«كوب28»... دعوات نحو التوازن والواقعية في معالجة ملف الطاقة

الدول الأكثر فقراً تطالب بحلول تناسب أوضاعها

بعض الحضور في باحة الأعلام بـ«إكسبو دبي» الذي يحتضن قمة «كوب28» (رويترز)
بعض الحضور في باحة الأعلام بـ«إكسبو دبي» الذي يحتضن قمة «كوب28» (رويترز)
TT

«كوب28»... دعوات نحو التوازن والواقعية في معالجة ملف الطاقة

بعض الحضور في باحة الأعلام بـ«إكسبو دبي» الذي يحتضن قمة «كوب28» (رويترز)
بعض الحضور في باحة الأعلام بـ«إكسبو دبي» الذي يحتضن قمة «كوب28» (رويترز)

مع دخول المفاوضات في «كوب28» مراحل السخونة، ازداد التباين بين الدول حول الموقف من الوقود التقليدي، وبينما تضغط دول غربية من أجل تبني موقف تجاه التخلص من الوقود، تبدو جبهة أخرى تقاوم هذا الاتجاه، وتدفع نحو موقف يعتمد على معالجة الوقود التقليدي والانبعاثات الناجمة عنه، بما يحقق نمواً اقتصادياً متوازناً.

الاتجاه الأخير تقوده دول أعضاء في منظمة «أوبك»، وتوافق عليه دول ذات اقتصادات نامية أو صغيرة. وتشير هذه الدول إلى أن موقفها لا ينبع من معارضة أجندات حماية البيئة والمناخ، بل من كون التخلص من الوقود التقليدي سيسفر عن ضربة اقتصادية كبرى لا يمكن تحملها، وفق ما أكده عدد من المسؤولين لـ«الشرق الأوسط»، الذين شددوا أن هذا الموقف لا علاقة له بمصالح منتجي النفط وحدهم، بل بمصالح الدول الأخرى أيضاً.

وأضاف مسؤول في إحدى الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى لـ«الشرق الأوسط»، طالباً عدم تعريفه: «نحن لا يوجد عندنا تنمية كافية، وبالكاد ننتج الكهرباء باستخدام الغاز والمازوت... الآن يطلبون منا أن نستغني عن الوقود التقليدي... هل نعيش في الظلام؟ هذا ليس اتفاقاً عادلاً».

وبسؤاله حول أن بعض الدول الفقيرة تضغط من أجل إقرار اتفاق بخفض استخدام الوقود التقليدي، أكد المسؤول الأفريقي: «بعض الدول لديها وعود من الدول الكبرى بالمساعدة، لكن ليس هذا هو الموقف العام... إذا كانت الدول الكبرى الملوثة للكوكب مثل أميركا والصين وأوروبا تتنصل من تمويل الدول الأكثر فقراً لتخطي الأضرار التي وقعت على عاتقنا نتيجة أفعالها، فهل يلتزمون بالتنمية وتطوير الطاقة؟ وعلى من تقع الكلفة؟».

مذكرة «أوبك»

وفي أروقة المؤتمر، جرى تداول أخبار عن «مذكرة داخلية» من أمانة «أوبك» بتاريخ السادس من ديسمبر (كانون الأول)، دعا فيها الأمين العام لـ«أوبك» هيثم الغيص أعضاء المنظمة إلى رفض أي اتفاق يستهدف الوقود وليس الانبعاثات، قائلاً: «يبدو أن الضغط غير المبرر وغير المتناسب ضد الوقود قد يصل إلى نقطة تنطوي على عواقب لا رجعة فيها» ووفق ما نقلته «رويترز».

ورغم أن «أوبك» رفضت التعليق على الأمر، فإن الغيص أكد خلال جلسة مساء يوم الأربعاء الماضي، على ضرورة الاهتمام بفكرة معالجة الانبعاثات، خصوصاً أنها تحقق نتائج جيدة على «أرض الواقع»، ويمكن أن تؤدي إلى ذات النتائج النهائية.

ويوم السبت، قال مسؤول بـ«أوبك» نيابة عن الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص، إن قمة «كوب28» يجب أن تجد «أساليب واقعية» لخفض الانبعاثات التي تحتاج إلى إشراك جميع «الطاقات» والتقنيات.

وتابع أنه «في نهاية المطاف، يجب أن يكون هذا النهج الذي يشمل جميع أنواع الطاقة وجميع الأشخاص وجميع التقنيات ملتزماً بمبادئ العدالة والمسؤوليات المتباينة... نحن بحاجة إلى أساليب واقعية لمعالجة الانبعاثات، نهج يمكن به تحقيق النمو الاقتصادي ويساعد في القضاء على الفقر، ويزيد القدرة على الصمود في الوقت نفسه».

وأضاف الغيص أنه «لا يوجد حل أو مسار وحيد لتحقيق مستقبل الطاقة المستدامة».

وفي الوقت نفسه، فإن مراقبين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم أكدوا أنهم يستغربون «إهمال» بعض الدول الكبرى هذه التطورات، وإصرارهم على بدء حلقة جديدة من حلقات الدورات الصناعية العالمية، بينما جانب كبير من العالم غير مستعد لها إطلاقاً.

تعاون دول العالم

وبدوره، قال المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «وزير النفط حيان عبد الغني كلف الوفد العراقي المشارك في «كوب28» التأكد من أن صياغة البيان الختامي تشدد على تعاون دول العالم في خفض الانبعاثات حفاظاً على البيئة والمناخ. وقد رفض محاولات استهداف الوقود الأحفوري وانتهاك حقوق الدول المنتجة وشعوبها».

ومن جانبه، قال المبعوث الصيني للمناخ شيه تشن هوا يوم السبت: «هذه الدورة (كوب28) هي الأصعب خلال مسيرتي... يوجد كثير من الأمور التي تحتاج إلى اتفاق». ورغم أنه أكد إحراز «بعض التقدم» في المفاوضات المعقّدة، فإنه قال للصحافيين: «نريد جميعاً أن نعمل معاً لإيجاد صيغة تعطي الاتجاه الصحيح للجهود التي يتعين بذلها، وتكون شاملة قدر الإمكان، ومقبولة من جميع الأطراف».

التقنيات تتحسن

وعلى المستوى الرسمي، فإن وزير الطاقة الإماراتي سهيل محمد المزروعي أكد التوجه نفسه يوم الخميس الماضي، حيث قال: «لا أعتقد أننا يجب أن نتحدث عن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري لأن التقنيات تتحسن أيضاً. ماذا لو كان لدينا في المستقبل تكنولوجيا تزيل جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري وتجعله نظيفاً مثل أي نوع آخر من الوقود؟ لماذا نحاربه قبل أن يكون لدينا البديل؟».

وفي الوقت نفسه، أوضح المزروعي الأسبوع الماضي أن الاستثمارات في قطاع النفط والغاز ضرورية لتجنب «بيئة التسعير المرتفعة» خلال التحول الأخضر. وقال إنه «إذا لم يتم ذلك بشكل صحيح، فسنعرقل التحول بارتفاع أسعار السلع الأولية»، وشدد أن «العالم يحتاج إلى استثمارات كبيرة في جميع مصادر الطاقة بما فيها الهيدروكربونات... يجب أن تكون تحولات الطاقة عادلة ونزيهة وشاملة».

ورداً على سؤال حول خطاب «أوبك»، تجنب ماجد السويدي المدير العام لـ«كوب28» مصطلح «الوقود الأحفوري» لكنه قال إن الإمارات التي ترأس القمة ترغب في التوصل لاتفاق لوضع العالم على المسار الصحيح نحو الوصول إلى هدف 1.5 درجة مئوية.

وقال في مؤتمر صحافي: «رئيس (كوب28) واضح للغاية منذ اليوم الأول في أنه يريد تحقيق نتيجة تضعنا بوضوح على المسار الصحيح للوصول إلى 1.5 درجة... من الواضح أننا نريد أن نرى نتيجة واعدة قدر الإمكان، ونعتقد أننا سنحققها».

مضاعفة الجهود

إضافة إلى ذلك، قالت وكالة أنباء الإمارات «وام» إن الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس «كوب28» تلقى دعوةً من أكثر من 800 من قيادات قطاعات الأعمال والتمويل والعمل الخيري والسياسة والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني يدعونه وجميع ممثلي الدول الأطراف لمضاعفة جهود الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة كوكب الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية استجابةً لنتائج الحصيلة العالمية.

وجاء في نص الرسالة الدولية التي وقع عليه قادة القطاعات العالميين: «مع دخولنا الأيام الأخيرة لمؤتمر الأطراف «كوب28»، وصلنا إلى نتيجة واضحة بضرورة إحداث نقلة نوعية في العمل المناخي، فالعالم وسكانه بحاجة لتحقيق نتائج فعلية للحفاظ على إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، ولكن إنجاز هذه المهمة التاريخية يتطلب منا أن نعمل كفريق واحد».

وشدد الموقعون على الرسالة على أن سُبل إحداث نقلة نوعية في العمل المناخي والخروج بنتائج عملية تشمل الانتقال التدريجي والمنظم والمسؤول بعيداً عن جميع أنواع الوقود التقليدي التي لا يجري تخفيف انبعاثاتها بطريقة عادلة ومنصفة، بما يتماشى مع مسار 1.5 درجة مئوية، مع ضمان مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية 3 مرات بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2022، ومضاعفة كفاءة الطاقة، وتهيئة البيئة المواتية لتوسيع نطاق التمويل العام والخاص وتوفيره للأشد احتياجاً إليه.


مقالات ذات صلة

تدهور حاد في النشاط التجاري بمنطقة اليورو خلال نوفمبر

الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر مفوضية الاتحاد في بروكسل (رويترز)

تدهور حاد في النشاط التجاري بمنطقة اليورو خلال نوفمبر

شهد النشاط التجاري في منطقة اليورو تدهوراً حاداً هذا الشهر، حيث انكمش القطاع الخدمي المهيمن في المنطقة، بينما استمر التصنيع في التدهور بشكل أعمق في الركود.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد تظهر سحب داكنة فوق مبنى الرايخستاغ مقر البرلمان الألماني في برلين (رويترز)

الاقتصاد الألماني يتباطأ مجدداً... نمو أقل من المتوقع

نما الاقتصاد الألماني بوتيرة أقل من التقديرات السابقة في الربع الثالث، بحسب ما أعلن مكتب الإحصاء يوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)

تراجع مبيعات التجزئة البريطانية أكثر من المتوقع قبيل موازنة ستارمر

تراجعت مبيعات التجزئة البريطانية بشكل أكبر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية التي أضافت إلى مؤشرات أخرى على فقدان الزخم الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
الاقتصاد عامل في مصنع «رافو» الذي يزوِّد وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الطيران المدني الكبرى بالمعدات (رويترز)

فرنسا تقترح يوم عمل مجانياً سنوياً لتمويل الموازنة المثقلة بالديون

تواجه موازنة فرنسا الوطنية أزمة خانقة دفعت المشرعين إلى اقتراح قانون يُلزم الفرنسيين العمل 7 ساعات إضافية كل عام دون أجر، وهي ما تعادل يوم عمل كاملاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الاقتصاد الألماني يتباطأ مجدداً... نمو أقل من المتوقع

تظهر سحب داكنة فوق مبنى الرايخستاغ مقر البرلمان الألماني في برلين (رويترز)
تظهر سحب داكنة فوق مبنى الرايخستاغ مقر البرلمان الألماني في برلين (رويترز)
TT

الاقتصاد الألماني يتباطأ مجدداً... نمو أقل من المتوقع

تظهر سحب داكنة فوق مبنى الرايخستاغ مقر البرلمان الألماني في برلين (رويترز)
تظهر سحب داكنة فوق مبنى الرايخستاغ مقر البرلمان الألماني في برلين (رويترز)

نما الاقتصاد الألماني بوتيرة أقل من التقديرات السابقة في الربع الثالث، بحسب ما أعلن مكتب الإحصاء يوم الجمعة، مما يزيد من تفاقم الأخبار السلبية حول دولة يُتوقع أن تكون الأسوأ أداءً بين دول مجموعة السبع الكبرى هذا العام.

وأظهرت البيانات أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 0.1 في المائة في الربع الثالث من عام 2024 مقارنة بالربع السابق، مسجلاً انخفاضاً عن التقدير الأولي الذي كان يشير إلى نمو بنسبة 0.2 في المائة، وفق «رويترز».

وقال كبير خبراء الاقتصاد في منطقة اليورو لدى «بانثيون ماكروإيكونوميكس»، كلاوس فيستيسن: «الاقتصاد الألماني لم يحقق تقدماً يذكر في الربع الثالث، وهو ما يواصل اتجاهاً لا يظهر أي نمو تقريباً في أكبر اقتصاد في منطقة اليورو».

وقد تخلفت ألمانيا عن متوسط النمو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2021، ومن المتوقع أن ينكمش اقتصادها للعام الثاني على التوالي في 2024.

ويُعرّف الركود عادةً بأنه انكماش اقتصادي لمدة ربعين متتاليين، وقد أثارت البيانات الخاصة بالربع الثاني المخاوف من حدوث ركود بعد تسجيل انكماش بنسبة 0.3 في المائة.

وقال رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في بنك «آي إن جي»، كارستن برزيسكي: «حتى لو تجنب الاقتصاد الألماني الركود في الصيف، فإن الركود في الشتاء يلوح في الأفق».

وارتفعت الاستهلاكات الأسرية بنسبة 0.3 في المائة على أساس ربع سنوي، بينما سجل الإنفاق الحكومي زيادة بنسبة 0.4 في المائة. من جهة أخرى، انخفضت الاستثمارات في الآلات والمعدات بنسبة 0.2 في المائة، وكذلك في قطاع البناء بنسبة 0.3 في المائة.

وفي ما يتعلق بالتوقعات المستقبلية، أشار فيستيسن إلى أن هناك إمكانات لنمو الإنفاق الاستهلاكي، بالنظر إلى النمو القوي في الدخل الحقيقي ومعدل التوفير المرتفع.

وانخفضت صادرات السلع والخدمات بنسبة 1.9 في المائة مقارنة بالربع الثاني، حيث تراجعت صادرات السلع بشكل ملحوظ بنسبة 2.4 في المائة، وفقاً لما ذكره مكتب الإحصاء.

وقال برزيسكي: «بالنظر إلى ما بعد الشتاء، ستعتمد آفاق النمو في ألمانيا بشكل كبير على قدرة الحكومة الجديدة على تعزيز الاقتصاد المحلي في ظل احتمالات نشوب حرب تجارية وتبني سياسات صناعية أقوى في الولايات المتحدة».