بعد إعلان وزير المالية البريطانية جيريمي هانت أن الحكومة ستقدم موازنة مبكرة في 6 مارس (آذار)، بدلاً من الموعد المحدد سابقاً، تبرز بوضوح احتمالية إجراء انتخابات عامة في مايو (أيار)، وسط حالة من الترقب بعد تخفيضات ضريبية تهدف إلى كسب الأصوات. وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة للحكومة للإعلان عن تغييرات مهمة في السياسة الضريبية قبل الانتخابات العامة.
وسيتضمن بيان موازنة هانت خطط الضرائب والإنفاق بالإضافة إلى توقعات النمو والاقتراض الجديدة وإصدار الديون الحكومية للسنة المالية 2024-2025. ومن المتوقع أن يعلن عن تخفيضات ضريبية قبل الانتخابات في الموازنة، مما يخلق ما يأمل أن يكون خطاً فاصلاً مع حزب العمال وإشارة إلى أن بريطانيا تتجه نحو أوقات اقتصادية أفضل، بحسب ما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز».
عين على انتخابات مبكرة
ويترك اختيار يوم 6 مارس الباب مفتوحاً أمام احتمال أن يدعو رئيس الوزراء ريشي سوناك إلى إجراء انتخابات عامة بعد ذلك بوقت قصير، مع تزامن يوم الاقتراع مع الانتخابات المحلية في 2 مايو. لكن المطلعين على «داونينغ ستريت» يقولون إن سوناك من المرجح أن يدعو لإجراء انتخابات في الخريف. وقال أحدهم: «سيعطي هذا المزيد من الوقت لخفض التضخم، وخفض الضرائب، و - كما نأمل - خفض أسعار الفائدة لتغطية التضخم».
وتجرى الانتخابات بعد 25 يوم عمل من حل البرلمان، مما يعني أنه سيتعين على سوناك الإعلان عن انتخابات الثاني من مايو في الأسبوع الذي يبدأ في 25 مارس، على أن يتم إجراء الانتخابات بحلول يناير (كانون الثاني) 2025.
و مع إظهار استطلاعات الرأي أن المحافظين يتخلفون عن حزب العمال بمتوسط 19 نقطة، يعتقد العديد من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين أن سوناك سيلعب على المدى الطويل ويأملون في إقناع الناخبين خلال العام المقبل بأن الاقتصاد يتحرك في الاتجاه الصحيح.
ونظراً لأن العبء الضريبي الإجمالي هو الأعلى حالياً منذ الحرب العالمية الثانية، يريد سوناك خوض الانتخابات بحجة أن الضرائب الآن في مسار هبوطي في أعقاب صدمات «كوفيد - 19» والحرب الأوكرانية.
سوناك يراهن على الضرائب
ظاهرياً، توجد أسباب قليلة مقنعة لسوناك ليطلق شرارة انتخابات يتوقع على نطاق واسع هزيمته فيها. فلا تزال الأسر تعاني من وطأة أزمة تكلفة المعيشة، بينما يقترب الاقتصاد البريطاني تدريجياً من احتمال حدوث ركود، وفق صحيفة «الغارديان».
إلا أن رئيس الوزراء يتمتع بميزة واحدة على منافسيه، وهي القدرة على تغيير سياسة الحكومة لخلق المناخ السياسي. ومن المتوقع أن يستخدم هانت ما قد يكون آخر حدث مالي كبير قبل الانتخابات للإعلان عن حزمة شاملة من التخفيضات الضريبية، مع جدولتها في أوائل مارس، مما يساعد على ترك أكبر قدر ممكن من الوقت للناخبين ليشعروا بالفائدة.
وبعد أقل من خمسة أسابيع على بيان الخريف في نوفمبر (تشرين الثاني)، يقول المطلعون على شؤون الخزانة إنه لم تُعقد أي اجتماعات رسمية بعد لمناقشة موازنة الربيع. ومع ذلك، تنتشر التكهنات بالفعل، حيث ورد أن «داونينغ ستريت» مهتمة بخفض أو حتى إلغاء ضريبة الميراث، وهي سياسة تراجع عنها هانت الشهر الماضي.
تحديات سوناك الداخلية والخارجية
ومع ذلك، ظهرت انقسامات داخل حزب المحافظين حول السياسات التي يجب إعطاؤها الأولوية، حيث دعا بعض النواب البارزين إلى تخفيضات في ضريبة الدخل بدلاً من الهبات التي من شأنها أن تفيد إلى حد كبير الأفراد الأكثر ثراءً.
وستواجه الحكومة أيضاً اتهامات بأنه بغض النظر عن أي تخفيضات ضريبية تم الإعلان عنها في موازنة الربيع، فإن مستوى المعيشة يزداد سوءاً بعد 14 عاماً من حكم المحافظين، بينما تنهار الخدمات العامة.
ومن غير المرجح أن يعلن هانت عن هبات كبيرة بما يكفي للتغلب على التجميد لمدة ست سنوات على عتبات ضريبة الدخل، التي قدمها سوناك لأول مرة في عام 2021. ومن المتوقع أن تجمع هذه السياسة أكثر من 50 مليار جنيه استرليني، وسوف يسحب ملايين العمال إلى فئات ضريبة الدخل الأعلى، مما يساعد على دفع إجمالي إيرادات الضرائب إلى أعلى مستوى لها كحصة من الاقتصاد منذ أواخر الأربعينيات.
وسيكون مقيداً أيضاً بالقواعد التي فرضها على نفسه فيما يتعلق بانخفاض الدين الوطني كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون خمس سنوات - وهو الشرط الذي تم استيفاؤه بنحو 13 مليار جنيه إسترليني ليتم توفيره في بيان الخريف. ومع ذلك، استند هذا إلى تخفيضات حقيقية بقيمة 20 مليار جنيه إسترليني في الإنفاق العام بعد الانتخابات المقبلة، وهو ما وصفه كبار الاقتصاديين بأنه غير واقعي.
ويقول المطلعون على شؤون حزب المحافظين إن هانت سوف «يستغل الحد الأقصى» من أي مجال لخفض الضرائب على الموازنة، وأنه من المرجح أن يعطي الأولوية لتخفيضات ضريبة الدخل كإشارة للناخبين قبل الانتخابات. ومن بين الخيارات المتاحة خفض سعر الفائدة الأساسي البالغ 20 بنساً ورفع الحد الأدنى الذي يبدأ عنده سعر الفائدة البالغ 40 بنساً.
وأشار متحدث باسم رئيس الوزراء إلى أنه من المقرر أن تجمع الضريبة نحو 10 مليارات جنيه إسترليني بحلول 2028-2029 لتمويل الخدمات العامة، لكنها لا تحظى بشعبية لدى ناخبي حزب المحافظين والصحافة اليمينية.
نقطة إيجابية لسوناك... ولكن
في المقابل، سيؤكد هانت على أن هدف سوناك الأساسي المتمثل في خفض التضخم إلى النصف في عام 2023 قد تم تحقيقه، من أكثر من 10 في المائة في بداية العام إلى 3.9 في المائة في نوفمبر. كما ارتفع نمو الأجور السنوية مرة أخرى فوق معدل التضخم في الأشهر الأخيرة، مما ساعد على تخفيف الضغوط على الأسر المتعثرة.
ومع ذلك، فإن معظم الأهداف الأخرى لرئيس الوزراء معرضة للفشل. وحتى مع تراجع التضخم، تظل تكاليف المعيشة مرتفعة بعد أكبر زيادة منذ عقود.
وفي عام 2024، يبدو أن الاقتصاد في أفضل الأحوال سيشهد نمواً ضئيلاً، حيث يتوقع «بنك إنجلترا» فرصة 50-50 لحدوث ركود. وعلى الرغم من انخفاض التضخم في الأشهر الأخيرة، فإن المصرف المركزي يجادل بأنه يجب الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة - مما يُبقي على الضغط على الأسر والشركات بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض.
قد يؤدي الذهاب إلى موازنة مبكرة في الربيع إلى تقليل الوقت المتاح قبل أي تدهور آخر في التوقعات الاقتصادية، مما يمنح هانت مساحة للتصرف في المالية العامة لتقديم تخفيضات ضريبية. لكن مع مثل هذه الخلفية الصعبة، فإن حتى موازنة تهدف لكسب الأصوات قد تجد صعوبة في تهيئة سوناك لتحقيق النجاح الانتخابي.