أسواق الأسهم الأميركية، يوم الجمعة، تراجعاً ملحوظاً مع تصعيد الرئيس دونالد ترمب هجومه التجاري على كندا بفرض رسوم جمركية مرتفعة بلغت 35 في المائة على وارداتها، مما زاد من حالة عدم اليقين حول السياسات التجارية لواشنطن. وتأتي هذه الخطوة بعد رفع التعريفات الجمركية السابقة من 25 في المائة، مع تحذير ترمب من إمكانية رفعها أكثر إذا اتخذت كندا إجراءات انتقامية.

كما أعاد ترمب فتح الباب أمام فرض تعريفات جمركية شاملة تتراوح بين 15 في المائة و20 في المائة على دول أخرى، مرتفعاً عن النسبة الحالية البالغة 10 في المائة. في الوقت ذاته، تستعد أوروبا لتلقي رسالة رسمية قد تتضمّن تفاصيل رسوم جديدة، وفق «رويترز».

وعند الساعة 10:04 صباحاً بتوقيت نيويورك، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 263.99 نقطة (0.58 في المائة) ليصل إلى 44390.90 نقطة، وخسر مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» نحو 26.77 نقطة (0.42 في المائة) ليصل إلى 6253.94 نقطة، فيما انخفض مؤشر «ناسداك» المركب بمقدار 42.03 نقطة (0.20 في المائة) إلى 20588.63 نقطة.

وجاء الانخفاض شاملاً لجميع القطاعات الفرعية لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، حيث قاد القطاع المالي وقطاع المواد التراجع بانخفاض 1.1 في المائة لكل منهما. ومن المتوقع أن يسجل مؤشرا «ستاندرد آند بورز 500» و«ناسداك» نهاية أسبوع على انخفاض طفيف، في حين قد يُنهي مؤشر «داو جونز» سلسلة مكاسبه التي استمرت لثلاثة أسابيع، وهي الأطول منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

وسط هذا التوتر، شهدت أسهم شركة «إنفيديا» ارتفاعاً قياسياً، لتصبح أول شركة أميركية تتجاوز القيمة السوقية لها 4 تريليونات دولار.

وقد وسّع ترمب نطاق حملته التعريفية؛ ليشمل حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية، مع فرض رسوم بنسبة 50 في المائة على النحاس؛ مما أدى إلى توترات تجارية متزايدة.

ورغم ذلك، كان رد فعل الأسواق أقل تقلباً مقارنة بموجة البيع الحادة التي شهدتها الأسواق في أبريل (نيسان)، بعد إعلان ترمب رسوماً جمركية شاملة عُلّقت مؤقتاً.

وفي ظل هذه الظروف، يترقّب المستثمرون موسم الأرباح المقبل على أمل تكوين صورة أوضح لتأثير هذه الاضطرابات على أداء الشركات، مع بداية موسم إعلان نتائج البنوك الكبرى التي سيبدأها «جيه بي مورغان» الأسبوع المقبل.

وقال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «لاندسبيرغ بينيت» لإدارة الثروات الخاصة، مايكل لاندسبيرغ: «نتوقع أن تكون توقعات أرباح مؤشر (ستاندرد آند بورز 500) متحفظة بعض الشيء بسبب الضغوط التجارية، وقد تكون هذه هي السبب وراء التقلبات التي شهدناها في نتائج الربع الثاني».

وسيأتي الأسبوع المقبل حاملاً بيانات اقتصادية مهمة تشمل التضخم ومبيعات التجزئة، في وقت لا يزال فيه تقرير الوظائف القوي الأخير يقلّص فرص خفض أسعار الفائدة في يوليو (تموز)، مع توقعات بنسبة 60.6 في المائة لخفض محتمل في سبتمبر (أيلول) حسب مؤشر «فيدووتش».

على صعيد الأسهم، قفز سهم «ليفي شتراوس» بنسبة 10.2 في المائة بعد رفع توقعاتها السنوية للإيرادات والأرباح وتجاوزها التقديرات الفصلية، في حين انخفض سهم «ميتا بلاتفورمز» بنسبة 2 في المائة، وسط تقارير عن عدم وجود نية لإجراء تغييرات كبيرة على نموذج الدفع، مما قد يعرّضها لغرامات جديدة من الاتحاد الأوروبي.